مجلة الفنون المسرحية
قيس جوامير علي / ماجستير إخراج مسرحي
مدخل : أن الامة الاميركية أمة فتية ,مُتعددة المشارب نسبة , الى تاريخ العالم الانساني وحضارته , فأنعكس ذلك على جميع مفاصل الحياة الاميركية , ومن بينها الفنون وخاصة الفنون الجماعية , ومنها الفن المسرحي , ذلك الفن الجماعي ,
فكرا , وهيكلا , حيث يعبر عن جميع شرائح المجتمع عن طريق الولوج الى أعماق الذات الانسانية , الفردية المنصهرة في بودقة المجتمع , الناضجة في بيئة لها تراث , وأعراف , ومعانات مشتركة , فالمجتمع الاميركي هو نتاج موجات هجرة الانسان , من شتى بقاع العالم , وفدوا الى هذه الرقعة الجغرافية التي جمعتهم , كل فرد يحمل معه معاناته الخاصة المرتبطة ببيئته السابقة , والمتمثلة
بالاعراف , والعادات , والتقاليد , والدين , والعرق , فتجمعت هذه الذوات المختلفة لتبحث عن قاسم مشترك بينها , فلم تجد غير "الانسانية" فتخبطت الذات الانسانية , في طرح معاناتها , "محاولة منها ان تجد بيئة جديدة تنطلق منها لتكون القاسم المشترك بينها ففي(القرن التاسع عشر) مرت المسرحية الاميركية بمرحلة التقليد , وهي مرحلة تتقدم عادة مرحلة التجديد , وكان ثمة مسرحيات
كلاسيكية تنهج نهجا ًواقعيا ً وتهدف الى الوعض والارشاد" . بعيداً عن الغور في اعماق النفس البشرية , وكان لفئة المتطهرون المتدينون , العائق الكبير في
تقدم المسرح , حيث اعتبروه عنصرا من عناصر التهتك الاجتماعي , واللهو الغير مُنتِجْ , الذي يثير الشهوات , والرغبات الانسانية , في سنة 1945 عرضت مسرحية
(الزّي) للسيدة (موات) وهي مسرحية تقلد المسرح الفرنسي المُتمثلة بالكاتب (مولير) ,وبالتحديد مسرحية (المتأنقات المضحكات ) التي كُرستْ لإرتداء
الازياء المتبرجة , والاسفاف في الزينة , بغية التعرض للرجال الاوربيين ,
محتقرة ابناء بيئتهن .
ومن الموضوعات التي تناولها المسرح الاميركي في تلك الحقبة , هي الاثارة عن طريق عرض احداث الملوك , والامراء , واعتماد الخطابة والايقاع الشعري , وتعدد المأزق والمفاجئات , ومن المسرحيات التي عرضت مسرحية (بروتس) و(شارل الثاني) و
(المصارع). ظل المسرح الاميركي نسخة تقليدية للمسرح الاوربي ومسخ له , يعالج
افكار بالية كل همها استرضاء الجمهور , وقد استخف المتلقي بالمسرح , والممثلين الى حد الاهانة , وقال احد المتفرجين , أرفعوا الستارة , لنطل على هذه
البهيمة . وفي مطلع القرن العشرين , كانت هنالك نهضة , في جميع شرائح المجتمع الامريكي , وكان للمسرح نصيب كبير منها , نتيجة تطور الوعي ,
والاندماج في بيئة مجتمعية جديدة , ففي هذه المرحلة أبتعد المسرحيون الاميركان من التقليد , والاقتباس من الاثار المسرحية الكلاسيكية , مستمدين مواضيعهم
الفكرية من واقع بيئتهم المشتركة الجديدة , حيث عكست هذه المواضيع , هموم الشعب , والحاله الاجتماعية , والاقتصادية , والانسانية , والنزاع العنصري بين
البيض , والسود . أن معظم المسرحيون , في تلك الحقبة الزمنية , أستمدوا أفكارهم من الواقع , ولكنها لا "تعدو السرد الذي يرد الاشياء الى ذاتها
ويعرضها كما هي مطروحة على اديم الوجود"إن عظمة المسرح تكمن , في تهشيم الواقع متخلصا ً من شوائبه , بانيا صرحا
جديدا , يمثل رائ الكاتب , الذي هو جزء من مجتمعه , وبيئته ,مغلفاً أفكاره
بهمومهم . بعد أنتهاء الحرب العالمية الاولى , كانت قد فقدت الانسانية ملايين
الضحايا ,بين قتل وعوق عضوي , ونفسي , وبرزت حينها شريحة كبيرة من المثقفين ,
تعمل ضد أفكار الحرب والدمار, في جميع مجالات الفنون .
وكان للمسرح الاميركي مكانة مهمة في نشر تلك الافكار, وقد خطى خطوات مهمة في هذا المجال , فعلى أثرها تأسست (نقابة للمسرح) , وبرز مخرجين كان لهم اثر كبير
في نمو المسرح الاميركي امثال ( أرثر هوبكنز) وكتاب مسرحيين كان لهم باع كبير في رفد المسرح بنصوص , واثار ادبيه تساعد في دفع التطور المسرحي الاميركي مثل
(يوجين أونيل) و( آلمر رايس) معتمدين على كتاباتهم الواقعية المبسطة , والتي
لا تخلو من الاستعارة . وبحلول عام (1915) كان قد خطى المسرح الاميركي خطوات اخرى مهمة , حيث وضعت
أسس الفن المسرحي , وفتحت كليات , وجامعات تختص بتدريس الفنون , ومنها الفن
المسرحي والدراما , " وفي عام 1923 بدأت صفحة جديدة من تاريخ المسرح
الاميركي ,عندما اتجه المسرح تجريبياً , وكان ذلك على يد الفنانين (أونيل) و(أدموند جونز) و(وهوبكنز) الذي أجرى الكثير من التطبيقات , في مجال المسرح
الطبيعي , وكان للدارسين في اوربا الاثر الكبير , في نقل الواقعية
الرومانتيكية الى المسرح الاميركي , بعد ان انتشرت في اوربا " . وبعد الحرب العالمية الثانية كان المسرح الاميركي في مقدمة مسارح العالم وأوربا , وبرز
أعظم كتاب المسرح الاميركي , والعالمي امثال (وليمس أنج) و (تنيسي وليميز) و(
آرثر ميللر) و (أوجين أونيل) , وبالحديث عن الكاتب (أوجين أونيل ) يجب الرجوع الى سيرته الذاتية , أذ أن اكثر مؤلفاته كانت تعتمد على تجاربه الذاتية , أو
مادة مقتبسة من أشخاص , كان قد تعرف عليهم في حياته , وهم يعانون , ويتخبطون في ظل مجتمع تعلقت به مصائرهم , كان الفقر , والمرض , والشقاء هي المادة
الرئيسية , التي بحثها في معظم مسرحياته , حين عمل (يوجين اونيل) في المسرح كان " يحمل تاثيرات متعددة من ذاته , ومن وراثته , ومن عائلته وكانت لديه
التاثيرات السحرية العجيبة , التي أفادها من وطنه الاصلي ايرلنده " . وواصل أونيل أبداعاته المسرحية , الى أن أصبح عمود من اعمدة المسرح الاميركي , ومن مسرحياته (الحزن يليق بألكترا ) و (آنا كرستي) ومسرحية (القرد الكثيف الشعر) .
أما الكاتب (وليمس أنج) فقد كان عطائه زاخر وثري , واشهر مسرحياته (بك نيك) , ولا يمكن اغفال العبقري المسرحي الاميركي (آرثر ميلر) الذي كانت له بصمة كبيرة في المسرح الاميركي , ومن مسرحياته (كلهم أبنائي) كتبها عام 1947 ,
ومسرحية (موت بائع متجول) تبعها عام (1949) وفي عام (1951) كتب مسرحية (عدو
الشعب) وغيرها من المسرحيات , أما الكاتب الاميركي (تينيسي وليميز) ,موضوع
بحثنا فقد كتب عدة مسرحيات منها مسرحية (الوردة) ومسرحية (قطة فوق صفيح ساخن ) ومسرحية ( عربة أسمها الرغبة) التي سنتخذها أنموذجاً لتسليط الضوء , على
أفكاره وطريقتة في المعالجة المسرحية من خلال الشخصيات التي رسمها , المستلة
من المجتمع الاميركي , في تلك الحقبة الزمنية , حيث اعتبرها النقاد المسرحيين في صفاف المسرحيات العالمية , التي
تُدَّرسْ في معظم الجامعات الفنية في شتى بقاع العالم .
السيرة الذاتية للكاتب الاميركي تنسي وليامز :
عام ١٩14 بدأت الحرب الكونية الاولى , وفي نفس العام ولد الكاتب المسرحي الاميركي (توماس لاينر وليامز) في كولمبوس بولاية) ميسوري) منحدراً من عائلة فقيرة . وفي عمر السابعة عشر , وتحديدا ً في عام 1931م .
التحق بجامعة ميسوري, وفصل منها لعدم تمكنه من دفع التكاليف , فزاول بيع الاحذية في محل يشتغل فيه والده , ولكنه لم ينقطع عن الثقافة , وخاصة المسرح ,
وأبهرته (مسرحية الاشباح) (لهنريك ابسن) إضافة الى تأثره بما كتب العالم النفسي فرويد وكتابات د.هـ . لورنس . ورمزية الشاعر فوكنر, ورغم كل الظروف
الاقتصادية التعسة , وبضمنها طرده من العمل , وعمل بواباً , في دار للسينما , ليحصل عن طريقه على رغيف الخبز له ولأسرته , كل ذلك لم يثني (تينيسي) من الكتابة , فأتفق مع شركة (متروغولدين ماير) ليكتب السيناريو الأول له وكان
عبارة عن فكرة لمسرحيته (الحيوانات الزجاجية) واجهته الشركة بالرفض ,
وامتنعت عن التعامل معه , بعدها عم )وليامز) كاتب برقيات في دائرة البريد ,
ونادلاً في مقهى ليلي, ومغني , فشل في جميعها , لكنه نجح في تسجيل كل ما وقع
عليه في ذاكرته لتتفجر أدبا , وفنا , كانت ذاكرة وليامز تسجل كل التفاصيل وتخزنها بصعوبة , لادمانه على شرب الخمرة , وتسكعه في أزقة اميركا , والشوارع السوقية العفنة , حتى أصابه انهيار حاد , ودخل مصحة للأمراض العقلية .
رجع عام ١٩٣٦ والتحق بجامعة أيوا ، وبصعوبة تمكن من استرجاع ذكرياته محاولاً تسجيلها في أعمال أدبية , كالقصة والمسرحيه , وخاصة مسرحيات الفصل
الواحد. اقترح اعضاء مؤسسة (روكفلر الأدبي (منح وليامز العضوية , وحصل بعد ذلك , على
منحة علمية أتاحت له دراسة فن الكتابة للمسرح . وفي مجال الدراسة , تعرف على الناقد (جون جاسنر) و (تيريزا هلبيرن) وعرض
عليهما بعض كتاباته , وأظهرا أعجابهما بمسودة مسرحيته الطويلة (معركة الملائكة) وكانت الخطوة الأولى في عالم الكتابة للمسرح , لسيرته الذاتية بصمات
واضحة جلية , في جميع أعماله , وانعكست (ميلودرامية) حياته على مسرحياته , وكانت الكتابة لديه نوع من تنقية النفس من آلامها وكدرها , التي رافقته طيلة
حياته , وكان لامه , ابنة القس (مس أودينا) أول شخصية سلبية , دمرت حياته , وحياة الاسرة , حيث كانت تشبه وحشا ً يرمي نارا ً على أفراد عائلتها قبل
افتراسهم , مهوسة (بالمذهب الطهوري) ومنعت زوجها من معاشرتها , ودفعت افكارها الى اولادها أن يكرهوا الجسد , مما جعل "تنيسي" يكره جسده ولم يقم اي علاقة
عاطفية , قبل ان يكتشف وهو في السادسة والعشرين , بانه مثليا شاذا ًجنسيا ً .
ولم يكن الاب أقل سلبية من
والدته فكان مُدمناً على شرب الخمرة , وممارسة أبشع انواع العنف الاسري بحق
أسرته , وبقى (تينسي) يتلقى الضربات تلو الضربات من والديه , وليس له ملجأ للحنان سوى اخته , فتعلق بها تعويضا ًعن حنان امه , التي كانت مصابة
بالهلوسة , والشيزوفرينيا , وله أخ اسمه (ديكن) دخل مستشفى (الامراض العقلية) مما ادخل الرعب الى (تينسي) وأصبح يؤمن بان هذا المرض العقلي موروث وسيصاب به
حتماً , فنشأ (تينسي) رجل عدوانيا ً متقلب المزاج متسكعا ً, مدمن على المخدرات , وقد جعل من هذه الاحباطات الشخصية إنطلاقة لابداعاته الفنية , ليجد
فيها الشفاء والراحة النفسية , وكانت النهاية هادئة شفافة , توفي في أحدى الفنادق , وقد وجدت لافتة على باب الغرفة , مكتوبة عليها (الرجاء عدم الازعاج)
الواقعية عند تنيسي وليامز :
تنسيي وليامز ذلك الكاتب الامريكي العبقري ,لم يكن نتاجه الادبي بسيطا ً سطحيا ً , بل غنيا بالفكر كما ً , ونوعا , حيث كانت آثاره الادبية ,
والمسرحية نتاج مترع بثقافته الفردية , من خلال الوعي الذاتي , هذا الوعي الباحث في اللاوعي المرتبط بارهاصاته الداخلية ,المُتأصلة من الوعي الجمعي
للمجتمع , راسماً صوراً ذهنية خيالية مُنتجة , مُغلفا بها شخصياته المُمَسرحة , وكان لسيرته الذاتية , بصمة واضحة على معظم شخصياته المسرحية
المأخوذة , من الواقع الملامس لحياته وحياة اصدقائه وعائلته حيث أن " الكثير من اعماله تمتاز بالوضوح , بالاصالة , بالسيرة الذاتية " . لم يكن الغناء الفكري المُترع والمُنتجْ المُعبر عن ذاتية الشخصيات المهزومة , في مجتمعات
مهزومة , تلك الشخصيات الواقعية , وأرهاصاتها , المُستلة من المجتع الاميركي وحدها , التي اعتمدها في تَغْليفْ شخصياته المسرحية , ورسم ابعادها , بل
تعداها الى المجتمعات الاخرى , حيث تتوافق المشاكل الانسانية , وتتقارب وخصوصاً بعد الحربين الكونيتين , وما اصابت البشرية من انحطاط انساني
واخلاقي , ونخص بالذكر الطبقات الفقيرة , وبذلك تكون المواضيع التي اختارها (تينيسي وليمز) أكثر من أن تكون ذاتية واقليمية , تتعداها لتكتسب العالمية ,
وقد ساعده التسلق الى العالمية , قراءته ودراسته لمعظم الكتاب المسرحيين , من
مختلف الجنسيات المعاصرين له , بالأضافة الدراسة المعمقة لعلم النفس ,
لِتُعينهُ على الولوج الى اغوار الشخصيات التي رسمها , مقتربا الى الواقعية النفسية وأزداد "أهتمامه بالمسرح عندما شاهد مسرحية (الاشباح) للنرويجي
(هنريك أبسن) ثم تأثره بنظرية فرويد وكتابات (د . هـ . لورنس) وتعمق كثيرا بعوالم (فولكنر)حيث الغموض الشاعري الرمزي " . وكان للعلاقات الجنسية وتأثره
بعالم النفس "فرويد" أثر واضحا في نمو الاحداث , خصوصا في مسرحية (عربة اسمها الرغبة ) بالاضافة لأستخدم (تينيسي وليمز) الاسلوب نفسه الذي انتهجه (هنريك أبسن)فينقل الاحداث الماضية الى الحاضرالحاضر, لتكون حدثا ً رئيسيا ً تُبنى عليه الأحداث , لتتفجر نقطة إحتدام
الصراع بين الشخصيات , كما في مسرحية (بيت الدمية) (لابسن) , كان نقل الحدث الماضي لاقتراض (نورا) المال لعلاج زوجها الحدث الرئيسي في المسرحية , كذلك
الحال في مسرحية (عربة اسمها الرغبة) حيث نقل (تنيسي) حدثان رئيسيان من الماضي ليضعهما في الحاضر , حيث كان لهما الدور الرئيسي في عملية الصراع بين
الشخصيات , والتاثير على تسلسل الاحداث , والنمو النفسي للشخصية الذاتية
(لبلانش) .أن حدث فقدان وبيع الضيعة (بل ريف) وانتحار الطفل المراهق (ألن) زوج (بلانش) ونقل هذان الحدثان الى الحاضر , كان نقطة الشروع لصراع الشخصيات في المسرحية ,
وقد دونه (وليمز) في متن المسرحية , وكان ذلك واضحا من خلال ما " تتضمنه
كتاباته من صرخات الشارع والاغاني المسموعة من مسافة بعيدة , ووصول الضيوف غير
المتوقع لتنقل الحدث من الماضي ووصوله للحظة الراهنة" . بوصول ( بلانش) الى بيت اختها (ستلا) ونقلها لخبر بيع (بل ريف) قد غير مجرى كل الاحداث , كما غيرت
رسالة ( كروتشاد) وسنتعرف على الخط العام لفكر ( تينيسي وليمز) من خلال مسرحية
(عربه أسمها الرغبة )
ملخص حكاية مسرحية (عربة اسمه الرغبة)
(بلانش دوبوا) تركت مدينتها بعد أن خسرت بيت العائلة (بل ريف) ما أضطرها للسفر, والتسكع , في الفنادق بعد خسارتها الثانية لوضيفتها (مدرسة للغة
الانكليزية) في احدى المدارس , فصلت منها لتحرشها باحد الطلاب الصغار المراهقين. لم يكن لها اي مرتع او مخرج سوى السفر الى (نيواورلينز)، حيث تقيم مع أختها
ستيلا وزوجها (ستانلي) في بيت صغير , حين تصل (بلانش) ، تكون ستيلا حاملاً، وتعترف بلانش لاختها عن ضياع بيت العائلة (بل ريف) , عرف ( ستانلي) بضياع
الضيعة (بل ريف) , فظهرت شخصيته الحقيقية الحيوانية المشاكسة , وكشفت عن نفسها تماماً , ومن هنا تتصاعد ضروب التناحر بين (بلانش وستانلي) ، عزاء (بلانش)
يكمن في أحد أصدقاء ( ستانلي)، الذين يلعبون معه البوكر , هذا الشاب البدين طيباً , ولطيفاً أسمه (ميتش) , تشعر (بلانش) بالانجذاب نحوه , وتتمنى الزواج
منه , حيث تجلس معه بين الحين , والآخر وتروي له مآسي حياتها ، من حكاية وحدتها التي تعيشها منذ انتحر زوجها اذ اكتشفت انه مثلي الجنس، الى معاناتها
الراهنة الى والعيش مضطرة في بيت أختها وتتحمل سوقية (ستانلي) (ميتش) يتجاوب معها ويعيش وحيداً مع أمه، المريضة والمقاربة للموت ما سيزيد من وحدته .
يتقدم متش رسمياً طالباً يدها. يقف (ستانلي) في طريق زواجهما بعد ان يشي ( لمتش) ويكشف له من ان (بلانش) لم تأت الى هنا ، إلا هاربة من (ميسيسيبي) ، بعدما فضح امرها بعد اتهامها بالزنا والتنقل من فراش لأخر, والإدمان على
شرب الخمر , وازاء هذا لا يكون من أمر ميتش , إلا أن يعزف عن الارتباط بها , فهو لا يريد لحياته أن تزداد تعقيداً , وعندما تعلم (ستيلا) بما حدث، تجابه
زوجها( ستانلي) , لائمة اياه على فعلته , ويقترب وقت ولادتها ,وياتيها المخاض وتنتقل الى المستشفى , لتضع مولودها , وخلال غياب (ستانلي
وستيلا) عن البيت ، ياتي (ميتش الى بلانش) , وهو ثمل , يتهجم على (بلانش) ويتهمها بالكذب والخديعة , مستنداً الى ما قاله له (ستانلي) ، ثم يحاول
اغواءها لتقيم معه علاقة خارج نطاق الزواج ... ولم ينجح , يترك متش البيت ,
يصل (ستانلي) الى البيت ليجد بلانش ثملة , وقد ارتدت ثوباً فضفاضاً ، وراحت تتحدث وبتأثير الخمرة عن رحلة بحرية ستقوم بها مع احد اصدقائها . وبسرعة تتحول كراهية (ستانلي لبلانش) ، الى رغبة وحشية حيوانية , ويتمكن من
اغتصابها , وتمضي أسابيع قليلة ، فتجن (بلانش) , وتتراجع الى الدفاعات الاخيرة للانسان , الا وهو الجنون , انها تهذي غارقة تماماً في جنونها ، لا تفقه شيئاً مما يدور حولها ، فيما الممرضون وصلوا ليصحبوها الى مصحة للأمراض
العقلية .
الواقعية والواقعية الرمزية في فكر الامريكي (تينيسي وليامز)
قراءة بسيطة لمسرحية (عربة اسمها الرغبة) :
)عربة اسمها الرغبة " مسرحية واقعية , نفسية , رمزية , شاعرية , يبدأها (وليامز) بالرمز ويظهر ذلك جليا من خلال عنوان المسرحية , فيجعل المتلقي في
حالة ترقب وَشَدْ وبحث , منذ قراءته الاولى للمسرحية , أو من خلال مشاهدة العرض المسرحي , عن موطن الترميز في مثل هذه الاثار الادبية عندما يكون
العنوان جزء من الترميز, يكون " الرمز في تلك المسرحيات عاماً وشائعاً على
المسرحية كلها , ويكثر هذا النوع من الترميز , في المسرحيات الواقعية التي تعالج مشاكل المجتمع والانسان" . بالاضافة الى استخدام (وليامز) الرمز في
العنوان , أستخدمه في معظم مشاهد المسرحية , وكانت العلامات مستخدمة للتشبيه وغيرها, فجعل للمتلقي ,القارئ, أو للمخرج , حرية كبيرة في انتاج العلامات
والاستعارة , وانتاج صور ذهنية المشابهة لموضوع الترميز يستخدمها المخرج
بحرية , فكان (تنيسي) ينسب افعال اكثر الشخصيات الى الحيوانات , وخصوصا ً شخصية (ستانلي) حيث وصفه بانه "ذوبنية قوية مُكتنزة , الفرح الحيواني يملأ
كيانه , ويلون كل تصرفاته ومواقفه ...كديك منفوش الريش بين الدجاجات . ووصفه بالديك بين الدجاجات يريد بذلك المؤلف ان يقول ان ليس هنالك رجل واحد
بين الشخصيات , سوى (ستانلي) الذي يربط فرحه (بالحيواني) , أن شخصية(ستانلي)
تمثل التخلف الانساني في مجتمعه , وقسوته المتعمدة على كل انسان حوله حتى زوجته (ستلا ) , ليست قسوة فردية , بل تمثل شريحة كبيرة من المجتمع , الذي
يمارس الظلم ضد الشريحة الضعيفة من الناس , أن أيغال( ستانلي) بممارسة الشر يخلق منه وحشا ًأدميا بلا مبادئ يساهم في تدمير المجتمع , ومن هنا نستطيع أن
نقول أن (تينسي) كان يرسم في مسرحه شخصيات اقرب ما تكون الى النمطية حيث هناك الشخصية الشريرة والشخصية الخيرة التي ليس لها وجود في مسرح (تشيخوف) واعتماده سيرته الذاتية في رسم الشخصيات وتعكس حياته هو من خلال شخصية (بلانش ) وشخصية (آلن) زوج بلانش المنتحر .
الهوامش
. أونيل أوجين : أوجين أونيل والمسرح الاميركي المعاصر , دار الكتاب
اللبناني بيروت , سلسلة اعلام
المسرح الغربي ,ط1 ,1981م , ص11 .
. ينظر المصدر نفسه , ص12...ص.13
. المصدر نفسه , ص15.
سامي عبد الحميد : ابتكارات المسرحيين في القرن العشرين ,ص201...ص203 .
المسرح الاميركي المعاصر ,مصدر سابق , ص323
. ينظر: شاكر الحاج مخلف : تنسي وليامز والاتجاهات الحديثة في المسرح
العالمي , منشورات اتحاد الكتاب العرب ,
1997م ص10 ...ص11 .
ينظر : جريدة البناء ,يومية سياسية قومية اجتماعية ,العدد2131
بتاريخ ,20/7/2016 .
. وليمز تينيسي : عربة تدعى الرغبة , تر ,حرب محمد شاهين , دار المصير للنشر
(دمشق) 2008م , ص7.
. شاكر الحاج مخلف : تنسي وليامز والاتجاهات الحديثة في المسرح العالمي ,مصدر
سابق , ص 10.
. شاكر الحاج مخلف : تنسي وليامز والاتجاهات الحديثة في المسرح
العالمي ,مصدر سابق , ص6
. ينظر وليمز تينسي: عربه تدعى الرغبة ,مصدر سابق .
.. علي احمد باكثير : فن المسرحية من خلال تجاربي, مصدر سابق , ص106.
. وليمز تينسي: عربه تدعى الرغبة ,مصدر سابق ص29.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق