مجلة الفنون المسرحية
يرفع الستار
( يرى مشهد لغابه موحشة .. فى خلفيتها .. كهوف الإنسان القديم البائد .. الزمان .. زمان القبائل الوثنية المتوحشة .. فى عالم الانسان البدائى .. المكان إحدى قارات الأرض .. قبل ظهور الإنسان المتحضر .. بألوف السنين .. يرى وثن عملاق فى منتصف المسرح .. يبلغ إرتفاعه عشرات الأمتار .. وهو عدة تماثيل وثنية .. قبلية صغيرة .. لوجوه مقدسة .. لحيوانات وطيور .. ومعتقدات وآلهة القبيلة .. موضوعة فوق بعضها مصفوفة .. لتجسد تمثال واحد .. ضخم عملاق .. هو تراكم للعقائد الوثنية .. الدموية المغلوطة الخرقاء .. التى تتسبب .. على مدار مئات السنين .. فى فناء تلك القبائل الوثنية .. مبشرة بظهور .. إنسان العالم المتحضر .. المدرك لويلات الحرب .. هذا لو تعلم من الدرس .. يجلس حول الوثن المزعوم .. بعض من الشباب الصغير العمر .. دون العشرين ربيعا .. الحمقى الطامحين المافونين .. من مجتمع القبيلة البائدة .. ينتظرون إعتمادهم كرجال .. بلغوا فى القبيلة .. ليصطادوا ويحاربوا مع آبائهم .. ويلجوا عالم النساء وملذاته .. فى النظام الهرمى .. داخل المنظومة القبلية .. على يد الساحر المقدس .. فى الإختبار العظيم .. وياله من إختبار .. ويرى وسطهم .. الساحر البدائى ( الشامان ) .. صاحب الأطماع .. وحب السلطة الدينية .. يصرخ ويتقافز فى مكانه .. وهو يرسم بعظمة إنسان .. على الأرض .. طقوسه الدموية .. بهستريا دينية وثنية .. يخطب فيهم بحدة .. بصوت مشروخ .. داعيا للحرب .. بأسلوب ملتف .. وهو لا يدرى .. أنه يعجل بفناءه قبلهم .. وفناء القبيلة بأكملها )
الساحر : ( فى حدة وهستريا وثنية )
هيا .. هيا يا أولاد الوثن البارين .. يا سهام وحراب المستقبل .. من سيصعد فوق الإله المقدس
شاب 1 : ( فى تساؤل )
ولماذا علينا أن نصعد .. يا شاماننا الساحر
شاب 2 : ( يفكر )
فسر لنا الأمر الشائك
شاب 3 : ( يلوح بيده )
حل لنا لغز إختفاء .. من يذهب إلى الحرب المقدسة
شاب 4 : ( ينظر إلى الكهوف بعيدا )
من سيطعم الأطفال
شاب 5 : ( يشير إلى عائلته فى الأفق )
من سيرعى النساء فى غيابنا
شاب 6 : ( يتذكر جديه العجوزين )
من سيهدهد الشيوخ
الساحر : ( محاولا خداعهم )
تصعدون من أجل الكنز .. كنز بلوغ مرتبة الرجال .. وحمل السلاح المقدس .. وإلا ظللتم صبية .. تلهون فى جوار النساء .. تتحسرون على لقائهن
شاب 7 : ( وقد أعجبه حديث الساحر )
وأين الكنز هذا شاماننا .. بالبرية أم فى الكهوف
شاب 8 : ( وهو يفكر مليا )
ولماذا نحارب الغير مادام يسالمنا
الساحر : ( يشير الى اعلى )
الكنز فوق الوثن المقدس .. أعلاه يا محاربى المستقبل .. يا فحول الصبايا .. اللائى لم يقرب كهوفهن رجال .. المجد فى إنتظاركم .. النساء قد تزين فى خيامكم .. نريد القضاء على كل المغايرين .. جمعاء .. جمعاء .. زعيم القبيلة الديك البرى الأهوج .. صعد قبلكم .. وهو شاب صغير .. وأبلى بلاءا حسنا .. فصار الزعيم .. وكذلك النمر المرقط الأعمى .. صانع الخطط الحربية .. صعد وهو أغر .. فلقاه الوثن الإله .. خبراته فى الحرب .. وأخيرا الجاموس البرى النطاح .. مشعل نار الحرب المقدسة .. صعد منذ سنوات .. وصار الأيقونة .. ناره إن أشعلها الهواء المقدس .. صعدت به رجالات .. وذويت قبائل ومجتمعات .. ألا تتشبهون بهم .. يا ثيران البرية الهوجاء .. يا كلاب الجوار المتوحشة .. يا بنات آوى الماكرة
الريشه الحمراء : ( وقد اخذته الحمية )
ماذا .. الكنز المقدس .. كنز بلوغ مراتب حرب الكبار .. سأصعد أنا أولا .. أنا الريشه الحمراء .. ذو الستة عشر ربيعا .. إبن الصقر الجارح لجيرانه .. من الضاربة بحدة لقريناتها .. لأصبح إحدى أيقونات الحرب .. على الآخر .. أيا كان بلا إستثناء
( يصعد الفتى الصغير .. الريشة الحمراء .. طامعا فى مرتبة دنيوية .. وأحد كهوف النساء .. ويظل يتشبث في التماثيل .. واحدا تلو الآخر .. حتى يصل لآخر الوثن .. لمجده المزعوم .. وبعد وقت ليس بقليل .. يتم إظلام المسرح .. ثم يضاء بعد ذلك .. لمشهد آخر .. فيرى الشاب .. قد وصل لسطح إلاهه المزعوم .. وقد شهق شهقة عظيمة .. لقد وجد جماجم وهياكل عظمية .. لآدميين مثله .. شباب صغار .. صعدوا قبله .. ولم يستطيعوا الهبوط .. لقد أكلتهم نيران الحرب .. ولم يصيروا رجالا بحق .. ولا عادوا أطفالا .. صاروا حمقى .. قضوا نحبهم فحسب .. ولم يجدوا إلا الموت .. وهنا يذعر الشاب .. الريشة الحمراء .. ويظل يصرخ ملتاعا .. بعد أن لاح إليه الموت .. والنيران تشتعل من حوله .. وهو يتراجع صارخا )
الريشه الحمراء : ( وهو يولول )
أمى .. يا أمى .. الكنز الكنز .. اين الكنز .. لا يوجد غير عظام الحمقى مثلى .. النيران تشتعل من حولى .. تأكل جسدى .. أين الأمجاد .. أين كهوف النساء .. اللعنة على الساحر .. لقد خدعنى الشامان الساحر .. بسياسته الحمقاء .. لا يوجد غير عظام المأفونين مثلى .. النيران تحرقنى .. أين أنتى يا أمى .. أى حرب نتحدث عنها .. أنحارب الآخر المغاير .. حتى وإن كان .. أخونا فى الدم
( يظل الشاب يلقى بالعظام .. من فوق الطوطم وهو يصرخ باكيا .. يلعن الشامان .. ودعاوى الموت وويلاته .. والنيران تشتعل فيه .. وتأكل جسده .. كوقود للحرب .. ثم يظلم المسرح .. ويضاء بعد ثوان .. ويرى المشهد الأول .. الساحر .. لا زال يتراقص بهستريا .. أمام الشباب الأحمق .. الجالسين حول الوثن .. وهو يلقنهم دعاوى الحرب .. ولغة الدم .. وفجاة تتساقط عليهم .. العظام والهياكل الآدمية .. التى ألقاها الشاب .. المأسوف على حياته .. الريشة الحمراء .. الذى إحترق بالأعلى .. فيحدث هرج ومرج .. بين الشباب .. فيظل الشامان الساحر .. يصرخ منتشيا .. محاولا تهدئتهم .. والتغطية على فعلته .. وسياسته الخداعه لهم .. وإثارة الكره والبغضاء .. ضد رجالات القبائل الاخرى )
الساحر : ( فى مكر ودهاء )
أرئيتم .. أرئيتم المعجزة .. المعجزة .. الشاب الريشة الحمراء .. يدق ناقوس الحرب .. لقد إعتمده .. الوثن المقدس كمحارب صنديد .. إن الوثن يمطر عظما آدميا .. إنه الكنز .. الكنز .. كنز بلوغ مراتب .. كبار رجالات القبيلة .. هيا هيا .. أشعلوا نار الحرب .. على الآخر المغاير .. حتى وإن كان أشقائكم .. آبائكم .. أعمامكم .. أخوالكم .. كل من يخالفكم فى الأفكار .. عدوكم .. عدوكم
( ويظل الشامان الساحر يتشنج .. وهو يتراقص .. ويردد الشباب الحمقى .. من حوله كلماته .. وقد إشتعلت فيهم .. حمية الحرب العمياء )
الشباب : ( وقد هبوا كالعاصفة العمياء الهوجاء )
الكنز .. الكنز المقدس .. مرحى بالكنز المقدس .. إحرقوا كهوف القبائل الأخرى .. أعلنوا عليهم الحرب .. نريد المجد .. نريد مواقعة النساء .. نريد أن نصبح رجالا
( وهنا ينهض كل الشباب الصغار .. ويهجمون على الوثن .. وهم يتعاركون للصعود عليه .. وهى آخر لحظة فى عمرهم .. ولا زال الشامان الساحر يتراقص بهستريا .. مبتسما إبتسامة الشيطان .. وهو ينثر العظام الآدمية .. فى الهواء .. ويسمع من بعيد .. صوت بكاء وعويل .. النساء والأطفال والشيوخ .. وتضورهم جوعا .. وفزعا من الحرب وويلاتها .. بين القبائل .. بين الأشقاء .. ويرى من بعيد .. قد إعتملت النيران .. فى كل كهوف القبيلة .. والقبائل الأخرى .. وأولهم كهف الساحر .. شامان القبيلة )
ستار
أحمد إبراهيم الدسوقى كاتب وشاعر ورسام
بكارليوس إعلام
قسم صحافة
القاهرة
مصر
2018
ت 23622850
ت 01141634908 ت 01149800720
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق