تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 10 مايو 2017

'الساكن' مسرحية مغربية أبكت الشاعر وأضحكت الجمهور

مجلة الفنون المسرحية

'الساكن' مسرحية مغربية أبكت الشاعر وأضحكت الجمهور

يعد الضحك من ركائز المسرح الفودفيلي، الذي يقوم على شخصيات متضادة تتعايش باختلاف طبائعها وخصائلها وتتصارع، لتخلق دراما ضاحكة. وقد نجح المخرج المغربي حسن هموش في مسرحيته الأخيرة “الساكن” في تحويل قصيدة درامية عن حادثة حقيقية إلى عمل فودفيلي تعمق من خلاله الجمهور المغربي في الحكاية وعِبَرها من باب الضحك.

حققت مسرحية “الساكن” المغربية حضوراً متميزاً بين المسرحيات المغربية، التي عرضت في موسم 2017. وعرضت “الساكن” في العديد من المدن المغربية كطنجة ومراكش والدار البيضاء، وأخيراً عرضت على مسرح محمد الخامس بالرباط.

المسرحية من إعداد وإخراج حسن هموش، ومقتبسة من قصيدة “الدار” للشاعر المغربي الزجلي سيدي قدور العلمي (1742ــ1850). وقد بذل أعضاء فرقة مسرح تانسيفت جهوداً كبيرة في السنة الماضية عند تحضيرهم لعرض المسرحية في عمليات ارتجال متكررة للنص، فتمت إضافات كثيرة على النص وحذف منه، ليصل هموش إلى النسخة الأخيرة التي عرضت أمام الجمهور.

مثل أدوار المسرحية كل من نورا السقالي وسامية أقريو ونورا القريشي وأحمد ديدان ومحمد الواردي، ولحن موسيقاها محمد الدرهم، فيما أنجز سينوغرافيا العمل طارق الربح، بدراماتورجيا لمسعود بوحسن، وملابس لسناء شدال.


البكاء والضحك

تحكي مسرحية “الساكن” قصة الشاعر العلمي الذي أبدع العديد من قصائد الملحون، وتروي تفصيلات الحياة في القرن الثامن عشر بالمغرب، التي دونها بدقة في قصيدته “الدار”، وهي بالدارجة المغربية، تنقد كذلك تردي الأخلاق في عصره، وقدرة المحتالين على خداع الشرفاء أمثاله، وسرقة أملاكهم.

قصيدة “الدار” التي اقتبس منها العمل تسرد حادثة حقيقية وقعت للشاعر وقد تمت فيها سرقة داره من قبل محتالين. وجاءت تسمية المحتالين في العرض؛”عبد الحق” و”الزاهية”، اللذين أخرجاه من الدار، فاضطرّ إلى الانتقال من مكناس إلى مراكش.

وفي مراكش قرر أن يفضح المحتالين بقصيدة زجلية، قال في أحد مقاطعها، الذي يتكرر طوال القصيدة “وآش ما عار عليكم يا رجال مكناس ــ مشات داري في حماكم يا أهل الكرايم”، والمقطع يعني “عار عليكم يا رجال مكناس، تُسرق داري، وأنا في حمايتكم، وأنتم أهل الكرامات؟”.


عرض فودفيلي عن حياة المغاربة قبل قرن ونصف القرن
بالرغم من الجو الدرامي الذي بثه الشاعر في قصيدته إلا أنَّ ذلك كان مبعث ضحك متواصل للجمهور، مما أصاب الشاعر من حيف، ولما حمله النص من مفارقات ونكات وأغنيات خفيفة. وتحولت ثيمة النص من دراما خالصة إلى كوميديا تصل إلى حد الخروج عن سياق القصيدة، لتؤلف عقدة لا علاقة لها بقصيدة “الدار”، ولا بمؤلفها. ويعود هذا إلى اختلاف الأمزجة والأذواق لدى الناس وقد مضى على كتابة القصيدة أكثر من قرن ونصف القرن.

القصيدة من البداية إلى النهاية عبرت عن الظلم والإجحاف اللذين تعرض لهما الشاعر، ويظهر في مقطع منها وهو يقطر حزناً ومرارة بسبب ما وقع له، وقد كتب قصيدته باكياً، كما يذكر في أحد أبياتها، من شدة الظلم والحيف اللذين تعرض لهما، وهو يتساءل عند مغادرته مدينته مكناس ليبحث عن أجناس (ناس) آخرين، لا يعرفهم، فيندم على فراقه لخلانه وهيامه عن بيته ووطنه، ليسكن في المدينة التي تعرض فيها للاحتيال. ويتوعد الشاعر من احتالوا عليه، في جو يثير الضحك كما قدمته المسرحية.


تآلف بصري

قدمت مسرحية “الساكن” قصة الشاعر الحزينة بعرض “فودفيلي” (اجتماعي) مغربي، أضحك الجمهور وكان قد أبكى مؤلفها قبل قرن ونصف القرن، فالحدث الحزين صار في عصرنا مدعاة للفكاهة، والتندر على الضحية المغفل. وهذا بالطبع جاء بسبب اختلاف منظومة الأذواق والأفكار والقيم خلال قرنين.

أراد المخرج حسن هموش أن تنتهي المسرحية نهاية سعيدة بالرغم من المفارقات والأحداث الفرعية الحزينة فيها. فأضاف شخصيتين تتسمان بالحيلة الواسعة، والمقدرة على رد الصاع صاعين للمحتالين، الجانيَيْن، اللذين سرقا الدار. والمنقذان هما خديجة، أخت الشاعر سيدي قدور، والمفضل زوجها. واستطاعا أن يستردا الدار من سارقيها، بعدة حيل ابتكراها، وأفرحا الشاعر بإعادة داره إليه من سارقيها. وعندها تتصاعد النغمات الموسيقية المرحة، ويعلو الغناء والرقص الاستعراضي، وبذلك تنتهي المسرحية نهاية سعيدة على طريقة المسرح الفودفيلي.

وقد كان المخرج أميناً لهذا النوع من المسرح، فعرض: مقدمة وعقدة وحلا. وبالرغم من بساطة حبكة المسرحية الدرامية، فإنَّ ما أسبغه الممثلون والمخرج، وبقية العاملين على العرض من جهود أثراه كثيراً؛ فقد رأى الجمهور فنوناً بصرية متكاملة، بداية من الإضاءة، مرورا بالديكور البسيط المعبر، وصولا إلى السينوغرافيا المؤدية إلى غرض إكمال التأثير الدرامي. وقد جاءت سينوغرافيا العرض بسيطة توزعت على الخشبة، كحواجز من أعواد القصب مغطاة ببُسُط، ويمكن تحريكها على مساحة خشبة المسرح. ووزعت زرابيّ ملونة ذكّرت بفنون النسيج الأمازيغي القديم، استخدمت فيها ألوان الطبيعة لتجميل الواقع، وأضافت إليه مسحة من البهجة. كما تم استخدام مؤثرات سمعية، من موسيقى وأغان أبدع ألحانها الفنان محمد الدرهم.

استطاع المخرج هموش أن يمزج في العرض بين الأغنية الخفيفة والحوارات والمفارقات، لخلق الكوميديا. وقدم الممثلون أفضل ما عندهم من إمكانيات فنية، لإنشاء المزيج الدرامي الكوميدي، ولتصوير حياة الناس قبل قرن ونصف القرن. ومن الواضح أنَّ الارتجال الجماعي للنص أضفى عليه الكثير من النكات والأمثال المغربية التراثية، والتعليقات المعاصرة، التي ذكرت الجمهور بما يحدث في الواقع الحالي، وما في الواقع من أشرار ومحتالين يستخدمون المكر، ويستغلون طيبة الناس وجهلهم بالقوانين، وشعارهم سيء الصيت “القانون لا يحمي المغفلين”، للحصول على ما ليس من حقهم.

كما ساهمت سناء شندال في إغناء العرض باختيارها للأزياء التراثية التي تذكرنا بمئات السنوات من الإرث الحضاري المغربي.

------------------------------------------
المصدر : فيصل عبدالحسن - العرب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق