مجلة الفنون المسرحية
إزاحة التابوهات الدرامية في نصوص علي عبدالنبي الزيدي المسرحية
فاتن حسين ناجي
تارجحت إزاحة تابوهات المجتمعات مابين الدينية والسياسية والاجتماعية لكن ان تزيح تابو درامي مؤرخ لدى المتلقي المسرحي هذا يحيلنا الى ازاحة ثقافية الى اخرى مغايرة وان تراجعنا الى تاريخ المسرح القديم ومابعد القديم لوجدنا ان الكثير من الإزاحات قد تغلغلت داخل تلك المتغيرات مابين حقبة درامية واخرى وتخلخل معها ذوق المتلقي بين سلب وايجاب .ضمن اطار حرية الابداع والتلقي وفي النص المسرحي العراقي بصورة خاصة نجد ان حقبة كبيرة من الزمن الدرامي تشكلت ضمن اطار المحظور وعدم كسر شوكات المؤطر الدرامي والسلطة الرقابية التي لم تمارس اية سلطة فنية ثقافية سوى سلطة قمع الحريات لكن ومع هبوب رياح التغيير هبّت معها نسائم ازاحة تابوات درامية كان محرم ازاحتها وظهرت لنا اسماء مسرحية ضمن اسس العرض والنص المسرحي حاولت ان تكسر المألوف لدى الناظر الى الجديد من المتلقين وظهرت لنا عدة نصوص مسرحية عراقية تناولت مابين سطور الواقع. فمع الحروب ينتج مابعد الحرب ومع الموت والارهاب يظهر مابعد الارهاب وماوراء الموت هذا هو ماحاول الزيدي ان يتناوله من خلال كسره للتابو المألوف وتناوله لماهو خارج عن أطر العام والمتداول وكثيرة هي المسرحيات التي تناول بها كسر التابو المقدس او ازاحة الهالة القدسية ومن تلك المسرحيات مسرحية يارب عندما نزل نبي الله موسى الى الارض وخاطب المرأة التي ثكلت أبناءها الازاحة هنا تنوعت بين ازاحة للشخصية وازاحة للموقف العام او ازاحة التكوينات الجمالية المحكومة بالموروث والخوف. والزيدي امتلك الجرأة واخترقها وازاحها عن مركزها المعتاد ليس فقط في مجموعته المسرحية الالهيات، بل نجد انه قد بلغ مرحلة متطوّرة من التحرر الروحي والاجتماعي في مجموعته قيد النشر ( مابعد الالهيات ) تحرر من ان يجعل صورة المقدس خارجة عن الرسم والتصوير، بل انزلها الى ارض الواقع الدرامي تجسدت بشخصية الله في مسرحية (كيف تُصبح شريفا. .في خمسةِ أيام ؟)
افتتح الزيدي مقدمة المسرحية وقبل استعراض الشخصيات بجملة ( يُحرّم قراءة هذا النص إن لم يكن قلبك وروحك على وضوء ). محاولا بهذه الافتتاحية ان يعطي للآخر صفة الطهارة والابتعاد عن كل مامن شأنه ان يخرج عن سياق الايمان بالله. في الوهلة الاولى ينتاب المتلقي شعور بازاحة المألوف المقدس، بل المقدس الاعلى وكيف للزيدي ان يزيح ستار السماء وأن ينزل الله كشخصية الى ارض الواقع الدرامي ولكن ومع استمرار القراءة ندرك ان الزيدي اراد ان يقول ان الله اقرب الينا مما نتصوّر هي ليست فكرة اطاحة بالمطلق ،بل هي فكرة التاكيد على قرب الله من الانسان .بعدها يزيح الزيدي التابو الدرامي ويخاطب فاوست بشيطان فعلي ومتواجد دون ستار وينزل الشيطان في هذه المسرحية كشخصية متكاملة بحد ذاتها .
وفي مسرحية (بتول ) والحاصلة على جائزة افضل نص مسرحي عن الهيئة العربية للمسرح يقول الزيدي في مقدمتها ( أنا أكتبُ برأسِ مجنونٍ حتى أستطيع أن أستوعبَ ما يحدث .. فخذوني على قدر عقلي !) ازاحة التابو الجنسي الذي يخشى تناوله في الدراما العراقية وهو كيف للمرأة ان تتحول الى رجل .. امرأة بجسد رجل بملابس نوم امرأة تجلس بجانب رجل على السرير هذه الصورة بحد ذاتها هي ازاحة فعلية للتابو العرفي للدراما العراقية ربما وجدناها في مسرحية ورد جهنمي لدى طه سالم لكن ليس بالصورة المباشرة التي خلقها لنا الزيدي والتي وجدناها في عرض مصطفى الركابي انها لوحة عراقية تقشعر لها الابدان في ان الخوف من الاغتصاب يحول المرأة الى رجل .
وفي مسرحية (وجّهتُ وجهي) هنا الازاحة طالت الانبياء فنجد الشخصيات:
مريم.. نبي.. مريم 2.. واحد
وهي العذراء مريم ذاتها تتحدث الى الله تعالى في الكعبة وتقول ( أنما انأ في بيتك الحرام، أنا مريم .. جزء من كلِك يا رب)
ليرد عليها النبي الذي انزله الله لها
نبي: لقد .......... نزلت إليكِ مو الجنة مسرعا مسرعا مسرعا
مريم: (بفرح) مسرعا؟ حقا؟ أنك نبي؟ نبي؟ صح؟
تتأرجح هنا القراءة الفعلية لهذه المسرحية مابين ان النساء العراقيات واجهن من العذاب مالم تواجهه مريم ومابين التشبيه بين المرأة العراقية وعذابها وبين عذاب السيدة مريم من يقرأ النص كاملا لا يجد ان الزيدي قد اطاح بالمقدس عندما تناول شخصية مريم او حتى عندما اوجد شخصية نبي جديد بعد النبي محمد صل الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين لان المتلقي سوف يزيح الموروث الجمعي في مخيلته ليخل الى عالم اخر جديد بمريمه بشخوصه لربما جديد حتى في الموروث المكاني هنا تتجرد المسرحية وشخصياتها من المقدس لتتفاعل النفس مع الواقع العراقي المؤلم والذي يستحق معه الزيدي ان يطيح بالتابوهات الدرامية بعيدا عن الاطاحة بالمقدس الدرامي او الديني على حدٍ سواء .
-----------------------------------------------
المصدر : المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق