مجلة الفنون المسرحية
الذكرى 19 لرحيل أول مخرجة بالمسرح العربي ..ما الذي جعل زينب تستحق لقب فنانة الشعب العراقي؟
فائز جواد - الزمان
مرت علينا وفي مطلع اب الحالي الذكرى العشرون لرحيل الفنانة الرائدة الكبيرة زينب( فخرية اسعد عبد الكريم) إحدى أبرز شخصيات المسرح العراقي الحديث، والتي استحقت بجدارة لقب فنانة الشعب العراقي بعد جهد طويل وحافل بالعطاء والابداع. وكانت البداية يوم سطع نجمها في سماء الفن العراقي في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي حيث مثلت دور “فهيمة” في فيلم “سعيد أفندي” للمخرج كاميران حسني، بعد ما تم اختيارها من بين عشر ممثلات تقدمن للاختبار لأداء هذا الدور.واعقبت ذلك بمسرحية “آني أمك يا شاكر” للفنان الرائد يوسف العاني، فكانت حديث الصحافة والاوساط الفنية والثقافية.
وقبل أن تتجه للتمثيل كانت لها محاولات في كتابة الشعر، بل ونشرت بعضا من تلك الاشعار بأسماء مستعارة منها “زينب” و”سميرة الفقراء” وهذا ليس بمعزل عن دراستها للغة العربية – جامعة بغداد – في الخمسينيات من القرن الماضي. فضلا عن عملها مدرسة لسنوات عديدة قبل أن تتعرض للفصل السياسي بسبب مواقفها الوطنية، وهي التي تأثرت كثيرا بالأفكار التقدمية وسبق أن زارت سجن الكوت وكان الرفيق فهد مسجونا وقتذاك، وحينما هتفت ضد أعداء الشعب العراقي علق الرفيق فهد على هتافها: “لا فض فوك يا ابنة الرافدين”.
وبعد اشراقة ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 كانت زينب في مدينة الحلة وسارعت فور سماعها نبأ الثورة للخروج إلى الشارع. وعلى مقربة من احد مراكز الشرطة اعتلت عربة احد باعة “الشلغم” واعتمرت قبعة أحد الجنود أو الشرطة وراحت تهتف وتهزج للثورة. فتجمعن حولها النسوة وبدأ التجمع يكبر شيئا فشيئا في تحشد شعبي لا مثيل له جسد تأييد الناس للثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم.
فيلم الحارس
وفي وقت لاحق تألقت في فيلم “الحارس” ونفذت كلماتها إلى القلب وظلت محفورة في الذاكرة وكان حصادها الكثير من الاعجاب. وفي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ومع تصاعد حملات الاعتقال والملاحقات والمضايقات ضد الفنانين التقدميين والوطنيين الشرفاء ،اضطرت الفنانة الراحلة إلى مغادرة الوطن هربا من جحيم الارهاب والقمع والاستبداد، لتحط في بلغاريا. ومنها سافرت إلى اليمن ، وعملت في وزارة الثقافة اليمنية، ونشطت في ميدان المسرح من جديد، وبادرت لتأسيس فرقة مسرحية بإسم “فرقة مسرح الصداقة” عام 1980. وتولت رئاسة الفرقة التي كانت تضم في هيأتها الإدارية كلا من الفنانين: لطيف صالح، اسماعيل خليل، صلاح الصكر، أنوار البياتي، سلام الصكر، وصباح المندلاوي. وجميعهم من خريجي معهد واكاديمية الفنون الجميلة قسم المسرح.ونشطت هذه الفرقة وقدمت باكورة أعمالها بـ”مغامرة رأس المملوك جابر” لسعد الله ونوس واخراج الفنان لطيف صالح. وقدم هذا العمل بمناسبة يوم المسرح العالمي عام 1981 ليحظى بإعجاب المتتبعين وبتقدير استثنائي من قبل لجنة التحكيم بعيدا عن منافسة الاعمال اليمنية.
وأعقبت هذا العمل مسرحية “الأم” لبرشت التي أخرجها الفنان سلام الصكر. وقد مثلت زينب فيها دور الام وكان لها نصيب كبير من الاشادة والاطراء عبر ما نشرته الصحف في تلك الايام.
وفي مطلع الثمانينيات، انتقلت الفنانة الراحلة إلى دمشق لتضع تجربتها وخبرتها تحت تصرف فرقة بابل المسرحية التابعة لرابطة المثقفين الديمقراطيين العراقيين، وأدت دور البطولة في مسرحية “قسمة والحلم” تأليف فائز الزبيدي واخراج سلام الصكر. ولا تنسى مشاركتها في مسرحية “المملكة السوداء” تأليف محمد خضير، التي قدمت في ليبيا بمهرجان النهر العظيم المسرحي.
عطاء مسرحي
وفي مطلع التسعينات غادرت زينب دمشق متوجهة إلى السويد، ومن هناك واصلت عطاءاتها المسرحية وكان لها دور كبير في لم شمل الفنانين العراقيين، وقدمت أعمالا تليق بسمعة الفنان العراقي، وعبرت عن معاناته وعذاباته داخل الوطن وخارجه.
وخلال مشوارها الفني والثقافي الطويل نشرت الكثير من المقالات والمتابعات في الصحف المحلية والعربية.وفي النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي أصيبت بمرض عضال، وفي الثالث عشر من آب عام 1997 فارقت الحياة بعد ان تركت بصمة مؤثرة وفاعلة في سماء المسرح العراقي. ولن ينسى جمهورنا المسرحي يوم تألقت على خشبة المسرح في مسرحية “النخلة والجيران” للكاتب غائب طعمه فرمان واخراج قاسم محمد، وغيرها من الاعمال المتميزة.وفي الذكرى السنوية لرحيلها، ندعو الجهات المعنية الى إيلاء هذه المناسبة الاهتمام الكافي وبما يعكس التقدير لهذه الفنانة الأصيلة ودورها الحيوي في النهوض بمسرحنا العراقي ويحفظ ذكراها الطيبة العطرة.
اختلف الباحثون كما يشير الباحث عواد علي في تحقيق صحفي نشره في وقت سابق حول تحديد اسم أول مخرجة ظهرت في المسرح العربي، فذهب بعضهم إلى أنها الممثلة المصرية الراحلة فاطمة رشدي، التي أسست فرقة مسرحية باسمها في القاهرة، ومثلت أكثر من مئة مسرحية. وذهب بعضهم الآخر إلى أنها المخرجة اللبنانية لطيفة ملتقى التي أسست مع زوجها المخرج أنطوان ملتقى “حلقة المسرح اللبناني” في العام 1963.
تقول الباحثة الأكاديمية المصرية سامية حبيب، في لقاء صحفي نشرته مجلة الكويت إن فاطمة رشدي “أخرجت مسرحيات عالمية لفرقتها في العشرينيات والثلاثينيات دون أن تذكر اسم مسرحية واحدة من المسرحيات التي أخرجتها. وهو كلام يمكن التشكيك في دقته لأن فاطمة رشدي مولودة عام 1908 ومن ثم ليس من المعقول أن تكون مارست الإخراج المسرحي وهي في سن صغيرة، ولم تتلق تعليما في مدرسة. وقد كانت تعمل ممثلة خلال تلك الفترة مع فرق محترفة، مثل فرقة رمسيس ليوسف وهبي، وفرقتها التي حملت اسمها، والفرقة القومية التي تشكّلت عام 1935. هذه الفرق التي كان يخرج مسرحياتها مخرجون درس بعضهم فن المسرح وتعلموا قواعده في أوربا مثل: جورج أبيض وزكي طليمات وعزيز عيد ويوسف وهبي وفتوح نشاطي.
وحينما بحثت في تجربة هذه الفنانة وسيرتها وجدت أنها أخرجت مسرحية واحدة فقط هي “غادة الكاميليا” عام 1954 لفرقة المسرح العسكري المصرية التي تكونت بعد ثورة يوليو 1952 وألغيت بعد نكسة حزيران 1967.
أما اللبنانية لطيفة ملتقى المولودة في العام 1932فقد بدأت تجربتها الإخراجية في النصف الأول من الستينيات من خلال ملتقى “حلقة المسرح اللبناني”وقد ساعدها زوجها أنطوان ملتقى في توجهها نحو الإخراج تاركة العمل في مجال تخصصها القانوني، أو مهنة المحاماة.
ميدان الاخراج
وفي هذا الصدد تقول إنها دخلت ميدان الإخراج للإسهام بجهدها المتواضع في تأسيس مسرح جاد ومتطور من حيث الشكل والمضمون بعدما تركت مهنة المحاماة واعتزلتها، اعتقادا منها بأن للمسرح دورا أكثر فاعلية، لأنه يؤدي إلى احتكاك مباشر مع الجمهور، ويغوص إلى عمق قضايا الإنسان وهواجسه الاجتماعية والثقافية.
وإثر تأسيسهما، هي وأنطوان، “فرقة المسرح الاختباري” أخرجت لطيفة المسرحيات المترجمة: “أنا ناخب، العالم يو، وصية كلب، عشرة عبيد زغار، زيارة السيدة العجوز” و”حرب بالطابق الثالث”. من الصحيح القول إن الريادة الفنية لاشتغال المرأة العربية في الإخراج المسرحي تنسب إلى ملتقى، لكن الريادة التاريخية لا تنسب إليها، كما يذهب بعض الباحثين، ومنهم الباحث الأكاديمي العراقي أحمد سلمان عطية، الذي يقول في بحث له عنوانه “جماليات المنظر المسرحي في عروض المخرجة المسرحية العراقية” المنشور في مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية، العدد 2 المجلد 4 2014.
وكتب عطية “إن لطيفة ملتقى تعدّ أول مخرجة مسرحية في الوطن العربي. فبعد أن اقتحمت فن الإخراج اشتغلت على خط التجريب.. بل إن الرائدة الحقيقية هي الفنانة المسرحية العراقية الراحلة زينب فخرية عبدالكريم 1931//1998 التي عرفت بفنانة الشعب، وكانت من أعمدة “فرقة المسرح الفني الحديث” العريقة في العراق، التي يرأسها الفنان والكاتب المسرحي يوسف العاني، ومن أبرز الممثلات فيها إلى جانب زميلتها ناهدة الرماح.
وتشير بعض المراجع إلى أن زينب الحاصلة على البكالوريوس في الأدب العربي عام 1952 كتبت مسرحية بعنوان “زواج بالإكراه وأخرجتها ومثلتها مع نخبة من معلمات وطالبات مدرسة “الرمادي” للبنات عام 1953. وقد أثارت المسرحية في حينها ضجة كبيرة، وتعرضت زينب بسببها إلى القذف والتشهير. كما أخرجت في ما بعد مسرحية “دون جوان” لموليير. وكانت تكتب، إلى جانب عملها في التمثيل، القصة القصيرة والتمثيليات الإذاعية. لكن بسبب تعرضها إلى المضايقات والتهديدات على يد الأجهزة الأمنية، ومنعها من الكتابة ودخول الإذاعة والتلفزيون في أواخر السبعينيات، كونها ذات ميول شيوعية، اضطرت إلى مغادرة العراق عام 1979 لتعيش في المنافي متنقلة من بلد إلى آخر حتى استقرت أخيرا، قبل وفاتها، لاجئة في السويد.
قسوة الاغتراب
رغم قسوة الاغتراب فقد واصلت زينب نشاطها المسرحي، وقدمت العديد من الأعمال المسرحية مع زوجها الفنان لطيف صالح في عدن ودمشق ويتبوري مدينة في السويد. ومن أهم أعمالها المسرحية: “آنه أمك يا شاكر، “رسالة مفقودة، الخال فانيا، الخان، الشريع ، تموز يقرع الناقوس، قسمة والحلم، الحصار والنخلة والجيران.
إضافة إلى “الخرابة ، شعيط ومعيط وجرار الخيط، الينبوع، وحشة وقصص أخرى، الأم، مغامرة رأس المملوك جابر، بغداد الأزل بين الجدل والهزل، سواليف يا ليل، صور شعبية وصورة، فوانيس، شفاه حزينة، ثورة الموتى، المملكة السوداء، ستة دراهم، بيت برنا ردا ألبا، دون جوان، نفوس، صور جديدة، هاملت عربيا وأنا ضمير المتكلم.
وتذكر سيرة الفنانة زينب أنها كتبت مسرحية أخرى عام 1991 بعنوان صور شعبية وصورة، أنتجتها فرقة سومرفي السويد، التي كانت مديرة فنية لها، وعرضتها في يوم المسرح العالمي.
الراحلة في سطور
لدت الفنانة زينب فخرية عبدالكريم في الشطرة عام 1931 .
عملت معلمة في الحلة ، قبل أن تقال لنشاطها السياسي وتحترف السينما والمسرح .
ـ كان لها دور في دفع وتشجيع الطالبات للمشاركة بالمسرح وكانت تمثل لهن مشاهد تمثيلية في المدرسة .
ـ احتلت موقعا متميزا في المسرح العراقي وصارت رمزا من رموزه .
ـ التحقت بفرقة المسرح الفني الحديث وعند اشتراكها بطلة لفيلم “سعيد افندي” من اخراج كاميران حسني تغير اسمها من فخرية عبد الكريم الى زينب. ـ تألقت في أداء دورها على المسرح وفي الحياة وأبدعت بشكل مؤثر وفعال.
ـ في المسرح ، ادت دور البطولة آني أمك يا شاكر التي عرضت في قاعة الشعب عام 1958م بعد ثورة 14 تموز .
ـ قدمت العديد من الأعمال المسرحية ، أبرزها مسرحية “النخلة والجيران” التي أخرجها الفنان الراحل قاسم محمد ، واشترك بها العديدون من الفنانين العراقيين الكبار منهم : فاضل خليل وخليل شوقي وناهدة الرماح وآزاد وهي صموئيل ويوسف العاني وسليمة خضير وزكية خليفة وغيرهم من الفنانين ـ قدمت اعمالا مسرحية أخرى منها : اهلاً بالحياة ، رسالة مفقودة ، الخال فانيا ، فوانيس ، الخان ، البستوكة ، الخرابة ، نفوس ، الشريعة ، وغيرها الكثير من الاعمال المبدعة.
ـ في الكتابة للدراما كتبت عدداً من المسرحيات منها: ليطة ،الريح والحب ، تحقيق مع ام حميد ، بائعة الاحذية .
ـ اخرجت عملا مسرحيا واحدا في محاولتها الإخراجية الوحيدة لمسرحية الدون جوان لموليير .
ـ قدمت ثلاثة اعمال سينمائية ،هي: فيلم سعيد افندي 1957 للمخرج: كامران حسني ، وفيلم ابو هيلة 1962 للمخرج جرجيس يوسف حمد ومحمد شكري جميل ، واخيرا فيلم الحارس 1967 للمخرج : خليل شوقي .
ـ قدمت مع مبدعين من العراق اعمالاً ذات شأن منها مسرحية الحصار ، ثورة الموتى ، القسمة والحلم ، المملكة السوداء ، رأس المملوك جابر ، مسرحية الام ، سالفة ام مطشر.
ـ غادرت العراق عام 1979 الى بلاد المنافي وظلت تنتقل من بلد الى آخر ، ونشطت هناك في تأسيس فرق عدة منها : فرقة الصداقة في عدن وفرقة بابل في سوريا وفرقة سومر في السويد.
ـ كانت المبدعة الراحلة بالرغم من قساوة الغربة والمرض تتمنى العودة الى الوطن ليكفنها تراب العراق ولكنها فارقت الحياة في الغربة بتأريخ 13 من آب 1998في السويد .
ـ قام المخرج طارق هاشم بإخراج فيلم تسجيلي يتناول جوانب من حياة الفنانة الراحلة الحافلة بالابداع تخليداً لذكراها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق