تصنيفات مسرحية

الاثنين، 10 يوليو 2017

«مسرح الجرن» تجربة مصرية لإيصال الثقافة إلى القرى الفقيرة

مجلة الفنون المسرحية

«مسرح الجرن» تجربة مصرية لإيصال الثقافة إلى القرى الفقيرة

رحاب عليوة 


إلى فتاة صغيرة تدعى أكتامية، ينسب الفضل في خروج فتيات قرى منطقة حلايب وشلاتين المصرية الحدودية إلى التعليم بعدما كن محرومات منه، يقتصر دورهن على شؤون المنزل ورعاية الغنم.
أكتامية الفتاة الذكية الجريئة لم تتحمل رؤية شقيقيها يذهبان إلى المدرسة بينما يُملي عليها والدها يومياً الأوامر ذاتها، وفي أحد الأيام قاطعت أوامره ببيت شعري نظمته بتلقائية (باللغة النوبية) «تبنعيت هاكورتو... وأقدوروا فيساتو... أوتموا كنشاتوا... عنان يابو تانتبب هنبياحب أو تعليم؟». ويعني: ربطت الغنم... انتهيت من غسل الأواني... كنست المنزل ونظفته... لماذا يا أبي تحرمني من التعليم؟»، فتأثر الأب بحديث ابنته وألحقها بالتعليم ومن بعدها فتيات القرية كلهن.
«أكتامية» قصة متوارثة لدى أهالي حلايب وشلاتين، روتها إحدى الفتيات في المرحلة المتوسطة خلال ورشة عمل «مسرح الجرن»، وهو مشروع ثقافي يستهدف تنمية ثقافية شاملة في قرى مصر عبر محاور ثلاثة: جمع التراث الشعبي لتلك القرى من القصص المتوارثة عبر ورش حكي مع الأطفال وكبار السن، وبناء مسارح مفتوحة في تلك القرى، وتقديم الناتج في عروض تحمل الخصوصية المصرية بعيداً من المسرح المتوارث، كنمط من أنماط المسرح الشعبي.
وعلى رغم غياب وسائل تكشف مدى واقعية تلك القصص التي انتقلت من جيل إلى جيل شفهياً أو أسطوريتها، من دون تدوينها بسبب انتشار الأمية في تلك المجتمعات آنذاك، فإن بعضها مؤرخ ما يُرجح وقوعها بالفعل، ومنها قصة الفارس المجنون علي كشن التي روتها فتاة أخرى عن والدها.
ووقعت أحداث القصة بين عامي 1904 و1906 حول قوات المهدية ممن نهبوا الناس واستعبدوهم، وفق القصة، واختــطفوا والد كشن وأخاه، فهب كشن لإنقاذهما على رغم ما كان يلصقه الناس به من جنون، فسماه والده «الفارس المجنون». وحتى إذا كانت تلك القصص أسطورية فثمة ضرورة لحفظها «كتراث شعبي ووسيلة لفهم تطورات المجتمعات وثقافتها، خصوصاً في ظل تهديدات العولمة ثقافتنا وتشويهها وتهديدها بالاندثار أحياناً»، كما يقول المــشرف الفني العام لـ «مــسرح الجرن» أحمد إسماعيل.
ويضيف: «المشروع يعمل على تفعيل ثمانية نشاطات للطلاب، هي المسرح، فنون تشكيلية (تحويل مخلفات البيئة إلى أعمال فنية)، الأغاني الشعبية، الألعاب الشعبية، فن العرائس، الشعر، القصة، عبر ورش عمل تشمل جميع تلامذة المدارس التي يتم العمل فيها، سواء من يملكون موهبة بهدف تنميتها، أو من لم يهتدوا إلى مواهبهم بهدف كشفها وتنمية حسهم الفني والذوقي بما يبني عندهم حصانة من الأفكار المتطرفة.
يشير إسماعيل إلى انطلاق المشروع العام 2005، وانقطاعه في فترة حكم جماعة «الإخوان المسلمين» وما تلاها من اضطرابات، ليستأنف نشاطه ذلك العام بالعمل في ثماني مدارس على مستوى ثماني مناطق، هي حلايب وشلاتين، جنوب سيناء، قنا، وأسيوط (جنوب مصر)، الإسماعيلية (شرق الدلتا)، الفيوم (شمال صعيد مصر)، المنوفية (جنوب الدلتا)، الدقهلية (شمال شرقي الدلتا).
ساهم في وضع مناهج المشروع عدد من المتخصصين في كل مجال، منهم رائد فن العرائس ناجي شاكر، الناقد سيد البحراوي، والباحث في الثقافة الشعبية عبدالحميد حواس، والروائي الراحل يوسف أبو ريا، فيما يعاني المشروع من ضعف الإمكانات المادية، ما أدى إلى اقتصار العمل فيه حتى الآن على بضع عشرات من المدارس، فيما يستهدف المشروع ألف مدرسة إعدادية من أصل 14 ألف مدرسة إعدادية في مصر وفق المشرف الفني للمشروع.
وبسبب ضعف الإمكانات المادية أيضاً لم يبدأ العمل في أي من المحاور الثانية إلى الآن من بناء المسارح (أول مسرح سيبنى في الوادي الجديد)، وتنشيط الإبداعات الفنية لكبار السن.
ترجع فكرة «مسرح الجرن» إلى عام 1977 منذ انطلقت التجربة الأولى التي عممها المسرح في ما بعد، حين دشن مركز ثقافة المنوفية مسرحاً مفتوحاً في القرية التي لم تكن تضم أي مسرح، بمبادرة من أحمد إسماعيل الذي وضع منهجاً في جمع تراث القرية من العجائز الأطفال وصياغته في عروض مسرحية قُدّمت على المسرح المفتوح، بما ساهم في إحداث طفرة ثقافية في القرية، وخلق وعي بقضايا حيوية خاصة بتعليم الفتيات، وارتفاع الأسعار، وخطورة استخدام المبيدات الحشرية، ومثل كذلك مواجهة للأفكار الأصولية المتشددة التي غزت مصر في حقبات تالية.

------------------------------------
المصدر : الحياة تجريبي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق