مجلة الفنون المسرحية
الإنسان كائن ضعيف في مسرح يوجين أونيل
الخليج
عمل «يوجين أونيل» (1888-1953) في مهن متواضعة عدة، لكن هذه التجارب أكسبته خبرات متنوعة، تجلت في عدد كبير من مسرحياته التي أرست أسساً للمسرح الأمريكي، الذي يعتبر «أونيل» رائداً ومؤسساً له، لكن المشكلة أن أونيل بعد سنوات من العمل في هذه المهن قال: «صحتي لم تحتمل كل هذه الطفرات والتقلبات فأصبت بالسل، واضطررت إلى اللجوء لمستشفى للأمراض الصدرية، حيث انعزلت عن العالم، ستة أشهر، أمضيتها كلها في التفكير في المستقبل الذي لم تكن معالمه قد اتضحت بعد، في عزلتي الاضطرارية فكرت لأول مرة في الكتابة».
كتب «أونيل» المسرح حتى فاز بجائزة بوليتزر أربع مرات، كانت أولاها سنة 1920 عن مسرحيته «وراء الأفق»، ثم توالت مسرحياته: «آنا كريستي»، «فاصل غريب»، «رحلة يوم طويل في الليل»، «القرد كثيف الشعر»، «رغبة تحت شجرة الدردار»، وغيرها من مسرحيات أهلته في عام 1936 لأن يحصل على جائزة نوبل في الأدب، وقد ترجمت أغلب هذه الأعمال إلى العربية وصدرت في أكثر من مجلة عن سلسلة «من المسرح العالمي» الكويتية، نقلها إلى العربية د. عبد الله عبد الحافظ.
عندما كتب أونيل مسرحية «رغبة تحت شجرة الدردار» سنة 1924 تعرض لهجوم شديد، ولم تجد المسرحية نجاحات على خشبة المسرح، لأنها تناولت شخصيات في غاية الخسة والدناءة، وتناولت أعمالاً تنم عن لؤم في الطباع والمقاصد، وفي عام 1926 قبض بوليس لوس أنجلوس، على كل الممثلين في هذه المسرحية، باعتبارها مخلة بالآداب، وفي عام 1940 منع الرقيب في إنجلترا عرض هذه المسرحية.
وفي عام 1957 تحوّلت المسرحية إلى فيلم سينمائي، واختلفت الآراء بصددها، وهنا يقول المترجم د. عبد الله عبد الحافظ: «ومهما كان الرأي في المسرحية، وسواء اعتبرناها مأساة، أو ميلودراما من النوع المريض، أو تصويراً لحالة عائلة منحلة من ولاية نيو إنجلاند، إلا أن المسرحية بعد كل هذه السنين استطاعت أن تحتل مكانة مرموقة بين أعمال يوجين أونيل».
ويشير بعض النقاد إلى أن هذه المسرحية أول محاولة كلاسيكية لأونيل بربط قصة هذه المسرحية بما حدث في مسرحية «أوديب» لسوفو كليس، ولا يمكن الادعاء بأن تلك المسرحية تحاول معالجة أساطير كلاسيكية بأسلوب عصري، بل إنها كما يقول أحد النقاد تحاول خلق أسطورة معاصرة بإنشاء علاقات إنسانية جديدة، وشخصيات أقرب إلى البشر منها إلى الرمز، والمقطوع به بين النقاد أنه لا يمكن اعتبار هذه المسرحية مأساة، إذا قسناه بالمقياس الذي وضعه أرسطو، وأكد فيه ضرورة وجود ممثل للنبل وكرم الأصل، فالشخصيات غير جذابة، تؤمن بالخرافات والأساطير، وتتحمل شظف العيش ودناءته في مزرعة بدائية، لا يفصل بينهم وبين الفقر إلا خيط رفيع.
الأسوار الحجرية في مسرحية «رغبة تحت شجرة الدردار» لا يمكن في نظر أونيل، أن تقف حائلاً دون سنة الطبيعة، فلا التزمت التطهري، ولا حرمة القانون يمكن أن تقضي على العواطف البشرية الطبيعية، وبالتالي علينا أن نعرف أنفسنا وإمكاناتنا وقدراتنا، ولا نسعى إلى تملك شيء لا حق لنا فيه ولا قبل لنا به، وبهذا لا ندعي الجشع في أي صورة من الصور يدمر حياتنا وسعادتنا.
تمثل هذه المسرحية في مسيرة أونيل نموذجاً من الاتجاه الواقعي، وهي واقعة تجلت في رسم الشخوص وفي الحوار المسرحي الذي وصل إلى حد إبراز اللهجات المختلفة في براعة وإتقان، وفي الجو العام والأحداث، وهذا كله يستند إلى خبرة شخصية لأونيل، حتى إن عدداً كبيراً من شخصيات مسرحياته قد استوحاها من حياة زملاء وأصدقاء له، فهناك وصف دقيق لإحدى الحانات التي تراها عندما كان يعمل بحاراً، ثم ثورته على زيف المجتمع والمادية التي تطمس الروح وراء نقده للمجتمع الأمريكي، كما أن تعاطفه مع الإنسان الذي ينزلق وراء الخطيئة تابع من إنسانية دعمتها خبرته في الحياة واختلاطه بالطبقات الدنيا من البشر، لهذا نجده يشير بأصابع الاتهام إلى المجتمع، ويرجو لأبطاله الصفح بطريقة غير مباشرة.
الإحساس العام لدى أونيل هو أن الإنسان ضعيف، وقد قال هو نفسه في مذكراته: «الإنسان مقدر عليه الخطيئة، في باطنه قوى للعذاب، تتمثل في ضميره، تلهبه بسياط الندم: فالإنسان يتورط في أخطاء، لا قبل له بها، تقذفه ذات اليمين وذات الشمال، وهو عاجز، لا حول له ولا قوة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق