مجلة الفنون المسرحية
أسعد عبد الرزاق في ذاكرة المسرح العراقي .. ذكرى رحيل مؤسس فرقة 14 تموز
فائز جواد
أسعد عبد الرزاق في ذاكرة المسرح العراقي .. ذكرى رحيل مؤسس فرقة 14 تموز
فائز جواد
استذكار رموز الفن والثقافة والذين اثروا المكتبة التلفزيونية والاذاعية والسينمائية واغنوا المشهد التشكيلي العراقي باعمال نحت ورسم كانت وستبقى رموزا للفن العراقي ، ووفاء منا نقلب مسيرة عمالقة الفن والثقافة العراقية تقديرا لما قدموه من جهود كبيرة تكللت بروائع عراقية كبيرة ،
ايقونة المسرح العراقي الراحل اسعد عبد الرزاق الذي ودع المسرح والفن في العام 2013 كان وحتى ايامه الاخيرة يتابع الاعمال المسرحية ويحرص على اعطاء ملاحظاته لطلبته من خلال الحضور الجاد لللعروض المسرحية التي كانت تقدم على خشبة الوطني واكاديمية الفنون الجميلة فكان لطلبته كافة الاستاذ والمربي والاخ والصديق ولم يبخل عليهم بكل معلومة ولم يشعرهم انه عميد لاكاديمية الفنون الجميلة بل ممثلا يستمع لملاحظات المخرج بكل جوارحه ومخرجا ومؤلفا في ذات الوقت للطلبة في اطاريحهم التخرجية حتى عقد مع طلبة قسم المسرح صداقات امتدت الى العائلية وكان رحمه الله يشعر بالفخر في نقاش يختلف به براي مع احد تلامذته وكان يرفع شعارا ان الانسان يبقى يتعلم ويتعلم لاخر يوم من عمره لان المسرح عالم قابل للتطور والتعلم والابداع وكان يصغي باهمية كبرى لملاحظات المخرجين الشباب اثناء التمارين المسرحية التي كان حريصا على ان يحضرها قبل ان يعطي ملاحظاته القيمة بالتالي احبه وعشقه الجميع ، ومثلما كان صادقا ومطيعا وملتزما ومبدا في المسرح كان في التلفزيون كذلك عرف بابداعه والتزامه وعلاقاته الطيبة مع كافة المخرجين والممثلين من زملاءه الذين عاصروه وتوج هذا الحب والالتزام والابداع باعمال مازالت في ذاكرة العائلة العراقية عموما والبغدادية خصوصا لتترك اعماله اثرا طيبا لدى جمهوره الكبير الذي يكن له الاحترام والتقدير .
لقد عمل الراحل مخرجا ومدربا ومشرفا على المدارس الإعدادية في بغداد ، قبل ان يسافر الى روما وتحديدا عام 1955 وبقيّ هناك لمدة أربع سنوات ، لدراسة فن المسرح ، وعاد في عام ، 1959 ويبدو أن من المحطات الرئيسية في حياة وتاريخ الفنان الراحل اسعد عبد الرزاق هي تلك التي أصبح فيها رئيسا لفرع التمثيل في معهد الفنون الجملية.
ومن اجل ان نؤكد على حقيقة تلك الدراية المشغوفة بالق فن المسرح التي تسكن هواجس هذا المبدع الكبير ، علينا ان نُشير الى ظاهرة فريدة من نوعها تبقى علامة مضيئة منيرة على رأس المحطات الرائعة الجميلة في حياة الفنان المبدع الكبير اسعد عبد الرزاق وهي من أروع الأزمنة ، بل من أخصب وأجمل التواريخ ، والمحطات التي سجلت بأحرف من ماسٍ بغدادي لتاريخه المجيد الحافل بتلك الخلجات الفنية التي راح يترجمها بألق وروعة على أرضية الواقع ، تلك اللحظة الكبيرة والخالدة ، هي لحظة تأسيسه لفرقة (14 تموز) مع جملة من الفنانين العراقيين ، تلك الفرقة الخالدة التي أنجبت العديد من رموز الفن العراقي بمجمل مناخاته الإبداعية الرائعة .
الدبخانة مسرحية خالدة
ولعل الذي يبقى خالدا في الذاكرة الجمعية تلك المسرحية الشعبية البغدادية العراقية الأصيلة (الدبخانه ) تأليف الفنان المبدع علي حسن البياتي ذلك العمل المسرحي الذي ظل خالدا يحاكي الذاكرة العراقية على مدى أكثر من خمسة عقود وهو يقف شامخا على رأس الأعمال المسرحية العراقية الخالدة التي يحن لها ذلك الإحياء الخفي بالانتماء للوطن أولا ، ولفن المسرح العراقي ثانيا ، ولمتعة الفرجة البغدادية الأصلية ثالثا ، رغم أن الوضوح كان قائما بتواضع الإمكانيات التقنية والفنية المسرحية وقتها ، لكنه كان عرضا مسرحيا مدهشا ، استنفر قوام المشاهدة التلفزيونية لأعوام خلت ، وسيبقى خالدا على مدى العقود القادمة ، لأنه يمتلك ذلك الحس الشفيف الذي يربط العرض المسرحي بالاستجابة الحقيقية لفرضية المشاهدة ، لتحقيق منهجية البهجة والفرجة ابتداءا ، ومن ثم ليحيلها بذات اللحظة الى التغيير عبر الوعظ المباشر ، ولأنه كان من إخراج هذا المبدع الكبير ( اسعد عبد الرزاق ) الذي أضاف اليه من ملكته الإخراجية السلسة ، ذلك الإضفاء الابهاري البغدادي الأصيل ، وبأدوات فنية بسيطة ، ومما ازدان به ذلك العرض المسرحي الرائع هو ذلك الأداء التمثيلي الرائع السهل والغير ( اندماجي- معقد ) والواضح المعالم والأطر ، والمؤثث باسترخائية تجسيدية محببة واقعية المذهب والإسقاط ، والمقرونة بدلائل استقرائية واضحة للشخصيات ، والذي أبدع في صياغة وتقريب العرض الى الأذهان بغض النظر عن ارتباطها المعرفي والثقافي أثناء عملية التلقي والاستقبال ، وأشاع أيضا في مواطنها روح البهجة والمتعة والفرجة المثالية ، وكان مجسدو الأدوار الرئيسية فيها الفنان الراحل المبدع وجيه عبد الغني والفنان المبدع الكبير قاسم الملاك اطال الله عمره كانا مبدعين في تجسيد أدوارهما ، لأنهما ارشفا لعمل مسرحي عراقي رائع أصيل ، اخترق بثبات مواطن الذاكرة ، ليستقر مطمئنا بداخلها .
رحلته مع اكاديمية الفنون
في عام 1967 عمل الفنان اسعد عبد الرزاق أستاذا مساعدا في أكاديمية الفنون الجملية ، ثم مساعدا للعمـــــــــيد فيها ، ثم عميدا لها من عام 1972 الى عام 1988 .
ومن خلال عمله أستاذا قديرا ، وعميدا مخلصا متفانيا في أداء عمله في أكاديمية الفنون الجملية ، اشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه لطلبته الذين أصبحوا فيما بعد أعمدة كبيرة ، وقامات شامخة وأسماء مهمة في عموم مخاصب الفن ، والمسرح العراقي .الفنان والمعلم الكبير اسعد عبد الرزاق تلك القامة الخالدة في الذاكرة الجمعية ، والملاذ الدافئ ، والحاضنة الحضارية العلمية والمعملية الأكاديمية التي تررع بداخل ثيماتها الناهضة جل الفنانين العراقيين .الكاتب سعدي عبد الكريم كتب عن الراحل في مؤسسة النور الثقافية (يا أيها القمر النير الذي يشع في سماء فن المسرح العراقي ، والذي لا يطاله الظل ولا الحرور ، ويظل نوره يداهم الليالي والصباحات المورقة ، ليُعرش فوق متاهاتنا المد لهمة الفائتة ، لنستضيء بظله الوارث ، وحكمته العبقرية ، وعلميته الأكاديمية الراقية .إليك يا ( عراب الفنانين العراقيين ) وشيخهم النبيل الجليل ، نهدي أجمل التحايا واجلها ، ونحمل إليك في ثنايانا (العتيقة – الجديدة ) عبق وأريج العراق ، ذلك الوطن المتألق الذي يتربع في القلوب ، ويسكن في المآقي ، لعلنا نغفر لأنفسنا شيئا من خطايا نسيانك ، وان كنت على الدوام تسكن في سويداء الأفئدة ، ومحاجر العيون ، لأنك شاهد مجيد من شواهد فطنتنا المعرفية الإبداعية التي تخالج أذهاننا ، بل وتؤشر معالم مفاتننا الفنية ، وتجدد فينا ملامح تجاربنا المسرحية ، وتوقض في لواعجنا مفازات القيض ، لتسقيها بغيث المعرفة ، التي نستقيها من مطر سماءك المخصب ، لأنك ذلك (الجابي ) الذي نُقشَ في ذاكرة السينما العراقية ، ولأنك عراب المسرح العراقي النبيل) .
الراحل في سطور
الفنان أسعد عبد الرزاق هو أحد الفنانين العراقيين المخضرمين. قدَّم عدداً من الأعمال للمسرح مخرجاً وممثلاً. وشارك في العشرات من التمثيليات والمسلسلات التلفزيونية.وكذلك الافلام السينمائية . تولى عبد الرزاق منصب عميد معهد الفنون عام 1961. وفي عام 1971 أصبح عميداً لكلية الفنون الجميلة. وعلى مدى 17 عاما من عمادته للكلية، نجح عبد الرزاق في استحداث وتأسيس عددٍ من الأقسام في الكلية التي كانت تتكون من قسمين و150 طالباً. وعند إحالته إلى التقاعد عام 1988 كانت الكلية تحتوي على سبعة أقسام وثلاثة آلاف طالب. بدأ الفنان اسعد عبد الرزاق التمثيل حينما كان طفلاً، اصطحبه اخاه الأكبر ليشاركه ومجموعة من الهواة في تقديم عمل مسرحي. ولكن في العام 1939 أعلن الفنان الراحل حقي الشبلي عن طلب ممثلين للمسرح العراقي. فرشحه أحد زملائه في المدرسة المتوسطة. وفعلا تقدم للمشاركة وأعطاه الشبلي دور البطولة في مسرحية الصحراء التي قدموها ضمن النشاط المدرسي لوزارة المعارف حينذاك. وبعد تأسيس معهد الفنون عام 1940 دعاه الفنان الشبلي للدراسة في المعهد، لكنه أبدى له رغبته في إكمال دراسته الثانوية. وفعلا أكمل دراسته والتحق بكلية الحقوق وانضم في ذلك الوقت إلى مجموعة “جبر الخواطر” التي شكلها الفنان الراحل يوسف العاني الذي كان طالباً في كلية الحقوق أيضاً. وقدموا من خلال الفرقة عدداً من الأعمال بعضها كان عبارة عن مقاطع وفصول هزلية. لكن هاجس التمثيل بقي في داخله؛ فسارع إلى الالتحاق بالدراسة المسائية في معهد الفنون الجميلة . وقد قاطعه أهله بسببها عندئذٍ لأكثر من أسبوعين. وبعد تخرجه من الحقوق، عمل في هذا الحقل لفترة وجيزة ثم عين مدرساً في معهد الفنون لتدريس مادة التمثيل. ثم أتيحت له فرصة الدراسة في روما التي عاد منها عام 1958 بعد حصوله على الماجستير. كماأسس مع المرحوم وجيه عبد الغني فرقة 14 تموز عام 1959 وكان معه فوزي مهدي وصادق علي شاهين. وكانت أهم الفرق في بغداد إلى جانب فرقة المسرح الفني الحديث التي أسسها الفنانين ابراهيم جلال ويوسف العاني. وقدموا عدداً كبيراً من العروض و بعضها مازال عالقاً بذاكرة المشاهد، مثل مسرحية الدبخانة التي اخرجها : اسعد عبد الرزاق والتي عرضت لأول مرة عام 1960 ولقيت شهرة واسعة. و وكذلك مسرحية كملت السبحة و أيدك بالدهن و جزه وخروف و جفجير البلد وغيرها، والتي كنت مخرجا لأغلبها. ومن الافلام السينمائية التي قدمها نذكر : فيلم الجابي 1968 وهو اول بطولة سينمائية له على الساحة السينمائية والذي اخرجه الراحل جعفر علي ، وتوالت اعماله السينمائية بعد ذلك في افلام سنوات العمر للمخرج الراحل جعفر علي ، وفيلم النهر 1977 للمخرج فيصل الياسري ، وفيلم الفارس والجبل للمخرج محمد شكري جميل . اما المسرحيات التي مثلها نذكر منها : خان بطران ومملكة الشحاذين وغيرها توفي الفنان ااسعد عبد الرزاق في العام 2013 بعد صراع مرير مع مرض الشيخوخه ليترك لنن ارثا مسرحيا وتلفزيونيا وسينمائيا كبيرا .
------------------------------------------------------
المصدر : جريدة الزمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق