تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

آزادوهي صاموئيل رائدة المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية


 
آزادوهي صاموئيل رائدة المسرح العراقي

لطيف حسن

فوتحت آزادوهي صاموئيل للانتماء لفرقة المسرح الحديث من قبل أخت سامي عبد الحميد، وهي طالبة قد أكملت تواً المرحلة الابتدائية، وانتقلت الى الدراسة المتوسطة، أخبرت عائلتها بالموضوع، لم يبد الأب رأياً وأحال الموافقة الى إخوتها الثلاثة بحجة أنه أمّي ولايفهم في هذه الأمور ولا يريد أن يتحمل ماسيجري لها لاحقاً في سلوكها هذا الدرب الذي كان يدرك أنه صعب وغير مأمون على طفلة بسنّها، ويخشى من أنه قد يظلمها في حالتي الموافقة أو الرفض.

وافق إخوتها الثلاثة فوراً، بكون أن العمل في هذه الفرقة شرف، فأفراد عائلتها لم يكونوا بعيدين عن الشارع المسيّس، وكان إخوتها من المساهمين النشيطين في التظاهرات والاعتصامات التي لم تكن تنقطع في الفترة مابين (1954-1956) وتعرض منهم للاعتقال أكثر من مرة، وافقوا على عملها بالفرقة شرط أن يرافقها أحدهم عند ذهابها للتمارين وعودتها منها، وشجعوها على أساس هوية الفرقة السياسية التي ينسجمون معها ومعرفتهم الجيدة المسبقة بالفنانين الذين يعملون فيها، وكانوا يحترمون الفرقة ويعتبرون نشاطاتها محركاً لم ينقطع لإثارة السخط على الإنكليز وعلى الأحلاف والعملاء.
وكان يرافق آزادوهي في التمارين أحد إخوتها، عادةً أخيها (هايك صاموئيل)، وكانت في بداياتها تتحدث بلغة عربية غير سليمة، تغلب على لهجتها اللكنة الأرمنية، كانت طفلة بمعنى الكلمة (12 سنة) ألبسوها ملابس الأم ووضعوا على رأسها عباءة وحملت بين يديها دمية ملفوفة، وأصبحت أمّاً على المسرح، هذا ما كانوا يحتاجونه منها. أن تكون أمّاً وليس طفلة.
مثّلت في الفترة مابين 1954 - 1958 مسرحية (إيراد ومصرف) على قاعة الكلية الطبية وفي أماكن أخرى و(حرمل وحبة سودة) و(ست دراهم) لنفس المؤلف يوسف العاني، ولنفس المخرج إبراهيم جلال، وكانت تحمل اسماً فنياً في الإعلانات (زاهدة سامي) استمر معها الى ما بعد تموز 1958، حيث مثّلت تحت هذا الاسم أيضاً في مسرحيتي (آني أمك ياشاكر) و (اهلا بالحياة).
بعد أن أنهت الدراسة المتوسطة عام 1958، وهي ما تزال تعمل في فرقة المسرح الحديث، كانت مواهبها الفنية وثقافتها المسرحية قد تبلورت الى حد كبير بالتمارين والمراس على يد إبراهيم جلال، ورعاية باقي أعضاء الفرقة لها، فدخلت معهد الفنون الجميلة - قسم المسرح - والذي كان منذ تأسيسه في عام 1945، ولغاية ذلك التاريخ 1959، معهداً يدرس فيه الذكور فقط، ولم تجرؤ أو حتى تفكر أي فتاة الإقدام على الدراسة فيه قبل آزادوهي.
فتحت آزادوهي للأخريات -بدخولها الشجاع كأوّل فتاة الى معهد الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية- الآفاق الواسعة أمام من انخرط بعدها لاحقاً لدراسة هذا الفن، فتدفقن ببطء على المعهد في السنة الثانية من دراستها، كانت هناء عبد القادر، ثم جاءت من بعدها سمية داود، وبعد سنتين كان من طلاب المعهد فوزية الشندي، رؤيا رؤوف، ساهرة أحمد، شوبو محمد، منيرة عباس، وبلقيس الكرخي، وهكذا تقدمن الى المعهد في السنين التالية وبدون حرج، شيماء، غزوة الخالدي، سعاد عبدالله، أحلام عرب، ونضال عبد الكريم.. إلخ.
الأسماء كثيرة الآن في الوسط المسرحي من الفنانات خريجات المعهد أو الاكاديمية يمارسن النشاط المسرحي في مختلف المجالات، قسم منهن يحملن الدكتوراه في تخصصات مسرحية مختلفة، ومدّرسات في المعهد وكلية الفنون.
وقسم كبير آخر منهن أيضاً، ضعن واختفين في المحافظات، اشتغلن كمعلمات بعيداً عن المسرح ونشاطاته، أو تركن الفن المسرحي بعد الزواج.
تعلمت آزادوهي الكثير في المعهد، بما يساعدها في أن تتخلص من الخجل والتوجس وتمتلك شخصية متحدية، وجرأة اجتماعية، من هذه التمارين الطريفة وغير المألوفة في العادات العراقية آنذاك، والتي كان يطلبها منها أستاذها بهنام ميخائيل، أن تتوقف مثلاً عند ماسح أحذية في الشارع وتطلب منه أن يمسح لها الغبار عن حذائها الذي تحتذيه.
بعد أن تخرجت من المعهد عام 1962، عيّنت معلمة في بغداد، ثم سرعان ما اعتقلت وطردت من التعليم بعد انقلاب 1963، واضطرت خلال الفترة من 1963 وحتى 1965 للعمل كحلاقة في صالون نسائي لسد الرمق.
بعد أن أعيدت لفرقة المسرح الفني الحديث أجازتها في عام 1965، وجرى لمّ شمل الأعضاء القدامى إليها اشتركت بنشاط في كل الأعمال المسرحية التي قدمتها في تلك الفترة (فوانيس)، (صورة جديدة)، (مسألة شرف)، (المفتاح)، (النخلة والجيران)، و(الخرابة).
كانت تعمل في صالون الحلاقة بشكل متواصل من الساعة التاسعة صباحاً الى الساعة السابعة مساءً، ثم تتمرن من الساعة السابعة وحتى الساعة العاشرة في مقر الفرقة، دون أن تأخذ أجوراً على عملها المسرحي، كباقي أعضاء الفرقة في ذلك الزمان.
أعيدت الى الخدمة في عام 1968 عندما شملها قرار بإعادة جميع المفصولين لأسباب سياسية، الى وظائفهم، وعيّنت معلمة، ولكن هذه المرة في مدينة بعيدة هي الرمادي، مركز محافظة الأنبار، والرمادي تبعد عن بغداد غرباً بـ 200 كيلومتر، فتضطر أن تستيقظ في وقت مبكر وتذهب لتقطع يومياً مسافة ساعتين في الباص ذهاباً لتلتحق بعملها في الوقت المناسب، ثم تقطع نفس المسافة بعد انتهاء الدوام الرسمي في طريق العودة الى بغداد، لتذهب بعدها مسرعة الى مقر المسرح الفني الحديث لتتدرب على مسرحيات تعد للعرض.  ثم تصل في نهاية مطافها اليومي الى البيت وهي منهكة في ما يقارب منتصف الليل.
بقيت على هذا الحال اكثر من ثلاث سنوات، اتعبها التنقل اليومي بين مدينتين، فاضطرت للسكن والاستقرار في الرمادي والتفرغ لعملها الوظيفي فقط، يأساً من أي حل قريب لمشكلتها.
لكنها لم تقف ساكنة في انقطاعها عن العاصمة وأجوائها المسرحية، شكّلت هناك للتنفيس عن طاقاتها الفنية فرقة مسرحية محلية من خريجي معهد الفنون الجميلة من أبناء المدينة، وبعد عشر سنوات من الشقاء في الرمادي والإبعاد المتعمد عن بغداد والانقطاع عن مسارحها، انتهت عذاباتها في عام 1977 بنقل خدماتها الى الفرقة القومية الحكومية، وعادت الى النشاط المسرحي في أعمال مهمة للفرقة القومية، وواصلت إبداعها دون انقطاع.
من أهم الأعمال التي أدتها آزادوهي في معهد الفنون الجميلة، (المثري النبيل) لمولير اخراج جعفر علي، و(عطيل) لشكسبير، إخراج جاسم العبودي و(أوديب ملكاً) لسوفوكليس، إخراج جعفر السعدي. و(فيما وراء الأفق) لاونيل، إخراج بهنام ميخائيل.
وفي فرقة المسرح الحديث من عام 1954 وحتى تموز 1968 مثلت تقريباً في كل مسرحيات العاني، الأولى ذات الفصل الواحد، وبعدها واصلت في الفرقة وشاركت في (آني أمك ياشاكر) و(أهلاً بالحياة) و(فوانيس) و(مسألة شرف) و(صورة جديدة) و(المفتاح) و(تموز يقرع الناقوس) و(النخلة والجيران).
وفي الفرقة القومية (جزيرة إفروديت) و(ابن ماجد) و(لغة الأمهات) و(الروح الطيبة) و(ثورة الموتى) و(محطات السنين) و (المزيفون) و(العاصفة)... وغيرها.
عملت منذ أن اعتلت خشبة المسرح مع أبرز المخرجين في العراق بدءاً بإبراهيم جلال ثم سامي عبد الحميد وعبد الواحد طه وبهنام ميخائيل وجعفر السعدي وجعفر علي وبدري حسون فريد وسعدون العبيدي ومحسن العزاوي وقاسم محمد وآخرين.
تعتبر آزادوهي من أكثر الممثلات العراقيات نشاطاً وغزارة ومشاركة بمسرحيات مهمة في تاريخ المسرح العراقي، وقد حصلت خلال عمرها الفني في المسرح الذي قارب الخمسين عاماً، على جوائز فنية وتكريمية وتقديرية عديدة، في العراق ومن مهرجانات مسرحية عربية عديدة شاركت فيها.
----------------------------------------------
المصدر: ملاحق المدى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق