مجلة الفنون المسرحية
قلعه جي: المؤلف المسرحي قادر على نقل الأحداث التي واجهتها سورية
محمد خالد الخضر وسامر الشغري - سانا
الأديب المسرحي عبد الفتاح قلعه جي واحد من اهم كتاب المسرح على الساحة العربية حيث ساهم عبر عقود بإغناء الحركة المسرحية في وجه ما تتعرض له من معوقات ساعيا الى الحفاظ على استمرارية دور المسرح التنويري والثقافي.
ويعول قلعه جي على دور الموءلف المسرحي في استنهاض مسيرة أبي الفنون داخل سورية بعد سنوات الحرب الإرهابية فيقول في حديث لـ سانا الثقافية “رغم الضرر البالغ الذي ألحقته هذه الحرب بالحركة المسرحية إلا أنه يمكن في نفس الوقت أن تكون مصدرا لإثراء مسرحنا شرط إعادة الاعتبار للمؤلف المسرحي الذي تم إبعاده عن الخشبة رغم أنه القادر على نقل التجارب المريرة والأحداث التي مرت بها سورية وما زالت”.
ويدعو الفائز بجائزة الدولة التقديرية عام 2015 إلى دعم الكاتب المسرحي ولا سيما بعد أن نافسه في دوره شركاء آخرون من المخرج إلى مصمم
السينوغرافيا وغيرهم مشيرا الى أن هؤلاء وحدهم غير قادرين على تقديم مسرح يرى الشعب فيه نفسه ومستقبله ومجريات الأزمة التي مر بها وطنه.
ورفض قلعه جي مقولة ان الدراما أدت لتلاشي المسرح ويرى أنه ظل صامداً ونما وتطور واتسع وتعددت اتجاهاته ومدارسه وقال ‘ن “المسلسل
التلفزيوني فن طيفي بينما المسرح فن تشخيصي حتى إنك لتحس بأنفاس الممثلين أمامك والدراما التلفزيونية فن الانعزال في البيت والمسرح فن الاجتماع والحوار والمسرح فن الفكر والجمال والتكثيف والمسلسل فن الإطالة والتمدد”.
ورغم الأثر الذي تركته الحرب على سورية في العلاقة بين المسرح وجمهوره وابتعاد الأخير عنه إلا أن ذلك لن يستمر وفقا لقلعه جي داعيا وزارة الثقافة الى وضع خطة ومنهج واضحين حتى لا يبقى العمل المسرحي مجرد عمل وظيفي ومسرحيات مبعثرة لا خطة في تقديمها.
وينفي قلعه جي وجود أدب مسرحي بمعنى نصوص تكتب للقراءة فحسب دون تنفيذ ويقول “هناك عروض لا يتجاوز نصها الملفوظ صفحة وتقوم على
الحركة وتشكيل المجموعات كما في المسرح الحركي والراقص” لافتا الى أن الحدود بين الأجناس الأدبية والفنية تتداعى في المسرح الحديث”.
ويصف قلعه جي تفضيل المخرجين المسرحيين الحاليين للنص المترجم أو المعد عنه بأنه عقدة الأجنبي التي تلازم بعض المشتغلين بالمسرح مؤكدا
أن هناك نصوصا عربية وسورية تضارع النصوص العالمية ولكن هؤلاء المخرجين لا يقرؤونها ولا يبحثون عنها.
وعن تجربته الرائدة في المسرحين الشعبي والتجريبي يبين قلعه جي أن مشاهداته وهو طفل صغير لأحداث يومية وقصص من الواقع من حارات حلب وأزقتها تمازجت مع قراءاته ومطالعاته حول ما تعرضت له هذه المدينة لتندمج بداخله كل تلك المشاهدات والمطالعات وتخرج في صورة نصوص مثل سفر التحولات وفانتازيا الجنون وهبوط تيمورلنك.
ويقول قلعه جي “كنت في مسرحياتي أكتب المسرح التجريبي برموز كثيفة وحادة ثم رأيت أن هذه هي متعة النخبة فرحت أعمق الحس الشعبي الجماهيري في مسرحياتي التجريبية مثل مسرحيتي مدينة من قش التي قدمها قومي حلب وفانتازيا الجنون التي قدمت في مهرجان القاهرة الدولي التجريبي وصولا لمسرحياتي الأخيرة التي أصبحت فيها شخصياتي المسرحية أكثر رقة وعمقاً وتجريبية مثل “شيخوخة مبكرة” و “المسافر والطريق” و “الجرذ العظيم” و” دفاتر نايا” و”المركب والمعبر” و”طائر الظلام” وغيرها”.
ويؤكد قلعه جي أن الإنسان كان دائما قضيته ومحور اهتمامه في أعماله المسرحية فيبسط قضاياه ويدافع عن لقمته وعن أمنه النفسي والاجتماعي والسياسي وعن حريته وكرامته.
وعن لجوئه للتاريخ فيما يكتبه من أعمال ينفي قلعه جي أنه كتب المسرحية التاريخية ولكن كان حسب تعبيره يستخدم التاريخ بأبيضه وأسوده مبضعا لتشريح الواقع والولوج إلى أعماق أنسجته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مثل مسرحيته “الملوك يصبون القهوة” أو في مسرحية “السهروردي” التي صور فيها إعدام الفكر وأعلامه.
ويستعرض قلعه جي النشاط المسرحي في حلب خلال العقدين الأخيرين مبينا أنه في ظل هيمنة المسرح التجاري في تلك الفترة تراجعت عروض المسرح القومي لكنه رغم ذلك وبفضل استمرار مواسمه واختيار نصوصه استطاع رفع الوعي والذوق الجمالي المسرحي.
ومع بدء الحرب الإرهابية على سورية أشار قلعه جي الى توقف نشاط المسرح القومي في حلب الذي بات مقتصرا على مسرحية للأطفال تقدم في العطلة الانتصافية لكنه بين أن الفرق المسرحية في المدينة ورغم اعتداءات الإرهابيين اليومية استطاعت تنظيم مهرجان مسرحي حيث شهد عام 2016 عودة لنشاط “قومي حلب” فقدم حواريات “لوقيانوس السميساطي” ترجمة وإخراج إيليا قجميني ليقدم خلال العام المنصرم نصا من تأليفه بعنوان “لا شيء في الحديقة” إخراج وانيس بندك لافتا إلى أن تحقيق نهضة للمسرح في المحافظة يتطلب زيادة الاهتمام ودعما ماديا ومعنويا من مديرية المسارح أسوة بما يقدم لمدينة دمشق.
ويرى رائد المسرح التجريبي في سورية أن “المسرح التجاري للتسلية وهو سطحي وغير فني حتى وإن مارس النقد الاجتماعي والسياسي ولا دور له في النهوض بالمسرح الفني”.
يشار إلى أن عبد الفتاح قلعه جي كاتب وناقد مسرحي وشاعر وباحث ولد عام 1938 في حلب وتخرج في جامعة دمشق كلية الآداب وله نحو أربعين مؤلفاً صادراً في الفكر والأدب والتراث والتراجم والشعر وقصص الأطفال والرواية والمسرح الذي يشكل الجانب الأكثر أهمية من نتاجاته.
شغل قلعه جي رئيس فرقة المسرح الشعبي بحلب عام 1968 ورئيس لجنة التراث في مهرجان الأغنية السورية ومقرر جمعية المسرح في اتحاد الكتاب العرب ومنح جائزة الباسل للإبداع الفكري عام 1998 وله مشاركات عديدة مستمرة في مهرجانات مسرحية سورية وعربية ناقدا أو باحثا أو محكما.
عرض له على خشبة المسرح نحو 23 مسرحية ورافق مسيرة مهرجانات الهواة المسرحية في سبعينيات القرن الماضي ثم مسيرة مسرح حلب القومي كما قدم له “قومي دمشق” عدة أعمال وعرضت له مسرحيات من تأليفه في البحرين والإمارات ومصر وليبيا والمغرب والسودان.
وفي مسرح الأطفال كتب عدة أوبريتات وقدم بعضها في مهرجانات الطلائع وله في البحث المسرحي العديد من الدراسات والبحوث فضلا عن النقد المسرحي النظري والتطبيقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق