تصنيفات مسرحية

الأحد، 30 أبريل 2017

كتاب يرصد دور الحبيب بورقيبة في نهضة المسرح التونسي

مجلة الفنون المسرحية

كتاب يرصد دور الحبيب بورقيبة في نهضة المسرح التونسي

يشير الكاتب عبد الحليم المسعودي أن بورقيبة كان يشيد في المقالات التي كان ينشرها في جريدة الحزب الحر الدستوري بالمسرحيات التي كانت تقدمها فرقة “المستقبل التمثيلي”.

في كتابه ”بورقيبة والمسرح- قراءة في أطياف بيان تأسيسي” يقدم الباحث التونسي عبدالحليم المسعودي عرضا مفصلا ودقيقا عن رؤية الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة للمسرح، وهو الذي حرص منذ بدايات تأسيس الجمهورية الأولى في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، على جعل المسرح فنا تربويا، ووسيلة مهمة في بناء المجتمع الجديد اعتمادا على المقولة الشهيرة ”أعطوني مسرحا أعطيكم شعبا عظيما”.

وكان بورقيبة قد عشق المسرح وهو لا يزال تلميذا في المدرسة الصادقية. وكان يُقْبل بحماس على العروض التي تقدمها الفرق المسرحية التي تفاخر بالهوية الوطنية، وتنشر خطابا نضاليّا مناهضا للاستعمار.

في البعض من خطبه، تعرض بورقيبة لقصة غرامه بالمسرح، وبالممثلة اليهودية فائقة الجمال حبيبة مسيكة التي أحرقها أحد عشاقها مدفوعا بنار الغيرة في شتاء عام 1930.

وكان يفاخر بأنه تمكن من أن “يختطف قبلة المسك” من وجنتها وهي على الركح في مسرحية ”لوكراس بورجيا”.

وقد ازداد الحبيب بورقيبة عشقا لتلك الشابة ذات العينين الزرقاوين التي فتنت بيكاسو وكوكو شانال، عندما تحدّت السلطات الاستعمارية، وقدّمت عرضا مسرحيا بعنوان “شهداء الحرية” يتعرض لكفاح الهولنديين ضدّ الهيمنة الإسبانية.

في باريس التي استقر فيها من عام 1924 إلى عام 1927، لم يكن الحبيب بورقيبة المغرم بالأدب الفرنسي، والذي كان يحب أن يردّد عن ظهر قلب قصائد كبار الشعراء الفرنسيين من أمثال فيكتور هوغو، ولامرتين،

وألفريد دو فينييه، ينقطع عن التردد على المسارح الكبيرة، مُعتبرا المسرح “فنّا جميلا” يساعد على تهذيب الأذواق، ونشر القيم النبيلة.

وكان يبدي إعجابه برموز المسرح الفرنسي في ذلك الوقت من أمثال لوي جوفيه، وجاك كوبو، وشارل دولاّن، وجان لوي بارو. كما اكتسب معرفة عميقة بالمسرحيات الكلاسيكية الشهيرة التي ألفها موليير، وكورناي، وفيكتور هوغو، وادموند روستان وغيرهم.

المسرح كان وسيلة لتعميق الشعور بالهوية التونسية في زمن كانت النزعات العشائرية والقبلية لا تزال معششة في عقول الكثيرين
وعندما عاد إلى تونس، لم تمنعه نشاطاته السياسية، وتنقلاته في أرجاء البلاد بهدف بعث حزب وطني جديد من متابعة الحركة المسرحية، مقبلا بالخصوص على المسرحيات المحرضة على النضال الوطني، وعلى حثّ المجتمع على التخلص من الجهل والتقاليد البالية التي تعيق خروجه من الظلمات.

ويشير المسعودي في كتابه، الصادر عن دار”آفاق”، إلى أن بورقيبة كان يشيد في المقالات التي كان ينشرها في جريدة الحزب الحر الدستوري الذي أنشأه في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، بالمسرحيات التي كانت تقدمها فرقة “المستقبل التمثيلي”.

وتحت تأثير المسرح، كان بورقيبة الزعيم والمناضل الوطني يلجأ في الخطب التي كان يلقيها أمام الجماهير إلى الوسائل والتعابير المسرحية بهدف التأثير عليها. وحافظ على هذا الأسلوب المسرحي في الخطب التي ألقاها بعد الاستقلال. لذلك كان يبدو وهو يلقي خطبه وكأنه ممثل مسرحي بارع.

ويخصص عبدالحليم المسعودي الجزء الأكبر من كتابه الذي استند فيه إلى العديد من الوثائق السياسية والفكرية والأدبية والفلسفية، للخطاب الذي ألقاه الزعيم الحبيب بورقيبة في السابع من نوفمبر 1962، والذي أشار فيه إلى أن المسرح وسيلة أساسية لبناء المجتمع الجديد، و”نموذج صغير للوطن الذي يمثل رقعة فسيحة نتعايش في أرجائها”.

وعن ذاك الخطاب الشهير، كتب المسعودي يقول “خطاب بورقيبة فعل رياديّ. وهو خطاب أقل ما يوصف به أنه ‘بيان‘ أو ‘مانيفستو‘ مسرحي.

كما أنه بيان تأسيسي لمرحلة جديدة يكون فيها المسرح مبشرا ورائدا لقيم التنوير والتمدن والانفتاح على العالم”. وفي خطابه أظهر الزعيم بورقيبة أن للمسرح قدرة فائقة وعجيبة على تهيئة المجتمع لتقبل أفكاره الإصلاحية الداعية إلى حرية المرأة، والتصدي للتعصب الديني والعقائدي، ومقاومة الجهل والتخلف.

كما أن المسرح وسيلة لتعميق الشعور بالهوية التونسية في زمن كانت النزعات العشائرية والقبلية لا تزال معششة في عقول الكثير من التونسيين.

لذلك أطلق بورقيبة في خطابه المذكور الدعوة إلى أن يخرج المسرح من دائرة الهواية ليصبح احترافا قائلا “لا نقبل أن يترك أمر المسرح لمجرد الموهبة والهواية والاجتهاد الفردي، فالفن المسرحيّ يتطلب التعليم والتهذيب والدرس. وقد أنشئت من أجله الكليات لتدريب ذوي المواهب وإفادتهم بما سبقهم من تجارب”.

فتحت مدارس ومعاهد لتدريس المسرح. كما تكونت فرق مسرحية في عواصم الجهات. وكانت فرقة الكاف، عاصمة الشمال الغربي، أولى الفرق المسرحية التي لعبت دورا أساسيا في تطوير المسرح التونسي رغم الصعوبات والعراقيل التي واجهتها.

وفي مدينة قفصة الجنوبية، قام شبان متخرجون من معاهد المسرح في تونس، وفي بلدان أوروبية، بتأسيس فرقة مسرحية

مساهمة هي أيضا، وبقدر كبير، في تطوير المسرح على مستوى المضمون، وفن الإخراج. ويعود الفضل في ذلك إلى رجاء فرحات، وفاضل الجعايبي وفاضل الجزيري ورؤوف بن عمر.

وفي نهاية السبعينات من القرن الماضي، ظهرت مسرحيات تنتقد النظام السياسي في تونس. عندئذ أخذ بورقيبة يظهر نفورا واضحا من هذه المسرحيات. وأحيانا كان يجاهر برفضه المطلق لها، معتبرا إياها “تخريبية” و”عبثية”.

--------------------------------------------------

المصدر : حسونة المصباحي - جريدة العرب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق