تصنيفات مسرحية

السبت، 4 فبراير 2017

تفاعلية الجمهور والمكان بمسرح المقهورين في عرض (مفتاح الفرج)

مجلة الفنون المسرحية

د. فيصل عبد عودة

تجربة ثانية بعد مسرحية ( ورطة ) تصنعها ( جماعة الناصرية للتمثيل) يومي 13 و 14 / 1 / 2017  بنص الكاتب المسرحي عمار نعمة: ( مفتاح الفرج )، إخراج الدكتور ياسر البراك ..
هذه التجربة التي اختلفت تماما عن النسق المسرحي الذي تجاوز الكثير من الحدود في التجارب المسرحية المعروفة ،من ناحية الفكرة المتشظية على مساحة وطنية - إنسانية لامست القهر البشري اليومي الذي يعيشه الانسان العراقي اليوم .. بل هي توليف منظم وذكي كما ظهر في خطاب العرض من مرتكزات المسرح التسجيلي والوثائقي مع اختلاف الوسائل .. اعتمد الدكتور البراك في إنتاج عرضه المسرحي على قصدية التعامل مع الجمهور والممثل في آن واحد اللذين شكلا ثنائية تحكمت بتدفق الافكار وسردها لفظاً وإيماءً مما أوجد جدلية أستطيع أن أطلق عليها  ( جدلية العرض المستمر ) .. التي اختلفت تماما عن المحاكاة الأرسطية والبرشتية التي ترى المتحرك داخل الذات .. فالمتحرك في العرض هو الممثل الذي يستفز ويستلب بين الحين والاخر ذات الجمهور ويضعه أمام علامات استفهام وردود فعل باعتبار أن الجمهور هو ركيزة العرض وهو حاضنة لخطاب العرض .. هنا ابتعد البراك عن تأثيث المسرح المفتوح بل إنحاز العرض الى مسرح فقير غني بالإيماءة وحركة جسد الممثل وتلاشي جدران الوهم المسرحي الذي به أصبح المكان متحركا وواعيا أمام الجمهور .إن اختزال الحكاية على وفق المنطق الروائي هو أن يجد الجمهور متونا حكائية متعددة تماهت وتطابقت مع البناء الخارجي لشكل الممثل ( الأزياء) حيث وظّف المخرج الزي بسابقة فريدة تجردت عن الزي المسرحي الذي يتمحور على الشكل المسرحي المألوف وتعداه الى عمق الشخصية وتأريخيتها .. فكل شخصية أصبحت دلالاتها الفكرية من خلال الزي وملحقاته التي استخدمها الممثل طيلة زمن العرض.  هذا المنحنى هو لإسقاط الغموض والتشفير المركب كون العرض خاطب جمهورا  أتى من عمق الشارع والمقهى والجسور والHسواق والمارة.. 
إن اختيار المخرج لفضاء مفتوح هو قصد لقلب المعادلة ما بين مكان العرض والجمهور .. فتقصّد المخرج أن يذهب بعرضه المسرحي الى الجمهور وليس العكس وهذه من التجارب الصعبة والمركبة جدا حيث واجه العرض شارع السلطة - وهنا أعني سلطات الافكار المختلفة الميول والاتجاهات .
ومن خلال هاتين التجربتين برزت بعض المرتكزات التي تؤسس الى تفاعل كبير من أن يكون المسرح مكانا منبريا مؤثرا في المجابهة والتغيير ومنها:
اشتغال المخرج مع مجموعة شكّل لها المسرح هاجسا جماليا على وفق التجارب المعملية المختبرية التي قام بها المخرج لفترات زمنية طويلة. 
تبلور الطاقات الشابة الواعدة ومنها العنصر النسوي لإيجاد ثقة أدائية بالعرض.
اختزال الانتاج المسرحي المبالغ به وتوفير عناصر العرض المرئية بأقل تكلفة إنتاجية الأمر الذي يلعب الانتاج الفني اليوم دورا كبيرا لتأسيس عرض جمالي مبهر.
ركز العرض لمفهوم العمل الطاقمي الذي نرى به المؤلف ممثلا .. وهذا ما كان لدى المبدع عمار نعمة جابر الذي وظّف جسده الرشيق لإنتاج علامات وفواصل وأفكار نقدية لاذعه وهادفة ومبتكرة.

-------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق