مجلة الفنون المسرحية
خرافة ستانسلافسكي حول العقل الباطن
سرمد السرمدي - المثقف
سرمد السرمديليس لعلم النفس ذلك التأثير المباشر على مهنة الممثل، بل على شخص الممثل كأي انسان آخر، وعلى الرغم من كثير المحاولات البحثية التي اتجهت بالدراسات الاكاديمية لفن التمثيل نحو تأكيد هذه العلاقة المباشرة ما بين اداء الممثل ونتاجات البحوث النفسية فهي في مجملها ليست اكثر من معاصرة مفتعلة ذات اهداف لم تخدم فن التمثيل بوصفه مادة بحثية خالصة، بل إن حتى المحاولات الغير اكاديمية لدراسة فن التمثيل قد اتجهت لاعتبار العلاقة بين علم النفس ومهنة الممثل اساس النجاح وعلى رأسهم ستانسلافسكي، حيث اتخذ ما وصل اليه علم النفس في وقته من مصطلحات واستخدمها وكأنها تخص فن التمثيل كالعقل الباطن وغيرها.
بشكل او بآخر يبدوا دون الحاجة لبذل أي جهد للتوضيح إن ستانسلافسكي ليست لديه ادنى فكرة عن العقل الباطن، فمن كلماته حول العقل الباطن يتضح الكم المفترض من عدم المعرفة التي اختص بها علماء النفس، وبخاصة عندما يحاول الالتفاف حول المصطلح ليؤكد انه لن يدل الممثل للعقل الباطن بل يضعه على مشارفه بل وانه سيعلم الممثل كيف يصل للعقل الباطن بطريقة غير مباشرة، وكأنه يعلم ما هي الطريقة المباشرة ولكن يعز عليه إن يسلمها للممثل، وكأنه امتلك السحر ويأبى إن يعطيه بالمجان لمنافسيه المحتملين، وهذا الموقف لن يدل اكثر من دلالته على انه هو نفسه لم يمتلك غير إن يكون على مشارف الحديث عن العقل الباطن، بل وليس ابعد من إن يكون لديه طريقة يقول عنها غير مباشرة، لأن ما من طريقة يملكها، والاكثر من ذلك إن امتلك الطريقة ووصل فعلا إلى الكيفية التي يفعل بها العقل الباطن كسر اساسي لنجاح الممثل في اداءه فعن أي عقل يتحدث بالضبط اهو عقل الممثل ام الشخصية في الوقت الذي يطالب الممثل فيه إن يتقمص الدور ويتلبس الشخصية بديلا عن شخصيته خارج خشبة المسرح ؟، وليس هذا فقط بل إن ستانسلافسكي لا يملك الطرق الفنية ليعلمها للممثل كي يصل للعقل الباطن، وفي هذا التصريح مشكلة يصعب فهم اساس وجودها بعيدا عن افتراض التناقض في ما يطرح، فهل تعامل مع الممثل كمريض نفسي ليكون للطرق النفسية اولوية عنده على الطرق الفنية ؟، فهو لا يملك هذه الطرق الفنية ولا يرى إن هنالك أي منها ايضا، لكي تساعد الممثل للوصول إلى العقل الباطن، ولم يقدم طرقا لا فنية ولا حتى نفسية يمكن اعتبارها الانجاز المنتظر منه بعد لا شرحه لهذا المصطلح، لأن كل ذلك اللف والدوران حول العقل الباطن الذي يراه مفتاح النجاح للممثل ولم يوضح ما هو هذا العقل الباطن، فلم يشرح عنه أي شيء ولم يستعن بمصادر علم النفس بالوقت الذي لم يمتلك بحثه الخاص عن المصطلح، بل لم يرى إن الممثل بحاجة لكي يفهم بل هو هنا ليطيع، فكيف يفترض انه يعلم الممثل من غير إن يشرع في بناء معرفته عن مادة الدرس، من حيث هو يفترضها مدرسة تعتمد على الحفظ لا الفهم، فكل كلماته توجيهات، والنصف الآخر تحذيرات من مخالفة ما يراه طريقا للممثل نحو النجاح في فنه، مع إن الطريق غير واضح، يتضح ذلك في كتاب إعداد الممثل لستانسلافسكي في الفصل السادس عشر الذي عنوانه عند مشارف العقل الباطن حيث يقول في الصفحة 372 (انني لن امدكم بأي طرق فنية للسيطرة على العقل الباطن وانما استطيع فقط إن اعلمكم الطريقة غير المباشرة التي تتيح لكم الوصول اليه والتي تجعلكم تسلمون لسلطانه زمام انفسكم.)، ليس مستغربا إن تعلق هذه المقولة في مدخل اكاديمية فنون مع انها لا تحمل أي طرق فنية، فكم من البحوث الفنية انجزت استنادا إلى مقولات ستانسلافسكي، مع انني استغرب عدم انجاز أي بحث في علم النفس يعتبره من الخبراء في اللا معرفة بالعقل الباطن.
باعتبار الممثل له حياته الخاصة خارج حدود مهنة الفن، يلغي هذا الفرض امكانية اعتماد مهنته على ما ترسخ في ما يسميه علم النفس بالعقل الباطن، ولأن تفسير اداءه بناءا على تقرير معتمد من خبير نفسي لن ينقذه من عملية قذف الجمهور له بالطماطم لو ازاح الاداء عن المرغوب، فلا يمكن مع هذا الحال المهدد بشكل مباشر لمهنته إن ينزوي متوسلا التأثير الغير مباشر الذي يفترضونه له عونا كل من المؤيدين لهذه الفكرة سواء من اكاديميين او كتاب سيرتهم كستانسلافسكي من االممثلين ذوي المحاولات االتنظيرية خارج اطار البحث العلمي لدراسة فن التمثيل، وبمعنى اخر إن كل ممثل يتخذ من نتاجات هذه المحاولات الدراسية طريقه ليكون ممثلا قد ينتهي بواقع يصارع فيه صدقها المفترض وهو يتحقق من عدمه واقعيا، وليس هذا فحسب بل إن كل ممثل يعتبر النجاح في التمثيل يعتمد اساسا على ما ترسب في داخل نفسه أي في عقله الباطن وما عليه الا الحفر لايجاد الماء ليروي نجاحه فهو مريض نفسي بحاجة للعلاج اكثر منه ممثل بحاجة للنجاح في مهنة التمثيل، والا لكان نزلاء مستشفى المجانين هم من يحصدون جوائز الاوسكار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق