مجلة الفنون المسرحية
مهرجان الحمامات الدولي: مسرحيّة «الشقف» إن وجدت بين موتين فأيهما تختار؟
هم، من هم؟ هم من هربوا من جحيم اوطانهم بحثا عن جنة الغربة، هم شباب يحلم بحياة افضل فيترك الاهل والأحبة ويلاقي الموت، هم امهات دمرت الحرب اوطانهن
فهاجرن من بلدانهن بحثا عن اولادهن وبحثا عن سلام قد يكون قارب الموت الوسيلة إليه هم فتيات عاشقات تعبن من الفقر والتهميش في احيائهن فركبن البحر، هم عاشقات للفن ولدن في مجتمع محافظ فقررن الهرب نحو بلدان يكون فيها الرقص حلال والفن حياة جميعهم اجتمعوا في الشقف.
الشقف هو مشروع حَلمَ به الراحل عز الدين قنون قبل وفاته وأراده عملا فنّيا يتناول مأساة المهاجرين غير الشرعيّين (العرب والأفارقة) الذين يعبرون البحر المتوسط في اتجاه أوروبا ، ما يعيشونه من معاناة في بلدانهم وما يواجهه الإنسان بصفة عامّة من صراعات داخليّة بين الحياة والموت والحلم والواقع والبحث عن الذات.
البطالة والتضييق البوليسي من اسباب «الحرقة»
للبحر سحره ، غامض وآسر في جوفه طمست حكايات وأحلام لا تعدّ، للبحر اسراره ولأمواجه قصة مع احلام الشباب التائهة، احلام سرقت في غفلة من الزمن فضاعت الاجساد ومعها الأحلام في الحمامات كان اللقاء مع عرض «الشقف» والجميل ان الطبيعة ساندت العرض فالبحر مضطرب وصوت هدير امواجه وصل الى الركح ولحد التماهي فتشعر انك حقا في «شقف» عرض البحر.
هم، ثمانية اشخاص، اختلفت افكارهم وانتماءاتهم وآمالهم وجمعهم هدف واحد ركوب قارب الموت والمضي قدما في «شقف» لعلّ القدر يبتسم لهم لمرة وحيدة ويصلون الى الضفة الاخرى من المتوسط.
ظلام دامس يسيطر على المكان، صوت لصفير وكأنه يدعوهم الى الاجتماع، صوت لخشخشات اكياس بلاستيكية، وظفوا كامل الفضاء في العرض ليبدو وكأنه حقيقي وليس مجرد عرض مسرحي، ثم يكون الاجتماع في «الشقف» والريس «اللص» (البحري الرحالي) هو قائد الرحلة.
في الشقف ذلك القارب الصغير تجتمع الامال المختلفة، ثلاثة تونسيين، «بيرم» (عبد المنعم شويات) شاب تونسي يهرب من مضايقة البوليس التونسي، يسكنه وعي ان ما يحدث من شغب فقط لإلهاء الشباب عن مشاكلهم الأساسية يحزنه اغتيال بلعيد والصمت الذي لف القضية، بيرم الشاب الحالم فقط بمغادرة تونس دون اي هدف يحاول الحرقة للمرة الثالثة ولازال متمسكا بأمل ان يكون الجانب الاخر أفضل اثناء الرحلة يحدثهم بسخرية موجعة عن تجاربه السابقة مع الهجرة، عن البوليس الايطالي ونظيره التونسي، عن وجيعة البطالة والفقر.
اما «زرقة» فهي امرأة تونسية لها «نصبة» تقتات منها امرأة لا تتبع «ريزو الانتصاب الفوضوي» فقط تعمل لتعيش كما تقول هي، زرقة تجد نفسها مجبرة على الهجرة علها تجد حياة افضل فهي تحلم كأي امرأة ان تعمل وتحب وتتزوج، في وطنها انسدت سبل الحياة امامها فاختارت البحر عله يكون المنفذ، (زرقة) حديثها قاس ونقدها موجع، تحدثت عن العصابات المسيطرة على الانتصاب الفوضوي، اشارت الى اللوبيات التي تعمل مع اعوان الشرطة البلدية وتحدثت عن الظلم الحقيقي الذي يعيشه من لا ينتمي لهذه اللوبيات، ريم الحمروني بدت مبدعة، موجعة في واداءها مميز كما عهدها الجمهور ولنبرة صوتها تاثير مباشر على القلب، اما حركاتها فصادقة إذ تشعرك انها حقا «حرّاقة».
حين تسرق الحرية الشخصية
«علاش مزروب عالموت، هاك ماشيلها» اول كلمة منطوقة في مسرحية الشقف وكان بالربان يعلن منذ البداية ان الرحلة ستكون الى الموت لا إلى إيطاليا وإلى حياة أخرى، منذ البداية يجد المتفرج نفسه أمام شخوص عديدة واحلام متباينة جمعها «اللص» في شقف قديم بالكاد يتسع لنفر قليل يصور لهم حلم الهجرة والحياة الجميلة في الضفة الأخرى، من ضحايا الشقف، تونسي ذنبه الوحيد انه مختلف لا يشبه الاخرين، «مثلي جنسيا» قست عليه العائلة والوطن وضاق الخناق حول عنقه لحد التفكير في الهجرة فالموت فتمسك بالأمل ولكن للقدر راي مخالف.
في قارب الموت حاول الشاب الهروب من الواقع، من نظرة ازدراء المجتمع من اختلافه المرفوض عله يجد السلام في دول تحترم الاخر وتتقبل اختلافه.
الموت...اخف من وطأة الحرب
الاربعة يخفون وجع الوطن والحرب، مهاجران من افريقيا السوداء، ام تحمل وليدها ورجل يحمل شتات أحلامهم فهم يجسمون البعض من احلام آلاف الافارقة الذين يهربون من حروب اهلية يقصدون البحر علهم يعيشون في سلام في دول اخرى، بعضهم يصل وكثيرون نشاهد جثثهم في نشرات الأخبار.
معهما امرتان عربيتان، الاولى ام سورية، دمرت الحرب وطنها سوريا، هي ركبت البحر لإعادة ابنها بشار الى سوريا لانها جد متيقنة ان سوريا ستعود جميلة كما كانت قبل الحرب، ام تعاند البحر وقساوته لتصل الى ابنها الذي سبقها وغرق في البحر من على نفس القارب، تتحدث عن سوريا، عن الوطن المسروق عن المشردين والموجوعين، حديث سورية التي المتها الحرب حد ركوب قارب الموت.
اما الثانية فلبنانية انتحلت شخصية سورية «لان السوريين احتلوا لبنان وكل الاماكن الشاغرة فيها كلما حاولت الهروب الى دولة اخرى يجيبونني أن السوريين اولى» فقررت الهجرة، هي عاشقة لجسدها ولغته، لبنانية ذنبها انها ولدت في الجنوب في عائلة محافظة تمنعها من الرقص وحلمها ان ترقص، على الركح وتقدم بعض لوحات تعبر من خلالها عن وجيعتها عن حلمها في الانتفاض عن العادات والتقاليد تهرب من موت يومي الى اخر قد يكون مفاجئ.
في الشقف حكايات بشر يحلمون بالانسانية، بشر يهربون من الموت الى موت ربما اشد قسوة، بشر يرون في البحر املهم هم مجموعة لاجئين من تونس والبلاد العربية وإفريقيا، فرّقهم الحدّ الجغرافي، وجمعتهم معاناة إنسانية عميقة، اتخذوا لهم مركبا صغيرا ليقتسموا الهروب والحلم : الهروب من بلاد نخرتها الحرب والسياسة أو ربما من مجتمع ظالم، والحلم بواقع لا يسحقهم ولا يكسر نفسياتهم المتعبة، هروب كان بمذاق العلقم.
-------------------------------------------------------------------
المصدر : مفيدة خليل - المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق