مجلة الفنون المسرحية
جوليا قصار: تعاملت مع رواد المسرح منذ بداياتها والخبرة تساعد الممثل لكن الدهشة والاكتشاف الجديد هما الأساس
حاورتها :ضحى عبدالرؤوف المل
تضحك الفنانة «جوليا قصار» وتخفي خلف ضحكتها ثقافة فنية عالية تفاجئ بها من يحادثها لما تمتلكه من مرونة في التمثيل وفي التعاطي مباشرة مع الناس، وتدهشك ببساطتها الواقعية وانسجامها مع الجميع وبتواضع لا تستطيع فصله عن أدوارها التي تتميز بالسهل الممتنع، وكانها خرجت من الحياة ودخلت الشاشة، وهذا ما قاله الكثير من الناس الذين تابعوا فيلمها الأخير أو تواصلوا معها مباشرة من خلال مهرجان طرابلس للأفلام.
بدأت الدراسة سنة 1983م كطالبة في الجامعة، وكان من حسن حظها انها بدأت مع أستاذها «ريمون جبارة» في عمل مسرحي بعنوان «صانع الأحلام» والذي منحته «أيام قرطاج المسرحية « جائزة الإبداع، فبدأت مع الأستاذ «ريمون جبارة» كاول عمل مسرحي ومع الفنان «شكيب خوري»، كما ان أول مسلسل تلفزيوني شاركت فيه بعنوان «مبارك» للكاتب الراحل «يوسف حبشي الأشقر»، وفي السنة ذاتها بدأت بتقديم مجلة السينما أو نادي السينما أيضا مع أستاذها «إيميل شاهين».
وهكذا بدأت مع رواد المسرح والفن الذين منحوها من خبرتهم ما صقل خطواتها الفنية، مثل كميل سلامة وجواد الأسدي جوزيف بو نصار يعقوب الشدراوي نضال الأشقر، خاصة في المسرح حيث كانت كل خطوة ثابتة اتصفت بها هي من خلال أساتذتها وأصحاب الخبرة الفنية في بداياتها.
تقول جوليا قصار «حين اعود بالذاكرة لبداياتي اقول حظي كان جيدا ان يمنحوني من خبرتهم كل ما هو مهم لي، كالفنان روجيه عساف وكل من اشتغلت معه في بداياتي من مخرجين كبار وممثلين، لان الممثل ان لم يمتلك الحياة المهنية القوية مع أساتذة كبار لا يتطور، لهذا كنت أسعى ان اختار الأشخاص وبانتقاء شديد لمن استطيع التقدم والتطور معهم، فكنت احرص جدا على ان أتعامل مع كبار الفنانين لاكتسب من خبراتهم ما يجعلني أتطور وارتقي فنيا.» ومع الفنانة جوليا قصار أجرينا هذا الحوار..
– بساطة في التمثيل لا تخلو من صعوبة تبرز في سلاسة الشخصية التي تلعبينها، كيف تسخرين هذا وتمنحينه من جوليا الشيء الكثير؟
كما قلت لك سابقا كنت حريصة على التعلم وأسعى لتكوين خبرة متينة، فالممثل أداته جسده، صوته، وجهه، من المؤكد ان «جوليا قصار» هي التي تلعب الدور لكن قمة التمثيل ان الممثل لا يمثل أو ان لا يشاهد الآخرين أدواته، فالموسيقي يعزف بسلاسة ويمنحك نشوة موسيقاه التي نشعر بها ببساطة، إلا أنها جاءت نتيجة مجهود كبير وليال طويلة وتدريب مستمر، ليشعر بها الآخر بكل هذه الجودة والبساطة، طبعا الموسيقي ينفصل عن الآلة بينما الممثل لا ينفصل عن الشخصية، لكن ليصل الممثل الى البساطة في التمثيل يجب ان يختبئ خلف شخصيته، وتبرز البساطة الشديدة بعيدة عن البهلوانيات، وعليه ان يفتش ويبحث على النوتة الصحيحة ليجد اللحظة البعيدة عن النشاز في الدور الذي يلعبه، وتأتي هذه البساطة أيضا من القراءات والاهتمام بروائع الأعمال المسرحية العالمية ومشاهدة الكثير من الأفلام، إذ على الممثل ان يتغذى من كل ما يحيطه، ومن الموسيقى التي تعطي الممثل الانفعالات المبدعة وبصمت.
برأيي على الممثل ان يهتم بما حوله وحضور كل شيء جميل ويغذي الخيال بروائع الأدب والأعمال الفنية، لأن كل ذلك يمنحه الخصوبة في المخيلة الأساسية والضرورية للمثل، وتحويل كل ما اختمر في ذهنه من قراءات وسواء ذلك الى عناصر مهمة تخرج ببساطة وعفوية، لأنه يستطيع تسخير ذلك في خدمة الأدوار المركبة وغيرها لتكون مميزة وتصل بسلاسة وبساطة.
-ضحكة مبطنة وفهم عميق للدور، هل هذه من خبرة مسرحية أو درامية أم هي دراسة معمقة في الفن؟
من يشاهد الممثل يظن ان سهولة التمثيل تلقائية ولحظية ولا تحتاج لدراسة او خبرة، لكن من يشاهد التمرينات او التصوير يتساءل هل يعقل انه صعب؟ نعم هو يحتاج للكثير من التعب والتدريب ولساعات مستمرة حتى ننهي تصوير مشهد او كم دقيقة، لان كل دقيقة إبداع تحتاج للكثير من ساعات العمل. ومن المؤكد وجود فهم عميق للدور إضافة الى الخبرة، لكن كلما قارب الممثل الدور كأنه أول مرة يقوم بالتمثيل، يصاب بالدهشة أي دهشة الطفل، وعليه ان لا يرتكز على الخبرة التي يمتلكها كي يتجنب تكرار الذات، لهذا توجد دهشة، كأننا نكتشف شخصية جديدة ونحاول معرفة الشخصية اكثر، ونستطيع الوصول لنعيش الدور كأنها شخصية فريدة من نوعها.
إضافة الى اكتشاف الشخصيات الأخرى في العمل، والتعاون مع فريق العمل، لان التمثيل تواصل مع الآخرين، لهذا من الضروري فهم الشخصيات الأخرى ورؤية المخرج لنفهم الى اين يريد ان يصل في العمل. أيضا الممثل يمتلك الجزء الابداعي الذي يضعه بين يدي المخرج الذي يمتلك النظرة الشمولية، بينما الممثل عنده النظرة الخاصة للشخصية التي يلعبها، فالعين الخارجية للمخرج تصقل كل ذلك وبثقة كاملة بين المخرج والممثلين من خلال الفعل وردة الفعل.
طبعا الخبرة تساعد الممثل، لكن الدهشة والاكتشاف الجديد في كل مرة هما الأساس في نجاح أي دور وفيه متعة أيضا، اضحك عندما اكتشف شخصية تذكرني ببعض من التقيتهم في الحياة، وأفكر كيف استطيع أن أعيد بناء هذه الشخصية الواقعية التي التقطتها في أول انطباع أحسست فيه.
– في فترة قصيرة جذبت الجمهور فأحبك، الى أي مدى يصعب الحفاظ على ذلك؟
هذا عمر بكامله اكثر من ثلاثين سنة في فن التمثيل، وهو عمل بطيء وممتع وشاق، والاهم الصدق في التعامل والعمل والدور. لان الممثل ينقل أحاسيس الشخصية وانفعالاتها الحقيقية التي يمررها للناس بصدق مع الذات، وبتماهٍ وتعاطف مع الشخصية التي نلعبها بمصداقية. هي فترة طويلة والحمد لله رافقوني منذ البداية اضافة الى محبة الناس، وهي المشجع الاول، لان مهنة الممثل هي مهنة الشك او السؤال، عندما يوجد الاستحسان والرضىا والقبول من الناس يدفعنا ذلك نحو الاستمرارية بقوة.
– أين تجد جوليا قصار نفسها في أي دور لعبته؟ وما هي ابرز الأعمال التي تأثرت بها؟
جوليا موجودة في كل الأدوار التي لعبتها، المهم كيف نخفي جوليا خلف كل شخصية. التأثر بالأدوار ملك الجميع لأننا نتفاوت بالانفعالات، فالإنسان كتلة مشاعر وتناقض بين المر والحلو والجميل والقبيح، ونحن في سعي دائم نحو الأفضل، ربما لهذا اخترنا التمثيل او الفن لأن الفن هو السعي نحو الجمال والكمال، لهذا لو كان الدور يتميز بالشر هناك بعض التماهي معه ببعض النواحي لتستطيع الدفاع عن هذه الشخصية.
ودائما المواضيع الكبيرة في الادب والمسرح والسينما تتناول قضايا انسانية مهمة وتؤثر بنا لهذا «طقوس الإشارات والتحولات» لسعدالله ونوس، او مؤمنة الماسة التي تحاول إزالة الأقنعة عن وجهها او عن وجه المجتمع او الخادمتان لجان جينييه او الاسكا لهارولد بينتر او شتي يا دنيا عن قضية المخطوفين اللبنانيين للمخرج بهيج حجيج او فيلم محبس مع صوفي بطرس او شخصية تيريز والكثير من المسرحيات الكوميدية احبها، لانها مربوطة بساعات من العمل مع فريق اضاف الكثير من الافكار الجديدة وكل هذا مرتبط بذاكرتي .
– الى اي مدى تؤثر الصورة الإعلامية على الفنان بشكل عام؟
ضروري جدا للإعلامي ان يلقي الضوء على الجمال من حولنا خاصة الفنان، فكل ابداع يجب تسليط الضوء عليه، لان الإعلام يلعب دورا مهما في ابراز الصورة الجميلة للبلد وللفنانين وللمهرجانات كي يخفف عن الناس التي عاشت الحروب والمصاعب، وهذا يعطي نفحة من الايمان والثقة والتفاؤل بهذا البلد، مثل مهرجان طرابلس الذي راينا من خلاله بهجة المشاركة فيه، طبعا صورة الاعلام مهمة للفنان ولسواه.
– متى نراك في أعمال كوميدية تساهم في لمس الجرح الاجتماعي تلفزيونيا؟
ابتعدت عن التلفزيون لأنه لم يقدم لي اي عمل يشجعني لاشارك فيه، اما كوميديا ففي السينما شاركت في فيلم «محبس» الذي لاقى الاقبال من الجمهور لبساطته الشعبية التي تميز بها ويصعب تحقيقها دون ابتذال، وأنا مع هذه الأعمال التي تطال اكبر عدد من الناس لتكون مرآة للناس التي تشاهده، دائما نتفاءل بالخير نجده.
– كلمة أخيرة للمرأة؟
بكل بساطة تحقق نفسها وتؤمن بمجال العمل الذي تختاره وان تبدع فيه، نحن نؤمن بالمرأة الأم والزوجة وهذا الدور المهم والأساسي لبناء المجتمع، لكن ايضا ان تكمل هذا الدور وتكون المرأة العالمة والعاملة وبذلك تساهم اكثر في بناء المجتمع، وان تحقق ذاتها وقد أثبتت انها قادرة على الاهتمام بالبيت والعمل، لانه اهتمامها بالثقافة والعلم يجعلها تتطور ويمنحها القوة في هذه الايام، وتحية لها اينما كانت وفي كل المجالات وهي قمة في العطاء والموهبة والعلم ونفتخر بالكثير من النساء.
-----------------------------------------------
المصدر : جريدة عمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق