تصنيفات مسرحية

الجمعة، 7 أبريل 2017

سامي عبد الحميد المفتاح الذهبي لحداثة المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية

سامي عبد الحميد المفتاح الذهبي لحداثة المسرح العراقي

صلاح القصب 

أزمنة مضيئة كانت تشعّ كفوتونات ضوئية رسمت خارطة كبرى لحداثة قائمة على معادلات زمنية، هذه الخارطة التي صمّمها المخرج سامي عبد الحميد، سمحت لتجاربه الإخراجية أن تتنوع كهارمين موسيقي في الارسال، وماذا تريد مخيلته أن ترسم وماذا يريد أن يرسله عبر مستويات آليات بث صوري اعتمد شفرات النص كمنطلق لمتحولات ومتغيرات، فالبعد الجمالي في تجاربه لم يكن نتيجة بل هدفاً لتحقيق علاقة الفنان – الذات الداخلية بالمحيط الكوني، ولا يرى أن هناك انغلاقات وحجباً تفصل المخرج عن العالم الموضوعي أو عالم الظواهر.  
لذا فإن تجارب معلمنا الكبير سامي عبد الحميد، ترفض التجريد الخالص، كما أنه لا يراهن ماهية الشكل كقيمة منفردة ولا بتلك الثنائيات بل تجاوزها الى انشاء كوني بلاستيكي للإمساك بالمعنى الخلاق، لأنه لا يعتقد أن الاهتزازات والإيقاع وعلاقات الشكل يمكنها أن تغمر المخيلة بأصداء الواقع ولا يريد أن يعبر بتجاربه الإخراجية عبر الرمز والمجان والاستعارات البصرية. بل استعادة مخيلة الشعر وفوتونات اللوحة التشكيلية وحركة الرليف النحتي ليرسم تضاريس جديدة لمسرح عراقي، يشع كقوة الفيزياء الضوئية لخطاب عرض مسرحي داخل مساحات التحديث التي تجعل من المسرح فوتوناً ضوئياً يسمو بفضاءات جمالية كقوة موج بصري، لذا فإن اعماله الخالدة نمت وتأسست في محيطيها الانساني والثقافي، وتفاعلت مع حقول الترددات الموجية الحداثوية لمسارات عالمية كانت معادلات موجية تدرك كينونتها الجمالية. اعماله تجولت في مدن عالم المسرح لمعادلات جديدة تشكلت في فضاءات مختلفة في حقول ومدن وتضاريس أشرتها، الشر له رأسان. هاملت عربياً . وانتيكون بيت برناد البا. الحيوانات الزجاجية، القرد الكثيف الشعر، عطيل في المطبخ، تموز يقرع الناقوس والخادمات، انتظار كودو، المفتاح، وكم من أعمال أخرى خالدة. الخارطة الإخراجية اشبه بالخرائط المعمارية للعصر الباروكي وقوة العمارة شكلاً، وهندسة أشبه بمعمارية قصر فرساي الخالد واقتربت من الاكتشافات الهندسية الجديدة في تصميم العمارة التي هندستها وصمّمتها المعمارية الخالدة زها حديد لإنشاء مكون معماري بصري جديد، تجاربه خلخلت أفق التوقع عند المتلقي كما جعل من تجاربه أن تمتلك روح العصر وثقافته. 
سامي عبد الحميد رمز وطني وثقافي كبير شكل خارطة جمالية لمسرح عراقي حداثوي شكّل مدناً جمالية ترتقي لعلو ومجد عالمي، تجاربه عرفت كيف تتعاقب خارج الاستنساخ والتكرار انها قوة انبثاق للحلم لترددات، لموج، للون، لمساحة، لفضاءات الكتلة وقوة التكوين وقوة السحر، كانت حضوراً مزدوجاً حضور الابداع وحضور طاقته (كمخرج) حداثوي خلاق، منجزه الفني حقول كمية هي الاقرب الى معادلات اشتغلت لتحقيق مركب فني مبهر لمعادل خلق ابداعي، تجربته الاخراجية الممتدة الى اكثر من نصف قرن اشتغلت ضمن مستويات الطاقة للمركب (الفني – العرض) والتي اشتغلت ضمن قراءات التحليل لماهية العرض كمركب يحدد البلاستيكا التشكيلية كخطاب جمالي، كشكل حسي للعرض وهو انشائيات الوحدة السينوغرافية في فيزيائية العرض بصرياً .
طاقة الرمز الكبير سامي عبد الحميد تحركت ضمن مستويات المركب الادائي، فكان ممثلاً كبيراً ممثلاً استثنائياً وكانت طاقته الادائية انشاءً فضائياً مركباً، فكان اداؤه لشخصية، لير، والتي استقبلها الجمهور تصفيقاً لمدة اكثر من خمس واربعين دقيقة، كان ساحراً في أدائه للخال فاينا والشقيقات الثلاث، واغنية التم والمتنبي. كانت قراءاته كممثل قراءة تحليلية جديدة في اسلوبية الاداء كان اشبه  بالساحر اشبه بالمهندس المعماري اشبه بالروائي بالشاعر بالتشكيلي بالموسيقي، ادائه كان فيضاً من الطاقة لرؤيا جديدة للمكون الادائي بتداخل الموجات الصوتية والجسدية ليصل إلى طاقة الفكر إلى النشوة الجمالية إلى أبعد حدود الطاقة لتحقيق حالة الانبهار في كل لحظات الاداء. 
أداؤه كان يمتلك كل الجزيئيات وتفاصيلها كان الممثل المفكر الذي يمتلك فلسفة وفسلجة الجسد بكل جزيئياته وتفاصيله، ان يفكر ومن خلاله أن يكون تفكيره آنياً تنبعث منه الحرارة المتحركة والمتغيرة باستمرار، هذا الاداء ليس فعلاً داخلياً انما هو شيء يمكن أن تتحسسه وتراه عن قرب، كما يمكن أن نحس حرارة انفعالاته المصمّمة بقصدية مركزة مثل هذا المركب الأدائي ليس سهلاً، لأنه يركز على وجود الممثل المفكر التشكيلي الذي يرسم الجسد وطاقة الموج الأدائي كما في مسرحية لير والشقيقات الثلاث والخال نانيا، سامي عبد الحميد رسم اداء الممثل الحر المتحرر من خوفه.
الكبير سامي عبد الحميد ظاهرة من الصعوبة أن تتكرر، لأنها تحتاج آزمنة، انه الطاقة الخالدة كطاقة تلك الموجات الخالدة، انه المفكر والباحث والمترجم والاكاديمي والممثل والمخرج، إنه الأب الروحي لكل الأجيال، انه طاقة الحداثة وطاقة التجريب، انه الموج المشعّ، سامي عبد الحميد المفتاح الذهبي لمسرحنا العراقي.

-----------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق