مجلة الفنون المسرحية
أنواع السينوغرافيا المسرحية
د. جميل حمداوي
من المعروف عند الباحثين ودارسي المسرح أن السينوغرافيا تهتم بتأثيث خشبة المسرح وزخرفتها وتزيينها وتنظيمها وتعميرها، وتعنى أيضا بتأطير الفضاء الدرامي وتصويره وتفضية المكان الركحي ووضع مناظره المشهدية وبناء الديكور. لذا، فهي علم وفن، علم بالمفهوم أنها تستوجب خبرة تقنية وفنية وإلماما بالمقاسات الرياضية والحرف المهنية كالنجارة والخياطة والماكياج والهندسة والإضاءة والتحكم في المؤثرات الصوتية،وتحتاج إلى دراية كبيرة بعلوم التشكيل والهندسة المعمارية والنحت والـﯖراﭭيك والحفر، وهي فن بمعنى أن السينوغرافي لابد أن يكون له ذوق جمالي وفني في تأثيث الخشبة المسرحية، وأن ينطلق من روح إبداعية في فهم النص الدرامي وتفسيره وخلقه من جديد، كما تستعين السينوغرافيا بمجموعة من الفنون الجميلة التي تجعل من عمله عملا فنيا وأدبيا قائما على التأثرية الشعورية والانطباعية الفنية والتذوق الجمالي.
وإذا كانت السينوغرافيا المسرحية قد ارتبطت بالدراما الفرعونية والإغريقية والرومانية والغربية والشرقية والعربية، فآن الأوان لمعرفة أنواع السينوغرافيا المسرحية وتبسيطها للقارئ قصد فهم مكوناتها واتجاهاتها الفنية وجوانبها الإيجابية والسلبية ، والبحث بجدية عن مرجعياتها التناصية وأصولها الثقافية ، وتسطير أدوارها الأساسية والثانوية في تشكيل العمل الدرامي وصياغة الرؤية الإخراجية للنص الدرامي المعروض أمام المتفرجين.
أ/ تعاريف السينوغرافيا المسرحية:
تهتم السينوغرافيا أو السينولوجيا بالديكور وتنظيم الخشبة الدرامية ماديا وتقنيا، وتعمل على تأثيث الركح وتصويره وتزيينه وزخرفته من خلال رؤية سمعية وبصرية متآلفة ومنسجمة لتشكيل رؤيا المخرج ورؤيا العمل الدرامي المعروض فوق المكان المسرحي.
ويمكن تقديم مجموعة من التعاريف للسينوغرافيا من بينها: أولا أن السينوغرافيا هي:” فن تنسيق الفضاء المسرحي والتحكم في شكله بهدف تحقيق أهداف العرض المسرحي، الذي يشكل إطاره الذي تجري فيه الأحداث”، وتعني ثانيا: ” فن تصميم مكان العرض المسرحي وصياغته وتنفيذه، ويعتمد التعامل معه على استثمار الصورة والأشكال والأحجام والمواد والألوان والضوء”، وهي ثالثا:” فن تشكيل المكان المسرحي، أو الحيز الذي يضم الكتلة، والضوء واللون، والفراغ، والحركة ( وهي العناصر التي تؤثر وتتأثر بالفعل الدرامي الذي يسهم في صياغة الدلالات المكانية في التشكيل البصري العام”.
ومن ثم، فالسينوغرافيا تصوير للفضاء المسرحي وتشكيل له عبر تأثيثه بمجموعة من العلامات السمعية والبصرية قصد توضيح معاني النص الدرامي وتفسير مؤشراته السيميوطيقية والمرجعية. وتنصب أيضا على الخلفية التشكيلية المتموقعة في فوندو المسرح، وكواليس الركح وجوانبه وأجنحته، والمنصة الموجودة في مقدمة المسرح، والجزئيات الثابتة أو المتحركة فوق الخشبة من قطع وأثاث وإكسسوارات… ، وصالة الجمهور.
ب/ تطور مفهوم السينوغرافيا عبر التاريخ:
إذا تتبعنا تاريخ السينوغرافيا وتطورها التعاقبي، فسنجد بلا ريب أن هذا المفهوم قد انتقل من مفهوم الزخرفة والتزيين في الشعرية المسرحية الكلاسيكية لتعني العمارة والمنظور مع بدايات عصر النهضة ، لتعني فيما بعد تأثيث الخشبة بالديكور والمناظر، لتتخذ في العصر الحديث مفهوما أشمل باعتباره فنا مركبا يجمع بين العلامات اللغوية والبصرية والسمعية أو ما يسمى بفن الصور المرئية أو البصرية.
ويثبت مارسيل فريدفوت بأن السينوغرافيا ولدت ” من فن الزخرفة، ثم تطورت في معارضتها للزخرفة لتصل إلى فن الديكور. إن كلمة سينوغرافيا كلمة قديمة نجدها لدى الإغريق والرومان،كما استخدمها معماريو عصر النهضة. ولقد حدث تغيير بين المعنى الإتمولوجي حيث اشتقت كلمة سينوغرافيا والمفهوم الخاص بهذه الكلمة في عصر النهضة: فكلمة سينوغرافيا اليونانية تعني الزخرفة، أي تجميل واجهة المسرح بألواح مرسومة حيث كان المسرح خيمة أو كوخا من الخشب، ثم مبنى يحيط بساحة التمثيل في المسرح الإغريقي، وكانت هذه الزخارف التي ظهرت في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد في تراجيديات سوفكلوس تمثل مناظر معمارية أو طبيعية لتوضيح موقع الحدث”
وإذا استقرأنا أيضا تاريخ الأمم القديمة المعروفة بالمسرح ، فإننا نلفي لديها نوعا من الاهتمام بالسينوغرافيا المشهدية، وهذا يبين لنا مدى ارتباط السينوغرافيا أيما ارتباط بظهور المسرح الفردي والجماعي. بيد أن تقنينها العلمي وخضوعها لأصول علمية وفنية وجمالية وارتباطها بالفن الشامل لم يظهر إلا في العصر الحديث بعد ظهور المخرج.
ومن هنا، نقول بأن السينوغرافيا الدرامية لدى الفراعنة ذات طبيعة دينية طقوسية ترتبط بالمعابد والأهرام والاحتفالات وأيام الزينة والأعياد الفرعونية ، وكان الكهنة ورجال الدين هم الذين يسهرون على هذه الفرجات الدرامية التي كان يختلط فيها التبتل الديني بالموسيقا والرقص.
ويرتكز المسرح الإغريقي الذي ارتبط بمسرح المدرجات والمكان الدرامي المرسوم في شكل نصف دائرة على سينوغرافيا احتفالية دينية ميثولوجية تنبني على البساطة والتنظيم والترتيب والميل إلى التشكيل التراجيدي كما يبدو واضحا من خلال مسرحيات سوفكلوس ويوربيديس وأسخيلوس أو على التشكيل الكوميدي عند أريستوفانوس في مسرحيته” الضفادع”. وقد اعتمدت السينوغرافيا اليونانية على الكواليس الدوارة، وبناء المسارح في أمكنة مرتفعة ، وقد كانت الإضاءة طبيعية، كما استعانت موسيقيا بالجوقة، وسرديا بالراوي أو الكورس. وبذلك، ” يكون الإغريق أول من اخترع طريقة رسم المناظر وتغييرها على المسرح؛ كما أن هذه الكواليس الدوارة كانت بداية معرفة ميكانيكية المسرح”.
هذا، وقد عرف الإغريق الستارة، فكانوا يسدلونها من الأعلى إلى الأسفل، وبعد ذلك ستفتح من الوسط إلى جزأين يميني ويساري، ومازالت المسارح العالمية تستعمل هذا النوع من الستارة التي تفتح من جانبين من الوسط المنصف. وأول مسرح عرف الستارة هو مسرح” سيراكوزا” حيث وجدت في مقدمته حفرة مستطيلة كانت معدة لنزول الستار عند بدء التمثيلّ.
ولم تقتصر هذه السينوغرافيا على الفضاء فقط، بل تعدتها إلى الملابس الملونة والأقنعة والحلي والإكسسوارات التي كانت تعبر عن الطبقات الاجتماعية والتفاوت الموجود بينها،كما كان يستعمل الممثلون البوق أو ما يسمى بقناع الفم لإيصال حواراتهم إلى الجمهور الحاشد بكثرة في فضاء الطبيعة.
أما السينوغرافيا الرومانية فكانت تتسم بالزخرفة والتفخيم وتمتين البنيان وإقامة مسارح فخمة مدرجة محاطة بالأقواس، ولم يقم الرومان مسارحهم على التلال كما عند الإغريق، بل أنشئت على أراض منبسطة مستوية. وقد اعتمدت السينوغرافيا الرومانية على بناء مناظر ثابتة وفخمة وديكورات ضخمة. كما جمع المسرح الروماني فيما هو معروف بين الاتجاه الديني والدنيوي، وكان موجها لخدمة الأباطرة والأمراء وحاشيتهم والقواد العسكريين الكبار والنبلاء ورجال الإقطاع، في حين أن التمثيل كان يقوم به العبيد غير المتخلقين ذكورا وإناثا.
وتمتاز أزياء الممثلين في التراجيديات باستعمال الأقنعة وتوظيف ألبسة حريرية لها ذيول تجر فوق الركح. بينما في الكوميديات، يلبس الممثلون ملابس قصيرة تثير الضحك والتسلية، وكانوا يستعملون أيضا شعورا مستعارة ملونة حسب طبيعة الشخصيات الممثلة والمواقف الدرامية التي يمثلونها.
واهتم الرومان أيضا بالمسرح الديني الذي أخذوه عن المصريين أثناء توسعهم عسكريا شرقا وغربا، كما اهتموا بالرقص الاستعراضي الجماعي. بيد أن مايلاحظ على السينوغرافيا الرومانية أنها تتميز باستخدام حيوانات حقيقية، واللجوء إلى الألعاب الرياضية العنيفة كالمصارعة واستخدام المبارزات العسكرية.
وإذا انتقلنا إلى السينوغرافيا في العصور الوسطى فهي سينوغرافيا دينية ذات بعد مسيحي ارتبطت بمسرحة قصص الكتاب المقدس وحكايات الإنجيل، واستخدمت اللغة اللاتينية في المسرحيات التي كان يهتم بها رجال الدين تأليفا وإخراجا وتمثيلا، والتي كانوا يقدمونها في معابدهم وكنائسهم إبان الأعياد الدينية المقدسة وميلاد المسيح. ومن جهة مقابلة، كان هناك مسرح دنيوي يقدم إلى عامة الشعب للتسلية والترفيه حيث تعرض مسرحياته في الأماكن العامة والشوارع والمدن. و” كانت المدينة في المهرجانات والاحتفالات تنقلب بأسرها إلى مسرح كبير بعد أن يتولاها فنانو الديكور بالتزيين والتنسيق وإقامة الأقواس والنافورات والحدائق مما جعل هذه العناصر تأخذ طريقها إلى المسرح لتستقر فيه، وتزيد مشاهده رواء وبهاء وتجذب إليه النظارة من كل مكان.”
وتميزت السينوغرافيا في عصر النهضة بالباروكية والاعتماد على المنظور واستغلال فن العمارة والديكور والنحت والتصوير والرسم، وظهرت هذه السينوغرافيا التي اقترنت بعلم المنظور(البعد الثالث أو هندسة العمق) في مجموعة من المسارح في إيطاليا وباقي الدول الأوروبية الأخرى.
أضف إلى ذلك أن السينوغرافيا عند الإيطاليين ” وسيلة من ثلاث وسائل للرسم يلجأ إليها المعماري لتقديم تصور عن المبنى قبل البدء في البناء: التخطيط الأفقي والتخطيط الرأسي، والسينوغرافيا تصور لوجه من وجوه المبنى، والواجهات المتحركة التي تسمح بالحصول على تصور كامل على المبنى النهائي عن طريق الحيل البصرية. لقد ربط الإيطاليون بين السينوغرافيا والمنظور حيث لم يكن للكلمة الأولى معنى أو استخدام مسرحي، غير أن المنظور أصبح المنهج العلمي لتنفيذ المسارح المستخدمة والزخارف المختلفة.
كان للمنظور أثره في تحريك خيال المتفرج واكتسب مصطلح سينوغرافيا مغزى مسرحيا يشير تحديدا إلى فن المنظور معماريا كان أو طبيعيا وأعيد استخدام مصطلح ديكور أو زخرفة في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وفي القرن التاسع عشر، أصبح هناك فرق بين كلمتي ديكور وزخرفة، فكلمة ديكور كلمة تقنية خاصة بفني الأجهزة في المسرح، وتشير إلى مجموع العناصر المادية التي تحمل الزخارف المرسومة مثل: الشاسيه والتوال. أما كلمة زخرفة فهي كلمة فنية تشير إلى المكان الذي يدور فيه الحدث ومجموع الأدوات التي تستخدم في تقديم العرض من لوحات وأثاث وإكسسوار يلعب كل من الديكور والزخرفة دوره عند رفع الستار حيث يجب أن يكون له تأثيره المباشر، ومع بداية الحوار تصبح للمثلين الأولوية، ويصبح للأداء الأهمية الأولى بينما يتراجع الديكور ليصبح مجرد خلفية للنص”.
وفي القرن السادس عشر، ظهرت الكوميديا ديلارتي القائمة على الحوار الذي يرتجله الممثلون على المسرح بعد أن يتفقوا على موضوع المسرحية، وكانت المرتجلات تتغير من ليلة إلى أخرى. أضف إلى ذلك إلى أن السينوغرافيا كانت تتسم بالطابع الكوميدي الشعبي ، وتقام في الأماكن العامة ويحضرها عامة الشعب، بينما المسارح الأخرى كان لايحضرها سوى الأمراء والنبلاء ورجال الإقطاع. و” لقد ظل المسرح منذ عهد الإغريق حتى العصور الوسطى مخصصا للأمراء والنبلاء والطبقة الأرستقراطية ، ولكن الجمهور في القرن السادس عشر بدأ يحس رويدا رويدا بكيانه وأهليته من الناحية الثقافية والمذهبية….وبدأت الدراما القديمة، والكوميديا الأدبية في استخدام اللغة الدارجة في الكثير من الأحيان.
وقد حدث ذلك كله بفضل طابع التجديد الذي اتسم به القرن السادس عشر، وانتشر في كل مكان بإيطاليا أولا، ثم في أوروپا، فتم وضع بذور هذا الفن البسيط ذي اللهجة الصريحة في إطار من الحقيقة، وبذلك بدأ الشعب يتذوق فن المسرح الراقي.”
وظهرت في هذه المرحلة عدة مسارح مربعة ومستطيلة ومستديرة كما في إنگلترا في عهد الملكة إليزابيث، ومن أشهر المسرحيين الغربيين في هذا العهد نذكر المسرحيين الإسبانيين: لوپي ذي ﭭيـﯖا ، وكالدرون دي لاباركا ، والثالوث الفرنسي: راسين ، وموليير ،وكورني ، والإنجليزي شكسبير.
وانتشرت الميلودراما إلى جانب الكوميديا دي لارتي في القرن السادس عشر في مدينة فلورنسا الإيطالية ، وكان يكتبها دافنيه ، وظلت مدة قرنين تقريبا دون أن يمسها تغيير أو تبديل، حتى انتشرت في إسپانيا وانـﮔلترا ثم في ألمانيا وفرنسا… واعتمدت سينوغرافيتها على تنقيح المنظور ونقطة النظر المسرحية والمشاهد المتتابعة للعرض، واستخدام فن وميكانيكية المسرح، واستعمال مشاهد الحريق وفيضان الأنهار، وغيرها من الظواهر الطبيعية المختلفة والمؤثرات الصوتية العديدة. كما كانت هذه السينوغرافيا تتسم بالطابع الباروكي التزييني الفخم الذي أودى بها إلى الأفول والتراجع” ولكن ضخامة المناظر، وفخامة العرض التي تميز بها الديكور المسرحي في عصر الميلودراما كانت تجذب الجزء الأكبر من انتباه المشاهدين، وبالتالي تصرفهم عن تتبع الأداء المسرحي، والموسيقا التصويرية ، مما كان يسيء إلى التمثيلية نفسها إساءة بالغة.
ومن أهم مميزات هذا العصر أنه أدخلت عدة تعديلات على المسرح من أهمها: انحدار أرضية الصالة نحو الأمام ( أي نحو خشبة المسرح)، وبناء الألواح العديدة المرصوصة بجانب بعضها البعض لتشكل نصف دائرة على هيئة حدوة حصان ومن فوقها بناء مدرجات البلكون. وقد تم كل هذا بفضل بنتالينتي وسيجيتس…
ويعتبر هذا النوع من المسارح النوع المثالي المتبع للآن في جميع المسارح الكلاسيكية.”
وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، ستظهر السينوغرافيا الكلاسيكية التي تحترم القواعد الأرسطية كاعتماد الوحدات الثلاث، والفصل بين الأجناس، واحترام الحقيقة العقلية اليقينية مع راسين وموليير وكورناي في فرنسا، ومع جون دريدن في إنجلترا، ولسينـﮔ في ألمانيا. وظهرت كذلك السينوغرافيا الرومانسية التي انزاحت عن الشعرية الأرسطية من خلال تكسير الوحدات الثلاث والمزج بين الأنواع الدرامية ومخاطبة العواطف والذات والأهواء والخيال والاعتناء بالروح المثالية وإجلال الحب والمرأة مع فيكتور هوجو ، ، وشكسبير ، ومارلو ، وألكسندر دوما.
وبعد ذلك، ظهرت السينوغرافيا الواقعية في فرنسا مع المذهب الواقعي ، والذي كان يمثله كل من بلزاك وفلوبير وستاندال في فرنسا، وتولوستوي في روسيا، وإبسن في النرويج. وأردف هذا المذهب الفني بالمذهب الطبيعي الذي استند إلى سينوغرافيا طبيعية مع كل من إميل زولا والأخوان جونكير وموپاسان وألفونس دوديه في فرنسا، وفيلديـنگ ودانييل دي فو. في إنگلترا.
وأصبحت السينوغرافيا مع المذهب الرمزي سينوغرافيا رمزية قائمة على الرمز والإيحاء والتلويح، وخير من يمثل المذهب الرمزي نستحضر بودلير ، وميترلينك ، وهاوپتمان ، وسودرمان. وفي أواخر القرن التاسع عشر، ظهر في ألمانيا المذهب التعبيري على يد فرانك ﭭديكيند. ويرمي هذا المذهب إلى ” تصوير دخيلة النفس الإنسانية بما فيها من غرائز وأسرار، وعدم الانخداع بالمظاهر السطحية، وتحسيم تجارب العقل الباطن. وكانت مسرحياته تتكون من مناظر كثيرة ومتنوعة وديكورات مختلفة.” .
وظهرت السينوغرافيا السريالية بعد الحرب العالمية الأولى مع المذهب السريالي الذي كان يتزعمه گيوم أپولينير ولوي أراگون وأنطوان أرطو، وارتكزت هذه السينوغرافيا على اللاشعور الفردي وتعرية الغرائز الجنسية واستكناه الجنون والهذيان والأحلام والأعصاب الانفعالية ، وكل هذا ثورة على العقل والمنطق والاستلاب البرجوازي الذي حول الإنسان إلى أداة وآلة للإنتاج دون أن يراعي فيه الجوانب الذاتية والروحية والإنسانية. وقامت ثورة السرياليين على اكتشافات فرويد وكارل ماركس وأبحاث إينشتاين وفلسفة هيجل ونظرية التطور لدى داروين. ومع العصر الحديث والمعاصر، ستظهر السينوغرافيا التجريبية والطليعية مع المسرح البريختي ومسرح أوتشرك الروسي والمسرح الباتافيزيقي مع ألفرد جاري صاحب أولى مسرحيات عبثية وهي ” أبو ملكا”، و” أبو عبدا”، و” أبو فوق التل، أبو زوجا مخدوعا”، والمسرح العابث الذي يمثله كل من صمويل بكيت، ويونيسكو ، وفرناندو أرابال، وآداموف.
ومن يتأمل المسرح الشرقي بما فيه الكابوكي والنو اليابانيان، ومسرح كاتكالي الهندي، أو مسرح أوبرا بكين، أو التعازي الشيعية في المسرح الإيراني أو العربي، أو المسرح الأفريقي، أو مسرح الهنود بأمريكا الشمالية واللاتينية، فإنه سيلاحظ أنه قائم على سينوغرافيا دينية طقوسية مقنعة قائمة على اللاشعور الجماعي وتطهير الغرائز الموروثة وتحبيك الأساطير وتشغيل الغيبيات ومسرحة العقائد وتوظيف التعاويذ السحرية.
هذا،و تستعمل هذه السينوغرافيا الحركة الجسدية والرقص والغناء والموسيقا والتمثيل والتصوف الروحاني والصراع الديني بين الخير والشر أو بين الهداية والضلالة. ومن هنا ، فالمسرح الشرقي مسرح روحاني حركي يعتمد على اليوﯖا والنرﭭانا والجذبة الصوفية والحركات الطوطمية والحربية أكثر مما هو مسرح حواري لفظي كالمسرح الغربي.
ولم يتعرف العالم العربي على مصطلح السينوغرافيا إلا في الثمانينيات، واستعمل بكثرة في المغرب العربي لتأثر مثقفيه كثيرا بالثقافة الفرنسية القريبة إليهم، بينما المثقفون العرب في المشرق كانوا يستعملون مصطلح الديكور المسرحي. وفي هذا الصدد يقول عواد علي:” يعد مصطلح السينوغرافيا من المصطلحات المسرحية الحديثة، على مستوى التداول، في الخطاب المسرحي العربي أو المقاربات النقدية المتمحورة حول هذا الخطاب.فقد بدأ المعنيون بالمسرح تداوله في عقد الثمانين من هذا القرن، ولعل أول من استخدمه المسرحيون في المغرب العربي بحكم اتصالهم الوثيق بالثقافة الفرنسية،ثم أخذ يشيع استخدامه في أنحاء أخرى من العالم العربي، بديلا عن مصطلح (الديكور) ، أو ( الديكور والإضاءة) معا حينما ينسبان إلى مصمم واحد، وتحكمهما رؤية واحدة.”
ومازالت مدارسنا ومعاهدنا العربية تستعمل مصطلح الديكور بدلا من السينوغرافيا أو السينولوجيا ، مع العلم أنه قد ” انتهى عصر الديكور وأمسى جزءا من كل، وبرزت السينوغرافيا وتشكيلاتها وأنساقها المتحركة. ومع ذلك، فإن المعاهد والأكاديميات العربية لاتزال تتمسك بمفهوم الديكور، وتعد طلابها على هذا الأساس، ولا يبدو أن المسميات والوظائف في طريقها نحو التغيير.
لقد ولج هذا المصطلح حياتنا المسرحية، لكنه مافتئ ملتبسا يكتنفه الغموض، والسبب طغيان التنظير على الممارسة، وعلى الرغم من انتشار التنظير وغياب الممارسة، إلا أن أي شيء أفضل من لاشيء” كما يقول المثل الإنگليزي.”
وعليه، فقد عرفت السينوغرافيا عبر تاريخها الطويل تطورات كثيرة ملحوظة حيث انتقل مفهومها من فن التزيين والزخرفة إلى فن العمارة والمنظور لتركز السينوغرافيا اهتمامها على الديكور وبناء المناظر لتنتقل فيما بعد إلى مسرح الصورة في تأثيث الخشبة وتأطيرها.
ج/ أنواع السينوغرافيا المسرحية حسب الاتجاهات الفنية:
كل من يدرس السينوغرافيا الدرامية فإنه سيلاحظ بلاشك أنها تتنوع بتنوع المدارس الأدبية والاتجاهات الفنية. وإليكم، إذا، أنواع السينوغرافيا الدرامية حسب مدارسها الأدبية وتشكيلاتها الفنية والجمالية:
1- السينوغرافيا الكلاسيكية:
تستند السينوغرافيا الكلاسيكية إلى الشعرية الأرسطية عبر احترام الوحدات الثلاث، والدقات الثلاث، ومراعاة الفصل بين الأجناس الأدبية ، وتقسيم المسرحية إلى فصول ومشاهد، وتوظيف نظرية التطهير الأرسطي، والفصل بين جمهور الصالة وممثلي الخشبة داخل العلبة الإيطالية، واستخدام الديكورات والمناظر الكلاسيكية القريبة من الإيهام الواقعي بعيدا عن كثرة التخييل والترميز والتجريد. ويعني هذا أن المسرح الكلاسيكي الأرسطي كان يعتمد كثيرا على سينوغرافيا الوضوح والحقيقة المطابقة للعقل والمنطق ، أي سينوغرافيا التأثيث وبناء المناظر والديكورات المناسبة للنص الدرامي إيحاء وسياقا وتوضيحا وشرحا.
وعلى العموم، فقد ” كانت وظيفة السينوغرافيا في الشعرية الكلاسيكية قائمة على مفهوم الزخرفة المسرحية الثابتة التي تومئ إلى مكان الحدث، وتشير- في الوقت ذاته- إلى فضاءات النص كأمكنة تجري فيها الأحداث، ويقوم فيها الأشخاص بمحاكاة الأفعال النبيلة في التراجيديا، وأفعال الأشخاص الأردياء في الكوميديا. ومن محاكاة هذه الأفعال كان الإخراج يحاكي الحجم والفراغ والأماكن مما كان عاملا مهما في ميلاد المفهوم الأول للسينوغرافيا القائم على فن الزخرفة.”
ويعني هذا أن السينوغرافيا الكلاسيكية هي تنفيذ للإرشادات المسرحية التي يكتبها المؤلف للممثل والمخرج والمتلقي والسينوغرافي على حد سواء، وكانت تعمد هذه الإرشادات والتوجيهات إلى تحديد الفضاء الزمكاني للمسرحية، وطريقة تشخيص الأدوار، ونوع المؤثرات الضوئية والموسيقية التي ينبغي استخدامها في العرض مع احترام قواعد الشعرية الأرسطية. أي” لقد كانت الوظيفة الموكولة إلى السينوغرافيا في الشعرية الكلاسيكية مهمة جمالية ترسم بالزخرفة دلالات الأحداث التي يمليها النص على الإخراج، وكانت المسرحية وما تقدمه من وصف للشخوص وللمكان وللزمان. ومثل هذه الوظيفة تبرز اضطلاع الشعراء المسرحيين بإخراج مسرحياتهم بهدف إلغاء الحدود بين مفهومي النص الدرامي ونص العرض”
ومن أمثلة هذه السينوغرافيا نذكر كل العروض التي تندرج ضمن المسرح الكلاسيكي ولاسيما عروض موليير وكورناي وراسين.
2 – السينوغرافيا الباروكية:
تعتمد السينوغرافية الباروكية على تزيين الخشبة وتأثيثها بديكورات فخمة في غاية الجمال والعظمة والفخامة إلى درجة المبالغة في زخرفتها مع تنميقها بالصور المثيرة والزخارف الباهرة. ومن أمثلة هذه السينوغرافيا مسرحيات عصر النهضة (الميلودرامات الإيطالية/ الأغاني الدرامية) التي كانت تتسم بالترف وكثرة التنميق الباروكي، حتى إن الممثلين كانوا مشدودين إلى هذه الزخارف أكثر مما هم مرتبطون وجدانيا وذهنيا بالمسرحية. وفي هذا السياق تقول الدكتورة مليكة لويز:” لكن ضخامة المناظر، وفخامة العرض التي تميز بها الديكور المسرحي في عصر الميلودراما كانت تجذب الجزء الأكبر من انتباه المشاهدين، وبالتالي تصرفهم عن تتبع الأداء المسرحي، والموسيقا التصويرية ، مما كان يسيء إلى التمثيلية نفسها إساءة بالغة”
ومن هنا، فقد ظهرت النزعة الباروكية في إيطاليا في القرن 17 الميلادي، ومست الجانب الأدبي والمعماري والتشكيلي والموسيقي. وبعد ذلك ، انتقلت إلى باقي المناطق الكاثوليكية بأوروپا وأمريكا اللاتينية.
وعلى أي، تستعمل السينوغرافيا الباروكية الزخرفة المفخمة والتأثيث المبرجز والصيغ الفسيفسائية والمنمنمات الجميلة والأرابيسك والديكور الفخم المنمق والديكورات الممتلئة بالأشياء والقطع الأثرية المترفة كما هو حال العروض في العصور الوسطى.
3- السينوغرافيا الارتجالية:
ظهرت هذه السينوغرافيا الارتجالية مع كوميديا دي لارتي في القرن السادس عشر بإيطاليا، وكان قالبها المسرحي شعبيا قائما على الكوميديا والسخرية والهزل والفكاهة والتنكيت الاجتماعي والاعتماد على فن الارتجال والتمسرح في الفضاءات العامة والشوارع والأسواق العامة. ومن ثم، فشخصيات هذا المسرح شخصيات منمطة ومقنعة اجتماعيا، تقدم فرجة شعبية مفتوحة فيها تواصل حميمي مع الجمهور، وتستعمل الكوميديا دي لارتي الكرنـﭭال وملابسه المهلهلة المثيرة واللعب الگروتسيكي المقنع، وتلتجئ كذلك إلى المسرح الصامت كالميم والپانتوميم والرقصات البهلوانية المضحكة.
ومن أمثلة هذا النوع من السينوغرافيا حديثا مرتجلات محمد الكغاط على سبيل التمثيل.
4- السينوغرافيا الرومانسية:
اقترنت السينوغرافيا الرومانسية بالمذهب الرومانسي الذي اهتم كثيرا بالذات والوجدان والعاطفة. لذا، كان الديكور التاريخي حاضرا في هذه السينوغرافيا إلى جانب أجواء الطبيعة من خلال احترام الدقة التاريخية في سرد الأحداث واستعمال الأزياء وتوظيف مناظر الماضي، ولم يقتصر الرومانسيون على الواقع فقط، بل أضافوا إليه نوعا من الجمال والفخامة والمبالغة والخيال. وقد جسدت الرومانسية كثيرا النظرة التشاؤمية إلى الحياة، وصورت الكآبة الإنسانية والحزن البشري. ومن أشهر فناني هذا المذهب ﭭيكتور هيجو، وألفرد وموسيه، ولوثر بورگ ، ووليم كوپون.
5- السينوغرافيا الواقعية:
اعتمد المذهب الواقعي الذي ظهر مع بلزاك وستندال وفلوبير على استعمال سينوغرافيا واقعية تنقل الواقع بطريقة غير مباشرة، فيها نوع من الفنية والجمالية والإيهام بالواقعية. وفي المذهب الواقعي نهتم” بالتكوين وعمارة المنظر وعلاقات الخطوط والشكل واللون، وذلك لتمثيل فكرة لها طابع متكامل بدلا من مجرد تسجيل المظهر الخارجي للأشياء الطبيعية.
ومن الضروري أن نميز بين المذهب الطبيعي الذي ينقل فيه الواقع على المسرح نقلا فوتوغرافيا وبين المذهب الواقعي الذي يختار ما يقدمه من الواقع، بقصد إعطائه شكلا توضيحيا على المسرح….
ومن أشهر فناني هذا المذهب ليون باكست الرسام الروسي الذي اشتهرت أعماله بالألوان الزاهية والمحاولات الجريئة.”
6- السينوغرافيا الطبيعية:
تهدف السينوغرافيا الطبيعة إلى محاكاة الواقع بطريقة حرفية طبيعية بدون تغيير أو تحريف أو استبدال، وتختار المناظر والأزياء بما يوافق الطبيعة وتاريخها الحقيقي الأصيل. كما استعمل المسرح الطبيعي في القرن التاسع عشر كل ماهو طبيعي للحفاظ على حقيقته الواقعية، فقد كان يستحضر مثلا لحم الجزار كما في الطبيعة، ويشعل الحرائق كما في الطبيعة، ويصب الماء كما يحدث في الطبيعة.
ومن أشهر المسارح التي كانت تهتم بالسينوغرافيا الطبيعية: المسرح الحر الذي أنشأه في فرنسا هنري پك وأندريه أنطوان عام 1887م، ومسرح لندن المستقل الذي شكله في إنجلترا جاك توماس گرين، ومسرح الفن بموسكو الذي أنشأه ستانسلافسكي وغيرها من المسارح الألمانية.
ومن أشهر المهووسين بالديكور الطبيعي الفرنسيان: إميل زولا. وأندريه أنطوان ، والألمانيان: أطوبراهام وجورج ، والإنجليزي توماس روبرتسون.
7- السينوغرافيا الرمزية:
تعتمد السينوغرافيا الرمزية على الرمز والإيحاء والتلويح واستخدام العلامات المجردة السمعية والبصرية (الرموز، والإشارات، والأيقونات) في إيصال الرسالة الدرامية دون استعمال المرجع المادي والديكور الواقعي الحسي المباشر. وتستبعد هذه السينوغرافيا التفاصيل الواقعية والطبيعية وتستبدلها بالسنن الرمزي. مثلا: يرمز إكسسوار الكرسي إلى العرش، والخيمة إلى الحرب، وتحيل الشجرة على الغابة….
وتحضر مكونات المسرح فوق الركح باعتبارها علامات رمزية إحالية مجردة بسيطة ومركبة على مستوى الألوان والخطوط والأشكال والكتل والأزياء والإضاءة والماكياج.
ومن أشهر فناني المذهب الرمزي المهندس المسرحي الإنجليزي گوردن گريگ الذي استعمل السينوغرافيا الرمزية في عدة أعماله وعروضه الدرامية.
8- السينوغرافيا السريالية:
تتكئ السينوغرافيا السريالية على استخدام العصبية الجنونية والأحلام واللاشعور والهذيان واستكناه الباطن العميق. وبما أن هذه السينوغرافيا مرتبطة بالمذهب السريالي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الأولى كرد فعل على العقلانية والرأسمالية المتوحشة والفلسفة الرقمية التي استلبت الإنسان ذهنيا ووجدانيا واستعبدته آليا وإنتاجيا، فقد التجأت إلى السخرية من الأفكار الجدية واستعملت الخيال والشخصيات المضحكة والمناظر المخيفة بعد أن اقتلعت الإنسان من واقعه المألوف لتدخله في قوالب غريبة كاريكاتورية مشينة لم تتعودها العين البشرية.
واستعملت في هذه السينوغرافيا المناظر البسيطة والأجواء الحلمية التي تتخطى الواقع إلى ماوراء الواقع، وتصوير اللاشعور الفردي قصد التنفيس عن المكبوتات الباطنية والغرائزية. وتتميز المناظر أيضا بألوان كثيرة تعتمد على الإيقاع والتكوين وذلك باستخدام الرسم الحديث بحرية مطلقة لتكوين كثير من المناظر المسرحية جاعلين الديكور في حالة حركة عن طريق تشكيل الخطوط والألوان بطريقة زخرفية، تعبر عن التشكيلات الجمالية. وكانت هذه النزعة مرآة للقلق والتوتر الذي يسود مجتمعنا، كما كان هذا المذهب بعيدا كل البعد عن الصدق البصري مؤكدا الانفعال التراجيدي، وكان اهتمام مصممي الديكور منصبا على ماتحدثه المناظر في نفوس المتفرجين من إحساسات مترجمين بذلك العالم الداخلي للاشعور.
ومن أشهر فناني هذا المذهب ألكسندر تايرون، وألكسندر إكستير، وأستروفسكي.”
9- السينوغرافيا التكعيبية:
تستخدم السينوغرافيا التكعيبية المنظور المسطح (العمق) والأشكال الهندسية المتداخلة واستعمال العقل والمنطق وتحليل التجربة المحسوسة تحليلا علميا معتمدا على العلوم الطبيعية والرياضيات. كما تقوم السينوغرافيا التكعيبية على تعدد المستويات والمنظورات وتعدد الرؤى والنظرية النسبية. ويعني هذا أن الفنان التكعيبي لابد أن يعتمد ” على عقله في البحث عن حقيقة الأشياء حيث إن الحواس خادعة وقاصرة، وضرورة رؤية الشيء من منظورات مختلفة حتى يتضح له أكبر قدر من مستويات الواقع، وضرورة تصوير أي شيء في كليته وشموليته.”
وتتسم السينوغرافيا التكعيبية بخضوعها للتحليل الهندسي واستعمال الكولاج، أي خلط اللوحة الفنية بقصاصات الصحف واللوف والقماش وورق الحائط، وعدم اكتمال اللوحة التشكيلية في مسارها الجمالي. ومن النماذج الممثلة لهذه السينوغرافيا على المستوى الدرامي نستحضر مسرحية ” ست شخصيات تبحث عن مؤلف” للويجي پيراندللو التي استخدمت فيها نسبية المنظورات وتعدد الرواة والشخصيات وتقابل المستويات: مستوى الفن ومستوى الواقع.
ومن الأمثلة المسرحية عن السينوغرافيا التكعيبية ماقام به السويسري أدولف آپيا الذي كان يوظف مجموعة من الأشكال الهندسية التكعيبية في إخراج العروض الدرامية وإثارة المتفرجين العاشقين للمسرح؛ لذا كان الديكور عنده حسب الدكتور سعد أردش:” تصور فلسفي ينبع من عنصرين تشكيليين: النور والظل من ناحية (تصوير)، والكتل التكعيبية التي تكون مستويات رأسية في الفراغ (نحت) ، فلكي يعطي حركة الممثل(الشخصية) فرصة أكبر للتطور يجب ألا يتحرك على أرضية مسطحة، بل داخل تركيب من السلالم والبراتيكابلات التكعيبية،والمنحدرات، وهو ما يمكن أن يعبر عنه بتقديم البعد الرأسي في الفراغ المسرحي، وهو بذلك يلجأ إلى التصوير، ولكن من خلال درجات اللون الواحد، دون أن يتجاوز ذلك تصوير وحدات زخرفية أي ماكانت، وهو ماعبر عنه باللعب بالظل والنورّ.”
10- السينوغرافيا التجريدية:
تقوم السينوغرافيا التجريدية على تحويل المحسوسات والمرئيات المادية والمرجعية إلى مفاهيم وتصورات مجردة عن طريق استخدام الأشكال الهندسية والألوان والخطوط بعيدا عن سياقها الحسي الواقعي المرتبط بالعالم الخارجي. أي تعتمد السينوغرافيا التجريدية على تجريد العرض وتحويله إلى علامات سيميائية غامضة بعيدة عما هو حسي وملموس، وترتكز كذلك على خلق المفارقات بين الدوال التي يصعب تفكيكها، أو تأويلها إلا بمشقة الأنفس، وتصبح تشكيلا بصريا يذكرنا بالتجريد السريالي أو التجريد التكعيبي. ومن ثم، تتسم بالتغريب والانزياح اللامحدود وتجاوز نطاق العقل والحس إلى ماهوخيالي وماهو غير عقلاني. ومن أشهر فناني المذهب التجريدي تيرينس گراي ، وأورسون ويلز ، وثورنتون ويلدر ، وروبرت إدموند جونس.
ومن أهم المسارح التي خصصت للمسرح الرمزي نذكر: مسرح تريد يونيون ، ومسرح كامبريدج.
11- السينوغرافيا الملحمية:
تستند المسرحيات التي عرضها بريخت إلى استخدام سينوغرافيا ملحمية قائمة على الصراع الجدلي ، وتكسير الجدار الرابع، واستخدام خاصية اللاندماج والإبعاد والتغريب، والتسلح بالمسرح الوثائقي والتسجيلي من أجل تقديم أطروحات تعليمية لتوعية المتفرجين عن طريق الحوار ومخاطبة وعي الراصدين لتغيير الواقع، وقد استخدم بريخت من أجل ذلك اللافتات والسينما والشعارات والرواية والسرد والغناء والرقص والدراماتورجيا.
وعلى أي، فقد نظمت الجمالية البرختية” الفضاء السينوغرافي وفق مبادئ جديدة للفرجة المسرحية، فالسينوغرافيا الملحمية غير جامدة أو ثابتة، بل متحركة على امتداد العرض المسرحي، تتشكل من ديكور وأشياء عبارة عن قطع متحولة يتم تركيبها وتفكيكها بالتتالي يحركها الممثل ويتتبع حركتها المتلقي، فتحريك الممثل لها يجعلها تلعب وظيفة سردية إذ تتابع أحداث العرض، وهي بذلك تقدم عالما يحيل على الحياة ويشير إلى الواقع، ولكن بعلامات خالية من المباشرة أو التعيين حتى تحقق أثر التغريب عند المتلقي”
وعلى العموم، فالسينوغرافيا البريختية سينوغرافيا تجريبية تقوم على أسس الفن الشامل وتكسير الشعرية الأرسطية والانطلاق من مصادر سياسية وإيديولوجية ماركسية تترجم لنا دلاليا ومرجعيا أن مسرح بريخت هو مسرح السياسة والتسييس.
12- السينوغرافيا الكوليغرافية:
كثيرة هي المسرحيات التي تستخدم الملفوظ الحواري على حساب التواصل غير اللفظي ؛ مما يجعل المسرح مملا بسبب الروتين وكثرة الكلام والسرد التلفظي. لذا، يلتجىء المخرجون المسرحيون إلى استخدام الميم والبانتوميم والكوليغرافيا الجسدية والرقص الاستعراضي والباليه وتطويع جسد الممثل لينجز مجموعة من الحركات الطبيعية أو المحاكية للحركات الحيوانية. ومن ثم، يعد المسرح الشرقي بما فيه مسرح الكابوكي ومسرح النو ومسرح أوپرا بكين ومسرح كاتاكالي من أهم النماذج الدرامية للسينوغرافيا الكوليغرافية، كما يعد مسرح گوردون گريگ ومسرح أنطونين أرطو من النماذج الدرامية التي اهتمت بالسينوغرافيا الكوليغرافية وتجريب الرقص والحركة الصامتة والتقليص من اللغة الحوارية الملفوظة لحساب الجسد وتموضعاته التشكيلية الدرامية.
وإذا أخذنا على سبيل المثال گوردون گريگ فقد أعطى للسينوغرافيا الكوليغرافيا أهمية كبيرة، فقد ألغى سلطة الحوار ليمنحها للحركة المعبرة والكوليغرافيا الجسدية والطقوسية، وفي هذا يقول أحمد زكي:” دخل گريگ خشبة المسرح في المشروع يروم حشد كل عناصر التعبيرية من أجل صياغة مسرح تكون فيه الحركة هي الأفق،لهذا ثار ضد مسرح مثقل بالكلمة معيدا إلى الرقص والإيماء شرعيتهما مما يعطي قوة الحضور للرؤيا، ولذلك شذب الكثير من التقاليد، فتخلص من نظام أجنحة الكواليس، وكافة الزوائد الخلفية من ستائر وقطع ديكور تقليدية، واستغنى تماما عن المناظر المرسومة”.
وما اهتمام كل من أنطونين أرطو ( مسرح القسوة) وأوجينيو باربا ( المسرح الثالث) بالمسرح الشرقي والمسرح الأنتروپولوجي إلا للثورة على المسرح الغربي وتقويض دعائمه ؛ لكونه أعطى أهمية كبرى للكلمة والحوارات الجافة على حساب الحركة. لذا ، قررا أن يكون المسرح المستقبلي الجيد مسرحا فنيا شاملا، أي مسرح الإيماءات والإشارات السييميوطيقية والحركات البيوميكانيكية الحيوية والكوليغرافيا الجسدية والرقص الطقوسي والميم الصامت والحركات المعبرة.
13- السينوغرافيا الشاعرية:
تعتمد السينوغرافيا الشاعرية على الإيحاءات الشعرية والتضمين الأدبي والصور الفنية الشعرية الموحية في علاقاتها مع مسرح الصورة التي تتشابك فيها العلامات اللغوية الانزياحية والعلامات البصرية الأيقونية. والمقصود بكل هذا أن السينوغرافيا الشعرية تقوم على الإيحاء الشاعري والصور البصرية الموحية والظلال البلاغية والصور الشعرية مشابهة ومجاورة ورؤيا. وتستخدم هذه السينوغرافيا أيضا جداريات شاعرية رمزية مليئة بالانطباعية والذاتية التعبيرية والتضمين والوظيفة الشعرية واستخدام اللغة الشعرية والخطاب الشاعري مع تجاوز التقرير والتعيين. وهنا تحضر الإضاءة بتموجاتها الشاعرية وبرناتها الإيقاعية المعبرة لتخلق لنا عالما يتقاطع فيه ماهو بصري تشكيلي وماهو وجداني شعوري، ويلاحظ أن هذا النوع من السينوغرافيا يحضر كثيرا في المسرح الشعري.
14- السينوغرافيا الدينية أو الطقوسية:
توظف السينوغرافيا الطقوسية الشعائر الدينية والعقائدية والتجارب الروحانية والحضرة الصوفية والممارسة الوجدانية العرفانية والموسيقا الروحانية كموسيقا ﯖناوة في المغرب. ومن نماذج هذه السينوغرافيا المسرح الشرقي بكل أنواعه الدرامية (الكابوكي والنو والكاطاكالي)، والمسرح الأفريقي ، ومسرح الهنود الحمر بأمريكا الشمالية واللاتينية.
هذا، ويقدم فن الكطاكالي الهندي مثلا” جمالية مسرحية منسجمة العناصر، تقوم على المبدإ الشعائري الطقوسي الذي يطبع هذا الفنن بمادته النصية الأسطورية، والتمثيل المؤسلب القائم على رمزية الجسد والإشارات اليدوية، إضافة إلى عناصر الماكياج والملابس والفضاء التي تخضع لهذه النسقية، وتمد عرض الكطاكالي بما يحتاجه من عناصر الفرجة الروحانية/الصوفية. إن الكطاكالي شكل مسرحي يستثمر موروثا أسطوريا وتقنيات عديدة ومرمزة للتمثيل، وهي إفراز لثقافات يمتزج فيها الأسطوري بالتاريخي، والديني بالدنيوي، والأصيل بالمعاصر. وهذا ما يفسر كون الكاطاكالي استطاع أن يستجيب بسهولة لجهود التشبيب ورد الاعتبار إبان النهضة الثقافية الهندية الأولى خلال الثلاثينيات” من القرن العشرين. وهذا النوع من السينوغرافيا موجود في مسرح القسوة لدى أنطونين أرطو، والمسرح الثالث أو المسرح الأنتروبولوجي عند المخرج الإيطالي أوجينيو باربا.
15- السينوغرافيا الـﯖروتسكية:
تعتمد السينوغرافيا الگروتسكية على الفانطازيا وغرابة الأشكال والدمى، وتوظيف أقنعة رمزية مخيفة سواء أكانت حيوانية أم جنية، والاستعانة بالأشكال الكاريكاتورية والحيوانية لإيصال رسائل درامية معينة لراصدي صالة المسرح.
وتظهر السينوغرافيا الگروتسكية جلية في العروض المسرحية بمظهرها الكاريكاتوري الغريب والمهول، وتتخذ شكل صور نباتية وحيوانية وشكل تزيينات وأرابيسك منمنم.
16- السينوغرافيا البيوميكانيكية:
ترتكز السينوغرافيا البيوميكانيكية على استخدام البشر كآليات ميكانيكية كما فعل مايرخولد من أجل التأشير على انحطاط الإنسان وانبطاحه أخلاقيا.
ومن المعلوم أن مايرخولد الروسي قد تبنى توجها شكلانيا وطريقة ميكانيكية في تحريك الممثل عضويا وآليا وميكانيكيا ، وتأهيله حركيا وتقنيا لاغيا حصانة المؤلف. وتتميز معاملة ماييرخولد في إعداد الممثل وتكوينه بشدة الصرامة وقسوة التدريب ؛لأنه كان ينظر إلى الممثل على أنه عبارة عن دمية ينبغي التحكم فيها لكي تلتزم بتوجيهات المخرج وخطط السينوغرافي المحكمة.
وترتكز السينوغرافيا البيوميكانيكية على الجمع بين الحيوية العضوية والتمارين الجسدية، وتشغيل الحركة، والإيماءة، والنظرات، والصمت، والوضعيات الجسدية، والإيقاع، وخلق العلاقات بين كافة العناصر الفنية التي تدخل في عمل وفن الممثل باعتباره مشاركا حقيقيا في إبداع العرض المسرحي.
ومن المسرحيات التي جسدت السينوغرافيا البيوميكانيكية مسرحية ماييرخولد التي عرضت بروسيا سنة 1922م. واعتبرت المسرحية” علامة بارزة في المسرح الروسي في القرن العشرين، والتي تركت أثرها البليغ على طريقة التمثيل في تلك الفترة- وبالرغم من توظيف كل ماجاءت بها البيوميكانيكا في هذا العرض، وبشكل مباشر، إلا أن ماييرخولد قد أكد، وفي أكثر من موقع في كتاباته وأحاديثه، على أنها ليست عبارة عن منهج في طريقة التمثيل. وفي إحدى لقاءاته مع تلامذة المسرح في موسكو في سنة 1938م أوضح قائلا: ” إن البيوميكانيكا هي عبارة عن تمارين لايمكن نقلها مباشرة في داخل المشهد.إنها تدريبات خاصة قمت بصياغتها على أساس تجربتي الطويلة وشغلي مع الممثلين. ”
وقد استعانت مجموعة من المسرحيات الغربية والعربية الحديثة والمعاصرة بمنهجية مايرخولد البيوميكانيكية لتقديم تصورات آلية حول الإنسان المعاصر في ظل العولمة والنظام الرأسمالي المتوحش البشع.
17- السينوغرافيا الأسطورية أو الميتولوجية:
كثير من المسرحيات ذات المضامين الأسطورية تشغل السينوغرافيا الميثولوجية القائمة على الخرافات والخوارق غير الممكنة والملاحم التراجيدية لتبليغ مجموعة من العبر والدروس الأخلاقية وإيصال التجارب الإنسانية. وتتمظهر هذه السينوغرافيا في مسرحة المخرجين لمجموعة من النصوص الميتولوجية اليونانية لأسخيلوس وسوفكلوس ويوربيديس، ومن النماذج المعاصرة نلفي مسرحية” أساطير معاصرة” لمحمد الكغاط.
18- السينوغرافيا التسجيلية أو الوثائقية:
استعملت مجموعة من العروض المسرحية كمسرحيات بريخت وپيتر ﭭايس وپيسكاتور السينوغرافيا التوثيقية أو التسجيلية كالاستعانة بالسينما لتقديم مجموعة من الوثائق ولاسيما الوثائق التاريخية والسياسية لتقديم أطروحاته التي كان يؤمن بها عقائديا وإيديولوجيا. وقد بدأت ” تجارب پيسكاتور بإحداث ارتباك مسرحي تام حين حول خشبة المسرح إلى غرفة آلية باستخدام آلات جدية ومعقدة، وما ميز مسرحه هو الجانب التقني الذي كان معقدا كل التعقيد”. كما قدم ساكس مينجين المخرج الألماني مسرحية:” يوليوس قيصر ” فحافظ فيها على دقة المعلومات وصدق الحيثيات والأصالة التاريخية لكي يحافظ على الطابع التاريخي الصحيح للمسرحية في جانبها التوثيقي والمعلوماتي.
19- السينوغرافيا التراثية:
تستند هذه السينوغرافيا على تجسيد كل مكونات التراث وتجلياته الفطرية والواعية من خلال استلهام التراث العربي الأصيل وتوظيفه في سياقات معاصرة رمزية أو حرفية لتأكيد أصالة الإنسان العربي والتأشير على هويته وخصوصياته الحضارية والثقافية.
وترتكز السينوغرافيا التراثية على تشغيل الحلقة والبساط وسلطان الطلبة والمقامات والشعر العربي والأشكال الفطرية والحكاية والسرد والأمثال والزجل والموسيقا الأندلسية والملحون والحكواتي والمقلداتي والمداح والسامر والأعراس الاحتفالية… ومن أهم النماذج التمثيلية لهذا النوع من السينوغرافيا التراثية المسرح الاحتفالي بكل اتجاهاته الفرعية (مسرح التسييس لسعد الله ونوس ودريد لحام، والمسرح التراثي لدى عزالدين المدني، والمسرح الاحتفالي عند عبد الكريم برشيد وأتباعه، ومسرح الـﯖوال لعبد القادر علولة، وجماعة السرادق المصرية، وفرقة الحكواتي اللبنانية لروجيه عساف ونضال الشقر…).
20- السينوغرافيا الفانطاستيكية:
تشغل هذه السينوغرافيا الفانطاستيكية العجيب والغريب، وتقوم على تشخيص فكرة التحول والامتساخ حيث تتحول الشخصيات المسرحية إلى كائنات جنية أو حيوانية أو جمادات والعكس صحيح. والهدف من تمسيخ الشخصيات الدرامية هو إدانة التصرفات الإنسانية المنحطة التي أصبحت مثل سلوكيات الحيوانات والكائنات الممسوخة المتردية. وتستعين هذه السينوغرافيا بالفنطازيا ، والواقعية السحرية ، والگروتيسك الكاريكاتوري، والأشكال المقنعة، والانتقال من عالم العقل إلى عالم اللاعقل، والثورة على قواعد المنطق وبديهيات الوعي ، وتدين هذه السينوغرافيا فوضى الواقع وغرابته ومواضعاته المتردية وأعرافه المهترئة البائسة.
21- السينوغرافيا العابثــــة:
توظف السينوغرافيا العابثة التي رافقت مذهب اللامعقول مع يونسكو وفرناندو أرابال وآداموف وصمويل بيكيت وألفريد جاري الديكور الفارغ، وفوضى الأشياء، والحركات الصامتة التي تتسم بالصراخ والهذيان والعبث والجنون. كما استخدم كتاب هذا النوع من المسرح المجرد العابث الكوميديا السوداء والسخرية” والنزعة التهكمية. واستطاع مسرح العبث أن يعبر عن موضوعات كونية بأساليب مسرحية منطقها هو اللامنطق، لاتهدف إلى شيء، تراهن على اللامألوف؛ وهي أساليب تنسجم مع فوضى العالم وعدم تجانس مكونات الواقع، وقلق الإنسان وصراعه مع نفسه ومع العالم ومع الأشياء، حيث يحس ذاته في الفراغ والنهاية.إن تبني هذا الأسلوب الكوميدي المتهكم جعل من جماليات مسرح العبث جمالية نوعية ومدهشة في الآن نفسه، استطاعت أن تخترق الباطن الإنساني المنكسر ضمن وجود مأساوي فتناولت غربة الإنسان عن عالمه واغترابه عن ذاته، وحاولت تجسيد الوحدة والقلق والخوف وعبثية الشرط الإنساني، وتلك هي موضوعات دراما اللامعقول، فمسرح العبث لاينتقد الواقع الاجتماعي، كما قد يتبادر إلى الذهن من خلال السخرية اللاذعة والأسلوب التهكمي، بل يهتم بأساسيات مركز وجود الإنسان بعيدا عن انتمائه الطبقي أو محيطه التاريخي أو تفاصيل حياته اليومية، حيث تناول تعامل الإنسان مع الزمن وما صاحب ذلك من حيرة وقلق وانتظار”
وتمتاز السينوغرافيا العابثة بتجريد الجداريات واستخدام الألوان المأساوية ولاسيما اللون الأسود للتأشير على الكوميديا السوداء، وتصبح الكوليغرافيا في هذا المسرح اللاعقلاني عبارة عن حركات غامضة صامتة وصراخات مبهة لامعنى لها.
22- السينوغرافيا العارية أو الفارغة أو الصامتة:
قدمت مجموعة من العروض المسرحية بدون ديكور ولا منظور ولاموسيقا ولا إضاءة، حيث تتحول الخشبة المسرحية إلى فضاء فارغ صامت ، ليس فيها إلا الحوار اللفظي والكوليغرافيا والتشكيل الجسدي كما هو حال المسرح الفقير لگروتوفسكي ومسرح اللامعقول.
ومن الذين اهتموا بالسينوغرافيا الفارغة المخرج الإنجليزي گوردون گريگ الذي كانت له اجتهادات سينوغرافية متنوعة، فقد انشغل كثيرا بتقسيم الخشبة وتشطريها ” وتعديدها، وذلك بتوزيعها إلى مساحات مستقلة ومطواعة قابلة للقولبة المتعددة، لقد بحث عن سبيل لخلق ألف خشبة في واحدة حسب تعبيره، لذلك رفض امتلاء الفضاء المسرحي بقطع الديكور الكبير والملحقات الكثيرة، وعرضه بالاقتصاد- وأحيانا بالفراغ- فكان الجهاز السينوغرافي لديه يقوم على لعب القطع والأحجام ، وتحريكها وتركيبها لخلق أشكال متعددة: أدراج، أرضيات، أسرة، سياج، أسوار سميكة، فضاءات واسعة…”
ويعد پيتر بروك من أهم المنظرين للفضاء الفارغ والسينوغرافيا الصامتة ولاسيما في كتابه:” المساحة الفارغة” حيث تعرض إلى الفضاء المفرغ من الإكسسوارات وكل اللوازم المتعلقة بالديكور والسينوغرافيا المؤثثة إلى جانب المخرجين: أنطونين أرطو وگوردون گريك.
23- السينوغرافيا السينمائية:
تتحول مجموعة من العروض المسرحية إلى الجمع بين المسرح والسينما ، وهذا ما يسمى بالسينمسرح لتداخل العلامات الدرامية مع مجموعة من المكونات السينمائية. فيتحول المسرح إلى مشاهد سينمائية تخضع للتقطيع والمونتاج وتسريع اللقطات الحركية المشهدية بشكل درامي هارموني.
24- السينوغرافيا الرقمية:
تعتمد السينوغرافيا المعاصرة على توظيف المعطيات المعلوماتية والآليات الرقمية ونتائج الثورة الرقمية المرتبطة بالحاسوب والإنترنت وموادهما الإلكترونية. وتعكس بعض المسرحيات اليوم على شاشة الفوندو مجموعة من القصص والمشاهد السينمائية والأفلام الكارتونية مستخدمة في ذلك جهاز الإنترنيت أو الكومبيوتر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق