مجلة الفنون المسرحية
يحدث للصدفة أن تتحوّل إلى لعنة، ويحدث أن تصبح لحظة عابرة ورطة شائكة، ويحدث للإنسانية أن تتلاشى في زمن الغطرسة...هكذا كانت مسرحية "عطسة" مثالا لأزمة مجتمع تتطاحن فيه الطبقات الاجتماعية حدّ مصادرة الحق في طريقة ممارسة الحياة.
على ركح مهرجان المسرح العربي بتونس، كان لجمهور الفن الرابع موعد مع العرض المسرحي "عطسة" لفرقة المسرح الكويتي ومن تأليف محمد المسلم وإخراج عبد الله التركماني. ويجسّد مشاهد المسرحية ثلة من الممثلين على غرار عبد العزيز النصار، سارة التمتامي، مبارك الرندي، خالد الثويني، محمد الفيلي، وفهد الخياط.
إن كانت مسرحية "عطسة" مستوحاة من قصة "وفاة موظف" للكاتب الروسي انطوان تشيخوف، فقد اختار المخرج عبد الله التركماني أن يكون استهلال مسرحيته بمشهد من مسرحية "الدب" لنفس المؤلف الشهير. ولم يأت توظيف هذا المشهد من باب الفراغ بل كان قادحا لولادة مسرحية "عطسة" على الركح.
ومن هنا تبدأ الحكاية... فذات أمسية لطيفة كان "عباس العطاس" يستمتع بمشاهدة عرض "الدب"، وفجأة صدرت عنه عطسة وصل رذاذها من دون قصد إلى "صلعة" رجل من ذوي النفوذ يجلس أمامه في الصف الأوّل.
وإن كان كل البشر يعطسون، فقراء كانوا أم أغنياء، رؤساء أم مرؤوسين، رجال أم نساء. فإن "عطسة" عباس كان ثمنها باهظا وكأنه اقترف جرما لا يغتفر.
على ركح مسرحية "عطسة"، حضر الاختلاف والإمتاع انطلاقا من هدم ما يسمي بالجدار الرابع في مسرح "بريخت" من خلال جعل المشاهد مشاركا في العمل المسرحي واعتباره العنصر الأهم في كتابة المسرحية، مرورا باستعارة ديكور من الورق يحدث أن تتكلم فيه الأشياء على غرار المناديل والكرسي وصندوق البريد، وصولا إلى زواج ثنائي الكوميديا والتراجيديا على الركح.
على مستوى الأداء برع المخرج في اختيار شخصيات "عطسة" ، كما تميزت الشخصية الرئيسية التي أداها عبد العزيز النصار في دور "عباس العطّاس" على صعيد شد الجمهور وكسب تعاطفه وإثارة أحاسيسه، فلم يكن المتفرج أبدا سلبيا أمام هذا العرض المسرحي بل ت
فاعل معه بالضحك، بالوجع، بالحنق.
فوق خشبة "عطسة"، حضرت السينوغرافيا المدروسة والمقنعة في تناغم مع إيقاع منفعل ومؤثر... فكانت متعة مسرحية بامتياز.
على مشهد تراجيدي، أسدل الستار على مسرحية "عطسة" من الكويت وقد فشل عباس العطاس بكل الطرق في إقناع الناس بأن ما فعله ليس جريمة بل حاجة بشرية تلقائية، كما أغلقت في وجهه أبواب الاعتذار إلى ذلك الرجل المهم بسبب مجرد عطسة خوفا من بطشه وتوّجسا من عقابه.رغم أنّ العطس حاجة كل إنسان في كل مكان وزمان.
وإن تعالج مسرحية "عطسة" قضايا اجتماعية من أهمها الصراع الطبقي في المجتمع البيروقراطي،فإنها مثّلت انفتاح المسرح الكويتي على نوافذ العالمية.
مكتب الإعلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق