تصنيفات مسرحية

الخميس، 13 يوليو 2017

صراع الأديب والحاكم في مسرح يحرر أصوات المجتمع

مجلة الفنون المسرحية

صراع الأديب والحاكم في مسرح يحرر أصوات المجتمع

شريف الشافعي

لا يرتضي البعض اعتماد التأويل والتأريخ والإسقاط السياسي كمعطيات أولية للتفاعل مع نص أدبي أو عمل فني، لكن بعض الأعمال، ومنها مسرحية “مولانا المقدَّم” للكاتب وليد علاء الدين، الصادرة أخيرا عن سلسلة المسرح بالهيئة المصرية العامة للكتاب، تصعب قراءتها جماليًّا بمعزل عن المرايا العاكسة للثورات العربية، وصورة الحاكم النمطي في المجتمعات العربية. “العرب” التقت الكاتب وكان لنا معه هذا الحوار.

ينظر وليد علاء الدين، المسرحي والروائي والشاعر، إلى الكتابة الإبداعية باعتبارها امتدادًا مكتوبًا للتفكير، وتسهم الآداب والفنون في توسيع نطاق التفكير، وليس نشر الفكرة. وفي مسرحيته “مولانا المقدَّم”، يفسح المجال واسعًا للفكرة المجردة، والفعل السياسي المباشر، من خلال “أديب” يقود ثورة ضد طاغية جاهل، قادته الصدفة وظروف هزلية استثنائية إلى اعتلاء عرش الحكم، في مملكة خيالية يسكنها الأموات، أو الأحياء شكليًّا في عالم ما بعد الموت.


الوسيلة المثلى

يوضح علاء الدين، في حواره لـ “العرب”، أن جماليات الفن وعناصر المسرحة هي التي تعنيه في المقام الأول، فتوسيع نطاق التفكير يعني دعوة القارئ أو المتفرج إلى مشاركة الكاتب الهم واستدعاء معطياته للقلق، أما إذا كان الهدف هو نشر الفكرة، فإن ذلك قد يُخرج الكتابة من حيّزها الإبداعي، ليسجنها في دائرة الوعظ والدعوة، فالمرشدون هم الذين يكتبون من أجل نشر فكرة.

للكاتب إسهامات متنوعة، فله مسرحيات منها: “72 ساعة عفو” و”العصفور”، ورواية بعنوان “ابن القبطية”، وله في الشعر “تفسر أعضاءها للوقت” و”تردني لغتي إليَّ”، وفي النقد “الكتابة كمعادل للحياة”. ويعتبر وليد علاء الدين، الفائز بجائزة ساويرس لأفضل نص مسرحي وجائزة الشارقة للإبداع العربي في المسرح، أن كتاباته تنطلق من وعيه بالمشترك الإنساني لاستدعاء ثقافة القارئ ومعارفه.

تتسع مسرحية “مولانا المقدَّم” لطرح قضايا فكرية وفلسفية وسياسية وإنسانية، من خلال مونولوجات داخلية وحوارات مبسّطة بالعامية المصرية بين الشخوص الأبرز في المسرحية (الأديب الثائر، المحامي المتملق، المهرّج الساخر، الجندي، السيّاف، الحاكم)، ومن هذه القضايا على سبيل المثال: عدم قدرة الإنسان على فهم نفسه، ولا جدوى القانون، والعلاقة بين القوة والعدل، وكمون مرادفات الحياة في العقل والقوة والوجود، وغيرها.

لا يرى وليد علاء الدين أنه حمّل الدراما ما لا تحتمله من أعباء، فمثل هذه الأطروحات جاءت في قالب فني، ومن خلال التفاعل الطبيعي بين أبطال العرض، وضمن مسار تنامي الأحداث، يقول “أردتُ للقارئ أو المتفرج أن يشاركني التفكير في المساحة التي تقلقني. هذه هي الوسيلة المُثلى، في رأيي، لغرس بذرة الاهتمام بقضية أو فكرة في الوعي العام، فيفكر فيها ويطرح حلولًا لمشاكلها، وهذه هي الطريقة التي أعتقد أن الأدب يعمل بها”.

مسرحية "مولانا المقدم" تطرح قضايا فكرية وفلسفية وسياسية وإنسانية، من خلال مونولوجات داخلية وحوارات مبسطة
تدور أحداث مسرحية “مولانا المقدَّم” في قالب هزلي، إذ تبدأ بلقاء في مكان مجهول، يبدو كأنه الآخرة، بين ثلاثة أشخاص، هم: الأديب، والمحامي، والحداد المصارع مفتول العضلات. وهذا الأخير الذي استثمر قوته في وقت سابق بالتطوع في القوات الخاصة بالجيش، هو الذي سينتصر على رفيقيه في معركة السلطة بالمملكة الجديدة، ليتوّج على عرش حكم ولاية الأموات بفضل قوته، إذ لم يرض الثلاثة بالتحكيم بينهم، الذي اقترحه “المهرّج” ذو الطرطور، بعدما مر عليهم فصار رابعهم.

تتوالى الأحداث، ليزداد “مولانا المقدَّم” في طغيانه ودكتاتوريته بعد توليه مقاليد الحكم، إلى درجة أن يأمر ببناء عرش جديد له من جماجم الشباب القوية، إذ لم يتحمل العرش القديم وزنه الثقيل، فتهدّم تحته.

في ظل السكوت على جرائمه المتتالية، ينبري الأديب لإقناع الشعب بالثورة على الحاكم، لكن لا يتبعه سوى جندي وعدد محدود من أفراد الشعب، فتفشل الثورة، ويأمر الحاكم بالقبض على الأديب، ومن بين التهم التي وجهت إليه أنه يرفض الانحناء للحاكم. وتنتهي المسرحية بإجهاض حلم الثورة، والحكم على الأديب بحبس بنات أفكاره، وإجباره على الانحناء الدائم، مع فرض رقابة لصيقة عليه، في حين يلتزم الأموات أماكنهم في “الجمهورية الطرطورية”.

ربما يكون مدهشًا لقارئ مسرحية “مولانا المقدَّم” أن يعرف أنها مكتوبة قبل موسم الثورات العربية بسنين، وهذه المعلومة يؤكدها الكاتب وليد علاء الدين. يقول الكاتب في حديثه لـ”العرب” “لو شعر أحد بأنها مكتوبة خصيصًا من أجل التعبير عن موقفي من الأحداث الراهنة، فسأعتبر ذلك شهادة نجاح. هذا العمل، بساطة، ينتمي إلى الأدب المنطلق من وعي بالمشترك الإنساني، ومن معرفة بطبائع البشر ورغباتهم التي لا تتغير بسهولة، وبمخاوفهم التي لا تعالَج كذلك بسهولة”.


الإبداع والواقع


رواية مكتوبة قبل موسم الثورات العربية
عن مدى إمكانية التعويل على الإبداع كقيادة على أرض الواقع، أم أن النهاية على الأرض في هذه الحالة ستكون بلون سوداوية المسرحية، حيث سجن بنات الأفكار، وتتابع الدكتاتوريات، وانحناء الشعب، يقول علاء الدين “عندما يفتح طبيب عيادة لاستقبال المرضى وعلاجهم، هو لا يعلن أنه قادر على علاج كل من يزوره، لكنه يظل يحاول ذلك في كل يوم وفي كل مرة”.

بلا شك هناك حالات كثيرة تنجو، يستطرد وليد علاء الدين، فهل نُعوّل على الطب في شفاء كل الأمراض؟ “سؤال إجابته المنطقية: لا بالطبع، فهناك ما لم ينجح الطب في علاجه، وهناك بعض الأطباء يفشلون في علاج بعض المرضى، لكن الطب يقوم بمهمة لا نتصور العالم من دونها، والأطباء هم من يديرون هذه المهمة. وكل يوم يتحسن العالم بفضلهم”.

يرى ضيفنا أن الإبداع مثل الطب، في هذه الحالة، يقوم بمهمته في تحسين الوعي وتطويره وقيادة العقل وتحسين أدواته، والمبدعون هم من يديرون هذه المهمة، رغم أن المشهد العام ما زال مليئًا بالتعصب والجهل، ويقول “لا أميل إلى الحديث عن نهاية مأساوية في الواقع، وإن كانت هكذا في النص لضرورة ضبط عملية الدعوة للتفكير، أما في الواقع فإننا نتحدث عن عملية مستمرة اسمها الحياة، بها دورات تنجح وأخرى تفشل، وبنات أفكار تتعرض للسجن وأخرى تنجو، ودكتاتوريات تعلو ثم تدوسها الأقدام. إنها الحياة، والأدب من وقودها ومحركاتها”.

تكاد تلتقي شخصيات مسرحية “مولانا المقدَّم” في الجمع بين الجدية والسخرية والتهكم و”التهريج” والبساطة واللهجة العامية والرموز الواضحة، ويفسر المؤلف تلك التناقضات بأنه لا يطيق الشخصيات النموذجية (الـ”سوبر بشر”)، ولا يعتقد أنها صالحة للتواصل مع المجتمعات، إذ تُصنع هذه الشخصيات إما لإخافة البشر، وإما لمنحهم الطمأنينة المطلقة، وهما حالتان أبويتان لا تصلحان لإقامة الحوار أو حتى لتقديم القدوة.

يتساءل “هل ترى القدوة في إنسان يعالج نواقصه ومخاوفه ونقاط ضعفه ويقاومها بصبر ودأب وحيرة وقلق فيفشل وينجح إلى أن يتغلب عليها، أم في إنسان مكتمل

الخَلق والأدوات لا يصاب بقلق أو يقع في خطأ؟”، ثم يجيب “الأول قدوة، أما الآخر فوسيلة إحباط”.

عن خطوات تجسيد “مولانا المقدَّم” على خشبة المسرح، يشير وليد علاء الدين إلى أن الناشر أبلغه بأن النص تم ترشيحه لأكاديمية الفنون التابعة لوزارة الثقافة، ويقول المؤلف “لا أعرف إن كان النص سيلقى اهتمامهم أم لا، لكني بشكل عام أرى أن النص المسرحي خارج دفتي الكتاب مسؤولية مبدعين آخرين، كالمخرج والدراماتورجي ومبدعي السينوغرافيا والديكور وغيرهم. إنها دنيا أخرى من الفنون والإبداع لها قواعدها ومعاييرها، وإن كانت مبنية على ما أثاره النص الذي أكتبه”.

-----------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق