مجلة الفنون المسرحية
قراءة نقدية لنص مسرحية جحا ديجيتال / منصور عمايرة
تتشكل مسرحية" جحا ديجيتال "لكـــــنـزة مباركي من فصل واحد، يتضمن ثمانية مشاهد المسرحية كتبت للفئة العمرية من عمر 6-12سنة، وهي ملائمة للفئة العمرية.
وشخصيات المسرحية خرافية تراثية حكائية مثل جحا، وهي شخصية رئيسة في المسرحية، والشخصية الرئيسة الأخرى أندرويد، وهي شخصية تقنية تتشكل في التقنيات الهاتفية الذكية، وهناك شخصيات آدمية بدور محدود تمثلت بالطفلين فصيح ونبيه، والأب والأم، وفي النص شخصيات أخرى حيوانية وتقنية.
الموضوع/ الحكاية: مسرحية علمية تتحدث عن تقنية الهواتف الذكية، والتقنيات الحديثة، والتي استطاعت أن تسيطر على عقول الناس، وأصبح تأثيرها كبيرا على الأطفال. فينبري جحا غاضبا من وجود التقنية الحديثة، وهو يحس بالمرارة، لأن دوره يتلاشى في المجتمع، ويقرر أن يتعاون مع فايروس مدمر، ليدمر التقنية الحديثة، وفي النهاية، يعدل جحا عن رؤيته التدميرية، بعدما يقتنع برؤية حماره، الذي يطلب إليه أن يتعاون مع أنظمة التقنيات الحديثة، ويكون ضمن عملها ورؤيتها، ويتخلى جحا عن مدمر، الذي هدفه إلحاق الأذى بالآخرين، و( يقف جحـــا وحماره وأنــدرويـــد والعـــم جـــوجـــل منتصرين يحيون الجمهور ).
أهمية الموضوع: الموضوع يدور حول أهمية أنظمة التشغيل التقنية الحديثة مثل أندرويد وجوجل، والتي تنظر إلى المستقبل كما يقول الأندرويد وهو يخاطب جحا " كل شيء على ما يرام، عد من حيث أتيت، إلى زمنك الذي عشته بما توفر لك من حيلة وفكر يناسب وقتك.. الآن صارت الأمور إلى غيرك من الناس الذين طوروا أساليب عيشهم وطرائق تسليتهم وسلكوا سبلا جديدة للإبداع والتفكير.. فلا تخف."
ومن أهمية الموضوع التصالح بين القديم والجديد، وباستطاعة التطبيقات التقنية الجديدة أن تستوعب الرؤى القديمة، وتوظفها كرؤى معرفية في العصر التقني. وعليه، فرؤية النص جيدة من خلال الجمع بين القديم " جحا " والجديد " الأندرويد/ جوجل "، وكلاهما يحتاج الآخر. والموضوع تقني عصري، يشغل الناس، ويتأثر به الكبير والصغير، ويقدم خدمات كبيرة للإنسان في كل المجالات.
المسرحية مدرسية تعليمية منهجية، وذلك كما يفعل الأندرويد بوصف جحا: طبعا، فأنت شخصية مثيرة للجدل يا جحا.. نوادرك انطلقت عند العرب والأتراك والفرس والهنود وغيرهم.. لقد حللت بكل مكان وبجميع الثقافات يا رجل.." يوضح الأندرويد شخصية جحا التراثية.
ومثل قول الأندرويد: " المشكلة ليست فيما أقدمه أنا وبقية أنظمة التشغيل التقنية من مضامين مختلفة في تطبيقاتنا الكثيرة، ولكن في اختيارات الأطفال.. هؤلاء الأطفال يا جحا هم أبناء أجيال كونتها أنت بحكاياتك. فتوجه بكلامك ولومك لآبائهم الذين علمتهم الحكمة كما تقول وحثهم على أن يوجهوا أبناءهم التوجيه الصائب نحو انتقاء أفضل برامجنا وليستخدموا تطبيقاتنا الاستخدام العقلاني حيث يجمعون بين الترفيه والتعليم معا. قطار التكنولوجيا ماضٍ في سكته، ولا يمكنه أن ينحرف عن مساره لأن شخصا ركبه خطأ.. على كل راكب أن يحسن اختيار وجهته المقصودة." والرؤية المدرسية المنهجية تتمثل بتقديم النصح والإرشاد.
ومثل قول حمار جحا: " للأسف يا صاحبي بل تفوق عليك ذلك الذي تسميه كائنا أخضر، وانتزع منك آلاف الإعجابات والتعليقات المشيدة به وبمزايا تطبيقاته.. إنهم أجيال الأندرويد يا جحا.. هذا الذي دوخ منافسيه وتربع على عرش أنظمة تشغيل الهواتف الذكية حول العالم بفضل ما يقدمه لمستخدميه كبارا وصغارا من تطبيقات يتكيفون معها بكل خفة وسلاسة.. إنه عالم المتعة المطلوبة اليوم فهل يمكنك توفير ما يوفره أندرويد بدعم من شركة العم جوجل بنكاتك ونوادرك يا صاحبي جحا؟" هي رؤية منهجية علمية حول ما تقدمه تقنية الأندرويد.
ومثل قول حمار جحا: "أمر مدمر سهل إذا اقتنعت أنت بالتحالف مع أندرويد..يا جحا إن أندرويد يوفر خيارات كثيرة لمستخدمي أجهزة الأندرويد المختلفة.. ويمكنك أن تدخل تطبيقات جحا للأندرويد وتضمن انتشارا واسعا وتستفيد من الابتكارات المتجددة في عالم الهواتف الذكية التي يقبل عليها الاطفال مثل الكبار أو ربما اكثر منهم، إن العم جوجل لا يتوانى لحظة عن تطوير نظام أندرويد ومهما ادعى الفيروس مدمر وغيره من الفيروسات وكذا المنافسين لأندرويد بأن جوجل فقد السيطرة على أندرويد بسبب انتشاره الكبير إلا أنه سيبقى النظام الذي لا يهزم.. هيا هيا يا جحا دعنا نستفيد من هذه التقنية ونستخدمها لصالحنا ولصالح الأطفال الذين جئت من زماننا البعيد مفكرا فيهم وفي مستقبلهم." لكل عصر رؤيته الفكرية والمنهجية، والتي ترسم حياة البشر وتطبعه، والآن يبدو عصر التقنيات، ولذا، فالدعوة تبين عن الرؤية المدرسية كوعظ وإرشاد.
ومثل الحوار الذي يدور بين فصيح ونبيه، وهما طفلان، فالحوار يبين عن مثالب التقنية الحديثة، والتي تسبب بانغماس الطفل فيها: فصيح: هاه .. ضربة الصاروخ وكوكتيل المولوتوف هيا هيا هيااااا .. سنصعقهم هيااااا.
نبيه: العب وأنت صامت يا فصيح، دعني أركز في لعبتي، ثم إنني مللت من لعبة " الأخوة في السلاح" فالعب صامتا ولا تذكرني بها.
فصيح: وماذا تلعب انت الآن يا نبيه ؟
نبيــــــــه : لعبة سبيدر مااااااااااان .. لعبتي الممتعة التي لا أملُّ منها أبدا.
فصيـــــح : الأخوة في السلاح أفضل منها بكثير.. متعة القتال والحرب وزرع الألغام ورمي قذائف الهاون .. أرجوك لا تقارن هذه اللعبة الرائعة بذلك الرجل العنكبوت الممل.. انا لا أحبه.
نبيــــــــه : أعتقد أنك الطفل الوحيد الذي لا يحب سبيدر مان في هذا العالم.. ذوقك فاسد يا أخي.. كم أنا حزين لأجلك " يتصنع الحزن بملامح وجهه" هاهاهاهاهاها.
فاشارة العب وأنت صامت، ربما تبين عن تفتت المجتمع، ونحن صرنا نرى حلول التقنيات في حياة الفرد، وبات الإنسان منعزلا. وهذا ما تبينه الأم عندما تقول لزوجها: فوضاي؟؟ تقول فوضاي؟؟ و أنا أحاول إسكاتهما .. الحق عليّ أنا لأنني اتحمل كل يوم ولديك اللذين افسدتهما بما تحمّله لهما من ألعاب أفسدتهما وأفسدت أخلاقهما. حتى أنهما لم يعودا يحبان الاستماع إلى كلامي و نصحي.. البيت تحول إلى صراخ وصراخ وصراخ.. ترفع صوتها أكثر.. صراااااااااااخ.. كلنا نصرخ في هذا البيت ولا أحد يستمع إلى الآخر وهذا كله بسببك انت والآن تقول فوضاي؟؟؟؟."
المسرحية مدرسية/ الخطاب التقريري : " جحا: يجب أن أخلصكم من هذا الوهم الذي يقيدكم وسأعود من جديد ولتقل أيها الصغير أن جحا مات بعدها. سترون كيف أنسيكم هذا الأندرويد الجاثم على تفكيركم." الخطابية المباشرة كإلزام فعلي، تقلل من أهمية المتلقي ووعيه، ولذا يفترض أن يترك للمتلقي تفهمه للموقف، ومن دون إجبار أو وجوب، وتتمثل الخطابية التقريرية بـ " يجب ".
ونجد الطرح التقريري في قول جحا: ( ينظر إلى المتفرجين من الأطفال محاولا إضحاكهم ) هذا مدمن فيسبوك.. انظروا كيف نسي نفسه لأنه لا يفارق الفيسبوك ليل نهار.. هههه هههههههه .. هل تريدون أن تصبحوا مثله؟؟؟" خطاب السخرية يحمل الرؤية التقريرية، وكأنه يقول للأطفال : لا تكونوا مثله.
ومثل قول جحا : بل ضاعوا وانتهى الأمر." خطاب تقريري، إذ يصبح جحا كالشرطي يراقب الناس، ولكنه لا يثق بهم، ليتجنبوا الخطأ، ولذا، فهو الناصح والواعظ.
وما نحمله على التقرير عندما يشك جحا بمعرفة الأطفال، وربما بمستقبلهم أيضا: " لا يمكنني أن أركن للطمأنينة هكذا وأنا أرى الأطفال مقبلين بهوس كبير على ما تحمله إليهم التكنولوجيا من جديد لا يبحرون فيه بفنية و ذكاء.. إنهم يغرقون يا أندرويد وأنت تقول لي ألّا أخاف؟؟" وهنا نشير إلى جملة " لا يبحرون فيه بفنية و ذكاء" إن رؤية جحا تتجاوز النقد إلى زعزعة ثقة الإنسان بقدراته، ونحن نشير إلى الإنسان العربي على سبيل المثال.
ومن التقرير والموعظة قول جحا : "الأطفال لا يحتاجون ما تسمم به عقولهم من ألعاب عنيفة تنمي فيهم نزعة الشر والعنف، هم يحتاجون عالما مليئا بالحكم والعبر الهادفة والألعاب المسلية والمثقفة في آن واحد.. ماذا بعد المتعة التي تقدمها لهم؟ لا شيء سوى الكثير من العنف والدمار." وعندما نشير إلى الاشتغال على النص، بمعنى أن تتكشف الشخصية المفاهيم والرؤى من خلال تجربتها، وهذا النص موجه للطفل، وكلما قام الطفل بدوره في المسرح، يصبح المسرح أكثر جمالية بعيدا عن التلقين.
ومثل قول جحا: أجل.. يمكن أن أمنحكم نوادري المليئة بالحكم والعبر لنطور بها تطبيقات مسلية ومفيدة للأطفال.. ما رأيك؟" مسرحية إرشادية مدرسية، وهذه الرؤية، تبين عن إمكانية توظيف التقنيات العصرية بما يتعلق بالماضي.
الموضوع/ المضامين: تضمنت المسرحية الرؤية العلمية حول التقنيات العصرية، وإن الإنسان لا يستطيع أن يستغني عنها، لأنها تخدمه وتمثل مصالحه ورؤيته المستقبلية، وتعود بالفائدة على المجتمع، فالتقنية مهمة وضرورية في حياة الإنسان المعاصر، كما يقول حمار جحا: " هيا هيا يا جحا دعنا نستفيد من هذه التقنية ونستخدمها لصالحنا ولصالح الأطفال الذين جئت من زماننا البعيد مفكرا فيهم وفي مستقبلهم."
وهناك رؤية اجتماعية تضمنها النص، إذ يقول حمار جحا: " الحل سهل و الحيلة في ترك الحيل.. اسمع مني ولو مرة واحدة، ودعك من ذلك الفيروس الذي يسعى فقط للتخريب والتدمير.. أنا لا أثق فيه، فكما سيخرب تطبيقات اندرويد ويهدد خصوصية المستخدمين للأجهزة التي يخترقها كذلك سيفعل معك إن منحته فرصة تثبيت نظامك الذي تسعى لإحلاله محل نظام الأندرويد.. أتعتقد أن هذا المدمر سيرأف بك ويتخلى عن مهمته التخريبية التي تمثل نشاطه الدائم وسبب وجوده؟" إن الإشارة إلى مفهوم التخريب تصور رؤية اجتماعية مرفوضة، ويقوم بها الشرير، والنص أشار إلى " المدمر "، وهو الذي يسعى إلى الإفساد والتشويه.
ومن الرؤى الاجتماعية السلبية، إذ تسبب التقنيات الحديثة العنف كما في قول الأم وهي تتحدث عن ابنيها: تعلمهما التعامل مع الواقع بالعنف؟ والأم تنظر إلى جحا كحالة واقعية حينما تخاطب ابينها: جحا !!! نعم هذا هو الذي سيربيكم ويعلمكم كيف تتعاملون مع الواقع.. وليس مروجو الحروب الذين يشجعكما والدكما على متابعتهم."
ومن الرؤى الاجتماعية الجيدة، التوافق والاجتماع، ليدحر الشر، ويبدو في المشهد الأخير بعدما يتغلب الجميع على مدمر: (ويقف جحـــا وحماره وأنــدرويـــد والعـــم جـــوجـــل منتصرين يحيون الجمهور ).
***
بناء المشهد: المشهد الأول يبين عن مدى حضور التقنية الحديثة، ومنذ بدايات السنين الأولى للطفولة، والمشهد يؤكد حالة الفزع من هذه التقنية، والتي حلت في كل مكان: ( يقتحم جحا الخشبة ومعه الأقزام السبعة يؤدون رقصة تعبيرية فكرتها تدور حول تحرير الأطفال من إدمان ألعاب النت وذلك بأن يلبس جحا مئزر طبيب ويعلق سماعة ويطوف بين الأطفال الجالسين في أسرَّة داخل مستشفى وفي أيديهم لعب و رضاعات بشكل هواتف ذكية .. والأقزام السبعة يؤدون رقصات استعراضية بمآزر تمريض على أنغام مزيج من موسيقى مأخوذة من ريبرتوار رنات الهواتف المحمولة) هذه الرؤية تكشف حالة الصراع بين القديم والجديد، جحا القديم يجد نفسه خارج إطار الاهتمام، لتحل محلة أنظمة تقنية جديدة، ولذا ستتوافق رؤيته هذه مع القرار الذي اتخذه، وبالتعاون مع الفيروس المدمر، ويكشف المشهد الثاني عن حالة اتفاق سري بين جحا ومدمر " يضاء الركح تدريجيا.. إلى يمين الخشبة باب فوقه لافتة مكتوب عليها " متجر جوجل بلاي "، يدخل جحا ويحاول استكشاف المكان، يلتفت يمينا وشمالا كمن يبحث عن شخص.. يدخل من يسار المسرح الفيروس "مــدمــر" .. يلتقي جــحــا ومــدمــر و يقفان عند زاوية من الخشبة.. تخفت الإضاءة شيئا فشيئا وتركز عليهما دائرة ضوء معا وهما يتهامسان.." فبناء المشهد يوضح اضطراب جحا بسبب الأنظمة التقنية الحديثة، ولذا يعتقد أن عليه أن يقاوم هذه الأنظمة ويدمرها.
ومن بناء المشهد، الذي يبين عن فزع جحا من تقنية الأندرويد ( يضاء المسرح على رصيف يعبره مارة كثر جميعهم يمشون وفي أيديهم هواتف ذكية ورؤوسهم مطأطأة يتصفحون هواتفهم.. يمشي جــحـــا وسطهم مشدوها.. يضرب كفا بكف وكله أسف وحيرة.. يلتفت يمينا فيجد طفلا في التاسعة من العمر يجلس على كرسي على الرصيف و يلعب بهاتفه باهتمام كبير.. يقترب جــحـــا من الطفل ويجلس إلى جانبه.. يرقبه وهو يلعب بهاتفه فيما لا ينتبه الطفل إليه). هذه الرؤية ترفض الحالة التي تسيطر على الأطفال، والنص المسرحي لا يفتأ يكرر هذه الرؤية، ليؤكد ما يعانيه جحا، وهي تؤكد رغبة جحا وإصراره على إلحاق الأذى بالتقنية الحديثة، ليعود إلى دائرة الاهتمام، إذ يقول: " أنا من صار غير معروفٍ ويكاد يُنْسَى.. فقد أكل الدهر عليَّ وشرب وترحَّم" . وقبل ذلك المشهد الذي يكشف عن فزع الأطفال وخوفهم من جحا الذي يقترب من الأطفال (ويود محادثتهم.. يظنونه مجنونا فينتفضون فزعا وخوفا ويفرون جميعا.." وهي إشارة إلى رفض القديم، أو الثقافة القديمة، والتي أصبحت نشازا بنظر الأطفال.
ومن بناء المشهد، الذي يتوافق مع الرؤية الأخيرة للمسرحية، والذي يشير إلى انقلاب جحا وعدوله عن رؤيته القديمة: ( يلتفت الجميع فيجدون مدمر مع رفاقه الفيروسات يحاولون تسلق التطبيقات المنتشرة في المتجر.. يسرع جحا باتجاه مدمر لعرقلته بينما يتجه العم جوجل نحو مكتب موضوع إلى جانب الخشبة به كمبيوتر كبير للقيام بتحديث برنامج حماية يتصدى للفيروس مدمر وأصدقائه. ويدور في المتجر صراع ومبارزات بين جــحـــا وأنــدرويـــد والعــم جــوجــل وحمار جحــــا ضد مــدمـــر ورفاقه.. ينهزم مــدمـــر ورفاقه.. ويقف جحـــا وحماره وأنــدرويـــد والعـــم جـــوجـــل منتصرين يحيون الجمهور ). فالنص المسرحي ينتهي بنهاية سعيدة تصالحية، ويقرّ الجميع بمقاومة الشر.
بناء المشهد/ الموسيقى: في المشهد الأول، نجد الموسيقى تعبر عمّا تعانية شخصية جحا من الألعاب، وهي تتوافق مع رؤية الحدث " نسمع دقات قلب متسارعة ثم تنبعث موسيقى مختلطة بأنين امرأة في غرفة ولادة ثم صرخة وليد جديد.."
ومن الموسيقى التي تمثل بناء المشهد، والذي كان يدور حول الألعاب التقنية التي يفتن بها الصغار: ( يركض الطفلان مسرعين إلى خارج المسرح وهما يضحكان والأم وراءهما.. تنبعث بصوت منخفض أغنية قدريندايزر ).
وبناء المشهد منقسم إلى السلبي والإيجابي، فهناك رؤيتان تتصارعان لإثبات الأفضلية، لتكون الأفضلية باستخدام التقنية الجديدة كبنية معرفية، وباتت ضرورة في العصر الآن.
***
اللغة: نجد كلمات في النص المسرحي غير عربية، ورسمت بحروف عربية مثل: ديجيتال، جام ، ريبرتوار، وروبوتات، تكنولوجيا...
اللفظ: في النص ألفاظ قد لا تتناسب مع مستوى الطفل مثل: مهووس، مدمن. فمثل هذه الألفاظ، ارتبطت بالحالة النفسية والمرضية لأناس يدركون معانيها تماما، والنص يستخدم هذه الألفاظ، وكأن النص موجه إلى الكبار. ونحن نتحدث عن مسرح مدرسي تعليمي، فمثل هذه الألفاظ قد يكون لها تأثير على الطفل، فينظر الطفل إليها بأنها شيء عادي. والألفاظ التي ذكرت توحي باللامبالاة، فأين سيكون الطفل من هذه الألفاظ؟
كلمات ربما تمثل حشوا ولا تخدم النص، مثل قول الأندرويد وهو يخاطب جحا: " ( منفجرا بالضحك) توقفه ؟؟ لا يا رجل.. لا تقل كلاما لست واثقا منه، لم أسمع أبدا أنك متسرع في إطلاق كلام غير موزون يا جحا، فهل فعلت بك الرحلة الطويلة فعلها وجعلتك تهذي كالمجنون؟؟ " مجنون! هل لهذه الكلمة حضور؟ لأن الهذيان يبين عن الرؤية غير المعقولة، والهذيان لا يرتبط بالجنون أصلا، فالنائم يهذي، والمريض يهذي، والمتعب يهذي... ما أريد قوله، قد تتوقف العبارة على كلمة تعطيها معنى أدق وأجمل من أي زيادة تأتي بعدها، والتوقف على كلمة تهذي، تجعل الطفل يفكر بمعنى الكلمة ومفهومها، ونحن نكتب للطفل، ليتعلم ويفكر ويبحث.
توظيف العبارة الأفضل، وبما أن النص للطفل، يجدر بنا أن نقدم ما يتماشى مع إدراكه المعرفي، وما نريد أن يصل إليه بلغة واضحة، تبتعد عن لغة مخاطبة الكبار، مثل: " يبدو أنك جننت وانتهى الأمر، ونصيحتي لك أن تذهب إما إلى مصحة عقلية وإما إلى زمنك الماضي وبلدك البعييييد، ولتتركنا نواصل حياتنا من دونك يا جحا. " نجد العبارات موجهة إلى الكبار، ونحن نؤكد أن نص الطفل، سيقرأه الطفل، ثم إن مستوى لغة الطفل يتفهمها الكبير، ولكنها تخدم الطفل بصورة أفضل.
وفي رد جحا على الأندرويد، تذكر في النص ألفاظ موجهة للكبار " يالك من متطاول بائس، سأنتقم منك أيها المعتوه.. ؟" تبدو الألفاظ قاسية مثل: المعتوه، الانتقام، وعندئذ يصبح الخطاب للكبار، ونحن نريد تهذيب قاموس الطفل.
وقد نجد ألفاظا زائدة في النص، وفي هذا المشهد ( يترك نبيــــــــه هاتفه على الأريكة ويركض وراء أخيه فصيــح محاولا الامساك به، بينما يهرب فصيــح في الغرفة محاولا الافلات من أخيه الغاضب.. يصدران جلبة وضجيجا.. وفجأة يدخل والداهما مسرعين.. ) نجد كلمة مسرعين؟ كأن النص غفل عنها، فجاءت لا مكان لها في العبارة.
اللغة/ الحشو: نجد في النص استخدام كلمات غير عربية، ويوضح معناها بلغة عربية جميلة، مثل : "ريلاكس.. ريلاكس مان" خذ نفسا عميقا و اهدأ، فأكيد أنك مجهد من الرحلة الطويلة التي قادتك إليَّ." ولكن اللغة العربية أجمل، وهي في صلب موضوع النص المكتوب باللغة العربية، ولذا فجملة " خذ نفسا عميقا و اهدأ" تعطي التعبير إشباعا للمعنى، وفي إطار الفهم الواضح، وتبعد الطفل العربي عن استخدام كلمات غير عربية، لأن استخدام كلمات غير عربية تصبح قاموسا تعلق بلسان الطفل، ولذا يبقى أثرها مستمرا، وعليه، فإن "ريلاكس" تعد حشوا ولفظا غريبا، ويشوه جمالية اللغة العربية.
اللغة/ علامات الترقيم: في النص نجد الفقرة الطويلة من دون الاهتمام بعلامات الترقيم، ونذكر أن اللغة العربية جميلة، وعلامات الترقيم تكشف عن جمالها، فهي توضح مواطن السكوت والتوقف والتواصل، فتصبح إيقاعا. ومثل ذلك " يقتحم جحا الخشبة ومعه الأقزام السبعة يؤدون رقصة تعبيرية فكرتها تدور حول تحرير الأطفال من إدمان ألعاب النت وذلك بأن يلبس جحا مئزر طبيب ويعلق سماعة ويطوف بين الأطفال الجالسين في أسرَّة داخل مستشفى وفي أيديهم لعب و رضاعات بشكل هواتف ذكية " إن قراءة مثل هذه الفقرة، تجعل المتلقي يعاني من ضيق، ويفقد النص جماليته، وهذا النص موجه للأطفال، بمعنى أنه متاح لتلقيه من قبل الطفل.
ومثل قول جحا: "بالتأكيد أعجبتني والمهم هو أن تكون فعالة وقادرة على الصمود إن تم اكتشافها من طرف العم جوجل .
ومثل: "العمل يجب أن ينصبَّ في المرحلة الأولى على اختراق جميع أجهزة أندرويد ثم نقوم بتحطيم كل تطبيقاته ومن ثم سنعمل على إحلال نظام جديد اسمه جحا ديجيتال أقدم من خلاله كل ما أريد للمستخدمين الذين سيفقدون الثقة في أندرويد الذي لا يحمي خصوصياتهم ولا يقوم بغير تحديث واحد خلال السنة.
ومثل: الحديث عن الأقزام السبعة: ... والهدف من تواجدهم كونهم يسعون مع جحا لانقاذ الاطفال من سحر التكنولوجيا وسيطرة العاب الاندرويد عليهم لاسترجاع حبهم واهتمامهم" هذه الفقرة تتعب القارئ، وعلامات الترقيم ليست تجميلية، بل تمنح النص جمالا لغويا إيقاعيا، واللغة العربية جميلة.
***
الأحداث: أحداث المسرحية تشير إلى رؤيتين مختلفيتن، أحدهما يمثلها جحا وهي رؤية معرفية قديمة، والأخرى يمثلها الأندرويد، وهي أنظمة تطبيقات وبرامج تقنية حديثة، ولها حضور كبير في المجتمع، وينحصر حضور جحا، ولذا يقرر تدمير الأندرويد بالتعاون مع الفيروس/ مدمر. ويلتقي جحا بحماره، ويدور بينهما حِوار عن التقنية الحديثة، ويقتنع بفكرة الحمار، ويتحول إلى مقاومة المدمر، لتنتهي المسرحية بالانتصار على الشر، والأحداث بينت الرؤية المدرسية التعليمية في النص المسرحي.
الأحداث / التشويق: لا يخلو النص من التشويق، فالحوار الذي يدور بين جحا والمدمر، يجعل المتلقي يترقب الأحداث القادمة:
جــحــــــــا : هل فهمت ما يجب عليك فعله يا مدمر؟
مــــدمــــــر: طبعا، طبعا.. لا تقلق يا جحا، سأدمر جميع التطبيقات التي تم استحداثها وحتى القديمة، سأفرغ كل الهواتف من تطبيقات أندرويد ولكن قل لي هل أعجبتك التطبيقات الخبيثة التي سأزرعها مكان التطبيقات الأصلية؟ ( يضحك بخبث).
جــحــــــــا : بالتأكيد أعجبتني والمهم هو أن تكون فعالة وقادرة على الصمود إن تم اكتشافها من طرف العم جوجل .
مــــدمــــــر: لن أنسى ما حل بأخي الفيروس المفكك الذي نال منه العم جوجل منذ شهر، لقد توخيت احتياطي بشدة ولن تتكرر الهزيمة، ثم إن ما زودتني به من حيل يا جحا سيعمق من فعالية مهمتي.. اطمئن.
ويبدو التشويق عبر الحوار الذي يدور بين جحا وحماره، ليتعاون مع الأندرويد وجوجل، ويبتعد عن المدمر، وينتهي الحوار بقول جحا: معك حق يا حماري العزيز.. أنت فعلا حمار جحا الذكي.. دعنا نسرع لنلحق بمدمر قبل أن يدمر خطتنا وطموحنا.
ومن التشويق في نص جحا ديجيتال، نجد في المشهد الأول حالة جذب ومتعة في النص، وقد تمثل ذلك من خلال الرقص التعبيري للأقزام السبعة بمرافقة جحا. (يقتحم جحا الخشبة ومعه الأقزام السبعة يؤدون رقصة تعبيرية فكرتها تدور حول تحرير الأطفال من إدمان ألعاب النت وذلك بأن يلبس جحا مئزر طبيب ويعلق سماعة ويطوف بين الأطفال الجالسين في أسرَّة داخل مستشفى وفي أيديهم لعب و رضاعات بشكل هواتف ذكية .. والأقزام السبعة يؤدون رقصات استعراضية بمآزر تمريض على أنغام مزيج من موسيقى مأخوذة من ريبرتوار رنات الهواتف المحمولة). المتعة جزئية مهمة في مسرح الطفل، وهدفها خلق حالة تواؤم واندماج بتلقي النص المسرحي.
ومن التشويق في النص، الحوار الذي يدور بين جحا وحماره: تتحدث عنه وكأنك مقتنع به وبما يقدمه، هل انت معي أم معه؟ هل أنت حمار جحا أم حمار أندرويد ؟
الحــمــــــار : أنا حمار الفيسبوك هاهاهاهاهاها ." والإضحاك، حالة جذب وتشويق في مسرح الطفل، وله دور مهم بفهم الطفل لما يجري أمامه، وهي حالة ليست اعتباطية أو فضلة.
***
الشخصيات: الشخصيات مثلت أدوارها في النص المسرحي، وكانت تمثل ثلاث رؤى، فالمدمر يمثل الشر، والأندرويد يمثل التقنية الحديثة التي تخدم المجتمع، وجحا يمثل الرؤية المعرفية القديمة، ولكنه يقبل بالاندماج في التقنية الحديثة. وهناك شخصيات تحتاج لاشتغال أفضل، ونشير بذلك إلى الأقزام السبعة، إذ يتقرر دورها في النص بدور هزيل في بداية النص، وهو عبارة عن رقصة تعبيرية على أنغام الموسيقى " يقتحم جحا الخشبة ومعه الأقزام السبعة يؤدون رقصة تعبيرية فكرتها تدور حول تحرير الأطفال من إدمان ألعاب النت"
والنهاية كانت تحتاج إلى مثل هذه الرقصة، لأن النص انتهى بالسعادة والوئام، وهذا الفرح يتطلب حضور الأقزام السبعة، لأن حضورها يتماهي في النص وهو يصل إلى نهايته، ثم إن هذه الشخصية لا يمكن أن تكون في النص كشخصية عرضية، كأننا نلتقيها صدفة، وأحضرت الشخصية في النص، لتصبغ النص برؤية جمالية حركية، وهذا جميل لو اكتملت الرؤية بالحضور الأخير أيضا، ولا يكتفى بدورهم الاستعراضي في البداية، ألا يفترض أن تختم المسرحية بهذا الدور؟ وفي المشهد الأخير، سيكون حضور الأقزام السبعة أكثر إسعادا للطفل، ويتواءم دورهم مع النهاية السعيدة، وهذه الإشارة تدخل في إطار التوظيف الأفضل في المسرح.
الشخصيات الرئيسة نامية، ونشير إلى شخصية جحا وأندرويد، إذ نجد جحا يغير موقفه من التدمير، ويقبل أندرويد بقبول حالة جحا التراثية، وإدراجها في رؤيته البرامجية.
الشخصيات/ التحول في بنية الشخصية: ويبدو ذلك واضحا عندما يقتنع جحا بما قاله حماره، وعندئذ يقرر موقفا آخر، وهو سيمنع المدمر من تخريب الأنظمة التقنية: "توقف يا مدمر.. توقف عن تنفيذ مخطط تدمير التطبيقات، لست بحاجة لذلك أدعوك لأن تتراجع عن تنفيذ هذه المهمة... لن تنفذ أو تدمر شيئا.. أنا آمرك بالتوقف حالا.. أعط رفاقك اشارة بالتوقف الآن... فعلا أنت مخادع ولا يؤتمن لك جانب.. كيف وثقت بك للحظة، وفكرت في أنك ستكون حليفي.. فعلا لا يمكن للأشرار أن يكونوا سوى أشرارا مع الجميع.. لكني تفطنت لك الآن والفضل يرجع لحماري الذي اكتسب عني الذكاء و الفطنة.. و سأوقفك عن أعمالك التخريبية أيها المدمر الشرير.
مــــدمــــــر: أجل وأنت شريكي في هذه العملية هل نسيت؟
جحا: أجل كنت شريكك.. ثم تراجعت وجئت مسرعا مع حماري لكي نمنعك.. لم أسمح لك بأن تتسلل إلى أجهزة المستخدمين وفيهم أطفال كثيرون وتراقب معلوماتهم ومعلومات ونشاطات أهلهم ببرنامجك التجسسي يا مدمر."
دور شخصية الطفل في المسرحية: النص المسرحي – جحا ديجيتال - نص للطفل، إلا أن دور الطفل في النص كان محدودا، والنص يدور حول ما يقع على الطفل، ولكن الذي يقوم بالدور هم الكبار، في النص "فصيح ونبيه"، وهما طفلان، وكل ما يقوله الطفلان، لم يزد كثيرا على مئتي كلمة من أصل النص المسرحي، الذي تجاوز أربعة آلاف كلمة. ولذا، فإن النص المسرحي يغيّب شخصية الطفل، ودور الطفل في النص قصير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق