مجلة الفنون المسرحية
المخرج والممثل عزيز خيون حياة الفنان العراقي الآن بأنها “صعبة ومُرّة” بسبب الظروف السياسية والاقتصادية
سامح الخطيب- العرب
قدم المسرح العراقي على مدى عقود مضت الكثير من الأعمال المهمة، من خلال نشاطات فرقه المسرحية وحتى من خلال رعاية المؤسسة الرسمية للنشاط المسرحي، ما خلق حراكا هاما، لكن مع تراجع دعم الدولة، ومع تغير الواقع المنهك بالحروب المتعاقبة، ومع الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، تراجع المسرح العراقي بشكل كبير، ولم تعد من فضاءات مهيأة للعمل المسرحي، وشح الدعم، ما حدا بالكثير من المسرحيين العراقيين إما إلى الهجرة أو الابتعاد عن الفن. هنا حوار مع واحد من أهم المسرحيين العراقيين عزيز خيون، حول واقع المسرح العراقي والعربي.
يصف المخرج والممثل عزيز خيون حياة الفنان العراقي الآن بأنها “صعبة ومُرّة” بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي تعانيها بلاده، لكنه رغم ذلك يتمسك بوطنه، ويملك دوما مشروعا فنيا يسعى من أجل تحقيقه.
معاناة الفنان
يقول خيون الذي ولد في إحدى قرى الرفاعي بمحافظة ذي قار في جنوب العراق عام 1947 في مقابلة معه إن “حياة المواطن العراقي والفنان العراقي بشكل خاص باتت صعبة، حياة مرة، لما يتهدده من أخطار وما يعانيه لتدبير شؤون حياته اليومية”.
ويضيف “أحتاج إلى سقف يأويني، أحتاج إلى مدخول يومي يكفيني لعائلتي، ويكفي أن أعيش بكرامة، أحتاج حرية واحتراما، هذا الحد الأدنى من المطالب والاحتياجات للأسف لم يتحقق، لكن هذا لا يعطينا عذرا في أن نغادر العراق كما يفعل البعض، إنما يمنحنا صبرا وعنادا ومقاومة في أن نلتصق بهذا التراب أيا كانت الظروف”.
ويتابع خيون قائلا “العراق ليس سوبر ماركت ولا فندقا تغادره متى شئت أو حقيبة تحركها أنّى شئت، هذا وطن في هوائه ومائه وفي ناسه ومراعيه، وأنا أفتخر أني تعلمت بهذا الوطن ونشأت فيه”.
العراق كان يملك أكثر المسارح تحضرا وتقدما بالشرق الأوسط حتى الغزو الأميركي 2003 الذي دمر هذه المسارح
تخرّج خيون في أكاديمية الفنون الجميلة بالعراق قسم المسرح 1972/ 1973 وعمل في بداية حياته بالإذاعة ومنها إلى المسرح، ثم السينما والتلفزيون ليقدّم حتى الآن أكثر من 70 مسرحية، إضافة إلى رصيد وافر من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية.
ويعتبر خيون حرصه وإصراره على تعلم الفن بالعراق في نهاية الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي أحد روافد فخره واعتزازه ببلده، وهو ما لمسه لاحقا في عيون الكثير من زملائه العرب والنقاد.
يقول “في إحدى المرات بمهرجان بغداد التقيت الناقدة المصرية الراحلة نهاد صليحة، وسألتني في ندوة عقب العرض المسرحي، ‘أنت خرّيج إنكلترا أم روسيا؟’، فأجبتها، بل خرّيج العراق، فقالت حينها.. إذن يجب أن نصفق لك مرتين، مرة لأنك قدّمت عرضا أدهشنا ومرة أخرى لأنك خرّيج العراق”.
وعن الحركة المسرحية حاليا في العراق وحجم الإنتاج وجهاته يقول خيون إنه بالسابق كانت الدولة هي المنتج الأساسي وتقدّم أعمالا مميزة، وتأتي الفرق المسرحية العربية وتتسابق للمشاركة بمهرجانات العراق والفوز بجوائزه، لكن ذلك تغير منذ حصار العراق مطلع التسعينات من القرن الماضي.
ويضيف “بلد كل ميزانياته تذهب للطلق والسلاح، كل استراتيجياته المصممة لبناء عراق متحضر لم تنجز. كنا نملك أكثر المسارح تحضرا وتقدّما بالشرق الأوسط حتى الغزو الأميركي (2003) فدُمرت هذه المسارح. الآن لا نملك إلا مسرحا واحدا هو الوطني وهو غير صالح للعرض”.
ويتابع قائلا “إذا سألتني، هناك مسرح في العراق الآن؟ نعم لكنه ليس المسرح الذي كان، ولا طموحنا نحن كمسرحيين.. هو مسرح في مظلة حرب، فلا توجد ميزانيات للقطاع الحكومي وحتى الفرق الخاصة جميعها انتهت وأصحابها راحت بيوتهم”.
ولا تقف معاناة الفنان العراقي اليوم داخل حدود وطنه بل تمتد إلى محيطه، فيجد أغلب الفنانين العراقيين العقبات والعراقيل عند كل محاولة للتواصل مع الآخر وتقديم فنه خارج العراق.
مشروع فني
يقول خيون “الفنان العراقي يعاني معاناة كبيرة اليوم حتى يدخل أي بلد أو يحصل على تأشيرة السفر. ننتظر بالأيام والأسابيع للحصول على تأشيرة، وبعد الحصول عليها والسفر، نجد بانتظارنا نظرات ترقب وأوامر بالانتظار بالساعات في المطار، حتى تتم المراجعات الأمنية والإجراءات الأخرى. خاصة بالدول العربية حيث الظرف الأمني غير مطمئن فنحن الآن بمنطقة حرب. سوريا مشتعلة والعراق مشتعل وليبيا مشتعلة وكذلك اليمن. كل هذا لا يمنحك الضوء الأخضر للقاء بأخيك العربي”.
الفنان لا يمكن أن يحيا دون مشروع فني يعمل على تحقيقه وإخراجه للنور حتى ولو تكبد المشقة والمعاناة من أجله
من حسن حظ خيون أنه استطاع القدوم إلى مصر هذا الأسبوع لتقديم عرضه المسرحي “عربانة” من إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل للمشاركة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي.
ويتناول العرض حياة “حنون” ذلك الرجل الذي يجرّ عربة خشبية بشوارع العراق بحثا عن الرزق، إلا أنه وفي لحظة يأس يشعل النار في نفسه، مثلما فعل الشاب محمد البوعزيزي أيقونة الثورة التونسية التي أسقطت حكم زين العابدين بن علي في 2011. وبعد أن يموت يأتيه الملكان منكر ونكير بكتاب أعماله الذي يسترجع معه حياته كاملة، ومعها تاريخ العراق من حروب ودمار وقهر على مدى عقود.
وعن هذا العرض يقول خيون “دائما أحرص سواء كان العمل من إخراجي أو أن أكون ممثلا فيه أن يتحدث العمل عن العالم من خلال خصوصية. أتحدث عن الهمّ الإنساني لكن من خلال هويتي كعراقي أو سوري أو مصري لأن الهمّ الإنساني واحد لكن الجغرافيا هي التي قسمتنا”.
ويضيف “لذلك إذا نزعت اسم المسرحية ‘عربانة’ ووضعت أي اسم آخر واستبدلت اسم البطل حنون بأي اسم آخر ستجد ذات الهموم وذات المشاكل والآلام”.
ورغم رصيده الكبير بالمسرح إلا أن خيون يقول إن أعماله التي منعت من العرض أكثر من التي شاهدها الجمهور وإذا كان ذلك في السابق بسبب أرائه واختلافه مع النظام السابق الذي غادر البلاد أكثر من مرة بسببه، فهي الآن بسبب الظرف السياسي والاقتصادي بالعراق.
يقول “حالي مثل أي مبدع أو فنان بالعراق، أعمالي تأخرت كثيرا الآن على مستوى مشروعي كمخرج، صرت مثل الكاتب الذي يكتب رواية أو الشاعر الذي ينتهي من مشروعه ويضعه على الرف وينتظر”.
ويضيف “من المفارقات أن أكثر الأعمال أنتجها لي المعهد الثقافي الفرنسي وأحيانا السفارة الألمانية. وقليلا ما أعانتني وزارة الثقافة العراقية”.
ورغم هذه المصاعب يؤمن خيون بأن الفنان لا يمكن أن يحيا دون مشروع فني يعمل على تحقيقه وإخراجه للنور حتى ولو تكبّد المشقة من أجله. وكشف عن امتلاكه عدة مشاريع في اتجاهات مختلفة.
يقول “فنان دون مشروع، هذه مفارقة. حياة الفنان الآن مهددة ومدمرة لكن هذا لا يعفيه من أن يكون له مشروع. هو اختار أن يكون مسرحيّا، لا نجارا، ولا حدادا، ولا أستاذا جامعيا، ولا موظفا.. أنت مسرحي وعليك أن تحقق ذاتك”.
ومن بين أعمال عزيز خيون المؤجلة نص مسرحي بعنوان “نقش حنا” ونص آخر مأخوذ عن عمل للروائي اليوناني سوفوكليس مكتوب برؤية معاصرة، كما يتطلع إلى تقديم عمل عن شخصية السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب أخت الحسن والحسين حفيدي النبي محمد، لكنه سيقدّمه من منظور إنساني بحت وليس من منظور ديني.
كما يستعد لإصدار ديوان شعري بعنوان “عراقي” وكتاب يتضمن تجاربه ومشاهداته وآرائه في المسرح والحياة تحت عنوان “عش النورس” يقول إنه استمد اسمه من طائر النورس الذي يعيش فوق الماء ولا يملك عشا. ويقول خيون “أنا أيضا حياتي قلقة وغير مستقرة مثل النورس لا أملك عشا”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق