تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 4 أبريل 2017

مسرحية حديقة الحيوان تكشف أمراض المجتمع الأمريكي على خشبة القباني

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية حديقة الحيوان تكشف أمراض المجتمع الأمريكي على خشبة القباني

سامر أسماعيل  - سانا 

أربعون عاماً كانت هي الفترة التي تحدث عنها المخرج حسن عكلا مسترجعاً ذكرياته على مسرح القباني وهو يعلن افتتاح مسرحيته “حديقة الحيوان” عن نص أدوارد أولبي حيث قال: “المرة الأولى التي وقفت فيها على خشبة أبي خليل كانت منذ أربعة عقود واليوم أعود لأقدم هذا العرض على هذا المكان الأثير على قلبي الذي بدأت منه وربما المكان الذي أنتهي منه بعد عروض “الشيخ والطريق وقصة حب” ها أنا ذا أهدي هذا العرض للفنان الكبير عبد الرحمن أبو القاسم”.

المسرحية التي افتتحت عروضها على مسرح القباني جمعت بين كل من أبو القاسم والممثل محمود خليلي في ثنائية لعبت أبرز نصوص مسرح العبث للكاتب الأمريكي المعروف مستندين في ذلك إلى الحواريات المتطاولة والملغزة بين رجلين يلتقيان في حديقة عامة لتتكشف عبر هذه الحوارية مأساة البشرية وعدمية الوجود وعدم قدرة الفرد على الارتقاء من البهيمية التي بداخله إلى الإنسان الذي حاصرته الوحشة والاغتراب داخل مدينته.

وتصور “قصة حديقة الحيوان” عزلة كل من “بيتر” وهو رجل من الطبقة الوسطى يعيش حياته بهدوء مع زوجته وابنتيه وقطة وببغاوين ويقرأ في الحديقة كتاباً والشاب “جيري” الذي تمتلئ حياته بفراغات متتالية منذ أن وجدت جثة والدته في مكب النفايات مروراً باستئجاره نصف ملحق في ضواحي نيويورك وملاحقة صاحبة الملحق له مع التركيز على فرادة عزلة كل منهما ورغبتهما فتح نوافذ للتواصل مع بعضهما ليكتشفا أن الأوان فاتهما منذ زمن بعيد لتحقيق أي نوع من أنواع العلاقات وليتحول وجودهما بحد ذاته إلى أحد مفرزات المجتمع الاستهلاكي.

تشريح الأبعاد النفسية لكلا الشخصيتين وعلاقتهما مع مجتمعهما والطبقة الاجتماعية التي ينتمي كل منهما إليها كان عبر عبثية واضحة أرادها “أولبي” لتقديم رؤيته المتشائمة للعلاقات الإنسانية بلهجة ساخرة غير مهادنة تمتاز بجدليتها القوية وإيجازها واستفزازيتها وما تحويه من حوار مختصر إلى الحد الأدنى ولغة مكثفة تحمل أكثر من معنى ولا سيما أنها جاءت تعبيراً عن الانتقال المفاجئ في حياة المجتمع الأمريكي من حالة الهدوء في خمسينات القرن الماضي إلى مرحلة الستينات المضطربة.

وغلب على العرض الأبعاد العبثية لمسرحية “أولبي” التي اتخذت اتجاهاً مغايراً عبر خطاب مسرحي باللغة العربية الفصحى استعارت نيويورك وحديقة السينترال بارك فيها لتعبر هذه التجربة عن واقعها المحلي المستعار مشخصةً بعض أمراضه الاجتماعية التي يعاني منها الفرد الأمريكي جاعلة من أهم رهاناتها وصف الواقع وتفكيكه من زاوية النقد الاجتماعي والفلسفي والأيديولوجي وحث المتلقي على امتلاك وعي حقيقي وتفاعل جاد تجاه ما يعرض أمامه.

الاعتماد على قدرات الممثلين العالية وإمكانياتهما في حمل أفكار العرض دعمت التجربة ولا سيما بعد الأداء الرفيع في المشهد الأخير لكل من أبو القاسم وخليلي ما جعل شخصيتي العمل في ذروة درامية حادة تمكنا فيها عبر تركيزهما على البعد الداخلي للشخصية من انتخاب غاية في الدقة لتعبيرات الوجه.. ردود فعل الصوت.. والإيماءات الانفعالية ضمن تصاعد الخط الدرامي للعمل ككل والانقلاب في طباع كل منهما.

وركز المخرج العكلا على مناخ سينوغرافي مختزل يتوسطه مقعد متحرك لحديقة عامة وعمود كهرباء تاركاً المساحة مفتوحة للعب بين كل من أبو القاسم وخليلي وعبر أزياء حاكت الطبيعة النفسية للشخصيتين ليكون الجمهور أمام فرجة مسرحية تخلت عن فائض مسرح الأغراض وصولاً إلى مسرح الممثل واختباء المخرج فيه للوصول إلى قلوب جمهوره.

يذكر أن العرض من إنتاج وزارة الثقافة “مديرية المسارح والموسيقا” المسرح القومي وهو مستمر حتى العشرين من شهر نيسان الجاري والمخرج المساعد.. محمد المودي والتأليف الموسيقي.. محمد عزاوي وتصميم الديكور.. أشرف عكلا وتصميم الإضاءة.. بسام حميدي وتصميم الملابس.. سهى العلي وتصميم الإعلان.. زهير العربي ومكياج.. نور الخطيب وفوتوغراف.. يوسف بدوي وبرومو.. علي الرفاعي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق