مجلة الفنون المسرحية
المسرح الانكليزي في القرن العشرين
أ د.حميد حسون بجية
المسرح الانكليزي في القرن العشرين
أ د.حميد حسون بجية
تضاءلت تدريجيا منذ بداية القرن السابع عشر فترة رائعة شهدها المسرح الإنكليزي - ذلك هو عصر شكسبير وبن جونسون ر وبستر وكون كريف. ولمدة ما يقرب من مائتي سنة تلت باستثناء أعمال منفردة لشريدان وكولد سميث- لم تظهر أعمال مسرحية ذات أهمية(على المسرح). وبعد ذلك وفي آخر عقد من القرن التاسع عشر وخلال معظم القرن العشرين كانت هناك نهضة باهرة. بدأت هذه الفترة عام 1892 بظهور أوائل مسرحيات جورج برناردشو.
جورج برناردشو:
أعلن برناردشو رأيه عن أهدافه ككاتب مسرحي عندما كتب مرة : ينبغي للمسرح أن يتحول من الأدب المسرحي الخيالي والحسي إلى الأدب المسرحي التنويري . فكانت كل مسرحياته التي بدأت (ببيوت الأرامل) عام 1892 ولم تنته إلا بعد ما يقرب من ستين عاما. تلت مسرحيات تعليمية وأخلاقية في مغزاها بشكل مكثف. ومنذ البداية كان برناردشو يسعى لفضح الرياء والحماقة والتقاليدية في طريقتنا في الحياة وسار على ذلك المنوال في مسرحياته الواحدة تلو الأخرى مستخدما سخرية مسلية وروح هزل مثيرة. فلم تعد أبطاله وبطلاته نبيلة ولا رومانسية بل أناسا عاديين من قبيل شخصية ديك ددجيون في مسرحية (تلميذ-تابع- الشيطان) أو قيصر في مسرحية (قيصر وكليوباترا) اوالقديسة جان دارك في المسرحية التي تحمل اسمها. وتمتاز أعمال برناردشو بولعها بالهدم (غير بناءه) أكثر مما هي إبداعية (خلاقة). فهو يقدم القليل من الحلول لما نواجهه من مشاكل بيد أن تعليقاته الدرامية (المسرحية) حول قيمة الهدم جديرة بالاهتمام. يحدث ذلك مثلا في الفصل الثاني من مسرحية (قيصر وكليوباترا) حيث يراقب كل من الامبراطور والمؤرخ ثيودوتس حريق مكتبة الإسكندرية الشهيرة.
ثيودوتس: أن ذاكرة الإنسان هي التي تخترق هناك.
قيصر: يالها من ذاكرة تجلب العار. دعها تحترق.
ثيودوتس(باستغراب) : هل تريد أن تحرق الماضي؟
قيصر : اجل ، وابني المستقبل من أنقاضه.
هذا هو مثل برناردشو الأعلى. وفي مكان آخر في مسرحية (الاانسان والإنسان الامثل) يعبر دون جوان عن آخر من المعتقدات التي يعتز بها برناردشو عندما يقول:
أؤكد لك أني طالما أحس بشيء أفضله على نفسي فلا يمكنني أن أكون سهل الانقياد
ما لم أكافح (أناضل) من اجل تحقيقه أو إفساح المجال لتحقيقه. انه قانون حياتي
واقصد به ما يدور في خلدي حول الطموح الحياتي المتواصل للحصول على تنظيم أكثر سموا.
روعي بالذات اتساعا وعمقا وشدة إلى جانب فهم للذات أكثر وضوحا.
إن أعظم إنجازات برناردشو هي قابليته على خلق ملهاة رائعة مما يبدو لأول وهلة مادة غير درامية. فلا احد قبله ولا بعده تمكن من كتابة مشاهد نقاشية تمثل فيها زخم المناظرة كمصدر أساسي للإثارة الدرامية. ففي عالم الملهاة النثرية والهجاء خلال تقديم دراما الأفكار وفي كمال نضج حواره النثري حقق برناردشو إنجازا كمنت فيه براعته.
جون غالزويرذي (1867-1933)
كانت أعمال غالزويرذي ككاتب مسرحي معاصرة لمسرحيات برناردشو المبكرة. فقد كتب مسرحية (الصندوق الفضي )عام 1906 واتبعها في السنوات اللاحقة بمسرحياته (الصراع) و(العدالة) و(لعبة النصب والاحتيال) و (الو لاءات) و أخرى غيرها. وكانت كل تلك المسرحيات دراسات مأساوية للفرد الواقع تحت رحمة القوى الاجتماعية المستبدة. فكل واحدة منها تقدم إحدى مشاكل الظلم الاجتماعي. لقد كتب كل واحد منها بصدق و بقدر كبير من المهارة الفنية. بيد أن مسرحيات غالزويرذي اختفت و لم تعد تعرض على المسرح. و يكمن السبب في ذالك في آن شخوصه الرئيسة متخشبة بحيث لا يمكن أن تكون مبعث اهتمام دائم للجمهور المتردد كثيرا على المسرح. فشخصية فا لدر في مسرحيه (العدالة) أو انطونيو روبرتس في مسرحية (الصراع) كانت بقايا دمى متحركة تحت رحمة قوى مجردة عملاقة هي القانون الرأسمالية والعمل.
سومرست موم(1874-1965)
بينما استخدم برناردشو التقليد القديم لملهاة السلوك للاستفادة منها في أغراضه الخاصة، اقتنع معاصره سومرست موم بمواصلة هذا التقليد في مسرحيات من قبيل (الدائرة) عام 1921 و(أفضل من هم على شاكلتنا) عام 1923 و(المعيل) عام 1930. ففي كل هذه المسرحيات كما هو الحال في مسرحيات أخرى ناجحة اظهر موم ثقة كاملة بالنفس في مجال معالجاته للحبكة والشخوص وتضلع في استخدامه للسخرية والهجاء المقذع. بيد أن التألق النهائي الذي ميز مسرحيات كونكريف وشريدان ووايلد الهزيلة بقي دائما بعيدا عن متناول موم.
نوئيل كاوارد (1899-1964)
بدا كوارد صلته الغرامية الطويلة بالمسرح و هو في سن الحادية عشرة عندما ظهر كممثل صبي في احد مسارح في الطرف الغربي (ويست اند). أخرجت مسرحيته الأولى (الفكرة الجديدة) عام 1919 ومنذ ذلك الحين اخذ بكتب باستمرار ونجاح المسرح اللندني. وكان أول نجاح حقيقي له في مسرحيته (الدوامة) عام 1924 . و هي هجاء لاسلوب الحياة الحديثة في لندن ما بعد الحرب. ففيها حيوية أخاذة لاذعة كانت تروق كثيرا لنظارة ذلك الزمان. كما كتب مسرحياته المتأخرة من قبيل (حمى القش) و (المركيزة) و (الملائكة الهابطون) و (حيوات شخصية) و (الروح المرحة) فيما بين عام 1924 وعام 1945 وكانت كلها بارعة النجاح. ومرة أخرى كان التقليد الأقوى في المسرح الإنكليزي - أي ملهاة السلوك والسخرية - هو ما قدمه كما ورد بمثل هذه البراعة.
شون اوكابسي (1884-1946 )
ظهرت ثلاثة ملامح في أعمال الكاتب المسرحي الايرلندي شون اوكابسي وهي بدء نوع جديد من الفن المسرحي ورد فعل ضد ملهاة السلوك إضافة إلى الفضول الشديد حول كون الإنسان كيانا مختلفا عن كونه مجرد كائن اجتماعي. عرضت مسرحياته المبكرة وهي(ظل مقاتل) و (جونو والطاووس) و (برج الدب-المحراث والنجوم-) فيما بين عام 1922 وعام1926. وكانت كلها من وحي تجاربه خلال سنين الشقاء 1915-1923 عندما كانت ايرلندا تكافح من اجل الاستقلال. فهي تتمركز حول معاناة الناس العاديين. وتقدم كل واحدة منها مجموعة من الشخوص المنوعة وتستخدم أسلوبا مميزا غنيا.
حي بريستلي (1894-1984)
كان هناك نفس الاستياء الضمني تجاه السخرية والمادية في أعمال كاتب مسرحي متأخر قليلا وهو جي بي بريستلي. فقد كان دائما مصمما على الاستفادة من تجاربه كما تظهر مسرحيته الأولى (الركن الخطر). وفي مسرحية تالية وهي (جونسون وجور دن) عام 1939، استخدم الموسيقى ورقصات الباليه والأقنعة في فنتازيا كهذه تتعامل مع تجارب إنسان عادي بعد موته مباشرة. وكذلك في مسرحياته الأخرى مثل (كنت هنا من قبل) أو (دعوة مفتش) حيث أبدى رغبته في الإفلات من قيود التقليد. بيد أن التغيير الأول الرئيسي في المسرح كان قد جاء توا عام 1935 من خلال أعمال تي أس اليوت.
تي أس اليوت(1888-1965)
لقد استخدمت الأعمال المسرحية الإنكليزية وسيلة الحوار النثري بشكل كاد يكون حصريا منذ عام 1660 وحتى بداية القرن العشرين. وكان هناك القليل من المحاولات في الدرجة الأولى (إلى حد بعيد) على أيدي شعراء القرن التاسع عشر - لأحياء الفن المسرحي الشعري التي كانت سائدة عند كتاب العصر الاليزابيثي. وكانت تلك المحاولات ناجحة إلى حد بعيد. وجرت محاولات أخرى في بداية القرن العشرين لإحداث انعطافة نحو الشكل الشعري قام بها ديلوي بيتس وستيفن فلبس وماسفيلد وآخرون ولكن بقي الشكل من جديد ميتا بشكل مستعص على المعالجة. وكان من الضروري أن نعرف أن المسرح مضاربة تجارية حيث تكتب المسرحيات للمشاهدين (النظارة) وليس للقراء في المكتبات وانه من دون ما يسمى "شباك التذاكر" ليس أمام المسرحية سوى فرصة نجاح ضعيفة. وعندما بدأت نزعة لوضع الشعر والمسرح التجاري في عمل مشترك في الثلاثينات من القرن العشرين، جرى استقبالها بحماس كبير (منقطع النظير) .
يعود الفضل في ذلك إلى تي أس اليوت. فقد أعلن عن اهتمامه بالمسرح الشعري عام 1920 عندما ضمن مقالا له حول" إمكانية تحقق مسرح شعري " ضمن مجلد بعنوان " الأيكة المقدسة". وفيها العبارة المهمة التالية :"تكمن مشكلتنا في تبني نوع من التسلية مخضعة لعملية تجعل منه تقليدا فنيا. وبعد بضع سنين كتب في مقالة بعنوان "حوار في الشعر الاليزابيثي" . وفي عام 1935 طلب إليه أن يكتب مسرحية لمهرجان كانتربي. وبهذه الطريقة بدأت عملية إحياء الفن المسرحي الشعري في بريطانيا بإخراج مسرحية (مقتل في الكاتدرائية) عام 1935.
تعتبر هذه المسرحية إنجازا هاما من ناحيتين. فهي أولا عادت مجددا إلى فكرة قديمة - وهي الصراع داخل نفس الإنسان ضد خلفية تعكس أهمية دينية وسياسية. وثانيا إن هذه المسرحية استخدمت كل وسيلة فنية كانت مستعملة في المسرح سابقا. فقد استعار اليوت من المسرح الإغريقي استخدام الكورس والذي لا يساعد في التعليق على الأحداث فحسب وإنما يسهم أيضا في خلق الجو المناسب وفي إبداع شعور بالعمومية . إن الصيغة العروضية الرئيسية المستخدمة في هذه المسرحية هي الإيقاع المنطلق الذي قام بتجريبة والإجادة فيه الشاعر جيرارد ما نلي هو بكنز - وهذا الإيقاع عبارة عن عدد من النبرات الثابتة في كل بيت مع اختلاف عدد المقاطع.فمرة نسمع أصداء من موسيقى الشعر المرسل الشكسبيرية الرصينة ومرة نصغي إلى لحن أغاني الأطفال المثيرة للضحك والخارجة على قواعد الوزن الشعري. وبهذه الطريقة ابتدع اليوت أسلوبا محايدا موحيا" بالماضي والحاضر على حد سواء ".
وتكشف مسرحياته المتأخرة مثل(التئام شمل العائلة) عام 1939 و(حفلة كوكتيل) عام 1950 و(الكاتب المؤتمن) عام 1954 عن براعة فنية فائقة وعن نفس العمق والجدية في فهم الشخصية البشرية والعلائق الإنسانية.
المسارح الشعرية الأخرى
كانت المسرحيات الشعرية التي اشترك فيها دبليو ايج اودن وكريستوفر اشر وود معاصرة تقريبا لتجارب تي أس اليوت في المسرح الشعري. وكلن المسرح يعني لكلا الكاتبين وسيلة دعائية لغاية سياسية في المقام الأول. وتعتبر مسرحياتهما (الكلب تحت الجلد) عام 1935 و (الصعود ) عام 1936 و (على الحدود) عام 1938 عرضا حيا للهجاء المصحوب بعروض عاطفية لمعالجات ماركسية. ويبدو إن فشل هذه المسرحيات يمثل تنبيها ممتعا إلى خطر استعمال الفن لمجرد غايات دعائية سياسية.
ويتجسد أكثر النجاحات وضوحا في المسرح الشعري بعد اليوت في مسرحيات كريستوفر فراي. فبعد تجاربه المبكرة في مسرحيتي (الصبي والعربة) عام 1938 و(المولود الأول) عام برز فراي ككاتب رئيس في حقل المسرح الشعري عام 1946 في مسرحية (العنقاء ذات الزيارة المتكررة) التي تدور إحداثها حول امرأة رومانية ذات مقام اجتماعي رفيع كانت على وشك أن تضحي بنفسها على قبر زوجها السابق لكن احد القادة الرومان أعادها لممارسة حياة جديدة مفعمة بالحيوية. وحول هذه الفكرة البسيطة حاك فراي نسيجا من مفردات مفعما بالجذل والسخرية والحيوية.
وكان حب فراي للحياة مفتاحا لمسرحية كتبها بعد سنتين وهي(السيدة ليست للحرق) - وهي قصة لساحرة مشهورة إنقاذها من الموت جندي سابق. ومرة أخرى نجد تدفقا غنيا من الصور الخيالية المثيرة للبهجة تعتبرا لناتجة من إدراك متعة الحياة ، وربما بسبب الاهتياج لقرب الموت وهذا يعبر عن تضاد رائع. واشتملت إعمال فراي اللاحقة مسرحيات ممتعة مثل(فينوس حين ترصد) و (الظلام ضياء كاف) و(المعطف الفظ ) وكلها كانت تكشف عن حسن فهم حقيقي للمسرح وقدرة فائقة على الإبداع الاكثر حداثة.
إن النزعة الاكثر حداثة في المسرح البريطاني ابتداء من 1950 وحتى الوقت الحاضر هي التحول عن المسرح الشعري إلى نوع جديد من المسرح النثري. فهي جديدة لأنها في حالة ثورة. إذ أن كتابا مسرحيين من قبيل جون اوزبورن وهارولد بنتر و سامويل بيكيت رفضوا المسرح الارستوقراطي والمسرحيات التاريخية والملهاة الاجتماعية والشعر. وقدموا المسرحية النثرية كبديل كونها تتمركز حول حياة الناس العاديين كما أنها المسرحية التي ولدت من الصراع بين الشباب وبيئتهم. انه مسرح الناس المنبوذين والمخفقين والذين يعوزهم الانسجام والتكيف مع مجتمعهم. فعند الإطلاع على مسرحيتي اوزبون(انظر إلى الوراء بغضب) عام 1957 و(السامر) عام 1957 ومسرحية هارولد بنتر(المتعهد) عام 1962 ومسرحية سامويل بيكيت( في انتظار جودو) عام 1954 يكون على بينة من التغيير الكلى الحاصل على مستوى المعتقدات والمواقف وكذلك على مستوى التجريبية الاستثنائية في معالجة التفاصيل الفنية. يتجسد ذلك جليا في معالجة بنتر للحوار في تركيز بيكيت على الشخوص المنزوين الذين يعملون بانفراد لتحقيق سمة من سمات الواقع الراهن. فهدف الكاتب المسرحي المعاصر هو تقديم نمط جديد لمحتوى جديد ومن خلال البحث الحثيث لذلك تكمن كل الدلائل التي تبشر بمستقبل واعد.
-----------------------------------------------------------------
المصدر : ترجمة د. حميد حسون بجية
فصل من كتاب A Short History of English Literature
تاليف Waldo Clarke
- See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=63816#sthash.5MLRIsLy.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق