مجلة الفنون المسرحية
المؤلفة أيمان الكبيسي |
الشخصيات :
الدمية: شخصية ادمية في هيئة دمية.
اللاعب: رجل في الأربعين من عمره, وسيم, مفتول العضلات.
صوت : الدمية العظيمة .
الدمى: مجموعة دمى شبه ثابتة موجودة على المسرح.
الدمية1: أرملة فقدت زوجها في أعمال عنف طائفية.
الدمية 2: مطلقة في مقتبل العمر.
الدمية3: عذراء تجاوزها قطار العمر.
المشهد الأول
( مسرح فارغ تقريبا ألا من بعض الخيوط المتدلية من الأعلى هنا وهناك وبعض الدمى المركونة في زوايا المسرح, إضاءة خافتة مع بقعة ضوئية ترافق عرض راقص تقوم به شخصية في هيئة دمية الماريونيت مع اللاعب, موسيقى هادئة, عند دوران الدمية تتفاجئ بوجود خيوط أخرى عالقة في يد اللعب الملتفة حول خصرها, تخفت صوت الموسيقى مع ارتفاع لصوت ضربات القلب, الدمية قلقة, يقوم اللاعب مرتبكا بإنهاء العرض في محاولة لإخفاء الخيوط عنها خلف ظهره. ينتهي العرض ويحيي اللاعب الجمهور, يُركِن الدمية إلى جانب المسرح ويغادر)
الدمية: (اضاءة فيضية, تظهر الدمى على المسرح, تتوجه الدمية إلى وسط المسرح بذهول) ما أكثر تلك الخيوط المتشظية, خيوط أخرى في يديه!!! يا الهي ...لا اصدق! هل خانتني عيناي, أم كان عَبَثٌ ليداه مع غيري!! منافذ الضوء تقتل احلامنا وهي تكشف حقيقة ما يدور حولنا نستقبلها كارتطام مقدمة الأشياء بجسم صلب, برأيكم كيف ستكون النهاية؟ هيا تكلمن(تنظر إلى الدمى المتناثرة) أما من مجيب هل تقاعدت السنتكن كما هي اجسادكن؟(تتجه نحو الدمى) أنت يا فاتنة ما الذي يمنعك من الرقص؟ (تتجه نحو الدمية الأولى وتقوم بارتدائها وتقمص دورها)
الدمية 1: (تحاول الكلام وكأنها كانت خرساء) اه ...ا...ن..ا , أنا يمكنني الكلام! ظننت ان الحروف قد اُزهقت, وان الكلمات قد اغتيلت كما اغتيل هو عند الباب... في منتصف الهدوء, عند ليالي السكينة... غيوم ملبدة بالسعادة , لحظات وتمطر لتسقي الحرث والنسل(صوت طرقات الباب) طرقت الباب, من الزائر يا ترى؟ سأفتح أنا الباب...لكنه رفض قائلا: ما عدنه نسوان يطلعن بالليل على الباب (تجلس على الأرض باكية وتضرب على خديها وتولول) ما
صوت الدمى: يقتلهن الباب ...يقتلهن الباب, (صوت اطلاق ناري يسكت الجميع)
الدمية1: قتلهن الباب, تلك المومس اللعينة قررت طردي من الجنة, قتلت جنتي على الهوية ورمته جثة مجهولة الهوية, منذ ذلك الحين وأنا في هذا النوم العميق, ممنوعة من الرقص من الغناء من الحركة, لان رقصي يزعج جيراني ممن لم تنهي الأبواب سعادتهم. والشبعان ميدري بالجوعان.(صوت قطار يمضي سريعا, تخلع الدمية ثوب الدمية 1)
الدمية: لِمَ لمْ تعارضي ذلك الحبس لماذا تستسلمين لليأس؟ لازلت قادرة على إنجاب الميمات المثيرة لازال جمالك في مخاض (تتجه نحو دمية أخرى الدمى وتقوم بارتدائها وتقمص دورها)
الدمية 2: هل للباب طرقات؟ صوت يُسمع؟ بابي لم يطرق بابي ظل مفتوحا بعد ارتطامه بحقيبة السفر السوداء, ركضت وراءها مترجية...حاولت التمسك بها , منعها من مغادرة مخدعي...تشبثتُ...توسلتُ...تضرعتُ...دون جدوى
صوت الدمى: تشبثتْ...توسلتْ...تضرعتْ.
الدمية2: وبلمح البصر غادرت تدحرجت زحفت نحو الضفة الأخرى لتعلن بدأ مشوراً جديد على أطلال مشواري...وانتهى مشواري.(تخلع الدمية ثوب الدمية 2)
الدمية: لم ينتهي بعد ...لازال المشوار في أوله. لنقل لا بصوت واحد.(صوت قطار يمضي سريعا)
الدمية 3: لا جدوى بالصراخ...لا جدوى...
صوت الدمى: لا جدوى ...لا جدوى...
الدمية 3: كل واحد يقف في الطابور ...كل حسب دوره.
صوت الدمى: كلنا في الطابور ...كلنا في الطابور.(صوت القطار)
الدمية: (بقعة ضوئية, وظلام المسرح) ماذا لو حان دوري في الطابور؟ لكني لازلت فتية (ترقص بهستيريا وهي تضحك) لازلت تلك الفراشة المتنقلة بين ربوع الفردوس, ها هي اجنحتي الناعمة المترفة لم تُخدش (تتوقف) لكن ماذا لو خُدشت؟ ماذا؟ ا حان دوري فعلا؟ لقد بانت أول تلك العلامات, أبصرتها عيناي, لمعة عينيه تستفز ظنوني, وذلك الجبل الجليدي في اليدين, غيبوبة المشاعر!!! غياب موسيقى الهمسات, ماذا يعني كل ذلك؟ أيها الضوء ارحل ودع لي الظلام صديقا حميما حتى لا أرى خيوطا لراقصة غيري...أيها الظلام أسدل الستار على مسرح أكاذيبنا, اسكِتْ بهدوئك الموحش جمل الحب الفارغة... تلك العينين لا حاجة بيّ لهما, منذ أن تلاعب بخيوطي ومنذ أن توسطت عيناي راسي أبصرته ونظارات سوداء تتقدمها دائما تمنع الرؤية بوضوح...لقد مارستا معي لعبة خداع البصر, لكن ماذا عن يدي التي لامست الخيوط المتدلية بين أصابعه؟...نعم بالتأكيد... تآمرت مع زميلتها, أرادتا إجهاض حلمي المولود منذ سنين, وماذا عن ذلك الشك الذي حرق الأخضر والأخضر, وصير الروح كهشيم تذروه الرياح, ا هو كاذب أيضا؟ كل شيء أصبح مزيف كل شيء لا معنى له. (تنظر إلى الأعلى) أيتها الدمية العظيمة ... هل أنت بحق موجودة, بتّ اشك في وجودك, هل أنت حقيقة؟ وهم؟ أم علاج نُسكت به أنفسنا, ونعزيها به عند الفشل؟ أجيبيني!! اصدقيني القول!! (تبكي) ساعديني, انقذيني من عذاباتي, الستِ من الإلهة, الست على كل شيء قدير, رائحة الدخان تخنقني ...ملء الرماد أحشائي, تكلمي قبل أن اكفر بك, وبكل ما يحركني من خيوط.(تعود للبكاء) أرجوك ...أرجوك.
الدمية العظيمة: (صوت من خارج المسرح) أحجار صوتك كّسرت نوافذ قلبي, وحصى دموعك أدمعت مسامعي, لقد رق لك الفؤاد ...انا هنا يا صغيرتي اقرب من خيوطك إليك, ما بك؟ لم أعهدك حزينة ؟ كنتِ عنوانا للفرح, اساريرك تفضح سعادتك, أمواج ضحكاتك تتلاطم في الفضاء, ما الذي غير كل ذلك؟
الدمية: (بتوسل) مولاتي ... خدعتني عيناي, غدرت بيّ أصابع يدي, حتى إحساسي هو الآخر أعلن انقلابا عسكريا ضدي.
الدمية العظيمة: ربما أنتِ من أطلق الاتهامات عليهم, وربما كانوا محقين, وربما(تقاطعها)
الدمية : وربما تآمرت معهم ضدي!!!أنتِ أيضا خائنة.
الدمية العظيمة: (بغضب) ألزمي حدودك, وإلا صيرتك بشراً.
الدمية: ماذا؟ تصيريني بشرا!!!هل بإمكانك فعل هذا؟
الدمية العظيمة: بإمكاني فعل كل شيء...كل شيء.
الدمية: إذن لماذا قسمتِ لي الشقاء, وانتِ قادرة على إسعادي؟ لماذا أوجدتِ قوانينكِ التي تجعلني مواطن درجة ثانية؟ لماذا سلبت حريتي؟ لماذا ارضختني لعبودية من هم ليسو بأفضل مني؟ أليس من واجبنا طاعتك مقابل رعايتك لنا؟ أم إننا خلقنا للطاعة فقط؟ الم تعديّنا بحياة منعمة, ها نحن نطيعك...ونفّي بالتزامنا, فأين نصيبك من العقد؟ انظري إلى (تشير إلى الدمى) تلك الدمى الموؤدة, أين انتِ منهن؟ لماذا رضيتِ رميهن في مقابر اليأس؟
الدمية العظيمة: هذا قدرهن.
الدمية: الست انتِ من يرسم الأقدار, من يحدد هذا الوأد, قبور متناثرة, توارت عن أقمار يافعة أُعلن عن اغتيالها لأنها لم تجد من يتمسك بخيوطها.
الدمية العظيمة: هذا ديدن الحياة.
الدمية: اي حياة؟ هل المأكل والمشرب حياة؟ إرسال قلوبنا في قوافل إلى للاعودة حياة؟ صد الرياح العابثة بقلب مراهقة...حياة؟ الحكم على تلك الدمى بالموت عنوة حياة؟ ماذا أعطتنا تلك الحياة حتى نرضخ لدستورها المبهم؟
الدمية العظيمة: أتشككين؟!!! أم تطلبين؟!!
الدمية: بل أتجرد من خوفي, اشكك في كل شيء, واطلب تحويلي إنسانا, لا اريد الوقوف في طابور...لن انتظر قدري...ولن ارض به.
الدمية العظيمة: هل جُننتِ؟ أتودين الانتحار!!!!من اجل من؟ ذلك الإنسي العابث؟!!!
الدمية: (بعصبية)لا تقولي عنه عابث.
الدمية العظيمة: بل عابث وخائن.
الدمية: (تهدا) حسنا لنعقد اتفاق, إن صَدّقتُ كلامكِ وشهادة حواسي, وأيقنت خيانته, ما الذي يجبرني على البقاء تحت طوعه, ارغب بالسباحة في الفضاء بلا خيوط تربطني به.
الدمية العظيمة:ستتحطمين.
الدمية :أنا محطمة!
الدمية العظيمة: ستُخذلينْ.
الدمية: خذلني كل شيء حتى حواسي.
الدمية العظيمة: ستندمين.
الدمية: دعيني أخوض التجربة.
الدمية العظيمة: حسنا...سأساعدك, لكن من واجبي أن أنبهك...إن رغبتِ في العودة إلى جنسك الأصلي ستفقدين الكثير من سنين عمرك الافتراضي.
الدمية: هذا إن رغبت بالعودة, ولن أعود.
الدمية العظيمة: لك ما شأت, هذا هو آخر يوم لك معنا, شمس أدميتك تشرق مع اشراقة صباح الغد... إن أردتِ العدول عن قراركِ قبل هذا, يمكنني تدبر الأمر, لكن تذكري عمرك الافتراضي...وداعا.
الدمية: (إلى الدمى ) اااااه, من صباح الغد أنا من سيحرك الخيوط. هيا انهضن كفاكن نوما...الم تسمعن؟ غدا سأكون بلا خيوط ...لا خيوط.
صوت الدمى: (بصوت يتلاشى) خيوط ...خيوط... خيوط.
الدمية: لا قيود في معصمي, لا أحب القيود في معصميا, لطاما استهوتني هذه الكلمات, ساُبقي على هذا القرص المدمج, وارمي كل أناشيد الخنوع (تبدا بالرقص والغناء مع الموسيقى), يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات, لا لا لا لن يتمكن احد بعد الآن من إسماعي, أنا من سيختار ما اسمع؟ ولماذا اسمع؟ ومتى اسمع؟ وأنا من سيختار من يراقصني...بل حتى أعطني حريتي أطلق يديا, سأرميها في نفايات تاريخي, حريتي سأنالها دون طلب أو مكرمة من احد. غدا إعلان لولادة فراشة من نوع فريد, لا بل طائر نورس مهاجر, غدا سأكون أنا بدون خيوط, بلا لاعب ...سأكون أنا اللاعب...انا اللاعب.(ترقص)
صوت الدمى: هي اللاعب ...هي اللاعب.
اللاعب: (من خارج المسرح) دميتي...صغيرتي, ما تفعلين؟ أين انتِ؟ جاوبي ا تسمعين؟ (يدخل اللاعب).
الدمية: أنا هنا(ترقص بفرح).
اللاعب: نعم ارقصي, امرحي, العبي...استمري, أغرقيني بالفرح, حاربيني بالسعادة, عاقبيني بالجمال.
الدمية: آثار العقوبة بادية عليك, فكيف يحق لي عاقب مُعاقب؟
اللاعب: كل شيء لك مباح لا قانون للعقوبات, انتِ آلهة العذاب ولكِ سن القوانين.
الدمية: لستُ وحدي من يُعاقِب.
اللاعب: (بتردد) ماذا تقصدين؟
الدمية: (بسخرية) اقصد خيوطي العالقة في يديك.
صوت الدمى: الخيوط ...الخيوط.
اللاعب: (بتردد) نعم ...نعم صحيح, هي خيوطكِ ليس إلا !!! انتِ تعلمين مدى تعلقي بك.
الدمية: اعلم كل شيء, ولأنها خيوطي سأتركها لك تذكارا مني...بعد أن أصبح إنسية, وعندها ربما أعود إليك لكن بإرادتي.
اللاعب: لا ...لا...لا يمكن...لن اسمح بذلك, ليس لك الحق في هذا, أنا مالكك الوحيد, المتحكم في مصيرك, انتِ لي أنا وحدي.
الدمية : سأكون لك وحدك, لكن مع قليل من نكهة الحرية وعطر الإرادة.
صوت الدمى : (ضحكات تتصاعد)
اللاعب: هذا كلام فارغ, لن تخرجي عن سيطرتي.
الدمية :سأخضع لها بملء إرادتي, وسأسمح لجنودك باحتلالي, سأقف صاغرة بين يدي عرشك...لكن دون خيوط, أريد اختيار ذلك.
اللاعب: كلماتك أعلنت حربا أهلية في راسي, واغتالت نشوتي وسعادتي...يا صغيرتي لا تشغلي بالكِ بمصطلحات لا جدوى منها (يمسك الخيوط) هيا تعالي(تبدأ بالرقص) أخضعيني لجبروت أدواتك, اُدخلي حدائقي آمنة مطمئنة, أطلقي العنان لفراشاتك الذهبية, ولعاملاتك التي تصنع العسل, هيا أتمي احتلالي, تموجاتك تحطم صخوري... ااااه كم انتِ جميلة, اااااه دنيا بلا دمى لا دنيا فيها (يستدرك) يبدو انك صيرتني شاعرا, ارايتِ كم انتِ خالقة!!!هنا تكمن حريتكِ.(يجلس على الأريكة متعبا بينما تستمر هي بالرقص) لقد تعبت, واشعر بالجوع...اااه بعد أن تغذت النفس بما لذ وطاب, جاعت البطن (يضحك, وهو يرمي بالخيوط أرضاً) كفى ...كفاك لعبا اذهبي وحضري الطعام...فعصافيري باتت تأكل بعضها بعضا.
الدمية: سمعا وطاعة( تتحدث مع نفسها) متى تشرق شمسي؟ لماذا ليلتنا حالكة الظلام؟(تخرج)
اللاعب: بدأت اضجر من تذمرها, سيوفها وهي ناظرة إلي تكاد تغتالني, أشم رائحة الشك في أنفاسها, ونوايا الغدر تلوح بين سطورها, (ينظر إلى الخيوط ويضحك) لا قلق لا خوف! فخيوطها لازالت كغيرها في يدي.(يعتلى مكان مرتفع) أنا الحاكم...المتحكم...الحكيم...في أمرها.(يرن الهاتف, يخرج اللاعب للإجابة عليه) هيا أسرعي في تجهيز الطعام واتبعيني .
الدمية: (تدخل وهي تحمل بعض الخضراوات لتقطيعها) متى تشرق؟ لازلت اذكر اول اشراقة للشمس,(بقعة ضوء) كنت حينها طفلة تحلم بوصل خيوطها, حاولت اللحاق بها مع طائرتي الورقية, لكنها افلت ...سكنت بعيدا عني...غادرتني...صرت اعشق الظلام ...أسير في ليل يعوي بالوحشة, أتجنب شروق شمس أخرى ليقيني أنها سوف تغيب, جهزت حقائب روحي نحو غابات الجنون المعتمة, رحلة طويلة...دامية ...كنت ابحث فيها عن صباي وسط زجاج العمر المكسور, سنين العمر أعلنت إبداعها على لوحتي...وإذا بشمس تطاردني... تلاحقني...تمازحني...تغازلني, في محاولة لعقد صلح بيننا. قلت لها: لا... أريد الافتراق ...أخشى الاحتراق ...دفئك مؤلم, دعيني انعم بالسلام... قلت... وقلت... وقلت, دون جدوى!!! أصرت...ألحت, ثم جرت شعاعات الهزيمة وعادت. ثم عادت وبعد رفض وعناد غادرتني. ثم عادت...ترتجي فرصة أخرى...بوعود من انهار العسل والخمر, بمسكن عند القمر, بضوء حنون مستقر...صدقتها ... وبدأت مشواري... وسط رجالات الأمن المنتشرة في كل مكان, في خشية من الوشاية بيّ عند السلطة, كنت اهرب بين سطور الكلمات إلى نفسي لألتقي نفسي, صرت طفلة لعوب, تفرح... تلعب... وربما تبكي, وبدا ربيع العمر يعود, تفتحت زهوري, أينعت أوراقي, امتلأت سنابلي بالأمل, فراشات الفرح ملئت المكان, أكاد اسمع زقزقة العصافير, نقيق الضفادع, سراب من بعيد يوحي بأنهار الخمر والعسل, كل ما حولي جميل حتى الغروب, ماذا الغروب؟!!!(تخفت الإضاءة في البقعة) لا لا أحب الغروب أين انتِ يا شمسي؟!!! وغابت الشمس...تركت أشعتها تحرق بساتيني...ابتلع الظلام تلك الأنهار, اغتال الهدوء أصوات العصافير... ورحل العمر, أدركت إن الشمس هي الشمس, وان تغير نهار شروقها, (يضاء المسرح) أتمنى أن لا تكون لآدميتي ذات الشمس...وداعا أيتها الدمى وداعا.
(تعتيم)
المشهد الثاني
(الدمية من غير خيوط, إضاءة هادئة, المسرح فارغ إلى من بعض الدمى المتجمعة في مكان واحد, مؤثرات ضوئية لطيور بيضاء في الفضاء)
الدمية: (بفرح) كُفي أيتها الروح عن التحليق في السماء, انتِ الآن حرة, اهبطي للراحة قليلا, فلا قيد بعد اليوم غني, ارقصي, افرحي(تتعالى أصوات الأنغام مع تراقص الدمية).
اللاعب: (بانزعاج)اااااه فعلتِ ما يحلو لكِ؟!(اضاءة فيضية)
الدمية: وهل ما يحلو للنفس محرم؟
اللاعب: لن تصمدي طويلا!!!!
الدمية: لن اصطدم بأحد, سأعيش لنفسي فقط.
صوت الدمى: ستعيش ...ستعيش.
اللاعب: حتى نفسكِ محكومة.
الدمية: لا لا شيء يحركني, انظر أنا الآن من دون خيوط (تتحرك برشاقة) الآن يمكنني الرقص بمفردي, فلا حاجة لي لا بك ولا بالخيوط هاهاهاها.(تتغير ألوان الإضاءة فتظهر خيوط تربط اللاعب بسقف المسرح, وكذلك خيوط أخرى مدلاة للدمية) ما هذا؟ أنت مُنقاد بخيوط؟ أنت!!!! لا اصدق؟!!!!!
اللاعب: وما الغرابة في ذلك؟ منذ ولاتي وهذه الخيوط معي, كلما كبر سني زاد عددها.
الدمية: أنتَ دمية ام إنسان؟!!!!
صوت الدمى: دمية ام انسان؟
اللاعب: لا فروق جوهرية بينهما.
الدمية: كيف؟ كنت بلا قيود, كنت الحاكم,لا المحكوم.
اللاعب: عندما كنتِ دمية كانت كل خيوطك في يد لاعب واحد, أما الآن فخيوطك مثلي, متشعبة, متفرعة حسب لاعبيها وأهوائهم( يبدأ بربطها بالخيوط المتلية) انظري, راسك, معصميك, ذلك الخصر النحيل, تلك الساقان الناعمتان, كلها مقيدة بالخيوط, خيوطك الآن ترتفع بعيدا ابعد من مستوى النظر. أ أيقنتِ ألان إننا مسيرون؟...كنت اخونكِ, نعم لدى دمى كثر غيركِ, كان خيطي الغرائزي يشدني بقوة, وعندما كنت أضيق الخناق عليك كان خيطي المجتمعي ساندا لي لأثبت فحولتي, والمال كان دافعا لتحريكك على مسارح شتى, حتى الدين ذلك الوتد الأقوى, كان الكابتن في تحريكي وتحريكك.... عودي كما كنتِ فكلنا دُمى مقنعة... واعدكِ أن اغفر لكِ, لتكوني دميتي المفضلة, لكن لست الوحيدة.
الدمية: بل سأكون حرة...سأختار طريقي دون املاءات.
(يظهر خلف المسرح منظر لمحكمة وميزان مائل للعدل, يأخذ اللاعب دور القاضي)
اللاعب: (يصرخ) محكمة...اسمك؟ سنك؟ عنوانك؟ لم تتركي لي خيارا آخر.
الدمية: اسمي مفقود, عمري بقدر دموع الموؤدات, بحجم عذابات الحب الكاذب, عنواني كل ثكالى القلوب. كل مقابر الارواح.
اللاعب : ليتفضل المدعي العام(يرتدي عباءة المدعي العام) ما قولك في التهم المنسوبة اليك؟
الدمية: التهم؟
اللاعب: أنتِ من أخرجنا من النعيم, من أشعل نار الحرب, من كان سببا في قتل الأخ لأخيه.
الدمية: ا هذه كل التهم؟
اللاعب: وخالفتِ القوانين.
الدمية: قوانينك ام قوانين السماء؟
اللاعب: بل قوانين الأرض, قوانين الحياة.
الدمية: هااا تذكرت قوانين الأرض, تلك التي وضعت أمي مصداً لرياح سوط الجلاد...كنت أتابع المشهد, منذ أول صرخة لي ...عندما استبشر أبي خيرا بلاعب جديد, فاسود وجهه بي وظل كظيم...مرت الأيام وتوالت السياط على ذلك الجسد الممزق... مع كل جلدة...صحوة...أمل ... رغبة في النجاة...حلم في أن تكون تلك الجلدة الأخيرة...وجاءت الجلدة الأخيرة ...تلاشى ذلك الجسد المتعب...توارى خلف السحب, وبدت السياط تقترب مني لكن ليس للجلد بل لتحيطني بذريعة الحرص ...الخوف ...الحماية(مع كل كلمة تلتف الخيوط حولها أكثر).
صوت الدمى: (بسخرية)الحرص...الخوف... الحماية.
الدمية: (إلى الجمهور) نعم الخوف على ذلك الساري الذي يحمل خرقة تدعى علم, تصوروا أنا من يحمل لواء العشيرة ...كم مضحك هذا الأمر شِداد العشيرة يعجزون عن حمل لوائها... كل من يعجز عن حمل شرفه يرمي به على كاهلي لا حمله بالنيابة, اشتد الحمل وزاد الوزر لم تعد قدماي تقوى على السير, على الرقص, على اللعب, ا هذه قوانينك؟ تلك عدالتك؟
اللاعب: هذا هو العرف.
الدمية : صرت اشك ان العرف احد لاعبيكم.
اللاعب: بل ما تعاقد عليه أبائنا وأجدادنا.(تلتف الخيوط حول الدمية)
الدمية : تعاقدتم على أن لا يسقط الحِمل وان سقط حامله... فمن لم يمت بالسوط مات بغيره...كذبة صدقتموها... احمل الشرف عنك... كجنين يسكنني لشهور وما إن يغادرني تكنى أنت به.
اللعب: لا جدوى من دفاعك لن تغيري شيئا في قرار العدالة.
الدمية: عدالتك ما هي إلى صخرة في مجرى الماء العذب.
صوت الدمى: أنتَ صخرة في مجرى الماء العذب.
اللاعب: ازف الوقت...الآن النطق بالحكم.
الدمية: (إلى الجمهور)لا يهمني حكمكم أيها الموقرون... سأرقص ...اغني ...لأعلن رقصة الحق أمام سلطان جائر... (تصرخ) أريد موسيقى, غناء, صخب(تبدأ بالرقص, تلتف الخيوط حول عنقها وتُنهي حكايتها بحرية).
ستار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق