مجلة الفنون المسرحية
في مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني..تمثلات الواقع العربي لدى المسرحيين الشباب العرب
بشار عليوي
لا يُمكن لأي مُتابع للمسرح العربي المُعاصر أن يتخطى التأثير الواضح للمسرحيين الشباب العرب، وتمظهرات هذا التأثير في إعادة صياغة المشهد المسرحي الجديد في عموم العالم العربي التي باتت تنأى بمُخرجات الحرائق المُشتعلة في هذا البلد العربي أو ذاك، واضطراب الواقع العربي العام بجميع مفاصلهِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وهذا كُلهُ ألقى بظلالهِ على تفكير هؤلاء المسرحيين الذين وجدوا أنفسهم إزاء تحد كبير يتجسد في كيفية إثبات وجودهم أولاً داخل المسرح العربي، وثانياً كيفية مُقاربة الواقع الحياتي المُضطرب أصلاً والتمرد عليهِ مسرحياً، وهذا ما تمثلَ في مُجمل العروض المسرحية العربية التي شهدها (مهرجان شرم الشيخ الدولي الثاني للمسرح الشبابي1-8/4/2017) في مصر، فثُمةَ قواسم مُشتركة ما بين تلك العروض لعلَ أبرزها المحمولات الفكرية التي تجسدت عبرَ الوجع الذي حملهُ المسرحيون العرب الشباب ممن وجدوا في ماهية المهرجان مجالاً رئيوياً للبوح الداخلي من خلال عروضهم الصادمة فكرياً والباعثة على الدهشة جمالياً، وتُعنى هذهِ الفُسحة النقدية بثلاثةٍ منها بُغية إعطاء صورة وافية عن طبيعتها مُجتمعةً .
"شقف" ورحلة المجهول
عن فكرة للفنان الراحل "عز الدين قنون" , وهوَ من إنتاج مسرح الحمرا في تونس وأم سي سبايس كندا، تأليف وإخراج: سيرين قنون ومجدي بو مطر، تمثيل(بحري الرحالي/ ندى الحمصي/عبد المنعم شويات/ ريم الحمروني/ اسامة كشكار/ مريم دارا/ وغي اونصونصوي/ صوفيا موسى)، يتحدث العرض عن موضوعة الهجرة الغير شرعية التي تُعاني منها بُلدان أوروبا عبرَ تدفق المُهاجرين العرب والأفارقة إليها وفي العرض مجموعة مهاجرين غير شرعيين قد جمعهم قارب صغير يُبغون الهروب من بلدانهم بُغية تحقيق أحلامهم المُتجسدة في الوصول الى أرض ثانية هي ايطاليا بالتحديد بعيداً عن مآسي بُلدانهم، ولعلَّ ميزة هذا العرض الذي قُدّمَ سابقاً في افتتاح مهرجان قرطاج 2016 وعُرض بعدها ولأيام عدّة في تونس، هوَ وجود شخصيات مُتعددة من بُلدان عربية وأفريقية جسدها ممثلون شباب من تونس وسوريا ولبنان وأفريقيا، قُدمَ هذا العرض داخل قاعة الكونغرس جولي فيل في شرم الشيخ، حيثُ تُبادر كُل شخوص العرض الى سرد الوقائع اليومية التي مرت بها بأسلوب الفلاش باك، مُحاولة أستثمار وقت الرحلة الطويل والمحفوف بالمخاطر في تبيان ماهية أسباب الإقدام على رحلة الهجرة، وتميّزَ المؤدون بشكل يوحي بالتباري فيما بينهم خصوصاً وأن العرض يحوي شخوصاً تتحدث بلغتها ولهجتها الاصلية ، فضلاً عن تحميلهِ لثيمة اساسية تتمثل في أن المعاناة الانسانية واحدة في كُل زمان ومكان، لكن تبقى مُعاناة الشباب العربي هي الطاغية في بحثها عن الخلاص وتغيير الواقع نحو الأحسن، وظفَ ًصُناع العرض لعبة "القفازة" المُستخدمة في مراكز ألعاب الأطفال وتطويعها لصالح العرض عبرَ جعلها قارباً يضم هؤلاء المُهاجرين غير الشرعيين بُغية المُقاربة ما بين حركة القفازة وحركة القارب، لكن جمالية هذا التوظيف قد تم استهلاكها مع دقائق العرض الأولى عبرَ البوح بها واستمراريتها خلال العرض.
موت صالح للشرب" العراقي والمُغايرة في الطرح والإسلوب
من إنتاج نقابة المعلمين العراقيين- فرع بابل بالتعاون مع فرقة جامعة بابل للثقافة والفنون، توليف وإخراج: محمد زكي، تمثيل(حسين العكيلي/ محمد المسعودي/ محمد الدليمي/ بشار عليوي/ محمد زكي/ حسين العسكري) إشراف: د.عامر صباح المرزوك، تميّزَ هذا العرض الذي لم يسبق لهُ أن قُدّمَ في أي مكان سواء داخل أو خارج العراق، عن باقي عروض المهرجان بكونهِ من عروض(مسرح الشارع)، فكانَ مُغايراً في طرحهِ الفكري وإسلوبهِ الجمالي، وتساوقاً مع اشتراطات مسرح الشارع المُتمثلة في ذهاب المسرح الى الناس حيثما وِجدوا ضمن تجمعاتهم العشوائية في مُختلف الفضاءات (ساحات وأماكن عامة/ أسواق/ ميادين/ شوارع) بُغية طرح موضوعات آنية تستدعي اهتمامهم وتفاعلهم معها، فقد اختار القائمون على هذا العرض الساحل البحري لمدينة شرم الشيخ لتقديمهِ وفقاً لماهية موضوعهِ المُتمثل بوصول عدد من الشباب الهاربين من جحيم الحروب الاقليمية والاقتتال الداخلي والحرائق المُشتعلة حالياً في منطقتنا وتحديداً في العراق وسوريا، الى بر الأمان بعد رحلة مُميتة تسببت بمقتل باقي أقرانهم الذين كانوا معهم في رحلة الموت، ولعلَّ أبرز مُتمثلاتها، هي مأساة الطفل السوري "أيلان" الذي وظّفهُ العرض توظيفاً يُحسب لهُ حينما جعلهُ أيقونة العرض كَكُل واللافتة العريضة الشارحة لُجمل طروحاتهِ فكانت جثة الطفل ايلان المُلقاة على الشاطئ (جسدها كاتب السطور) بوصفها صورة تعقلن الملفوظ الحواري ولا تحتاج لأي تفسير، يبدأ الشبُان الناجون بالوصول الى الشاطئ الواحد تلو الآخر ويسرد كُل واحد منهم قصتهِ وقصص أقرانهِ ممن غرقوا في عرض البحر، عبر التذكير بالتراجيديا العراقية والسورية اللتين فاقتا كُل التصورات، ليعمد المؤدون الى إشراك الجمهور في اللعبة المسرحية، فنجد ثمّة تجاوبا واضحا من قبل الجمهور دلالة على إدانة موت الضمير الإنساني وعجزهِ عن إيجاد نهاية للحروب الآنية والمُستقبلية ووضع حدٍ لمأساة الشعوب لينتهي العرض الذي حاز على الإعجاب الكبير من قبل جمهور المهرجان وصنّفهُ النقاد بكونهِ نقطة تحول واضحة في مسار المهرجان، بدخول عدد من افراد الجمهور وارتدائهم الفانيلات الحمراء"ملابس الطفل ايلان" وتمددهم مع باقي الممثلين على الساحل في مشهد تضامني مع المأساة الانسانية عموماً ووجع الشباب العربي الذي يرى أن المستقبل أمامهُ في نفق مُظلم.
"ثورة دون كيشوت" والاحتجاج على واقع الحياة التونسية
من إنتاج فرقة "كلاندستينو للانتاج المسرحي" التونسية، اعداد عن رواية "دون كيشوت" الاسبانية الشهرية للروائي (سرفانتس) أعدها وأخرجها: وليد الدغستي، تمثيل(يحيى الفايدي/ ناجي قنواتي/ أماني بلعج/ منير العماري/ منى تلمودي)، يتحدث العرض الذي سبق وأن قُدّمَ في مهرجان عشيات طقوس الاردني عام 2016 وحصل على 4 جوائز، وقُدّمَ ضمن العروض المُتنافسة على جائزة سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي في مهرجان المسرح العربي بدورتهِ العاشرة - الجزائر2017، عن كائنات في مدينة غامضة تستيقظ فجأة من رحم النفايات وتتمدد سريعاً لتفتك بالمدينة وتحتل مناطق حيوية تسيّرها حسب رغباتها ورغم المقاومة والمعارضة الا انها تواصل تخريبها لكل تفاصيل الجمال مستعينة بشبكة معقدة من اصحاب النفوذ والمال فتعتصر المجال العام والخاص وتأسس لواقع مرعب عبرَ مُقاربة متن الرواية الأصلي وإعادة إنتاجهِ بشكل يُحاكي الواقع التونسي الحالي في استعراض لأبرز التحولات التي عاشتها تونس خلال فترة ما يُسمى بالربيع العربي وما تلاها، لم يعمدَ المُخرج "دغستي" الى استثمار كامل الفضاء المسرحي المُتاح أمامهُ وتطويعهُ لصالح مُخرجات العرض، وفَضَلَ الاتكاء على الأداء العالي والمُنضبط للمؤدين الفايدي والتلمودي وقنواتي وبلعج والعماري الذين قطعوا أشواطاً أدائية عديدة بفضل مرات تقديم العرض السابقة، ومما يُحسب لهذا العرض اشتمالهِ على مُجمل تمثلات وجع الشباب العربي تجاه مآسي بلدانهم والواقع المرير الذي يعصف بمُجتمعاتهم.
----------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق