تصنيفات مسرحية

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017

ما المقصود بمصطلح (ميتا مسرح)؟

مجلة الفنون المسرحية

ما المقصود بمصطلح (ميتا مسرح)؟

سامي عبد الحميد - المدى 



في الآونة الأخيرة أدعى أحد المسرحيين العراقيين الشباب بأنه يبتدع (الميتا مسرح) وراح يبشر به، وعند تفحصنا لعروضه المسرحية، وجدنا انتماءها إلى ما يسمّى (مسرح الجسد) أو (الرقص الدرامي) فلماذا إذن أدعى هذا المسرح المجتهد والمجدد ذلك الادعاء؟ ذلك هو الذي دفعني إلى أن أرجع إلى مرجع موثوق ليعرفني معنى (ميتا ثياتر). 
الميتا ثياتر – هو الدراما أو العرض المسرحي الذي يعكس ذات الممثل ومنزلته كفنان في المجتمع. وتتمثل تلك الانعكاسية أما بنص المؤلف المسرحي عندئذ نسميها (ميتا دراما) أو في الإنتاج المسرحي الذي يتولاه المخرج والمصمّم وفي كلتا الحالتين تظهر جماليات الذات وفقاً للشروط الفنية والميتا فيزيقية وفي اعمال تبتعد عن الواقعية، وأوضح مثال لها بدعة (المسرح داخل المسرح) كما في مسرحية (هاملت) لشكسبير، عندما يستدعي الأمير هاملت فرقة مسرحية لتقدم تمثيلية أمام عمه وامه تتناول حدثاً يشابه حدث اغتيال أبيه. ومثل ذلك التوجه يقترب مما يسمّى (التمسرح) أي تقديم صورة مسرحية للواقع ، صورة متخيلة وليست شريحة من الواقع. وكانت التمثيلية المقدّمة في مسرحية (هاملت) تعبيراً عن ذات الأمير نفسه. وهذا بالضبط ما تعنيه كلمة (تمسرح) وقد سار المسرح الأغريقي القديم الاتجاه نفسه، وما من شك في أن شكسبير قد اهتم بالتسطيح المظهري، ويظهر ذلك في مسرحيته (العاصفة) حيث يعلق (بروسبيرو) على انجذابه للسحر المسرحي. ولا عجب بأن تلك المسرحية فضّلها المخرجون المحدثون على غيرها ومنهم (سترهلر) الذي قام عام 1978 بصهر النص والإخراج باهتمامه بالصنعة الاخراجية والسينوغرافية. وكانت الشخصيات ذات الوعي الذاتي الدرامي واضحة في مسرحيات الدراميين الإسبان المحدثين، إذ قام البعض منهم بضمّ انشغالهم بالفن الباروكي وصنعته الى ثيمات لا ترتبط جمالياً بما هو تقليدي وكان (كالديرون) منهم، حيث كتب مسرحيته (الحياة حلم) عام 1929 وبذلك تم اعتباره المبشّر لنشر الميتا ثياتر في مسرح الحداثة.
في عصر علم النفس فإن الانشغال بآليات الذاتية يفترض صيغاً مختلفة، فالمدرسة الطبيعية تهتم بعروض آليات الايهام المسرحي، واستكشف (سترندبرغ) امكانية المسرح في عكس العمليات الذاتية في (مسرحية حلم) عام 1907 وفيها تنبع الحبكة والسينوغرافيا من اللا وعي للحالم / المؤلف في ثلاثيته المتكونة من (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) و(لكل انسان طريقته) و(الليلة نرتجل) يبني (بيرانديلو) مكونات احداثه المسرحية وشخصياته بمقابل المؤلفين، والممثلين بمقابل الشخصيات، والممثلين بمقابل المتفرجين.
ما يربط (ميتا ثياتر) للقرن السادس عشر مع (ميتا ثياتر) أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هو افتراضات النظام المتماسك للقيم الاجتماعية التي يمكن مقارنتها بالحقل المسرحي، وبكلمة أخرى فإن (التمسرح) كمصطلح مجازي، يستلزم أن تكون الحياة نفسها مثبتة على خشبة المسرح وبإطار محدد. وهذا يعني غياب مثل تلك المحددات الاجتماعية التي تمثل نماذج الميتاثياتر لما بعد الحرب العالمية الثانية، فإذا كانت المراوغة المجازية تكمن في لب اليأس اللامعقول، فإن الكشف عن الإمكانات التفسيرية هو لباقة انتاجاتها والتي يمكن رؤيتها في ميتا ثياتر كل من (يونسكو) و(جينيه) و(بيكيت) كان غموض المعنى قد تم تطبيقه في التجريب الشكلي للميتا ثياتر في مسرح ما بعد الحداثة لكل من المخرجين (ويلسون) و(فورمان) و(لوكوم) و(باوش) و(الوبيج) وكان النشاط الفردي في فن الاداء متخذاً جسد الكاتب المسرحي والممثل الموقع الكامل للتمسرح مفترضاً أن الميتا ثياتر قد حوّل موقعه كمجار، ليصبح اسلوباً تمثيلياً رئيسياً لا يتحدد بحدود النطاق المسرحي.
وإذا كان هذا المسرحي العراقي يريد من عروضه أن يعبّر عن ذاته ويكشف عن مركزه الفني الى جمهوره، عندئذٍ سيكون من جملة مبتدعي الميتا ثياتر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق