مجلة الفنون المسرحية
تروي مسرحية "اللاجئان" حكاية سوريين في المنفى. بين التهكم والحلم، يأخذ الثنائي التمثيلي، المشاهد إلى قلب الغربة ومعاناتها. مسرحية ملتزمة تتكلم بألسنة المهاجرين.
"يا للهراء! كل شيء معقد في فرنسا". صرخة يطلقها الممثلان في القاعة الصغيرة شمال باريس. أحمد ومحمد ملص، الأخوان التوأمان الآتيان من سوريا، هربا من الحرب التي تجتاح بلادهما؛ يترجمان فوق خشبة المسرح، بالحركة، وبالكلمة، صعوبات العيش في منفاهما الفرنسي. "اللاجئان" عنوان من كلمة واحدة لمسرحية مميزة، تعرض مساء كل يوم جمعة على خشبة مسرح "تياتر بيكسل" حتى 24 شباط فبراير 2017.
مسرح سري في سوريا
هذا الهوس المسرحي دفع بهذين الأخوين الشابين، إلى تحدي النظام في سوريا، بإقامة العروض المسرحية في بيتهما في العاصمة دمشق. حيث عرضا لا أقل من 200 عرض مسرحي، داخل غرفة من البيت.
بعد خمسة أيام من الاعتقال، إثر مشاركتهما بالمظاهرات ضد النظام، هرب هذان التوأمان باللحظة الأخيرة قبل اعتقال جديد منتظر، واتجها إلى لبنان. حيث جوبها بتهديدات حزب الله الحليف الأساسي للرئيس السوري، كما يقولان. بعد المحطة اللبنانية، يطير الاثنان إلى القاهرة أواخر العام 2011، حيث تابعا نشر أخبار الثورة السورية عبر الأفلام المصورة القصيرة.
في 2012 يشتركان في مهرجان "جرونوبل" للمسرح في فرنسا، ويطلبان اللجوء إلى هذا البلد. وفي هذا الوقت وبانتظار الحصول على بطاقة اللجوء، تبدأ المشاكسات الحياتية الحقيقية بمواجهتهما. بلا مأوى وبلا مال، يعتاش الأخوان محمد وأحمد من الأكل في المطاعم المجانية للجمعيات الخيرية، وينامان عند بعض الأصدقاء من مواطنيهم السوريين في فرنسا، وفي أحيان أخرى كانا ينامان في المسجد في مدينة "رانس" في شرق فرنسا، حيث كتبا هذه المسرحية التي أرادا منها "إظهار واقع حياة اللاجئين ومعاناتهم".
هذه المسرحية المكتوبة أصلا باللغة العربية، تعرض حاليا في باريس باللغة الفرنسية؛ بعد ترجمتها إلى هذه اللغة، التي كانا حتى الأمس القريب، يجهلان كل مكنوناتها.
السخرية وسيلة للتعبير أيضا
تدور قصة المسرحية بين محمد "بشخصية" اللاجئ العجوز بنظارته، وأحمد "بشخصية" اللاجئ الشاب الحيوي، المعصوب الرأس إثر حادث للسير. لا يجمع بينهما سوى رابط واحد، هو صعوبة التأقلم مع حياتهما الجديدة في الغربة. بينما يتناقضان حول كل الأمور الأخرى، وهذا ما سيكون السبب المعجل لتقاربهما، مع مرور الوقت فوق خشبة المسرح.
بسخرية حادة يقلبان كل الأحداث والمواقف ويكتشفان مشاكل التنقلات في مترو الأنفاق، ويعبران بمواقف المضحكة في استعماله، "فرنسا في إضراب دائم لا يتوقف" يقول أحمد الذي كان مفهوم الإضراب غريبا عنه تماما. من المتاعب الإجرائية مع الجهات الإدارية، إلى عبارات اللياقة الكثيرة المتداولة في اللغة الفرنسية، يحولان كل شيء في ذهنيهما، إلى حركة وقول فوق المسرح.
ولا ينسى الممثلان هيكلية المشهد الإخراجية: "النطق بلغة فرنسية سليمة، حتى وإن كانت الفرنسية صعبة عليهما" كما يقول أحمد. بين المذكر والمؤنث، والمفرد والجمع، وكذلك قواعد اللغة الفرنسية واختلافها مع اللغة العربية... يبرع الممثلان بالتهكم.
صحيح أنا غريب لكني إنسان
الضحك ليس الوسيلة الوحيدة للتعبير في هذه المسرحية، فبين ضحكة ودمعة يتذكر الشابان أهلهما. "أشتاق لأمي، أشتاق لأهلي"، يزفر أحدهما فوق خشبة المسرح، في نوع الحنين المكبوت. في الواقع كل آل ملص من عائلة الممثلين، غادروا سوريا وتفرقوا في أربعة أصقاع الأرض. هما لاجئان في فرنسا، والداهما موجودان في السعودية، أما الأخوة والأخوات فقد استقروا في أمريكا.
"إنه الحنين الى الجذور..."، يقول أحمد، ويتابع: "في فرنسا، الناس لا يتكلمون مع بعضهم البعض" في بلادنا الكل يتكلم مع الكل في الشارع، في المحلات التجارية، في كل الأماكن... هناك في سوريا كان لدي الكثير من الأصدقاء"، بينما هنا، "أنا لست سوى لاجئ".
طيلة العرض المسرحي، يبرر التوأمان لنفسيهما وضعهما كلاجئين، "صحيح أنا غريب لكني إنسان"، عبارة تتكرر مرات عديدة خلا ل العرض. "أنا لاجئ، أنا غريب، أنا قوي إلا أنني لست مجرما!" يقول أحمد على خشبة المسرح، وفي نهاية العرض يصرح: "أريد الموت، لكن الانتحار صعب!".
يشجب الأخوان ملص التمييز العنصري وعدم احترام الغرباء هنا، لكنهما يعترفان رغم ذلك، بالحظ الذي توفر لهما بوجودهما في فرنسا، ويصرحان بعد انتهاء العرض المسرحي بالقول: "أعطتنا فرنسا الحرية، ولن ننسى ذلك أبدا، هنا نستطيع انتقاد الحكومة بشكل علني، أما في سوريا، فعقاب هذا النوع من المسرح هو الموت".
ويضيفان بالختام قائلين: "مسرحيتنا هذه، هي شعر نقدمه للشعب الفرنسي". ومن عرض هذه المسرحية، يتقاضى التوأمان راتبهما الأول في فرنسا، ويعتبران ذلك مدعاة للافتخار.
نص: ليسلي كاريتورو
اقتباس: جيل واكيم
-----------------------------------------
المصدر : france24
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق