تصنيفات مسرحية

الأحد، 5 مارس 2017

"مأساتي" على خشبة مسرح المدينة... الدمية "تندب حظّها"... وحظّنا!

مجلة الفنون المسرحية



هنادي الديري 


أحلامها بَسيطة، ومع ذلك لم تَتحقَّق حتى الساعة ,  ثمة من يَقِف في طَريقها، ويُعَرقِل مَسار "نَزواتها".
يَتلاعَبون في "حَديث يوميّاتها" منذ ولادَتها... وهي "مستشرسة" تُحاول التخلّص من هذه السيطرة الكامِلة على كيانِها.
يُحاولون تَحويلها "سلعة رَخيصة"، سَطحيّة في اهتماماتِها ومَساعيها، هي المؤمِنة بأنها شخصيّة شكسبيريّة مُنبَثِقة من رائعة "ماكبيث" المهيبة بمأساتِها.
بين الحين والآخر تَهتُف بصوتٍ "شكسبيريّ" أجش: "أهذا خنجر الذي أراه أمامي؟".
جُملة "مصيريّة" مأخوذة من "ماكبيث"، في مُحاوَلة خاطفة لإقناع الجمهور بُقدراتها التمثيليّة "المُعقّدة" في تركيبتها!
هي عَميقة، تَغورُ في حنايا الإبداع مُستَخلِصة منه روائع أدبيّة تَعكس إنطباعاتِها السوداوية عن مُجتَمَع يَظلم المواهب.
مُجتَمع تعرفه جيداً، و"رايحة وجايي" في "قاموسه" و"مُصطلحاته" و""أفشاته". مُجتَمَع "تَنغُل نَغلاً" في خصوصيّاته. تَبحَث عن نصفها الآخر.
أليسَت هذه مُشكِلتنا جميعاً؟ أليس هذا حُلمنا جميعاً؟ أحلامها؟ نَزواتها؟
ربما يجب علينا أن نقول: أحلامه! فهو "رجّال ختيار" كانت حالات الزمان عليه شتّى. اغتالوا طموحاته... وأين المُشكِلة إذا كان مَصنوعاً من إسفَنج؟ أين "العُقدة" إذا شاءَ قدرُه أن يكون "دمية مُتحرّكة"، وأن يَرتَدي قميص نوم قَديم وبال، "لا يليق" بعظمته ومواهبه الدفينة، تماماً كجرأته أمام مُحرّكه الظالِم الذي يَطلّ بين الحين والآخر على خَشَبة المَسرح، "مُغلّفاً" بالسواد، بحيث لا نرى منه أي شيء.

وما أن يَطلّ، حتى تتحوّل الدمية المَظلومة، والتي أسيء فهمُها، جامِدة، بلا حَرَكة، لئلا يَشعُر مُحركها بتمرّدها أو يَقف وجهاً لوَجه مع شخصيّتها المُستقلّة البَعيدة من طموحاته "الهَزيلة" لها.
على خَشَبة مَسرَح المدينة القائم في شارع الحمراء التاريخيّ والثَري بقصص "سُكّانه"، يَعيش الجُمهور لحظات لا تُعوَّض من الفَرَح، والدَهشة، والسعادة التي يُعبِّر عنها من خلال الضحكات العالية وأيضاً الابتسامات العارِفة... وهذا التَصفيق المُتَقطِّع في مَشهَدٍ أو آخر، بين جُملة وأخرى.
عُنوان العَرض المَسرحيّ؟ "مأساتي".
A One Puppet show- عرض لدُمية تَقِف مُنفَردة على خَشَبة المَسرَح. تَسردُ يوميّاتها وسط القَمع الذي تَعيشه... وسط الأعمال "الباهِتة" الّلون التي يَختارها لها مُحرّكها... هي التي تَحلم بالأدوار التراجيديّة التي تَليقُ بتاريخها الذي لم تُدوّنه بعد.
تاريخ لم تسنح لها الفُرصة "لتُفجّره" طاقة إبداعيّة "مهيبة"!
وبما أنها "سيرة وانفَتَحِت"، "معقول كتير"، وبلحظة غَضب عابِرة "إذا شي"، أن تتحوّل "دمية داعشيّة" تُفجِّر نَفسَها آخذة معها الجمهور الذي تتهمه بالتآمر عليها!
انه الإخراج الطليعيّ لعصام بوخالد الذي نَشكره إبداعه الذي لا يَنضَب. هو النصّ البَسيط والرائع في "حَبكته" أيضاً لبو خالد وسعيد سرحان.
هو التَحريك والأداء من توقيع رشاد زعيتر. كلاهما يخرجان عن نِطاق الوَصف لما يَحملان من "شَرقَطة" إبداعيّة لم نَشهد مثلها منذ فترة طويلة.
هي الدُمية بحدّ ذاتها، وقد صَنَعها وليد دكروب الذي اعاد صوغ ما تَرمُز إليه الدُمى في المَسرح منذ إقتحامه هذا العالَم الغني منذ سنوات.

الدمية الرخيصة الثَمن (يُمكن شراؤها من الأوزاعي بـ10 دولارات!) التي ترى نفسها أيضاً رخيصة من الداخِل للعبها المُستمر لأدوار "مش ولا بدّ" وفي أعمال "شي تك تك شي تيعة"!
أنه المَسرَح، هذا السيّد علينا جميعاً، يطل في هذا العَمَل في "لحظة عزّه"!... وكم تليق به لَحظات العزّ!
هي قصّتنا جميعاً، نحن الذين نَعيش القَمع من قوّة "أكبر منّا"، تتلاعب بكياننا، و"تَدفُن" طوعاً كل ما يُميزنا عن العاديّ.
الجمهور يَضحك ويَضحك. يُصفِّق ويَضحك.
لدى كتابة النَصّ مع سعيد سرحان، أرادَ بو خالد، وفق ما يؤكّد لـ "النهار"، أن يأخذ الدمية إلى مكان أكثر سواداً، فإذا به يغوص في الإسفنج و"حساسيّة الدمية عليه"، وفي الأزمات النفسيّة، وهذا الإصرار على أن تُفجِّر الدمية نفسها.
يضيف قائلاً، "كتير تسلّينا بالشغل".
أسلوب التحريك كان جديداً أيضاً على رشاد زعيتر، والتقطيع الإخراجي تطلّب الكثير من الدقّة، "يعني ثانية بثانيتها"، لتطل الدمية بمُفردها على الخَشَبة.
"في حين كنا نُدير، بداية، الدمية، من خلال رشاد، أمست الدمية مع الوقت هي الأساس. هي محور كل شيء. صرنا نرسم إيقاع كل حركة، حتى النَظرة، ثانية فأخرى تماماً كالـanimation. دخلنا في التفاصيل".

عالم الدُمى ليس جديداً على بو خالد، إذ كان في تسعينات القرن الماضي يُحرّك الدمى، وكانت له تجارب "لذيذة" على الخَشَبة.
اليوم، هو المخرج في هذا العَمَل الذي أطلّ للمرّة الأولى في برنامج الاحتفالات بـ"20 سنة مسرح المدينة".
فكرة العمل في ذاتها كانت لـ"بيرنا" – الممثلة برناديت حديب.
اليوم أمست حقيقة. والجمهور يَضحك بانفعال مُرتاح.
ويُصفِّق. والدُمية "تَندُبُ" حظّها.
وبين الحين والآخر تَهتُف بصوت "شكسبيريّ" أجش:
"أهذا خنجر الذي أراه أمامي؟".
ومن أقوالها المأثورة:
"الحياة لعبة بلا جوهر مثلي أنا دمية بلا حشوة"، "أنا مُنفَصم... شكلاً ومضموناً... أنا نصّ... أنا اسفنجه... أنا نص اسفنجة".
وربما كان أجمل أقوالها: "عم بحلم بنصفي التاني"!... أليس هذا حلمنا جميعاً؟

---------------------------------------
المصدر : جريدة النهار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق