تصنيفات مسرحية

الجمعة، 31 مارس 2017

رؤية المخرج المسرحي.. ثبات متحوِّل ومتحوِّل ثابت

مجلة الفنون المسرحية

رؤية المخرج المسرحي.. ثبات متحوِّل ومتحوِّل ثابت


رؤى مختلفة وتجارب متنوعة في الإخراج المسرحي، تناولتها ندوة «المسرح والالتزام.. رؤية المخرج بين الثابت والمتحول»، التي أقيمت يوم السبت على هامش أيام الشارقة المسرحية. فالندوة التي قدمها المسرحي السعودي د. سامي الجمعان، وشارك فيها كل من د. حيدر منعثر من العراق، والمخرج اللبناني عصام بو خالد، إلى جانب المخرج العراقي كاظم نصار، انطلقت من مركزية المخرج في فريق العمل المسرحي، بوصفه من يطرح رؤية العرض ويفرضها على المتلقي، لذلك عمل المشاركون في الندوة للإجابة على تساؤلات تتعلق بظروف الثبات والتحول في رؤيته، على مستويات مختلفة.

صعوبة الإخراج المسرحي تكمن في المصطلح نفسه، بوصفه توريطاً لمن يقوم بهذا العمل، حسب د.حيدر منعثر، الذي أشار في ورقته إلى أن المخرج كان ولا يزال المسؤول الأول عن العمل، إلا أن هذا لا يعني أنه يمكننا أن نعتمد الإخراج كعلم صريح ذي نظريات ثابتة بدراسة علمية، ، يمكن أن يأتي شاب صغير برؤية إخراجية جديدة، يقلب علينا الطاولة ويحقق ما لم يحققه الأكاديميون، وهو ما يرى منعثر أنه يقودنا إلى اعتبار الإخراج المسرحي ثابتاً كحرفة ومتحولاً كموهبة تقارب العرض الافتراضي الذي يسعى إليه المخرجون.

ويرى منعثر، أنه طوال القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظل المخرج فاعلاً أساسياً في العمل المسرحي، لتظهر بعد ذلك سطوة السينوغرافيين على مهمته، عبر تحولهم إلى مخرجين، مشيراً إلى تقدم الدراماتورجية على الإخراج في أعقاب القراءة الدراماتورجية التي قدمها بريخت، مشيراً إلى أنه على المستوى العربي، ظلت الرؤية الإخراجية حبيسة النص، حيث لم يتجاوز الإخراج حدود تنفيذ النص، حتى ظهر تيار جديد يتحلى بالتمرد والاستنارة، ليستلهم تجارب عالمية ويمزجها بخبرات من التراث، في رؤية تتكئ على اكتشاف غير المكتشف في العرض المسرحي.
ولا يغفل منعثر أثر السينما، بوصفها فن المخرج بامتياز، على الإخراج المسرحي، وصولاً إلى ظهور الأسلوبية في الإخراج، والتركيبية أو التصويرية، حيث حول الأسلوب التصويري المخرج إلى كاتب بصري، يعمد إلى تجسيد اللغة البصرية ويخفف من الاشتغال على التجربة اللغوية، وهو ما يقودنا إلى أن جميع المخرجين تصويريون تركيبيون، يختلفون عن بعضهم في الترتيب المشهدي والتقديرات الفنية، الأمر الذي يؤكد أن الإخراج لا يزال فناً قادراً على التحكم بمستقبل العملية المسرحية بقدرته على التحول.

ويخلص منعثر إلى أن المرحلة التي يمر بها العالم الآن، تمثل مرحلة مخاض تهدد فن المسرح بالاندثار، عقب ظهور أشكال تعبيرية تتوسل روح المسرح وأشكاله الأساسية، ما ينبئ بأن شكلاً جديداً من المسرح سيولد في السنوات القليلة المقبلة. وعليه، فإن الثابت والمتحول في الإخراج المسرحي هو ثبات لا يبقى على ثبات، أي أن الثابت فيه متحول والمتحرك فيه متجدد.

مفتاح التحول في الرؤية الإخراجية هو التحولات الاجتماعية، من هذه النقطة انطلق المخرج العراقي كاظم نصار، مشيراً في ورقته إلى أن هذا التحول الذي يعتبر انعكاساً للتحول السياسي، يؤثر على الإخراج بشكل رئيس، فيما تأتي بقية العوامل مثل الإنتاج وظروفه في مرتبة أخرى.

وانطلاقاً من مقولة نجيب سرور: «التجريب هو أي جديد في المسرح على مستوى الشكل والمضمون»، حشد كاظم مجموعة من النماذج في المسرح، العالمي والعربي والعراقي، ليؤكد على زاوية مقاربته للثابت والمتحول في الرؤية الإخراجية، بدءاً من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي دشنت لمسرح سياسي ومسرح غضب ومدارس متعددة، يقف كاظم في هذه الحقبة على تجربة بسكاتور، وبريخت، مشيراً إلى أن المفارقة في التجربتين تكمن في أنهما بدأتا كتحول لتصبحا أيقونتين الآن.

عربياً يدلل نصار على فرضيته المتعلقة بالأثر السياسي والاجتماعي على تحول الرؤية الإخراجية، مستعرضاً نماذج من مصر والمغرب وسوريا ولبنان والعراق، عبر محطات ما بعد حرب 1967، التي تحول فيها الإخراج المسرحي في مصر مثلاً إلى اتباع المسرح التقديمي البريشتي السياسي، ليتحول الديكور إلى تجريدي، وتستلهم الأعمال أشكالاً نابعة من التراث، ويخرج المسرح إلى الحارة والشارع والحديقة والأنقاض. وحول التحولات في رؤيته على الصعيد الشخصي، يقول نصار: «انتقلت من مسرح ما بعد الحرب إلى ما يمكن أن نطلق عليه الكباريه السياسي، الذي يرصد التحولات الاجتماعية التي أحدثتها الحرب على الإنسان العراقي».
منذ بداية العملية الإبداعية لدى المخرج، فإن كل شيء متحول، ولا يوجد ثابت على الإطلاق، حتى النظريات العلمية المقدسة تصبح قابلة للتحول في سياق العمل الفني، حسب ما مضى إلى ذلك المخرج اللبناني عصام بوخالد، مشيراً إلى أنه بمجرد إطلاقنا العنان للخيال، فإن كل الثوابت تسقط تماماً. ويستعرض بوخالد تجربته الشخصية، بوصفه مخرجاً «خريج حرب»، راصداً ما أحدثته الحرب من تغيرات على رؤيته الإخراجية، التي تنطلق في الأساس من أن المسرح ليس مرآة للمجتمع، بل مجهر يغوص في أعماقه. ويقف بوخالد على ما أحدثته الحرب على الرؤية الإخراجية، لتختفي المسرحيات المكونة من فصلين مثلاً، متوقفاً عند تجربته في مسرحية «مارش» التي عرضت ضمن فعاليات أيام الشارقة المسرحية في العام 2005، مشيراً إلى أنه مزج فيها بين رؤية الأكاديمي وغير الأكاديمي، ليفترع طريقاً ثالثاً، الأمر الذي دفع البعض إلى اتهامه بالتطرف الإخراجي.

------------------------------------------
المصدر : عصام أبو القاسم - الآتحاد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق