مجلة الفنون المسرحية
فرنسا وتأصيل العملية الثقافية والفنية في العراق
عبد العليم البناء
على وقع خطى تأصيل العملية الثقافية والفنية في العراق ،لاسيما في إطار السينما والمسرح ، وبالتزامن مع وقع وزخم الانتصارات المتصاعدة ضد الإرهاب الداعشي ، زار العراق وفد فرنسي يمثل مؤسسات فنية وانتاجية وتسويقية مختلفة ، بالتعاون بين وزارة الثقافة والاثار والسياحة ومنظمة سيوا الفرنسية، وبالتنسيق مع دائرة السينما والمسرح ودائرة العلاقات الثقافية العامة،ضمن مشروع متكامل يهدف الى تجسير التواصل بين المثقفين العراقيين والفرنسيين ،لاسيما المسرحيين ، وبما ينسجم ومصلحة المسرح العراقي نهوضا وتطورا وتواصلا وحضورا فاعلا، في المحافل والمهرجانات المسرحية الدولية وبالذات في فرنسا ،والاطلاع على واقع الحركة المسرحية الشبابية في العراق ،ونقل الرؤى المسرحية العراقية الى العالم بأسره.
هذه المبادرة الفريدة من نوعها عراقيا وفرنسيا ، حققت وتحقق أهدافا عدة ،حيث أن الوفد الذي ترأسه السيدة ياقوتة بلقاسم مديرة الاعمال الفنية في شركة (سيوا) الفرنسية، وضم 15عضوا من مجموعة التبادل الثقافي بين العراق وفرنسا ، وبينهم مديرو مهرجانات وموزعون ومسوقون للعروض ، سعى الى التعرف على الابداع المسرحي العراقي ،واكتشاف المنجز المسرحي الشبابي العراقي ،ونقل تجاربه وافكاره للدول المتطورة في مجال الفن المسرحي عالميا، في إطار بحث استقصائي لهذه التجارب الشابة ،تنفيذا لمشروع تعاون مسبق بين مجموعة من الفنانين العراقيين والفرنسيين.
وعلى هذا الصعيد شهد الوفد عروضا مسرحية شبابية في العديد من مسارح بغداد، بينها مسرحيات :(امونيا) و(نويز) و(هاملت) و(المقهى) و(توبيخ) و(سلفى) و(هاملت) و(خريف) و(السرداب) لمجموعة من المخرجين الشباب، في اطار هذا المشروع ،حيث سيتم اختيار الأفضل من بينها لعرضه في مهرجانات فرنسية مهمة ، مما يعد فرصة إبداعية مهمة ،تحدث للمرة الأولى ،وبهذا الشكل غير المسبوق ،وبحيادية تامة.
فيما يشمل الهدف الثاني من الزيارة ،تنفيذ ماتم الاتفاق عليه سابقا في اطار التجربة المشتركة بين نخبة من الفنانين العراقيين ، وباشراف الفنان د.هيثم عبد الرزاق ود. اقبال نعيم مع بعض الاصدقاء الفرنسيين في المسرح الفرنسي الوطني في بيزنسون "مجموعة سيوا" ، وهي منظمة عالمية تعمل على تسويق الاعمال الفنية وخلق مشاريع فنية في اوروبا تجمع بين العرب والاوروبيين، من خلال العمل على (ثلاثية اورستيا) للكاتب الاغريقي اسخيلوس، التي تتحدث عن العنف والجريمة واستمرار القتل والثأر والانتقام ، كما تناقش موضوعة الديمقراطية عند الاغريق آنذاك، حيث وجدت المخرجة الفرنسية سيلي بوت ود. هيثم عبد الرزاق ان فكرة العمل مقاربة للواقع العراقي الذي نعيشه لاسيما انها تعكس تجربة انسانية عامة، وهدفها التسامح والابتعاد عن مفاهيم القتل ، وسبق أن قدم العمل في مدينة ليمو بعد ان انجزت التمارين لمدة سنتين في بيزنسون ثم مدينة ليموستك ، حيث ستسكمل بعض الاجراءات هنا في العراق لإعادة التمارين من اجل عرضها في عام 2018، ليتحقق الهدف الأساسي من هذا المشروع المرتكز على التلاقح العراقي الفرنسي المشترك ،وتبادل الخبرات التي تنتج عن معرفة فنية وفكرية وثقافية لا غنى عنها لكلا الطرفين ،من خلال ورشة مسرحية مشتركة بين الفنانين العراقيين والفرنسيين ، وسيقدم في العديد من الدول الاوروبية كرسالة سلام ومحبة ،لاسيما في ظل تصاعد العمليات الإرهابية التي يعيشها العالم ، والتي تعكر صفو سلام وأمان الشعوب والتعايش السلمي بكل أبعاده .
إن اطلاق وتحفيز مثل هذه المبادرات الإبداعية الرصينة من لدن دائرة السينما والمسرح ،التي تقودها حاليا الفنانة المقتدرة تمثيلا واخراجا الدكتورة اقبال نعيم ،وهي المرة الأولى التي تحصل في تأريخ هذه الدائرة ،حيث انها خرجت من رحم هذه الدائرة ،وعاشت وتعرفت على جميع ابعاد ومفاصل العمل فيها ،وهو ما يصب في مصلحة هذه الدائرة الأهم من بين دوائر وزارة الثقافة والسياحة والاثار،لأنها عانت الكثير من التردي والإهمال ،فضلا عن توالي أكثر من مدير عام على ادارتها ، كان معظمهم يسعى لجعلها بقرة حلوب تدر السحت الحرام ، له ولحاشيته من وعاظ السلاطين والمرتزقة، الذين كانوا للأسف الشديد محسوبين على الوسط السينمائي والمسرحي ،حيث كان همهم الوحيد تحويل جل موارد الدائرة لحسابهم الخاص ،والاثراء اللا مشروع على حساب الدائرة ومنتسبيها ومبدعيها ومشاريعها المهمة .
بوركت هذه الخطوات التي نأمل أن تكون مفتتحا لمبادرات ومشاريع متنوعة وجدية ،تشمل كل مفاصل العملية الفنية والإنتاجية والابداعية والإدارية ،والموازنة بين الاعمال الجادة والاعمال الجماهيرية الشعبية لتعظيم موارد الدائرة ،وإعادة الدائرة الى نظام التمويل المركزي الذي طال انتظاره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق