مجلة الفنون المسرحية
(أنا ورأسي) مسرحيةٌ ببعدٍ فلسفي وكشفٌ للواقع
علي سعيد
حاولت مسرحية ( أنا ورأسي) أن تناقش بطريقة فلسفية الصراع بين الرأس والجسد من خلال المعاناة السياسية والدينية واليومية للفرد العراقي.. فهي تريد إثبات أن العلاقة بين الجسد والرأس محكومة بميتافيزيقيات عديدة لا يمكن التفريق بينهما، وهما يعانيان معاً من صعوبات التأقلم مع الواقع، فالرأس الذي يفكر يحتاج الى جسد قوي لكي يواجه ويصنع الحياة ويقف بالضد ممن يريدون سرقة هذه الحياة.. فالمسرحية التي تبدأ بجملة (ما بال رأسي يلف ويدور ويدور ويلف ويدور وكأني كوكبٌ في مجره، بينما هذه البقعة من الارض متوقفة عن الدوران وكأنها لا تنتمي الى هذا الكوكب) هي ذاتها الجملة التي تنتهي بها المسرحية ولكن بطريقة أخرى تفضي الى معنى أن الصراع سيبقى ليس مع التضادات المختلفة بل مع داخل الانسان نفسه.
المسرحية رعاها الحزب الشيوعي وعرضت خلال مهرجان أقامه الحزب على قاعة نقابة المعلمين في كربلاء وشهد أيضاً تكريم كوكبة من الفنانين، مع اقامة معرض للفن التشكيلي، المسرحية كانت من تأليف لؤي زهرة وتمثيل وإخراج عباس شهاب، وهي من نوع المونودراما وهي تتحدث عن صراعٍ من نوع جديد لإثبات وجود اشكالية ما بين الرأس والجسد، فكلما كبر العقل نما ضعف الجسد عن الحركة، وهذه الاشكالية يعانيها كبار السن فهم لديهم رؤى وافكار وطموحات قد نضجت بعد كل هذه السنوات، ولكن لا احد يستقبلها وتبقى حبيسة في ذهن الانسان.. والمسرحية تسلط الضوء على هذه الاشكالية، اذ يلجأ المؤلف لؤي زهرة، الى صناعة مشهد يستدعي قطع الرأس عن الجسد ليدور بينهما حوار هو ثيمة المسرحية، حيث يتهم الرأس الجسد بأنه لا يستطيع تلبية طموحاته وهو في غاية النضج.. فالجسد قد تهالك وبات غير قادر على مجاراته وتلبية طموحاته، بينما يوجه الجسد اتهامه الى الرأس بأن السبب يكمن فيه فهو لم يكتمل في مرحلة الشباب عندما كان قادراً على الحركة. ربما تشير المسرحية الى ضرورة أن ينتبه المجتمع الى هذه الاشكالية وخلق مؤسسة جديدة تعتمد على افكار الكبار وطاقة الشباب لبناء مستقبل جديد.. بالتأكيد لا تخلو المسرحية من نقد للأداء السياسي والحكومي والديني والمجتمعي، فهي تعد تأخير العقل عن النضوج، تتحمل الدولة جزءاً من المسؤولية اذ انها لا تعمل على اقامة مؤسسات ذات تنمية عقلية مستدامة وتركت الامر للفطرة وما يتمتع به الانسان من موهبة عقلية.. وهو أمر يمكن الحصول على تأويلاته من خلال فكرة أن الرأس هو المدبر والمسيّر لذلك الجسد وكل شيء في الكون يتكون من رأس وجسد، حتى الدولة التي تتعامل اليوم مع الجسد وفق عقلية شبابية متهورة فهي تنعم بالملذات مثلما يفعل الانسان في صباه . يجب أن تغادر المؤسسات الحكومية تلك العقلية وأن تعلن مصالحة بين الرأس والجسد.. لكن الاثبات الآخر كما يقول المؤلف إنه لا يمكن أن يستغني الرأس عن الجسد والعكس صحيح.
المخرج المسرحي عباس شهاب الذي أدى الدور بطرق مختلفة ومحاكاة للواقع ومحاكمة للجسد، فقد تميّز بصوته الذي كان يتابع حركة الانارة التي تحاول ملاحقة الحوار الذي يعد الركيزة الاساسية للأداء المسرحي على الرغم من وضع حركات بانتومايم لشخصيات سوداوية تعني وجود الصراع السلبي وهي تجلد الجسد والرأس والحلم والنوم والهدوء.
---------------------------------------
المصدر : جريدة المدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق