تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 11 أبريل 2017

الموسيقى وأهميتها فى المسرح

مجلة الفنون المسرحية

الموسيقى وأهميتها فى المسرح

محسن النصار 

          تعد اللغة الموسيقية واحده من أهم اللغات الفنية المجردة، فإذا كانت الكلمات والجمل المنطوقة والمكتوبة لها دلالاتها الواضحة التي يدركها ويفهمها الإنسان ويستوعبها العقل بشكل مباشر ويعي ما تعنيه ، فإن العبارات والجمل الموسيقية هي لغة الأحاسيس والمشاعر الإنسانية لذا أطلق على الموسيقى بأنها   " غذاء الروح" وذلك لان تلك اللغة المجردة تخاطب المشاعر والوجدان الذي يغذى الروح."وهذا التأثير الأخلاقي يجعل المشاعر الإنسانية أكثر نبلاً . وفي المسرح تساعد الموسيقى على إيصال الأفكار إلى المتفرجين . بمساعدة اللغة التعبيرية والفعل الفيزيقي . وما تنتجهُ هذه العملية من تأثيرات حسية ونفسية في إضفاء الجو الروحي العام للعرض المسرحي وهما معاً "الموسيقى واللغة التعبيرية للجسد" يحددان إيقاع المشهد . وبالتالي من إيقاعات المشهد يتحدد إيقاع المسرحية ككل
  " الموسيقى  لغة علينا أن نفهمها كي نعرف كيف نوظفها بشكلها السليم ولا ضير إذا استخدمنا الموسيقى بدلا من ديالوج حواري أو حتى مشهد "لان الموسيقى هي لغة يمكن لجمهور إن يتلقاها إذا ما استخدمت استخداما صحيحاً ".
   " دور الموسيقى في المسرح في كونها " تساعد المخرج في دعم الصورة الإيقاعية للعرض التي ستعطي فيما بعد قدرة المحاكاة الحقيقية أو الصدى الحقيقي للموسيقى الداخلية للعرض المسرحي " . أنها الجو الذي يعتنق ذلك النضوج الداخلي ، كفكر غير منظور يسري كالعدوى ليستقر في الروح فيستمر لينمو ويولد المعرفة في القلب .
 الموسيقى في المسرح تبدأ في الكلام ، وتستمر في الحركة وفي الإيقاع وفي ميلودي الصوت .مثلها في ذلك مثل نشأتها ، وتعامل الانسان معها ، وبالأخص الفنان الاول والانسان الاول الذي حاكى الطبيعة وتعلم منها ، واراد التعامل معها بمختلف الوسائل الصوتية والحركية والتشكيلية . فاستثمر جمالها بالرسم والنحت والشعر والغناء والموسيقى ، وحاكى تضاريسها من جبال ووديان وانهار وحيوانات واصوات الذي ذكرناه جميعا . ومنها وبها شكلت الموسيقى المحتوى الحقيقي للرؤيا المسرحية و"العرض المسرحي لا يمكن أن يكون عرضا إيقاعيا إذا لم يكن موسيقيا  . من خلال الكلام ، الحركة ، الإيقاع ، ميلودي الصوت ، اللون ، الصمت ، السكون ، الظلام .. إلى غير ذلك . لأن العرض بدونها سيكون سيئا .

        ففن الموسيقى يعلمنا كيف أن تغيرا طفيفا في الإيقاع سينتج زيفا . ان الشكل في الموسيقى يعلمنا الحرفة ، والمضمون فيها يعلمنا الإحساس والشعور بها روحيا . ومن كلاهما نسمع ذلك اليومي الذي نطلق عليه {الجو العام} أو {المواطنة في الفن} كما يسميها توفستونوكوف الذي يقول "إذا تصورنا أن الفن المسرحي هو أوركسترا سمفونية ، فأن الموسيقى هي آلة من الآلات العرض المسرحي  . وعليه يجب ان ترتبط الموسيقى مع جميع الأدوات المعروفة للعرض من اجل التكامل الفني في العرض المسرحي . وهو يعني أيضا ، أن الموسيقى في المسرح هي جزء من الكل لا يمكن أن تجلب الاستحسان بمعزل عن بقية العناصر المسرحية ، وان انسجام الأداء مع الموسيقى أمر ضروري . وعندما يتوجب وجود الموسيقى في المسرحية فعلينا أن نجد لها المكان الملائم كما يرى ذلك مايرخولد . مما تقدم يتأكد أن الموسيقى واحدة من الوسائل المهمة في المسرح هذا الفن متعدد الجوانب .


        إننا نعيش في الطبيعة ونحن محاطون بالأصوات المختلفة ، القبيح منها والجميل وبما أن المسرح هو محاكاة الطبيعة ، إذن لابد لتلك الأصوات أن تصاحب أحداثه ، وترافق حواراته ، وحسه الموسيقي " تساعد الممثل على إظهار المعنى الباطني الاجتماعي ، والأساس تجمل علاقات الحدث المسرحي  . إذن هل يعني ذلك أن للموسيقى تأثيرا أخلاقيا وروحيا على حياتنا ؟ وهل تجعل من مشاعرنا اكثر نبلا ؟؟؟ . يقول ألن دانيلو :"أن الموسيقى تعد وسيلة لفهم عمل أفكارنا إضافة إلى إحساساتنا العاطفية . كنوع من الترابط بين الرقم والفكروهذا التأثير
الأخلاقي يجعل المشاعر الإنسانية أكثر نبلاً .

        وفي المسرح تساعد الموسيقى على إيصال الأفكار إلى المتفرجين . بمساعدة اللغة التعبيرية والفعل الفيزيقي . وما تنتجهُ هذه العملية من تأثيرات حسية ونفسية في إضفاء الجو الروحي العام للعرض المسرحي وهما معاً "الموسيقى واللغة التعبيرية للجسد" يحددان إيقاع المشهد . وبالتالي من إيقاعات المشهد يتحدد إيقاع المسرحية ككل  وما أكد أيضاً يوري زافادسكي هو تحديد مكانة المؤلف الموسيقي ضمن المجموعة المسرحية بكونه يساعد المخرج في دعم الصورة الإيقاعية للعرض مما يتيح إمكان المحاكاة الحقيقية للموسيقى الداخلية . ذلك لأن الموسيقى تعلمنا الشعور بما هو يومي وحياتي في مسرحنا . وهو ما نسميه الجو العام للعرض المسرحي . لأنها – كما قلنا تمتلك الأهمية الأساسية في خلق الجو المطلوب للعرض المسرحي . والذي من خلالهُ تصبح التجربة الروحية واقعاً ملموساً . وكما إن الأفكار والأهداف العامة والرئيسة محددة في المسرحية . كذلك فإن التأليف الموسيقي يجب أن يتم في ضوء تلك الأهداف والأفكار ويجب أن يكون التأليف الموسيقي متماسكاً مع مكونات العرض المسرحي وصولاً إلى التكامل الفني المطلوب للعرض المسرحي ككل . إلى الذي نستطيع معه أن نميز تلك الموسيقى المؤلفة خصيصاً للمسرحية حتى إن تم سماعها بمعزل عن مشاهدة العرض ، وانطلاقاً من ذلك التحديد نستطيع القول إن الموسيقى التي يتم تأليفها لمسرحية ما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصلح لمسرحية أخرى حتى لو إتفقت معها في النوع ، وتقاربت في الأهداف العامة ، وفي الأفكار . وإنه في حالة إستخدامها سنشعر بالفارق ولو كان بسيطاً . وعليه فإن الشكل الموسيقي للعرض المسرحي يأخذ الحيز الكبير الأخير في عمل عدد من المخرجين حين يحددا الوحدة الأسلوبية والفنية للعرض .
        وعلى العموم فأن الموسيقى التي يتم وضعها للدراما المسرحية لا تتم إعتباطاً ، لسد نقص في الإخراج ، أي للإفراغ في المسرحية بل على العكس من ذلك أن الموسيقى تشكل جزء اً هاماً وأكيداً وفاعلاً تماماً في أهميتها كالممثل والإضاءة والديكور . وغيرها من المستلزمات الهامة في تكوين العرض المسرحي . أن الموسيقى تعني خللاً كبيراً يؤثر على العرض المسرحي إذا أسيء استعمالها في العرض والعكس صحيح الموسيقى تعني كياناً كاملاً من الأحاسيس والمعاني تساعد في توصيل الأفكار والمعاني إلى المشاهد أو أنها تفك رموز ما كان غامضاً من تلك المعاني و الأفكار فأن كل آلة فيها يمكن أن تمثل شخصية من شخصيات المسرحية فالموسيقى بالأساس وجهة نظر مهمة . لشخصية في المسرحية ومجموعة أشخاص تعبر عن ما في داخلهم من وجهة نظر أي أنها تفكير الشخصية بصوت مرتفع ، يمكن للجمهور إدراكه وفهمه . 
إذن نخلص إلى القول " أن الموسيقى في أهميتها تكمل العرض المسرحي ، وعليه يجب أن ترتبط الموسيقى مع جميع الأدوات المعروفة للعرض من أجل التكامل الفني في العرض المسرحي ".
        " الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية قديمان قدم المسرح، فنشأت من أصوات حفيف الأشجار وأصوات قرع الطبول والأجراس البدائية التي كانت ترافق الإنسان في الصيد والحروب والنزالات والطقوس الدينية إلى الصوت والموسيقى المصاحبة للعرض المسرحي الحديث. وغالباً ما يعدّ الصوت والموسيقي جزءين متممين للعمل المسرحي الناجح ".

        " أن الموسيقي المسرحية تزامنت بداياتها مع بدايات المسرح نفسه، فالإنسان عرف فن الموسيقى منذ قديم الزمان، وكان من البديهي أن يستخدمه عاملاً مساعداً في الفن المسرحي. وكل من قرأ شكسبير لا بد أن يدرك أهمية الصوت والموسيقي في المسرح الإليزابيثي، ولوحظ مما دوّن من مذكرات عن الصوت أنها تكّون نسبة كبيرة من التوجيهات المسرحية، بينما نجد مثلا "موسيقى ناعمة"، "موسيقى جدية وغريبة"، "أبواق من الداخل"، "نداءات السلاح"، "طبول وأبواق"، "عاصفة ورعد"، وهكذا.

        وقد بلغ استعمال الموسيقي والمؤثرات حد الدقة في حالة الميلودراما وكما يفرض الاسم على هذا النوع من المسرحيات أن يعتمد اعتماداً كبيراً على الموسيقي بعنصر مهيأ للجو خاصة في مشاهد الحب واستدرار الشفقة أو الصراع العنيف لمواقف الشر. والواقع أنه لم يحدث أي تغير جوهري بالنسبة للمؤثرات الصوتية والموسيقي التصويرية منذ عهد شكسبير حتى القرن العشرين الميلادي". 

        "  وعلى المخرج الذي يريد استخدام الموسيقى والمؤثرات الصوتية في عمله المسرحي عليه أن يحسن اختيار الموسيقى التي تجذب الجمهور وان لايبالغ في استخدامها. إذا على المخرج إن يكون ذواقاً في عملية اختيار وتصميم الموسيقى لان مفتاح نجاح العمل بيده وان يكون فكرة (للدراماتورج) أثناء التأليف الموسيقي من خلال تصميم مجموعة من المعزوفات المختلفة التي تجمعها وحدة موضوع وهي فكرة العمل المسرحي وعليه أن يميز بين استخدام الموسيقى في المشاهد وان يستطيع أن يكون دراما موسيقية متكاملة كأن تكون صراعاً بين الخير والشر أو الحياة والموت أو الحزن والفرح وغيرها.

         وعليه أن يجعل جميع الموسيقى التي يستخدمها في عمله المسرحي مرافقة لحركات ورقصات درامية وان لا تكون مجرد موسيقى لملء الفراغ مما يسبب مللا لدى المتلقي من تكرار الموسيقى أو طولها غير المبرر. ومن أهم الفنون المسرحية التي تعتمد على الموسيقى في عرضها هي (الاوبريت ومسرح العرائس والأوبرا والباليه والبانتو مايم "المسرح الصامت "والدراما دانس (الرقص الدرامي)" ".
        
        " ان نجاح استخدام الموسيقى في العروض ينجم من درايتين وهما الدراية بفن المسرح والدراية بفن الموسيقى. وحين يتوفران عند المخرج بوصفه قائد العرض من شأنهما ان يعيناه في التقاط الدور التوظيفي للموسيقى.لدينا من الموسيقى نوعان: موسيقى آلية “اي خالية من الكلام” والموسيقي الغنائية ــ شعر، لحن، اداء، ايقاع، موسيقى مرافقة وهي غالبا ما تكون ثانوية.الموسيقة الالية، منها السمفونية، الكونشرتو، السوناتا، الافتتاحية، التقاسيم، ويعد استخدام هذه القوالب من اسوأ انواع الاستخدام في العملية المسرحية، فهذي القوالب تسير على وفق نظام خاص في التأليف الموسيقي، فضلا عن موضوعها المستقل الذي صمم له المؤلف جملا موسيقية مركبة تركيبا مقصودا يحاول فيه المؤلف رسم علامات يستدل منها المتلقي لفهم الموضوع، وغالبا ما يستقي المؤلف الموسيقي موضوعاته من الاساطير او الشخصيات المشهورة او قصائد شعرية او من الادب العالمي او بصورة معركة مشهورة وهكذا لا تجد موسيقى خالية من موضوع يخصها. اذن فعملية اشراك موسيقى من هذا النوع يشتت كلا الموضوعين موضوع الموسيقى وموضوع المسرحية
        وهذا الحال ينسحب على الكونشرتو في حالة استخدامها في العروض فالكونشرتو مؤلفة موسيقية آلية تتحاور فيها آلة واحدة مع مجموعة آلات فتارة يهدأان واخرى ينفجران على شكل سرد حواري درامي يعتمد موضوعا معينا، فمخاطر اشراكه في العرض اكثر من غيره.وكأن هذه السطور تتضمن دعوة للعمل الجاد على انتاج ثقافي جديد اسمه مصمم موسيقى العرض اي ذلك الموسيقي الذي يعرف متطلبات العرض اي الذي لا يحاكي الاحداث فيصاحبها، بل ان يتخذ تلك الاحداث او الحدث المعين لاستثارة خياله كي ينجز موسيقى تشترك في بث رسالة العرض. وهذا ما يحتاجه الواقع المسرحي فعلا ".
و" الموسيقى لغة وتلك اللغة لابد وان يكون لها منظومة من القواعد والتراكيب التي تحددها فكما توجد قواعد نحويه للغة العربية يوجد للموسيقى لغة بنائية متمثلة فى القوالب والصيغ الموسيقية التى يعتمد عليها المؤلف الموسيقى فى كتابة مقطوعته الموسيقية. ولكى يستطيع المؤلف ان يخرج المقطوعة الموسيقية المؤلفة الى حيز الوجود لابد وان يختار القالب او الفورم الذى يتناسب وما الفه من موسيقى، ونجد انه هناك العديد من الصيغ والقوالب الموسيقية التى يمكن للمؤلف ان يصول ويجول فى قوالبها بما يترائى له من افكار     
 موسيقية "
  
المصادر
1- ألن دنيور : القيم الروحية والأخلاقية في الموسيقى ، ت:محمد جواد داود ، مجلة القيثارة ، وزارة الإعلام 1989،

2-  كتاب "المدخل الي الفنون المسرحية "تأليف فرانك م.هوايتنج ،القاهرة، دار المعرفة للنشر،1970
3- كتاب "تحليل القوالب الموسيقية "تأليف فيكتور باينكو  ترجمة  عماد حموش، دمشق، منشورات وزارة الثقافة،1998

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق