مجلة الفنون المسرحية
تعدد النسخ افقدنا هويتنا دراسة نقدية للعرض المسرحي آخر نسخة منا
كاظم نعمة اللامي
(القراءة مبارزة يصعب التنبؤ بنتائجها)
فكتور هوجو
هل للكون بداية؟ كيف بدأ الكون؟ كيف كان شكله؟ متى بدأ؟ وإلى أين يسير؟ هذه أسئلة تحتاج الى إجابات وعلى وجه السرعة والدقة لانها مرتبطة بوجودنا الهش معرفيا والاجابات الموضوعية عنها ترمم بعض هذا الوجود، ومنها واليها وعلى غرارها انبثقت اسئلة اخرى كان قد طرحها الإنسان منذ القدم، وهي في حقيقتها وليدة قراءات لانعكاس إنساني لقراءات إلهية في أصل الكون كوجود أول ونتيجة للمعنى الفلسفي المتشظي للآية القرآنية (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) فإن الكون وفقا لهذه الآية على سبيل المثال لا الحصر آخذ في الأتساع باستمرار فلابد أن حجمه كان أصغر من ذلك وبالتالي العودة الى نقطة البداية ليحتدم الجدل بعدها نتيجة ولادات جديدة لقراءات حادثة، ومن هنا برزت للوجود القراءات بمختلف صورها التي تفسِّر نشوء الكون والتي اتسعت هي الأخرى أي القراءات لتشمل كل ما هو حادث في أصل وجوده وما هو ناشئ تراتبيا بتوقيت معين، ومنشأ هذه القراءات ينطلق من جزئية مهمة وهي ان الحاجة أم الاختراع بإجابة عن كم الأسئلة الهائل التي أضحت صيرورة وجود، وهذه القراءات هي في حقيقتها إساءة قراءة مع الواقع، وربما تطابق قَرُبَ او بَعُدَ عن الحقيقة وفرضياتها بنسبية ما، إلا أنها أتت كردة فعل للمثيرات الداخلية والمحيطة.. وكما قال الفرنسي دريدا وفقا لنظرية الاختلاف:- (القراءة إساءة لا نهائية) لولادة قراءات اخرى تحررت في خطابها من ربقة قراءات سلفها.. والغاية والهدف من كل ذلك وان لم تكن قصدية الفعل حاضرة في بعض الأحيان :- هو نهل المعرفة من منابعها التساؤلية لبلوغ المتعة التي هي الهاجس الجمالي الذي يراود الجميع فالانسان بمجمله قاريء متسائل.. ومن جملة هذه القراءات المتعددة هي القراءة المسرحية، فالعرض المسرحي مؤطر بمعرفتين معرفة ظاهرية صاخبة تقود لتبني المتعة المتحققة بكل أشكالها ومصادرها ومعرفة باطنية هادئة تقودنا لتبني أفكارنا الانطباعية والدفاع عنها في أصل العملية التحليلية والتفكيكية لعناصر العرض المسرحي وتقصي أبعاد وأهداف جدوى النص وسحر العرض، ومن هنا تتجذر حقيقة تصدينا البنيوي للعرض المسرحي (آخر نسخة منا) .
ارتكز العرض المسرحي (آخر نسخة منا) تأليف علي عبد النبي الزيدي وإخراج الشاب علي صبيح على حقيقة فلسفية واضحة الرؤى عميقة المعنى من إن الحياة التي نعيشها حلم كبير والعالم الذي يحتمل هذه الحياة هو مسرح اكبر تتجلى فيه منعطفات الميتا مسرح بانفعال باتا فيزيقي وانحياز واضح لغاية برزت بقوة بخلق دنيا وحياة أخرى من رحم حياتنا، لا تشبهها عينا لكنها وممكن لنا أن نسميها تمسرح واعي قد خرج من معطف مسرح آخر أكثر واشد وعيا، متخذة أي الغاية من محطات معينة تدعو لاسترجاع الذاكرة الانفعالية والمكوث في خيمتها والتحرر منها بعد ذلك بجعبة مليئة بالأحداث ما زلنا نستنشق أوكسجينها الذي احتمل التلوث والنقاء بثنائية متضادة وخلق ردة فعل اتجاهها تعاكسها في الاتجاه ولا تساويها بل تزيد عنها بالقوة وتخرج عن إطارها التكويني من خلال استدعاء الواقع بشكل متخيل وتواجد الحياة بألوان مغايرة شكلا لا مضمونا مع وضع خارطة طريق لتأصيل الحلول القاطعة بعدم الإرتداد وعودة ما مضى من خلال التجديد والرسوخ وهذه.. هي مقومات رسالة المسرح عموما بنقل الواقع بشكل متخيل مع وخزات نفسية تؤجج التوافقات الحسية للانفتاح على الحلول الناجعة .
قدم لنا علي صبيح بصحبة فريقه التمثيلي والتقني ومن على أديم منتدى المسرح العراقي عرضا مسرحيا احتجاجيا رافضا لكل سلبيات الحياة الأيديولوجية، فقد كان متميزا بالشكل الذي شجعني لان اكتب عنه واستفز قلمي لينزف نقدا حياديا، وهذا التميز أتى نتيجة طبيعية لعدة نقاط سنوردها لاحقا حينما نخوض في غمار حيثيات العرض جملة وتفصيلا.
اختيار منتدى المسرح كخشبة عرض مسرحي ل (آخر نسخة منا) وهو بهذه المساحة والتكوين المعماري الخاص، وكما يعرف الكثير ان منتدى المسرح هو في أصله بيت بغداد مبني على الطراز التركي القديم.. هذا الاختيار لم يأتي لأسباب جغرافية قاهرة فرضها النص وان بدت مجازا هكذا، حيث كان ممكن للعرض إن يكون على خشبة المسرح الوطني وهو بمساحة واسعة شاسعة وسيلاقي نفس النجاح، لكن أتت رؤية المخرج بقصدية فكرية فلسفية جعلت من محدودية مساحة منطقة العرض في المنتدى كبوابة مشرعة لولوج عالم حميمي بين العرض المتخيل الكاسر لكل التكوينات المتحجرة وهي تلف الواقع المتزمت في شكله المعاق والمستسلم بعد ذلك لمفخخات العرض بالتفجير والتنوير، هذا من جهة ومن جهة أخرى نشأت حميمية متوقعة بمنظور خاص بين الممثلين والجمهور، بين الكاتب والمخرج، بين المكان والذاكرة بين الزمن وتقلباته.. لتستقيم تلك الحميمية بمواجهة إيديولوجية أصلها هو التقارب الوجداني بين الجميع في ظل أجواء سكنية تعكس طبيعة الحميمية الداخلية لسيرة المواطن وسط أهله وناسه وكأنه أي المخرج يقول للجمهور وهو يرمي كرته في ملعبهم الفرجوي هذه حياتكم، هؤلاء انتم، فاختاروا من تريدون ان تكونوا نسخة منه بتوأمة فلسفية! لذا كانت نوافذ الحرية متاحة لكم لولوجها والانطلاق منها لتبني حياة أخرى أكثر متعة وجمال.
كذلك أتى تَمَيُّز العرض من كون المخرج ورفاقه وهم بهذا العمر الفني القصير وفي أول ارتقاء جاد كانوا قد امتلكوا الجرأة العظيمة أولا باقتناص نص كبير لكاتب كبير وهو علي عبد النبي الزيدي ثم تلاها بجرأة اكبر من خلال العرض على مسرح شهد العديد من التجارب المسرحية الفريدة لعمالقة المسرح العراقي إخراجا وتمثيلا كـ (سامي عبد الحميد، عزيز خيون، باسل محمد علي، عواطف نعيم، عوني كرومي، إقبال نعيم، رائد محسن، إنعام البطاط، مازن محمد مصطفى ) وغيرهم الكثير، وثالثا وهي الجرأة الأكبر في تناول موضوع معفي مسكوت عنه سيثير حساسية الكثير وربما رَفْضُ علي صبيح من خلال العرض يواجه برفضٍ اكبر من خلال المتلقي، لكنه فتح صدره مبتسما لرصاصات النقد والرفض، متوقعا ذلك فأعلن عن نفسه بقوة (مصلحا نبيا بثوب فنان مسرحي) لذا تراكمت مسؤوليات كبيرة على عاتق الفريق تمت ترجمتها الى : كيف لعلي صبيح ان يلاقح هذا الوجود الثر للنقاط الثلاث الآنفة الذكر بوجود لا يغيب عنه الجمال بتناسخ وتعاضد مع ما قدم ، مما يجعلنا ووفقا لرأيي القاصر ان نؤكد ان علي صبيح ورفاقه كانوا في الموعد فتواجدوا بألق كبير نحترم فيه أفانينه الثرَّة وهو درس مجاني للكثير بان العمر لا يقف عقبة أمام الإبداع والجمال ان قصر او تقدم.
انطلاقا من أول سُلَّمة نرتقيها في بنية النص والعرض مجتمعين ألا وهي سُلَّمة العنوان (آخرُ نسخةٍ منا) تشكلت هنا مدلولات لغوية متفجرة تفتقت عن رغبة في الصراخ باحتجاج كبير وبمعاني كبيرة من خلال إيقونات صورية من قبل الشخصيتين (واحد ، واحد مكرر) وخاصة حينما نتجاوز أول مشهد لنسمع همسا يرافق الصراخ والاحتجاج مفاده ان ما ترونه الآن من عرض مسرحي لشخصيتين سياميتين هو آخر نسخة منا نحن أبناء هذا الوطن الجريح لأنها اي الشخصيتين لن تتكرر في قابل الأيام باعتبار رجائي نحن وضعناه كأمل نراهن عليه في أنفسكم، أي في أنفس الجمهور عندما ترون بشاعة ما يجري بتوأمة مع مسرح القسوة او مجايلات مسرح العبث بمعناه الفلسفي الإصلاحي من خلال بعض الإجابات الصادمة لأسئلتكم الكثيرة وخلقُ رفضٍ بيئته أنفسكم بمعرفة حقيقة التناقض ونتائجه الخبيثة في طبيعة العلاقة بين الاثنين والتي تسببت في جملة من المتاعب التي عشتموها وتعيشونها الآن.. وتماشيا مع نظريتي أرسطو وافلاطون في التطهير وعدمه، حيث وضعنا الإصبع على الجرح الدامي نعم ستتألمون نعم ستشعرون بالغثيان لكن هذه هي طبيعة المسرح في خلق الدهشة بصدمة عنيفة ستأتي نتائجها الايجابية لاحقا.
اعتلت العنوان مثابة كبيرة احترم فلسفتها لأنها أعطت النتيجة النهائية للعمل سلفا لكن بشرط متابعته حتى آخر صورة تقف عليها عيونكم بمعية قلوبكم ليعقبها الإظلام الأخير ليعلن بعدها ان لا نسخة منا نحن البشر تشبه هذه النسخة لأنها تلاشت وانتهت لاعتبارات رجائية وسيل أمنيات كما أسلفت، واعتبارات واقعية أمنية ثقافية بدت بقوة تسود المشهد الإنساني المحلي، وربما آخر نسخة منا في الحدود الجغرافية الدنيا لهذا العالم وكأن العرض يقول هذه آخر نسخة منا فلا نسخة ستجدونها في الكون تشبه نسختنا نتيجة للظروف التي يعيشها الإنسان العصري في هذه البقعة المسكونة بالخراب.
العرض المسرحي يحاكي الثنائيات العديدة التي يعيشها الإنسان بروابط متعددة مع الآخر وهي الدين والعرق والثقافة والدم والمكان والزمان لتتوسع هذه الثنائيات ليخرج لنا الزيدي بثنائية تنحدر عنها كل الثنائيات الإنسانية بتناسخ توأمي سيامي حيث يتبين أن (واحد) وأخيه (واحد مكرر) قد ولدا سياميين ولن ينفصلا مهما كانت المحاولات لفصلهما ان كانت هذه المحاولات خارجية مصدرها المحيط الاجتماعي والسياسي العام ام داخلية منبعها رغبات الوليدين وهذا ما تؤكده حوارية التوأمين.
واحد مكرر : لم تنجح عمليات فصلنا عن بعض .. ماذا افعل ؟
واحد : كم حاولت أن أفصلك عنّي بسكين
واحد مكرر : ولم تنجح
واحد : كم حاولت أن أخنقك وأتخلص من شخيرك
واحد مكرر : ولم تنجح
واحد : كم تمنيت أن أتنفس بعيدا عنك
واحد مكرر : ولم تنجح
وكما أسلفت ومن خلال تشظيات الدلالة اللغوية للحوار وبعض إشراقات الميزانسين والسينوغرافيا يتأصل لدينا ان هناك رفضا كبيرا واستياءً عارما لهذه القسمة الظيزى في التجاور والتوأمة لأنها تكشف حقيقة التبعية بدكتاتورية مفرطة وتقييد حركي روحي للطرفين يؤكده إتيان أفعال لا يرغب بها الآخر لأنها لا تمثله ولا تعنيه بشيء، مما يتولد نتيجة لذلك صراع كبير يأخذ إشكالا متعددة تؤكد رفض الكاتب والمخرج والممثلين وكلا الشخصيتين الاعتباريتين لكل ما جرى ويجري على أديم واقعنا المتفشي ألما، وهذا التجاور والتقارب والعيش المشترك لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يتميع فينتهي فيتلاشى، مستحيل!!!! انه قدر محكم لا يمكن الفرار منه وان اجتهد الطرفان في العمل على رفع السيف وإعلان قطع عرى هذا التجاور الذي هو في حقيقته تجاور مفروض أكدته الحتميات الإلهية.
عالج العَليّان، الكاتب والمخرج، موضوعة الثنائية المعروفة في شقيها البديهيين (الخير والشر) بتمظهرات فرجوية تنطلق من مبدأ الإشارة والتعريف وجعل الجمهور يشعر بالانتماء الى تلك الظواهر الحية والمتحركة والتي لا تبقى في النقطة التي فارقت منها الحياة بل تستمر على التطور في وعي المتفرج وهي إشارات جديرة بالدراسة انطلقت من قضية مهمة هي محط خلاف وجدال لم تنقطع فصولها طيلة حقب مديدة تلت خلق ادم وحواء ذكتها المصالح الآنية الضيقة مع انحدار للوعي وتلاشي لجوهر الضمير .. وهذه الجزئية الجدالية بَرْوَزَها ووضعها الزيدي في خانة الدين! نعم الدين الذي بدلا من ان يكون عامل اجتماع وتآزر وتعاضد استحال نتيجة للأنا المفرطة في نرجسيتها الى وحش ميناتوري كبير يلتهم كل ذواتنا ليعلن عن علامة كبيرة تشكل موروثا سيسيولوجيا أطرافه البقاء للأقوى، النصر لمن يقتل أكثر، الحياة لمن ينفي الحياة عن الآخرين، النصر لمن لا يؤمن بالحب كسبيل وطريق لرضا الله وكسب سعادة الدارين، وهذا ما نراه واضحا مؤكِدا لما مضى بهذه المناجاة لعنصر الشر واحد :-
واحد : ( يرفع يديه بالدعاء ) يا رب .. من يستحق الحياة ؟ أنا أم أخي ؟ فهو لا يصلي لك أبدا، ولا يصوم، ولا يؤمن أن قتل الناس في سبيلك هو طريق الحق.
واحد : ( مستمر بدعائه ) يا ربي .. اشطب هذا الكائن من جسدي ، فأنا مؤمن بك وهو عاشق لا يهمه سوى كلمات الغرام التي لا أعرف من أين يأتي بها.
الصراحة الواضحة في طرح الأفكار الكاشفة عن غاية العرض واهدافه وهي تنبع من رحم الإسلام، حددت التوجهات الفكرية بمحلية شديدة وكأن بقية الديانات لم تشهد ذلك التناحر والتضاد الفكري والأخلاقي، ربما لان الرغبة التي تعتري فريق العمل في عدم تورية الرفض لقضية يعيشونها بأنفسهم بكل تفاصيلها في عملية مكاشقة للذات، لذا تحتم عليهم ان يتحدثوا بهذه الصراحة المفرطة والانحياز الواضح لقضاياهم، مع مؤاخذتنا على عدم التلقي الإنساني بعرض يتجاوز مؤلفه وحدود بيئته وتفاصيل المكان والزمان وهي نقطة لا تحسب لفريق العمل .. ولو قال احدهم معترضا على ما أقول :- من أي فجوة بنيت حكمك هذا مع ان هناك شيوعا في الطرح وعمومية راكزة ولم نحدد الإسلام كجهة معينة لصراع عقائدي بين الوليدين السياميين.. سنجيب بهذه الأمثلة رفعا للبس والتفسيرات القاصرة.
الوضوء.. حيث لسعتنا حمى الدين الإسلامي عندما بدأ (واحد) بممارسة الوضوء والتكبير بـ (الله اكبر) وهي بادئة تتقدم الصلاة لدى المسلمين وهي أيضا لازمة ترافق التهيؤ من قبل الإرهابيين المتشحين بالإسلام حينما يَجْهِزوا ذبحا على احد ضحاياهم، او حينما يفجروا أنفسهم على الأبرياء في الأسواق والأماكن التي ليس لهم فيها عدو واضح العداء.. وجميع هذه الأفعال أصبحت موروثات ميثولوجية سيسيولوجية تكشف هوية الآخر الذي يمارس كل فعل قبيح.. وان تجاوزنا بأطروحتنا ما تقدم بالقول ان هذه الكلمات وهذه الطقوس ربما تتشارك بها ديانات أخرى، لكن هناك عبارة متعارفة لدى المسلمين (إنا لله وإنا إليه راجعون) وكذلك عبارة (الصلاة خير من النوم) وهذه العبارة الأخيرة فيها تخصيص واضح لطرف معلوم من المسلمين كان الأفضل التسامي عن هكذا إشارات دلالية تعريفية لإدانة طرف على حساب آخر، باعتقادي ان هذه العبارة جعلتنا نعيش حالة واحدة لم تتشظى ولم تكبر وتستطيل بمدلولات أخرى تعطينا الفرصة لتثبيت صور وأراء تدين كل منحرف فكريا وإنسانيا ، حيث مارس الكاتب والمخرج دكتاتورية مقيتة على المتفرج في تحييز الموضوع لإدانة جهة معينة.. مع العلم ان (واحد) موجود في كلا المعسكرين وبقوة وبالعموم هذه العبارة وغيرها الداخلة في إطار التحييز القهري والقسري لم تأتي بصالح العمل رغم ان العرض مارس وبمشروعية إنسانية وبرغبة ملحة فضح وتعرية منهج جائر ديدنه الإرهاب وتقويض فرص السلام عانت منه كل مكونات الأرض بأسرها ...
سار العرض بخط مستقيم لشيوع سلطة الفكرة الواحدة على شخصيات العمل والتي قوضت من انفعالاتها بطريقة أتت وكأنها روبوت او كومبيوتر مجهز بمعلومات لا يحيد عنها مطلقا.. لذا وجدنا العرض يكشف عن خط درامي اعزل وهو ان (واحد) مؤمن بأن العالم بأسره كافر لأنه لا يسير على خطاه ولا يقوم بما يقوم به من عبادات يراها هي الأفضل والأحسن وهذا تشخيص دقيق لكل نرجسي يرى نفسه فوق الكل وسار وفقا لهذا المنحى حتى نهاية العرض الذي ختم سذاجة واحد بجدوى ما يؤمن به من خلال عمله الانتحاري، أما (واحد مكرر) فهو الرافض لكل معتقدات (واحد) المتطرفة لكنه في نفس الوقت كان مستسلما دون ان يكون له فعل مضاد مناوئ يقف بوجه استهتار (واحد) رغم ان الظروف التي تحيط بهما أتت منصفة عادلة لكليهما.. ليكتفي واحد مكرر بالحجاج ولدغ المعنى بطرف خجول مما ولد لدينا معنى بدلالة ما مَرَّ سابقا ان العرض مجير لإدانة سلوكيات واحد ووصمها بالعار والانحراف وهي هكذا فعلا مع محاباة لواحد مكرر بجعله حالة إنسانية مميزة مما جعلهما يسيران على خط مستقيم واحد دون تغيير ولو قيد أنملة في هواجسهما ورغباتهما وسلوكياتهما.. لكن رغم ذلك وجدت ثمة مثابة هيكلها يشي بإدانة لواحد مكرر فيما يفعله من تصاغر أمام واحد، فضعفه وتخاذله بنى الأنا المتضخمة لدى واحد من خلال تبعية توحي بالظل للشيء الشاخص ومهما كبر الظل فهو لا يعدو انعكاس للشاخص لذا بدت أفعال واحد مكرر تأصيل لفكرة الدكتاتورية والعبودية والأنا النرجسية والأنا الذليلة المتخاذلة مع ملاحظة ان الأحداث يسيرها استكبار واحد بشكل يريده هو لغاية وضع حيثياتها بنفسه وما على واحد مكرر إلا السمع والطاعة وهذه الإدانة هي إدانة تاريخية دينية حتمية ...ومن هذه المحاججات لواحد مع واحد مكرر في تأصيل المعنى:-
واحد: أريد أن أصلي وألقي عليك الحجة أمام الله ..الصلاة يا أخي
واحد مكرر: صلي وما شأني
واحد: لابد ان تصلي
واحد مكرر: لا لن أصلي
واحد: سأغصبك على الصلاة لابد ان تصلي
لدى (واحد) القدرة على القتل لتطبيق هذه الفقرة وهي إلقاء الحجة على واحد مكرر أو أي إنسان آخر ولو تهاون بتطبيقها فهو كافر من أهل النار والنتيجة إنزال القصاص به بنفس راضية .. بالمناسبة هو لا يمارس إلقاء الحجة على غير لصيقه السيامي وذلك لأنه اقرب له ولأنه الأسهل ولأنه الحلقة الأضعف، وفي حقيقة الأمر الفلسفية انه عديم القدرة على إلقاءها على غيره رغم تواجدهم الغير بعيد نزولا عند مثل شعبي عراقي متداول بكثرة(أبي لا يقدر إلا على أمي) مع ملاحظة يجب الالتفات إليها ان العرض بشكله العام قد جعلنا نتعاطف ولأول مرة مع الإرهابي (واحد)ربما بسبب قفشاته الكوميدية التي هي من صنع المخرج او شكل الممثل الجميل والشفاف لعين المتلقي ربما بدا ذلك كاستنساخ لتجربة فلم الإرهابي لعادل إمام او بطل الجريمة والعقاب لديستوفيسكي وان اختلفت النهايات والتوجهات الفكرية ونوع الجريمة ونوع ولون التعاطف، بالإضافة الى ما مر من أسباب للتعاطف هناك سبب مبني على الشفقة على توجهات واحد على اعتبار وجيه انه ضحية لثقافة فرضت عليه نتيجة لظروف ما وتعليم خاص يأخذ (واحدا) بعيدا عن المنطق بعيدا عن المناسب من الأفعال، فتحقق نتيجة لذلك تعليما بمساوئ الإرهاب الفكري والجسدي بشكل ممتع وكما هو معروف هذا خط درامي قاده أفلاطون وبريشت في تناولهما المسرح بكونه صرحا معرفيا تعليميا أساسه المتعة.
كان واحد كثير الاستغفار بطريقة تكشف عن مدى يقينه انه مقصر بحق الله ومدى سوداوية ماضيه الذي جعله يجتهد كثيرا للاستغفار كما في هذا الحوار:-
واحد : استغفر الله
واحد مكرر : لا يستغفر سوى المذنبين .. وأنت لا تملك سوى الاستغفار
عندما وجد (واحد) حجة (واحد مكرر) أعمق واكبر وأكثر واقعية، رد عليه ردا وكأنه تعلمه من جملة الدروس التي ألقيت عليه في الزوايا المظلمة فأخذها دون يقين كدرس يعتد به لينتفض بعبارة نرجسية فيها علو فارغ:-
واحد : ( يقاطعه ) لأنني رجل مؤمن
ومن هنا يتأكد هذا الغرور المقيت لدى واحد بأنه الأفضل والأعلم والأرقى..وفي سؤال بريء وجهه واحد مكرر لواحد:-
_لماذا تكثر من الصلاة؟
مطلوب_
فلوس_
_لا .. صلاة
شعور بالذنب لماض إجرامي عتيد ربما ينتحل سيرة كل ظالم ومذنب، او هو شعور بالتقصير مرده عقيدة فارغة تافهة، عقيدته المتكبرة المستطيلة تستدعيه ان يكره العالم ليكفر عن شعوره بالدونية والتصاغر أمام الله وبطريقة مبالغة في جلد الذات من خلال عبادات أدائية حركية بعيدة عن الترويض الروحي الذي هو سمة العارفين.. وكل ذلك يدفع (واحد) كي يحمل مسؤولية أخطاءه وعيوبه لـ (واحد مكرر) داعيا إياه لمشاركته بالتكفير عنها بطريقة استفزازية مقيتة.
هناك اطمئنان كبير لـ(واحد مكرر) بان نهايته الى خير فلم يأخذ الأمور على محمل الذنب والتكفير عنه لذا تمتع بالبساطة وضرب من فرح الروح واحتقارها لأحداث الحياة وهي حالة واقعية يعيشها الكثير من الناس بما يسمى البانتغرويلية ومفادها الاستمتاع بكل لذة سليمة دون الكبت الديني لا يناكد نفسه ولا يزعجها معولا على حضور الله في الإنسان عكس واحد الذي اعتلى منصة المناكدة والجدال الفارغ وإيذاء النفس وتعذيب الذات وحمل مشاكل الكون على رأسه ..
ورغم ان واحدا اعتاد على المضي قدما في مسالك البغض وكره كل من حوله الا ان لصيقه لم يعدم النصيحة عنه وبقي يحبه:-
واحد مكرر: اعترف لك باني احبك
واحد: واعترف لك باني أكرهك
واحد مكرر : ( يقاطعه ) الدنيا باردة ........ باردة يا أخي ، والله العظيم ثلج
واحد : وجهنم حاررررررررة ...... حارة يا أخي
واحد مكرر : أأووووووه .. اشتغلت رحمة الله ، لا عليك .. سأدخلها وحدي
واحد : أنا وأنت متلاصقان كما ترى .. كيف تدخلها وحدك ؟
واحد مكرر : متلاصقان حتى هناك ؟ هذه ليست عدالة . ألتصق بك في الدنيا وفي الآخرة؟
تمسك (واحد) بـ(المكرر) دليل على إفلاسه ورغبته الملحة بان يكون معه ليخفف عنه بعض الشيء او يكون سببا للعفو عنه، هناك عدم ثقة بالذات عدم ثقة بما يأتي به من عبادات لإيمانه الداخلي، أي بينه وبين نفسه بأنه ذاهب باتجاه اللاجدوى، لكنه في الوقت نفسه يتمنى العدم في سبيل الخلاص من رفقة واحد مكرر حتى غدا مقطعا بين الأنانية في الوجود والتي تؤهله للقتل وتصفية الآخر وبين الوجل والوحشة من وجود مفرد دون سلطة على الآخر هذه السلطة التي افنى الآخرين من اجلها. .
العُجب أمر مستهجن مرفوض من قبل الله وأنبياءه وخاصة العُجب في العبادات حيث أكد الطب النفسي عظم النتائج الوخيمة لهذا العُجب فضلا عن المحق الإلهي لكل فعل يرافقه وهذا ما تؤكده مناجاة (واحد) مع الله :-
واحد : ( يرفع يديه بالدعاء ) يا رب .. من يستحق الحياة ؟ أنا أم أخي ؟ وانأ أعبدك لا أشرك بك شيئا.
وكأنه اعتراض على الله:- كيف لك ان تجعلنا متساويان في كل شيء ..
وهذا ديدن الكثير ممن يعبد الله على حرث، ومن خلال هذا العُجب تطورت وتضخمت وتمددت الأنا لـدى (واحد) ليعلن لـ(واحد مكرر) انه قد حلم بأنه اصبح إلها وأخيه عبد له لذا يجب عليه ان يظهر الطاعة له باي شيء ولو بخفقة رمش.. لينفجر واحد مكرر لأول مرة وعلى غير عادته في الخضوع والتسليم بوجه واحد وبشكل معاكس لما برزت لديه من صفات السكوت عن الحق والرضا بفعل واحد:-
واحد مكرر : العيش معك يا أخي بجسد واحد هو الكفر والكبت والانصهار.
عاش كل منا في صالة المشاهدة يستشرف المستقبل ويبحث عن الحقيقة، وفي طريق انفعالنا الإيديولوجي وجدنا العديد من الأفكار التي استهوتنا وسكنتنا برسوخ فاعل بما يكفي من قوة بحيث أثرت على منظومة معتقداتنا، ومع ذلك، وبمرور الوقت، انتهينا إلى استبعاد الكثير من الحقائق، لأنها لم تتحمل تساؤلاتنا الداخلية المتشكلة أصلا من حيواتنا وذواتنا ومن انصهارنا بين طيات العرض كنتيجة طبيعية في منظومة الإثارة الذاتية والخارجية، أو لأن ''حقيقة جديدة" متناقضة مع تلك الحقائق التي أوردها العرض، كانت تتنافس بداخلنا في الحيز نفسه، أو ببساطة شديدة لأن تلك الحقائق لم تعد كذلك فالكثير من حقائق الأمس ما عادت تملك أقداما قوية تقف على ارض رجراجة قابلة للتحول والتغير كثيرا في ظل عولمة لها القدرة على الشطب والإلغاء والاستحداث والخلق، وعلى كل حال، فإن تلك المفاهيم التي اعتبرناها مرجعياتنا لم تعد كذلك، ووجدنا أنفسنا فجأة سائرين على غير هدى، لكن القدرة المثالية التي تحلى بها النص والإخراج في الهدم والبناء والعزف على تجليات فلسفية جعلنا ندرك ما نملكه من إمكانات تفسيرية تأويلية تحليلية .. اي ان العرض صنع منا على نحو ما نقادا أجبرنا على المعايشة بصدق مع ما أورده أمامنا من حقائق قابلة للتشكل بصورة حقائق أخرى بمقاربة واضحة مع الميتا مسرح، ورغم تلك التطمينات من قبل العرض في عدم التيه لكننا نبقى غير قادرين على رسم طريق موثوق فيه ينظم منظومتنا الفكرية ومعتقداتنا الأصولية نتيجة للكم الهائل من الحقائق المتضاربة الناتجة في مخيلتنا كجمهور لم يدرب من قبل بقية العروض طيلة عقود من الزمن فالمتفرج يحتاج تدريبا من قبل العرض المسرحي حاله حال الممثلين والكادر الفني بإستدراج المشاهد للتعاون والتفاعل معه بإنبثاق مجال إدراكي بوعي مغاير جديد يزاوج بين النقيضين الحقيقة والواقع من جهة والخيال والواقع من جهة أخرى وخيال آخر سلطته اكبر من الحقيقة ومنها الى بناء هرم من الأحلام يعلو بجدية واضحة وبالتالي صناعة مشاهد يصنع المعجزات بإنتاج حقائق تنظم حياته عندما يستشرف المستقبل.
واحد مكرر : لقد سحقت رأسي بقدمك الكبيرة جدا
واحد : أتمنى ذلك .. ولكنني كنت نائما
واحد مكرر : في الحلم كنت أنت على شكل قدم كبيرة الحجم جدا .. وأنا لم أكن سوى.. ؟؟ نعالك
واحد : وهذه هي الحقيقة التي يجب أن تعترف بها
واحد مكرر : ولكنك أخي .
واحد : ( يصرخ به ) أسكت ( يتحّول الى قدم كبيرة الحجم ) أسكت أيها النعال .
واحد مكرر : ( يتحّول الى نعال ) قدمك كبيرة وأنا لست سوى نعال صغير لا أتحمل ثقلك سيدي
واحد : ( يسحقه ) عليك أن تتحمل قدم سيدك وتصمت
واحد مكرر : أمرك سيدي القدم
واحد : قدرك أن تكون نعالا وقدري أن أكو ن قدما كبيرة
وما مر من حوار هو شيء من الحقيقة التي تحدثنا عنها والتي وقفت بقوة وهي تلغي كما هائلا من الحقائق التي تكونت لدينا فيما مضى مردها تواضع التجربة الانسانية او عدم الخوض والسباحة عميقا في هذا العالم الضاج بالحقائق المتضاربة ، حيث خرج لنا واحد بحقيقة مفادها ان الحياة لا يمكن لها الا ان يكون فيها هو السيد والاخر العبد ولو تغيرت هذه الثوابت قيد انملة فذلك يعني الطوفان والخراب والدمار فهو لا يمكن له ان يتصور نفسه على اقل تقدير بموازاة واحد متكرر يتنفسان نفس الاوكسجين وهذه الجزئية تجعل التعايش وفقا لظروف حادثة جديدة في تساوي الرؤوس وقامتها امرا مستحيلا لذا آثر واحد مكرر ان يبقى وفقا لما يريد واحد على الاقل للحفاظ على مكتسبات العبودية وهي العيش الذليل مع قدر ضئيل من المشاكل والا كانت نهايته الاكيدة لو انه تبنى التغييرات الجديدة في المنظومة الحياتية التي تجمعهما.
حسنا فعل علي صبيح حينما كان يخرج عن نطاق النص ببعض القفشات الكوميدة والتي حافظت بعض الشيء على حياة المولف ولم تعلن موته نهائيا .. ومعالجة علي صبيح بهذه القفشات اتت لاجترار المؤلف لمفهوم واحد لم يحيد عنه ودورانه المستمر حول نقطة أحادية في بث المعنى وأهمها العبودية والتبعية من خلال الأحلام كما في حلم القدم والنعال وحلم الرب والعبد وحتى في المشهد الأخير بالموت الذي طال واحد نتيجة العمل الانتحاري فهو لم يخرج عن هذا المفهوم، وقد يشفع للعرض هذا الاجترار هو لتأصيل المعنى وتأكيده على اعتبار ان العرض وجد اصلا من اجل إدانة هذه الثنائية في التقارب الوجودي بين الاثنين، وما يشفع له كذلك ان الاجترار اتى بإشكال متعددة لم تأخذ طابع النسخ في المعنى، ولو اعتبرنا جدلا ذلك اجترارا وتقشفا في البناء الصوري نتيجة لتواضع ما في الخلق والإبداع، الا ان المخرج تمكن من الخروج من عنق الزجاجة بما يناسب العرض جماليا من خلال عناصر العرض التي أنعشت الحدث وجعلته يسير بشكل بياني متصاعد أعطى المتفرج متعة كان ينشدها من أول جلوسه على مقاعد النظارة .
بعض صور الإدانة ل(واحد) من قبل العرض أتت بطريقة ساخرة ربما لا توافق الواقع لكنها طرحت بشكل قصدي لتأصيل الفكرة الأساسية باتهام هذه الشخصية المنحرفة عقائديا ونفسيا وأخلاقيا بجملة من الاتهامات التي كانت سببا لسيره المنحرف من خلال أحداث المسرحية وكما في هذه الحوارية:-
واحد : هذه التقارير موقعة ومختومة ونسخ أصلية .. وكلها تشير بأنك عبد آبق
واحد مكرر : آبق ؟ ماذا تعني كلمة آبق ؟
واحد : ليس مهما ماذا تعني ، المهم بأنك آبق
هنا دليل على جهل الاثنين رغم ان القصد هو للمدان الأكبر(واحد) في هذه العملية المسرحية وان كان ليس مقياسا جهل معلومة ما لان يكون جاهلا بغيرها لكنه جهل مبرر لجهل آخر فامتناع واحد عن شرح معنى كلمة آبق يعطي تبريرا للمشاهد ان هناك قصدية من قبل الكاتب لبناء تصور معين باتجاه رفض واحد بكل تفاصيله والذي لم يملك الحجة المناسبة لمواجهة تساؤلات واحد مكرر فجميعها أتت هروبا من الإجابة السليمة الواضحة بلا لف او دوران، وهنا دليل واضح على عدم رسوخ هذه العقائد في داخله بسبب ضعفها من جهة وعدم امتلاك واحد لما يؤهله للدفاع عنها بعلمية وعقلية وشرعية من جهة اخرى.
واحد : اسكت .. كنت شنيعا
هنا إشارة من طرف خفي للكاتب بان واحد مكرر هو شيعي لاعتبار عرفي متخلف ممتد في طيات في التاريخ وقول متداول سيسيولوجيا(ان الشيعة شنيعة) نعم .. تبدو العبارة ساذجة لكنها مؤكدة وواقعية في الموروث الشعبي للطرف الآخر او لمن هم غارقون في أتون الطائفية، وبالتالي ربما تتساقط في أيدينا دلالات واضحة بإدانة واحد وتبرئة واحد مكرر بهذا الشكل الواضح في إحالات لا تستعصي على المشاهد الحصيف.
ما الغاية التي أراد الوصول لها او الهدف الذي نشده الكاتب حينما أعطى من يمثل الإرهاب والشر رقم واحد والطرف الأخر واحد مكرر .. هنا تراكم فلسفي يحتاج التفكيك والفرز، هل يعتقد بان الشر سبق الخير في الوجود بتأويل خلق الشيطان ثم خلق ادم كتكرار لعملية الخلق وبالتالي إسقاط وجاهة الشيطان بواحد مكرر مما ولد لدى الشيطان او واحد هذا الكره والبغض الشديدين لادم وواحد مكرر .. وتأويل التكرار يشي بأنهما واحد وخاصة في جزئية الشر لكنها أي جزئية الشر أخذت إشكالا مختلفة متباينة في القوة والتأثير، وربما الشر لدى واحد مكرر مستقبلي سيحدث لا محالة لو توفرت له الظروف المناسبة وهو في اصل وجوده ناشيء من رحم منظومة الشر الاصلية الشيطان او واحد مكرر وكما هو حاصل فعلا في قتل قابيل لاخيه هابيل او ما قامت به بعض الاطراف المحسوبة على واحد مكرر من خلال القتل على الهوية في مناسبات عديدة كانت تبعا محضا لشرور الشيطان وواحد.. وهناك الكثير من المواجهات الفلسفية بين الكاتب والعرض من جهة والمتلقي من جهة اخرى كان ممكن لنا الإشارة إليها لولا الرغبة بعدم الإطالة والإسهاب.
المرأة وحضورها في العرض المسرحي كان مثيرا للجدل الفلسفي خلقه المخرج كتفسير وترجمة لوحي النص رغم عدم وجودها ظاهرا في النص لكنها موجودة بنيويا وهي تقدم لهم الشراب بطاولة نادلة متحركة مع شيوع الأنوثة بمغزى فلسفي، وهذا التقديم يوحي بشيء من الحقيقة على اعتبار أنها مصدر الغواية في إثارة النعرات بين واحد وتوأمه، وربما المرأة هي رمز لشيء مادي لشيء جماد لا حياة فيه كالثروات التي يزخر بها الوطن، والصراع الحاصل بينهما هو للاستئثار بهذه الثروات وكشيء انثربولوجي ميثولوجي معروف وماثل في الذاكرة هو الاستئثار بالسلطة التي تطوع كل هذه الثروات والمنافع الكبرى في الاستعلاء وفرض الوجود على حساب الآخر حيث أكدته الأحلام المتعلقة باستعباد واحد لواحد مكرر ..وكان لهذا الوجود الأنثوي في سجالات الاثنين وقعا لتوسيع مدى الخلاف بينهما وتعظيم الفرقة الوجدانية التي اعطت طابعا مغايرا للصراع الديني الذي تولد بينهما في اول مشهد ظهرا به على ساحة الوجود الفعلي الواقعي او على ساحة الوجود المسرحي مع انطلاق مساحة الضوء الكاشفة للشخصيات. ومما اصل الحقيقة في ان المراة عامل فرقة وتناحر بين الاثنين بدءً من مشيتها الغنجية وجمالية جسدها المتلوي كأفعى فضلا عن تازيم صراعهما بمجرد ظهورها امامهما وهي تحمل ادواتها السحرية في تعقيد المشهد وبث سمها الناقع في جوفها على وجوههما الآخذ بالغليان عند درجاته العليا.
في نهاية المطاف وبعد قيام واحد بتفجير نفسه بحزام ناسف برفقة واحد مكرر لا لشيء الا لنقمته على العالم وعلى من يخالفه هواجسه الغير مبررة علا وارتفع مشعلا بمعنى كبير ان من كان سيره بهذا الشكل المنحرف فلن تعالجه كل ادوية الدنيا وحتى الموت لن يكون له سبيل لتصحيح مساره حيث راح يكرر واحد وهو بين يدي الآخرة بعد موته نفس الاسطوانة المشروخة :_
واحد : أحب أن أذكرك بأنك كنت كافرا في الدنيا
واحد مكرر : ( مرتبكا ) كافر ؟ أأوووووه .. حتى هنا في يوم القيامة أيضا ؟
واحد : حتى هنا يا واحد مكرر
واحد مكرر : وكيف اكتشفت بأنني كافر يا واحد ؟ بالمجهر ، بالمكرسكوب ، بالسونار ،
تضرب بالتخت رمل ؟ كيف ؟
واحد : كافر .. لأنك لا تصلي
واحد مكرر : لا مشكلة عندي مع الله حتى أصلي له
واحد : ( يهذي ) وهكذا اكتشفت بأنك كافر ، أبي وأمي لا يصلونها في أوقاتها .. هما كافران أيضا ، خالي وخالتي وعمي وعمتي لم أرهم يصلون صلاة الصبح .. هم كافرون جارنا القريب لم أره يصلي صلاة الـ ...، وجارنا في آخر الشارع لم أشاهدهم في الجامع يوما .. هم كافرون ..جدتي وجدي ماتا وهما على فراش المرض وكان يفترض بهما أن يم يموتا على سجادة الصلاة لذلك هما كافران ، العالم كله كافر.. أرى ان العالم كله كافر كافر بن كافر بن قحبة بن نعال بن قواد بن..
ما مر هو لحلحلة المعنى وسبر اغوار هذا المعنى الكاشف عن الحقيقة التي تجلت من خلال نص العرض وقد تكون قراءتنا من السوء بما يواطيء ما قاله دريدا بخصوص التفكيكية والذي اصفه في محاولة القبض على المعنى المتشظي كمن يمسك جسما لزجا كالسمكة مثلا فهي لا تستقر بحال من الاحوال في يد ممسكها .. فالقراءة الحادثة انيا سبقتها قراءات اخرى وتتلوها قراءات اكبر وجميعها اساءة قراءة للنص الاصلي لانه هوية الكاتب اناه التي تحدث بها والتي لا تشبه باي حال من الاحوال اناتنا الاخرى لكنها الكينونة الدرامية هي من تحفزنا للقراءة المتواصلة للاشياء ومصدر ما اعني من خلال الاتي...
بما ان المسرح ثورة تشكيلية كبرى ومن صفاتها التأويلية انها تكوين حادث شيء جديد متمرد على شيء سبقه في الوجود لذا يقودنا هذا القول ولإيماننا ان ما نقدمه شيء حداثوي لذا يجب للحداثة إن تَتْرِك للمتلقي حرية إنتاج مدلولات العرض من جديد، وإشراكه في إنتاج الدلالة الغائبة عن العرض، لكن العرض مارس سلطته لتثوير معنى واحد وبخط مستقيم هو ان الطرف الاول ارهابي والطرف الثاني ضحية وكما يعرف الجميع ان العالم يعيش الحداثة شاء ام ابى لانه خلق من رحم التطور وتدرج تكوينيا حتى غدا بهذه الصورة الفكرية المتعاظمة والمتفرج جزء من هذا العالم لذا كان وما يزال احساسه الكبير بانه كائن درامي يعتاش على إعادة التشكيل بتغييرات داخلية وخارجية مادية ومعنوية منطلقة من ان كل شيء تغور في اعماقه قنبلة موقوتة اسمها الثورة فهو عاشق للدراما للحركة للغليان للافكار المتجددة المتعددة لكنه أي المتلقي احجم عن هذا الفعل عندما عجزت الصورة المعروضة امامه في بعض مفاصل العمل عن تفجير ما بداخله كوظيفة استشراقية لتدوير التغييرات المتشكلة والحادثة لديه وفقا لاستقراءه السابق فقد وجد بونا شاسعا بين ما يؤمن به من جماليات درامية وبين فواصل خبت اضواءها كنصر درامي يشده بقوة للمتابعة نتيجة الركود الفكري في الخلق والابداع.
والان نخطو بقراءتنا نحو عناصر العرض العامة والتي هي في جميع الاحوال تمثل هوية المخرج الفكرية وطبيعة رؤاه الفنية وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض الجوانب الفنية ومدى فاعليتها في اكساب العرض جماليته الخاصة التي تتحول لدى المتفرج لاحقا الى متعة وهي الغاية والهدف الاول من المسرح.
الايقاع
في رأيي الخاص ان ايقاع العرض المسرحي هو انفعال خارج عن نطاق الماديات فهو احساس روحي وشعور داخلي يتولد نتيجة لتفاعل مادي تشترك في نشاطه التركيبي وسائل وعناصر العرض عموما فهو من الطاقات المتولدة والتي مكانها الروح اتت هذه الطاقة نتيجة للمادة السمعمرئية وكلما كانت الوسائل والعناصر المسرحية من الجمال المتفجر كلما كانت هذه الطاقة يسيرة الدرب في ان تلامس الروح وتجد لها منفذا فيها لذا عرفنا وترسخ لدينا منذ اول سلمة في عالم المسرح ان الايقاع صناعة روحية لها القدرة على إضفاء الحيوية والتدفق على النص المسرحى، وعلى العرض المسرحى عموما، وهو أي الايقاع يتمثل لديَّ عاملا لترابط عناصر النص أو العرض المسرحى مع كشف هويته الجمالية لدى المتفرج .. عموما الايقاع يحمل صفتين مترادفتين مهمتين كسبب لجمال ونتيجة اخرى بصورة اعمق لجمال آخر لا يخرج عن هويته الاولى في النشأة والخلق.
في العرض المسرحي آخر نسخة منا عانى العرض المسرحي من الايقاع المتراخي والذي احتكره البطء احيانا وفي بعض المثابات، ربما كان ذلك امرا مقصودا للايحاء بالجو العام للقضية التي من اجلها اجتمع الجميع في هذا السرح وهذا البطأ اتى رغم الشد والتوتر والرغبة بالمتابعة مع استحصال المتعة بشكل عام وكذلك تواجد الايقاع بصورة اخرى ايقاع زمني غير الايقاع الذي نعنيه مسرحيا ايقاع ايقظ الكثير من الموروثات بصحبة الذاكرة.. ومرد ذلك التراخي في الايقاع نتيجة تكرار الصور المتشكلة والناشئة سمعيا وبصريا، فلم نرى صورا جديدة على مستوى الشخصيات وتطورها والحدث وتقلباته والزمن وقفزاته والمكان وايحاءاته والتي جميعها يجب ان تنفعل كيمياويا وفيزيائيا مع بقية عناصر العرض الاخرى الواقعة في حدود وظيفة الميزانسين وهو يكشف لنا حقيقة الجمال لدى السينوغرافيا، وهذا التراخي لم يعكس مدى الصراع الناشيء بين واحد وتوأمه، حيث تولد لدى المتفرج التوقع بما سيحدث او وقوفه على مشهد واحد لم يتطور كثيرا ، وكذلك انزياح المباغتة وافعال الدهشة بعيدا مما يعطي بعض الانطباع بالكسل لان الايقاع كما يفهم من وظيفته في العرض هو الحيوية والاشراق حيث لاحظنا كمن يرى سقيما بدينا لا يقوى على خدمة نفسه. لكن ما شفع للعرض هو الثيمة العامة للعرض وبعض عناصره الاخرى كالاضاءة والديكور والبيئة العامة للعرض مع التأكيد كي لا نغمط حق الكادر على تواجد بعض الهمة الايقاعية والتي صارعت من اجل بروزها امام هنات التراخي والاجترار. ومن خلال عتبة الايقاع التي هي الصورة الاجمالية والمحتوى الرئيسي لكل عناصر العرض سنلج عرصة العرض المسرحي آخر نسخة منا وسنأتي عليها تباعا .
الزمن
من خلال العرض المسرحي برز زمن فلسفي جاور الزمن الحقيقي والزمن المسرحي اتضحت فعاليته الاجتماعية - بالإضافة إلى الجمالية بجلاء من خلال مفصليات النص كموروثات عشناها لانه زمن منفعل متحرك نشط يجمع كل ازمنتنا الحاضرة والماضية والمستشرفة للمستقبل.. اما الزمن البصري او الزمن المسرحي وان كان محدودا بحدود الاربعين دقيقة الا انه كان ملخصا لتراكمات نفسية غيرها الزمن المفتوح الممتد وهو يشمل كافة التواريخ القديمة والحديثة وفقا لما يترتب من فكر ناشيء من خلال سلوك واحد وتراخي سلوك واحد مكرر وجدناه ماثلا في اذهاننا وكأن العرض يقول وفقا للعنوان :لقد مرت نسخ كثيرة منا على مدى زمن طويل منذ اول يوم لوجوده كمعيار للحياة في تقدمها وتطورها وحان الان لنختم باخر نسخة منا وهي النهائية ولن تروها بعد ذلك في حياتكم بالتعويل على متغيرات مجتمعية وحكومية ودولية نراهن عليها في حرق كل النسخ القديمة والوعد بعدم تناسلها مستقبلا... مع ملاحظة ان المكان والجو العام لم ياخذا امتداد الزمن بطرق متوازية مصاحبة بل انحصر في فجوة ضيقة كانت مهمة لتاكيد هوية ما لزمن معين، عناها الكاتب والمخرج بقصدية مسرحية حيث انهما لم يريدا ان يكون الزمن بحس انتروبي قاتل في عدم طرق هذه الجزئية وتركها كشيء مبهم في ابجديات الفكر المنحرف والشاذ عن حقيقة الانسان في دفن الاشياء دون حراك لتخلد للارض وتتفسخ وينعدم وجودها لدى الانسان والذي اتى وجوده بمسار مواز للزمن الذاهب بعيدا بسرعة قطار لا يقف عند المحطات الا للتزود بالوقود ومواصلة الجري مع ملاحظة ان لحظة التزود بالوقود هي فرصة لحمل بقية المسافرين الذين يؤمنون بان لهم في قطار الزمن مقعد مخصص لهم اجباري النزعة بحتمية قاهرة في الجلوس عليه ومواصلة الرحلة مع الاخرين وان عدموا معرفتهم او الاحساس به، وهذا ما يؤكد وظيفة المسرح في التثوير والتنوير وخلق عالم خيالي بحياة اخرى. وفي حدود بعض الافرازات اللفظية للنص كان الزمن معطلا عند محطة معينة وحديثة لا زلنا نعيش فصولها محطة لم نتجاوزها كثيرا فهي تعيش بيننا على مستويين مستوى الذاكرة الجمعية ومستوى الواقع الآني واللحظي التي نستيقظ الصبح كل يوم على لسعاتها الحارقة والمثيرة لاسترداد الزمن بتضاد مزاجي كحادثة مكررة وذكرى تطيب بعض الحروق العميقة لكن كما قلت انفا ان الفكر العام لما ترتب عن مواقف واحد يختبيء تحت جبة زمن ازلي سرمدي. خاتمة العرض لم تقطع دابر الزمن في جريه الحثيث نحو النهاية المفتوحة في ظل الحدث وحبكته بل جعلته خالدا عند هذه النقطة التي من اجلها كتب النص وتم العرض حيث بدا مفتوحا بزاوية 180 درجة ومما يؤكد هذا الراي هو حوارية واحد وهو في احضان الاخرة في لحظة التهيء للثواب والعقاب...
واحد : ( يهذي ) وهكذا اكتشفت بأنك كافر(اي شقيقه السيامي) ، لانك لا تصلي ...أبي وأمي لا يصلونها في أوقاتها .. هما كافران أيضا ، خالي وخالتي وعمي وعمتي لم أرهم يصلون صلاة الصبح .. هم كافرون جارنا القريب لم أره يصلي صلاة الـ ...، وجارنا في آخر الشارع لم أشاهدهم في الجامع يوما .. هم كافرون ..جدتي وجدي ماتا وهما على فراش المرض وكان يفترض بهما أن يموتا على سجادة الصلاة لذلك هما كافران ، العالم كله كافر.. أرى ان العالم كله كافر كافر بن كافر بن قحبة بن نعال بن قواد بن
المكان
من خلال التجارب العالمية لكبار المخرجين تبرز للسطح وبجلاء قضية مهمة تتلخص في اختيار المسرح، اي فضاء العرض المسرحي ومن اي نوع هو وبأي حجم ومساحة والذي ممكن للعرض من خلاله ان يحقق النجاح المرجو وفقا للصدق في الكشف عن طبيعة البيئة في النص او في ذاكرة المخرج مع مراعاة العوامل النفسية الحادثة لدى الجميع بدءً من الكاتب وانتهاءً بالجمهور .. وكما يعرف الجميع ان مسرح العلبة الايطالية اصبح مسرحا شكلانيا قوض الرؤى المسرحية وبعض الجوانب الفنية الحسية المتبادلة مع الجمهور وخاصة في المسارح الكبيرة ذات الكراسي العديدة نتيجة لمحدودية الصورة المختزنة في عين المشاهد لذا كانت هناك بعض الثورات التي تميع الشكل في خدمة المعنى بعمارة مسرحية موائمة لما سيطرح بتأصيل العلاقة الفرجوية وارهاصات التلقي .. يقول عميد المسرح سامي عبد الحميد في احد لقاءته الصحفية لا يمكن ان اتصور المسرح اكثر من ستين كرسيا بل اقل.. لان التماهي في خلق الذروة المتقابلة بين المتفرج والعرض هي تلك الحميمية والقرب الروحي والنفسي الذي يؤجج الفعل الدرامي لخلق الصور الماثلة في الذاكرة اي ممارسة الممثل عملية نبش للذاكرة نتيجة هذا التلاقي والتصادم المباشر حد الجلوس في احضان المتفرج..ومن هذه المسارح المهمة التي تشكلت على غرار اجواءها المكانية والنفسية ثورات مسرحية كبيرة بتجارب ثرة وناجحة تخدم التلقي (منتدى المسرح العراقي)التي عمقت الحقيقة العولمية الحادثة في يومنا هذا ومضمونها ان العالم قرية صغيرة بل هي غرفة ذات ابعاد صغيرة تجمع كل مخلوقات الله في مدى زمني يحجمه المخرج بطريقته الخاصة في المعالجة وضخ الصور التي تلخص الحياة بنوع يقترب من الواقع وبصدق واضح .. وهذا ما لمسناه من خلال مضمون العرض الذي توارى خلف المكان الذي بدا موحيا اننا نعيش في اجواء خانقة وكأننا في قبو او قبر وكان الاثنين يعيشان الاهمال التاريخي والاجتماعي وذلك بالاعتماد على الملفوظ المستتر الذي يبطنه الحوار ومن خلال عواصف الجدال المغيرة للقناعات بين وليدين سياميين يعيشان متلاصقين في غرفة واحدة وربما كان المكان صندوقا خشبيا حبس دميتين فيه بتكميم للافواه او هي دمية واحدة تتخذ اشكالا مختلفة تميل للكذب في السرد، جمهورها الذات الواحدة للدمية نفسها كما في الدارج من القول (يضحك على روحه) ولتقريب صورة التقارب بين الاثنين كان ممكنا للمخرج ان يكتفي من الشخصيتين ككائن منظور للعملية المسرحية برمتها بوجهيهما فقط وهما في ترابط سيامي ..وهذا الاستقراء يمثل مدى عجزهما اي واحد وواحد مكرر عن اتيان فعل ولو في حدوده الدنيا لمغادرة هذا التحجيم الكبير الذي مارسه المخرج عليهما .. وهي دراسة موفقة للمخرج لطبيعة ومضمون المكان في رؤى الكاتب او طبيعة التفكير المنغلق مكانيا لدى المتفرج الذي وجد نفسه بالتاكيد في قلب الحدث وفي قلب واحد وواحد مكرر ليزاوج بين مضمون النص وبين توجهات العصر وتحييز المكان لخدمة الفكرة الرئيسية.. لذا بعد كل ما قيل ابارك لعلي صبيح هذه القراءة المتميزة في اختيار مكان العرض فضلا عن تفكيره الرائع في الاقتصاد بكل شيء وطأته الاضاءة امامنا لتاصيل الفكرة لدينا وحصر القضية في مساحات ضيقة وربما اراد علي صبيح بهذا التحجيم بالانغلاق عن كل شيء لاعتبار فلسفي مفاده ان صراعهما ضيق المعنى وربما لا يعني احدا بالمرة صراع وتقارب ثنائي حد ان يراهما الرائي واحدا.. ومن هذه الانفعالات الاقتصادية التي هي نتاج طبيعي للسيامية بين الاثنين: الحركة ضمن حدود المكان الجغرافي او بعبارة ادق ضمن السجن التاريخي والديني الذي حبسا فيه انفسهما وان كان من المفروض على المخرج ان يراعي قضية الرمزية بكبح جماحها في تعكير الصورة الدرامية بتحجيم جماليات الحركة والانتقال لما لهذا الامر من تعطيل عجلة الايقاع والذي سنناقشه في خانة الايقاع منفردة .. فالتشكيل الحركي والاقتصاد به امر ورد في العرض لغاية محترمة لكي تكون الدلالات واضحة ودقيقة لدى المتلقي وكي لا ترتسم الفوضى في مفاصل الصورة وتشويه معالمها.. كذلك الاقتصاد في الاضاءة والديكور والازياء وفوق كل ذلك الاقتصاد في الصورة والحدث وهو ما جعل العرض يسير بخانة واحدة وبخط مستقيم اخمد الكثير من التوهج.
العناصر الشمية
عطفا على جزئية المكان ومراعاة الحميمية من قبل المخرج في اذكاء الذاكرة الجمعية .. تم التاشير من قبلنا على موضوع مهم يلبي احتياجات هكذا حميمية لتكتمل الصورة لدى المتفرج الذي اتى الجميع من اجل خدمته فكريا وروحيا وينحصر هذا الموضوع بجزئية مهمة هي العناصر الشمية كان من المفروض كفعل شعوري داعم لثيمة العمل ولقيمة وطبيعة المكان ان تكون القاعة مفعمة برائحة البخور او رائحة القرفة او رائحة الشاي وحبذا لو وضع على طرف محيط كادر ومستطيل الاضاءة كحصر للمشهد ابريق شاي يغلي او صوبة من نوع علاء الدين القديمة او كل ماله سبيل لتاجيج الذاكرة الجمعية الحميمية بين الانسان واخيه الانسان فالعنصر الشمي لا يقل كثافة للحظور والتاصيل عن بقية العناصر الكلاسيكية للعرض المسرحي وكل ذلك هو لجر المشاهد وان ابى لمنطقة الثيمة المهمة للعرض كشكل عام.
الميزانسين والسينوغرافيا
اهتم المسرحيون الكبار على عمومياتهم ومرجعياتهم الفكرية والفلسفية بخاصية مهمة في انتاج تكوينات العرض المسرحي الا وهي الميزانسين والذي يعني وفقا لما اعتقد به من جمال مسرحي انه نظام ميكانيكي دقيق يوظف النص بترتيب مفصليات السينوغرافيا وفقا لمباديء تراعي عين المتلقي التي يشوبها ادق الشوائب حينما تعتري الصورة فوضى من نوع ما بعملية سمعىبصرية متوازنة ومن خلال اخر نسخة منا خلق علي صبيح ميزانسين بآلية محايثة للتشكيل الفكري باستنطاق ايقونات السينوغراقيا الدرامية التي انتظمت عندها عناصر العرض بقيم جمالية مثلتها الدقة والبساطة بتفجير معان ورؤى عبر تشكيلات مختلفة تكشف عن الحالات الشعورية المتصارعة لدى الشخصيتين من خلال التقابل والتضاد بين الاثنين حاول المخرج بروزتها لهدم الواقع السيامي بطريقة الوجل والحذر الشديد من الاقتراب من ديناميت على وشك الانفجار ومرد هذا الوجل هو انحلال الفكر الى موروثاته وبالتالي خلق اسئلة يصعب الاجابة عنها .. لكن بالمجمل وجدنا ومن خلال دقة الميزانسين صحة وجمالية اجراءات السينوغرافيا التي عضدت العرض بجوانبه الفلسفية والفرجوية.
التمثيل
كون الممثل احد عناصر السينوغرافيا والتشكيل الحركي فهو جزء مهم من ابجديات الميزانسين ونجاح الممثل يكمن في المخرج من خلال كيفية توظيف المكان لخدمته وطبيعة وجوده الهندسي داخل مربعات المنطقة الجغرافية المحددة بالبقعة الضوئية لا طبيعة المكان كجغرافيا مسرح كامل الابعاد. وبما ان الممثل كائن منظور يجب ان تصل جميع افعاله الحركية واللفظية والحسية بشكل واضح ودقيق للمتلقي الفرجوي .. حيث شاهدنا نتيجة لفرض الطبيعة الحركية المقتصدة للممثلين احتاج الممثل احيانا للثبات أو السكون، غير أن هذا الثبات أو السكون حتى وان كانا موضعيين فهما يحتاجان إلى إيماءة أو إشارة أو حركة تدل على ما هو ملفوظ في داخل فضاء القلب او محجوز في علبة الذهن لأن الأفعال بطبيعتها تحتاج اتصالًا مباشرًا أو غير مباشر بين الشخوص الذين يكونون في قلب الحدث وهذا ما وجدنا عليه الممثلين فقد كانا بدرجة عالية من التماهي مع طبيعة وظروف المشهد حيث كانا على درجة عالية من التركيز مما يجعلنا نتفائل بنجاحهم هذا كتجربة مسرحية مهمة اولى في المسرح العراقي .. كما ان الممثل في اداءه لابد ان يختلف من مسرح لاخر لاعتبارات نفسية تفرضها فضاءات العرض والطبيعة المفترضة لحقيقة الشخصيات وبما ان منتدى المسرح حميمي التلقي لابد ان يكون الاداء الحركي وطبيعة الالقاء من السلاسة والهدوء وعدم الغرابة الى درجة انك تجلس متحدثا مع صديق او حبيب او احد الاقارب ومن الدرجة الاولى لتواجه الجمهور بالطريقة التي توحي بانك تسرد عليهم حكاية خاصة مهمة لها القدرة على تغيير القناعات ، أي ان يكون الاداء على اقل تقدير قريبا من السينما دون مد نهايات الكلمات كما هي العادة في اداء اسلافهم في الستينيات والسبعينيات حيث وجدنا الممثلين في اقصى حالات الاسترخاء المطلوب كحالة مغايرة في الاداء التمثيلي المسرحي .. وحبا بهذين الممثلين نصيحتي لهما ان لا يكونا موزعين بين الانتروبيا والتطور فهما يملكان الرغبة في ان يكونا حداثويان متجردان من جبة الماضين وفي نفس الوقت لا يملكان ادوات التطور التي تجعلهما كائنين اخرين اكثر اقناعا وذلك لانهيار المد السينمائي لديهما احيانا والاتجاه باداءهما الى الاسلوب الكلاسيكي الجاف المتكلف. كما لاحظت عدم مطابقة اللفظ مع الحركة، والايماء واللمحة والحركة مع الموسيقى .. كما ان الوجوه لم تتضح عليها الريئكشنات والانفعالات المناسبة للحدث حيث كانت وجوههم باردة جدا وهذا الامر هو من عطل بعض من عجلات الايقاع التي ننشدها في نجاح العرض.تتعدد الدلالات بتعدد النبر الصوتية وكي لا يشت تفسير وتاويل الدلالة لدى المتلقي بالاتجاه الخاطي يجب على الممثل ان تكون نبرة صوته وفقا لواقعية الحالة كي تصل الفكرة بدقة غير مشوهة وفقا لنظم الدلالة اللغوية لكن الممثلان لم يتعاملا مع هذه الجزئية بتفنن في بعض المواقف .. لكننا نرى فيهما مشروع مهم لممثل جيد لو كثفا من مشاهداتهما المركزة لممثلين اخرين ذوي خبرة وحضور عال.
الإضاءة
بما ان الإضاءة فلسفة جمالية، وإيقاع لوني ينظم الحدث والظروف المحيطة مع صناعة اللوحة العامة للمشهد وذلك للوظائف العديدة والدلالات المعرفية المرسلة من خلال الاختلاف في الشدة والتباين البصري لذا وفقا لذلك يجب ان تراعى جزئية الاضاءة بشكل محترف والا الخراب والخسران والفشل يكون نصيب العمل وضياع الجهود المذولة للجميع.. حقيقة في هذا العمل وجدنا الفلسفة اللونية حاضرة لدى المصمم من خلال نجاح العمل في خلق الجو الدرامي بشفرات لونية راعت كثيرا طبيعة الاجواء والظرف العام وذلك من خلال اللون ودرجة الإنارة او كميتها وتوزيع البقع على الخشبة وهى بهذا أي الاضاءة كانت عاملا مهما في تحقيق النجاح المرجو من خلال تحقيق الرؤية الكاملة للعناصر الثابتة والمتحركة على الخشبة رغم الالوان ذات المد الموجي المتواضع حيث تأكدت الاشكال بدرجة رؤية واضحة من خلال تكوين فني متميز مازج بين الالوان وعكس الحالة النفسية العامة للحدث ولما يعتمل دواخل الشخصيتين .ز لكن وبما ان الحلو لا يكتمل ابدا وجب ان نعرج على بعض الملاحظات المهمة في تكوينات الاضاءة .. في مشهد السرير والنوم عليه وقوفا اختار المصمم اللون الاحمر فوق راس واحد مكرر بكتافة وكمية اكبر من واحد الذي بدا خابيا، وبما ان اللون الاحمر من الالوان الدافئة والتي تبعث على الايحاء بالغضب والكره والحقد وهي اشارات لا تناسب مكرر فهي من اختصاص واحد لانه هو من يحمل هذه الصفات، ولكن المصمم قد يعترض علينا بان الاختيار للون الاحمر هو كلون متوهج عام واستخدم بهذه الكيفية للاشارة ان الحياة لدى واحد مكرر متوهجة لانه بانتوغرويلي محب للحياة لا يناكد نفسه لذا بدا اللون الاحمر فوق متوهجا وخابيا لدى واحد صاحب الفكر المتشدد المتشنج دائما الذي يعشق الظلام والليل والذي ينشط فيه لاعتبارات نفسية تؤكدها الاية القرآنية ومن شر غاسق اذا وقب .. الاضاءة المسرحية كما قلنا تحمل شفرات ورسائل قد تكون غامضة تحمل تأويلات كثيرة ومن هنا يتأكد نجاحها حينما تتعد التأويلات الفلسفية وهذا العمل رغم بساطة اضاءته الا انه اثار التوهج لدى وعينا المخيال في ترتيب الصور الحادثة على خشبة المسرح ..فالاضاءة الزرقاء الممتدة في مقدمة المسرح عرضا بدت وكانها اشارة للطريق وثمة تساؤل يبرز للسطح وفقا لهذه العلاقة المتباينة الى اين نحن سائرون لان هناك مجهول ولدته ارهاصات العلاقة الغير متكافئة شعوريا وشكليا بين الاثنين كما انها قد تعني الموروث العقائدي في وجود نهر من الخمر يتجول في الجنة كعروق الاوردة في جسم الانسان والذي يرافق ظهوره هو الفتاة الجميلة التي تقدم لهم ما لذ وطاب او قد يكون في تأويل فنطازي ما دام وجوده يرافق وجود الفتاة يجب ان يتخذ كمكب لنفايات الاثنين وطرحها فيه على اعتبار رفض من كان سببا في تناحرهم وتضادهم .. وقد يريد المصمم من خلال اللون الازرق الايحاء بسيطرة قيمية ضوئية من خلال اللون الازرق الذي يمتاز بأكثر حساسية لإعطاء الإحساس برتابة الحياة وموت الوقت بافتعال الصراع المفتقد لادواته الفاعلة فيما بين الاثنين. الضوء في المسرح يوحي بالاستدلال على الزمان والمكان حيث لاحظنا اقتصار الاضاءة على زمن معين ثابت لم يتغير الا وهو الليل مما يعطي الانطباع قليلا بتواجد حلم ما في ذهنية احدهما او الايحاء بطبيعة ما يبيت في النفوس من قبل واحد وهو يعيش الكره والبغض للجميع وربما اراد بالاقتصار على زمن الليل ان الحياة متوقفة لدى الاثنين حياة ميتة بتعبير فنطازي لتأكيد العنوان واعتبار هذه النسحة من الماضي نحن من اعادها بقصدية لتكون بين ايديكم بعض الوصايا مع تزويدكم بالامل في نهايتها.
للإضاءة جماليات لا تحصى من خلال إستخدامها للون وتمازجه والشكل الهندسى للبقعة الضوئية وتفاعلها مع شكل آخر، والتقنيات الحديثة التي تغلبت على إمكانات المسرح المحدودة، كما أنها تقوم بهذه المهمة من خلال التأكيد على جماليات أخرى كالحركة و التكوينات البصرية الأخرى لذلك وجدنا الاضاءة هنا بشكل عام تتمتع بشيء من الحرفية في استنهاض كل تلك الوظائف والمعاني. لكن تفاجئنا في جنبة من جنبات العرض حيث نعرف وكما هو معلوم ان مكونات الصورة يحي ان تراعي عند تصميمها ايصال المعنى السايكلوجي للمتفرج لكننا لم نرى ذلك حاضرا في الكشف عن طبيعة جزئية مهمة وهي الكوميديا والتراجيديا فالعمل كان مزاوجا للكوميديا والتراجيديا والمفروض ان تعكس الاضاءة بعض الايحاء والعزف على العامل السيكلوجي في تغيير اللون وكثافة البقعة في سبيل تمكين المتفرح على التمييز بين طبيعة الملفوظات والتعابير الحركية للممثل وفهم المعنى المراد مع توجيه بتلازم معرفي بهذا الخصوص .ز وقد نجد التبرير لذلك ان العمل برمته هو عملية احتجاج كبرى على الواقع الاجتماعي وكذلك المسرحي فهناك رغبة بالثورة على كل كلاسيكيات الماضي بدءا من العلاقة بين واحد وواحد مكرر على ارض الواقع وانتهاءا بعلاقة المتفرج مع العرض عموما . رسم مصمم الاضاءة الصراع باساليب فنية عالية من خلال حركتها وكثافتها ولونها ونوعها وزاويتها لذا لا توجد مواقع ميتة على الخشبة فالجميع يتواجد لوظيفة همة الجميع يتكلم بلغة بليغة .. وما يميز الاضاءة برفقة الديكور والطبيعة الهندسية للمثل انها اتت رشيقة بمعادلة ضوئية كاشفة للمعاني .
الموسيقى والمؤثرات الصوتية
المؤثرات الصوتية لم تكن حاضرة ولم تستطع التعبير عن الحلم والواقع بشكل مقنع حيث تم التغافل عنها بشيء من التسامح.. ولو ان الموسيقى المستخدمة كانت لآلة شرقية تلائم اجواء المكان وبيئته الخاصة كآلة العود مثلا لكان افضل واكثر دعما للايقاع العام للعرض .. فالموسيقى الغربية المستخدمة لم تخدم الايقاع والحركة بشكل عام .. كما انها عانت من التعارض بين هدوئها وطبيعة واحد كبركان انسان متفجر وهو يعيش التضاد مع العالم وتوامه السيامي..
الازياء
كانت ملابس الممثلين من الازياء العامة والمتداولة والبسيطة في حياة الجميع وهي القاسم المشترك للاردية المستخدمة في يومنا الحاضر ..حيث كانت عبارة عن قميص وبنطلون .. وهو اجراء واقعي مهم قام به المخرج للوصول لحميمية خاصة مع الجمهور وهي من ملابس الظهور اليومي العادي أي ان القصة من واقعنا المعاصراو هي قريبة زمنا لنا .. كما ان اللون والنوع للازياء لم يختلفا بين الاثنين فقد ظهرا بشكل واحد لا يتبين احدهما عن الاخر وهي اشارة الى ازدواجية الفعل وتبادل الادوار، اليوم شاهدنا واحد وهو يقسو على واحد مكرر وغدا نجد العكس . وفي المجمل كان التوفيق حليف جزئية الازياء لتوافقها مع الخط العام للعرض والتوجهات الفكرية بتاويلات واشارات مهمة ترسخ الواقع بصورة مخيالة منتجة للمعنى.
الديكور
كل شيء على المسرح له دلالة متمركزة داخل بنية الدلالة الكلية للعمل المسرحي بجميع مكوناته لا يشذ عنها ولا يحيد قيد انملة والا كان تغريدا خارج السرب مما يسيء بقوة لعين المتفرج وسمعه واحساسه.. والمتفرج هنا هو الملك الذي لا يعصى ابدا والذي يتعاضد جميع من كان حاضرا على اديم الخشبة وخارجها على اسعاده وكسب رضاه، وهذا الامر نراه متحققا في التجارب المسرحية الحديثة المقتصدة في تاثيث الخشبة فقد تطور شكل العرض المسرحي بجمالية متفردة من خلال تحويل ايقونات الديكورات الواقعية الجامدة إلى ديكورات تحمل علامات ودلالات أعمق بتعويضها بأفكار أخرى تدل على معنى اوسع وباحجام اصغر وابلغ تحتويها البقعة او كادر عين المتفرج، لكنها اعمق فعلا في احساس المتفرج واكثر صدقا في تحويل انظاره لهدف وغاية وثيمة العرض.وعطفا على ما سبق، كان هناك في احد المشاهد سريرا في حالة وقوف أي ان مسانده الاربعة متكئة على الحائط، لكنه كان شاهدا على احلام واحد وتوأمه مكرر مما يؤكد انه وضع بهذه الكيفية بقصدية علاماتية باشارات وشفرات متعددة وفلسفة متحركة كي يعطي الانطباع بان الاحداث تجري في ساعة نوم الاثنين وهنا مغايرة وتضاد مع الشكل السائد وهنا يتحقق لدينا ما ذهبنا اليه في ان المسرح ثورة على الجمود والنمطية لتحقيق المتعة وكما تعرفون ان العلامة لها القدرة على التحول والاتحاد بعلامات اخرى قد تكون حادثة ليست مبيتة سلفا لدى المخرج او المؤلف ومن هنا يبرز تاويل المتلقي لينتج هو الاخر علامات ربما بعيدة جدا عن اصل العلامة لكنها وليدة هذا الحراك الفكري للعرض المنتج للعلامات القابلة للتاويل، ومن جملة هذه العلامات اننا نتيجة لهذا التغيير الكبير في طبيعة الحياة وسلوكيات الفرد وبالتالي المجتمع كحالة عامة اعترتها الفوضى اننا اصبحنا ننام واقفين وربما نتحد بعلامة جامعة لنا كاشارة لما مر به المواطن وهو نزيل السجون كان كثيرا ما يجعلونه في قلق مستمر بالنوم وقوفا، وكذلك قد يكون تأويل هذا الشكل بالقول ان الخوف والوجل الذي يعتري الاثنين انهما في حذر دائم من الاخر لذا كان سريرهما عموديا ونومهما لا ياخذ شكل الاضطجاع وبالتالي هي صور ممتلئة بالانسجام تدعو المتفرج على إعادة تشكيل رؤاه بوعي كبير. وفي حقيقة الامر هذا التشكيل الفني الجمالي بصناعة الديكور خلق ايقاعا خاصا وهو واقع لا ينكر وجوده في ظل التقدم العلمي الذي خدم الممثل داخل الاحجام في عدم تشتيت فكره وتركيزه وجهده البصري ،وهي بالتالي طريقة فذة تجاوزوا بها الديكورات الضخمة والتزويق الذي اتعب الحاسة البصرية للمتلقي فضلا عن الممثلين في كثير من العروض المسرحية. كما ان السلاسة في تحريك الديكورات اصبحت عملية جمالية ايقاعية متفردة وليست كما في السابق مجرد ظهور واختفاء للديكور وبطريقة فوضوية، وهذا الامر ينبع من قضية عرفانية مهمة مبدأها اسقاط الاضافات من خلال المسرح وهي من وظائف الميزانسين لتحقيق الجمالية الروحانية القائلة اسقاط الاضافات من الجمال. الا ان هذا الاقتصاد الممنهج في الديكور اضر بعض الاحيان بايقاع العرض نوعا ما من خلال تكرار المشاهد بنفس الصورة مما منع خلق المتعة المتوخاة من اسقاط الاضافات .. نعم تعدد الديكور في المشهد الواحد مرفوض وخاصة بالاحجام الكبيرة المرهقة للمثل والمتفرج لكن هذا لا يعني ان يتكرر المشهد بنفس الديكور وكأن الزمن والمكان لديك متوقف وانت تدعي الحداثة. والتطور في كل شيء. في النهاية وفيما يخص الديكور فعلي صبيح كان يبحث دائماُ عن خصوصية الأشكال المسرحية ومحاولة كسرها لخلق الشكل المتناسق بإسقاط النمطية والخروج على التصاميم المسبقة بخلط الأنواع الجمالية وتداخلها كحديقة غناء بصورة لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
المتفرج
كان للعرض المسرحي قابلية على خلق متفرج مغاير بوعي باتافيزيقي خالق للمعنى اعتماداً على العلامات (الرموز والإشارات والدلالات) الحادثة امامه محولا عالم الواقع المسرحي الى عالم الواقع الخارجي ومن ثم إلى عالم الاحتمال مع خوض غمار جدلية ميزان المعطيات وطريقة فك شفراتها.. وبالتالي انتاج عملية قيصرية لدى مكنون المتفرج في تثبيت جدوى المسرح كمتعة وعلم وتطهير.
الخاتمة
ابارك للكاتب علي عبدالنبي الزيدي على جرأته وشجاعته لطرقه باب هكذا موضوع جدلي اخذ منا الكثير روحيا وجسديا لانصاف الاطراف المتصارعة في خبايا النص.. كما اشد على قلمه وهو يعالج الجزئيات بافكار كلية لها القدرة على الثبات امام تحولات النص والعرض لدى الجمهور..كما ابارك للمخرج الشاب علي صبيح نجاحه الطيب في اخر نسخة منا وادعوه للمشاهدة المستمرة للسينما العالمية مع تكثيف قراءة النصوص للوقوف على تجارب الاخرين لانها مهمة في تنوير الخيال واثراء التجربة واكتشاف المناطق المظلمة من النفس. كما ابارك لبقية الكادر نجاحهم وعلو كعب تجربتهم الفذه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق