تصنيفات مسرحية

الجمعة، 12 يناير 2018

العرض الجزائري "ما بقات هدرة" ضمن مسابقة مهرجان المسرح العربي بتونس عبث اللّسان بعمق الإنسان

مجلة الفنون المسرحية



المكتب الإعلامي


إن كانت الدنيا ركحا كبيرا... فإن المسرح هو الحياة. في هذا السياق، لم تكن المسرحية الجزائرية "ما بقات هدرة" مجرد ركح وخشبة بل كانت مرآة عاكسة لهواجس الذات ونافذة مفتوحة على عوالمها الخفيّة... وقد صافح هذا العرض عشاق الفن الرابع مساء الجمعة 11 جانفي الجاري بالمسرح البلدي بالعاصمة في إطار مهرجان المسرح العربي في دورته العاشرة بتونس. وفي قائمة تضم 11 عملا عربيا، تخوض مسرحية "ما بقات هدرة" للمخرج الجزائري محمد شرشال ومن إنتاج المسرح الجهوي سكيكدة غمار المنافسة ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان بعد أن حصدت مؤخرا الجائزة الكبرى في مهرجان المسرح المحترف بالجزائر. 
المشاهد لمسرحية "ما بقات هدرة" قد يخال للوهلة الأولى أنك أمام عرض كوميدي ضاحك... لكنه سرعان ما تكتشف أن بهجة ملابس المهرجين وصرخة مساحيق وجوههم لم تكن سوى وجعا تائها في خطوط الألوان ودمعة مختفية وراء ابتسامة ساخرة.
على ركح مسرحية "ما بقات هدرة" تخوض الشخصيات الممثلة لكل الشرائح والأجناس حربا معلنة، خفيّة مع الأنا والآخر في عبث لعبة الزمن. عند المنبع يلتقي المهرجون في ظمأ إلى قطرة الماء ووجه الخصوبة... لكن الجفاف عمّ المكان وفصل الصيف عبث بدورة بقية الفصول في سيادة مطلقة على الأرض والإنسان.
دون سابق إنذار أو منطق سردي معتاد، يقفز بنا المخرج محمد شرشال من مشهد المهرجين العطشى إلى الماء وفصل الشتاء إلى مشهد الشرطي الذي يصادر هؤلاء المهرجين حق الكلام وكأننا بالمخرج يستعير رمز رجل الشرطة في إشارة إلى ضرورة الرقابة على كلامنا ومراقبة أقوالنا حتى لا تتشتت الفكرة في غوغاء الثرثرة، ولا يضيع المعنى في الهوامش الزائدة عن الجمل المفيدة.
أمام خسارة قدرتهم على الكلام، يهرع المهرجون إلى رحلة البحث عن أصواتهم المفقودة بعد أن كانوا يفتشون عن الماء والارتواء... فيقذف بهم القدر في مدينة الأصوات الداخلية. وهناك كان لقاء الصفاء وحوار النقاء بينهم وبين أصواتهم في دواخلهم المتجردة من أقنعة الزيف والكذب والنفاق... 
في هذه العودة إلى لحظة الطفولة البريئة، تعود عجلة الزمن إلى الدوران، والفصول إلى تعاقبها، والمياه إلى منابعها في مباركة من السماء التي جادت بالماء.
وما بين النص المنطوق والإيماء و الغناء... حضرت مقوّمات مسرح العبث في العرض الجزائري "ما بقات هدرة" من خلال البحث ما وراء اللغة وعدم الثقة في الكلام كوسيلة من وسائل الاتصال المتعارف عليها حيث تتحول اللغة إلى ما يشبه "كليشيه" نمطي عاجز عن النفاذ إلى عمق الحقيقة وجوهر الأشياء. كما حضر المزج بين الكوميديا والتراجيديا في لوحات من الضحك الأسود والابتسامة الدامعة والنقد الساخر ...
على المستوى الفني والتقني لمسرحية "ما بقات هدرة" فقد حضرت أيضا سمات مسرح العبث والتي تجلت في التمثيل الصامت والرسائل المشفرة ولغة الرموز...
عند إسدال ستار النهاية على عرض "ما بقات هدرة"، تغادر المسرح في صمت وقد أدركت أن السكوت خير من الثرثرة العقيمة وفي ذهنك ألف سؤال وسؤال عن الإنسان هنا وهناك ... وفي كل زمان و مكان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق