مجلة الفنون المسرحية
الكاتب سعد عودة |
الشخصيات
............
المسافر:رجل في الاربعين من عمره يرتدي ملابس عادية في كل المشاهد ماعدا المشهد الاخير(مشهد المطار) فيرتدي في المشهد بدلة بربطة عنق ويبدو حينها انه رجل مهم
ريم:امرأة جميلة في الثلاثين من عمرها ترتدي بدلة عرس في المشهد الثاني وترتدي ثوب بغدادي في المشهد الثالث ,رغم جمالها وأنوثتها الواضحتين ولكنها تبدو قوية الشخصية وفي احيان تطغي قوة شخصيتها على شخصية المسافر
أمين :شاب في منتصف الثلاثينات ,اشعث الشعر يرتدي ملابس لايبدو عليها الاناقة ويبدو عليه الفوضوية والعصبية ,ذو ردة فعل قوية وانفعال عالي مايلبث ان يهبط بسرعة كبيرة فتبدو عليه حينذاك ملامح الضعف والانكسار
الام :امرأة جنوبية في الستينات من عمرها ترتدي ثوب اسود وعباءة سوداء ذو صوت حزين جدا ,تجيد النعي الجنوبي المعروف
الكومبارس:يتكون من رجل في الخمسينات من عمره ورجلين في منتصف الثلاثينات وشابين في منتصف العشرينيات,يرتدون ملابس مختلفة حسب المشهد
يفتح الستار :
صوت القطار يأتي من بعيد ,اضواء المسرح تختفي وتعود ويزداد سرعة الاختفاء والظهور مع اقتراب صوت القطار قبل ان يبدأ الصوت بالابتعاد مرة اخرى وتهدأ الاضواء لتعم الظلمة , يسلط الضوء على المسافر
ألمسافر يا ألهي
مرةً اخرى ترتجفُ السكةُ
ولا يصيبني منها سوى الارتباك
مرةً اخرى
ينفلتُ الاملُ
الى جهةٍ في الغياب
وها انا
اعدُ توابيتَ الوقتِ
النائمةِ بهدوءٍ على ساعتي
وانتظرُ
املاً اخراً لايجئ
ولأن الدقائقَ اختنقتْ كلها
سأدفنُ هذا الزمانَ وأصلي عليهِ
صلاةَ الجنازة
يمد يديه يخرج بعض الساعات من جيوب بنطاله ,يفتح حقيبة سفره ويستخرج ساعات اكبر حجما ثم يضعها بهدوء الواحدة بجانب الاخرى يقف امامها ويبدأ بالصلاة
المسافر :الله اكبر
تك تك تك تك تك تك تك تك تك
الله اكبر
تك تك تك تك
الله اكبر...(بصوت اعلى)
تك تك تك تك تك ...... (يبدأ بالصراخ)
الله واكبر....(يهدأ)
تك...تك ..تك
تك
الله اكبر...(بأنكسار)
يسقطُ ..يسجدُ على التراب قبل ان يصرخ
ألمسافر يمه ..يايمه..يايمه..(يغني)
يدخل المشيعون وهم يرفعون تابوت الأم ويرددون بهدوء وبصورة ديناميكية
المشيعون: لا إله إلا الله...لا إله إلا الله
يضعون التابوت ويبدأون عملية الدفن ,يرفع المسافر رأسه يركض نحو التابوت الذي يفتحه المشيعون قبل ذلك بعدها يبدأون بالحفر,ينظر الى داخل التابوت
المسافر ..يمه ..يمه..ولج يمممممممممممممه
يترك التابوت
يمه
قمطيني مرةً اخرى
فجسدي ينفلتُ مني
الى سبلٍ خائنة
لا وجهَ لي سواكِ
فكيف سأرى الاملَ عندما يعود
لايدَ لي غيركِ
فكيفَ سأرفعهُ الى صدري
واهدهدهُ كطفلٍ صغير
وكيف سأرى ما وراءَ الجحيم
وأنتِ عيوني
المسافر:يركض نحو المشيعين وهو يصرخ (ادفنوني معها ) يهزهم من اكتافهم ولكنهم لاينتبهون له ,يبدو انهم لايرونه ولايسمعون صراخه ,يبقى ينتقل من مشيع الى اخر ويستمر بالصراخ (ادفنوني معها ) لكنهم يكملون الحفر ,يرفعون الجثة ويضعونها بالقبر قبل ان يهيلون التراب عليها ويعودون ادراجهم ,يتركونه وحده امام القبر
ها أنتِ
تكتملين في الجدوى
فأنزعُ من ترابِ العمرِ
حصى الوجود
فقط لأهزَ بعضاً
من سكونِ بحيرةِ الذكرى
وأعلنُ في غيابكِ
رغبتي في دفنِ احلامي
وقلبي
ادفنوني ..ادفنوني
يبدأ يركض في كل ارجاء المسرح وهو يصيح ادفنوني ..قبل ان يظهر من بعيد صوت القطار ,يصمت يحاول ان ينتبه للصوت الذي بدأ يقترب ,يركض الى الجهة المعاكسة للجمهور ويبدأ يشير للقطار محاولا اسماع صوته لسائق القطار
المسافر: هيييييه..انا هنا ..هنا..هييييييييه
يبدأ صوتُ القطارِ بالابتعادِ فيلتفتُ الى الجمهور
ألمسافر: ماذا تريدُ مني الخرائطُ
سوى اقاليمِها الضائعة
وبماذا تعنوني المدنُ
سوى نقطةٍ خارجَ دوائرِها الخائبة
وبأيِّ معنى
يكللُني هذا الوجودُ
وانا الموغلُ في التيهِ
والمعلقُ
على اسرارِ المرايا المظلمة
لماذا لاتتركُني الاسئلة
وانا الذي خنتُ الاجابات
بأسرةِ الحُلم
لماذا لاتتركني الاسئلة..الاسئلة العاهرة..بنات البغايا..لاتتركني
يحاول ان ينفض ملابسه وكأنه يبعد الذباب عن جسده ويصرخ
الاسئلة ..هذه الاسئلة..لاتتركني ابدا..ابدا..يا ألله ..لاتتركني ..خلصني..يا ألله..خلصني ..يكفى ارجوكم يكفي ..يكفي ..........يكففففففففففففي
يسقط
يختفي القبر
لحظة صمت
فجأة تدخل موسيقى اعراس صاخبة ,نفس المشيعين يدخلون هذه المرة بملابس زاهية وهم يرقصون تتوسطهم (ريم) وهي ترتدي بدلة عرس بيضاء ويغطي رأسها برقع,
الأم تتقدم الكومبارس وهي ترقص بعباءتها السوداء,في هذه اللحظة يظهر سرير في احدى زوايا المسرح..يقف المسافر يقود ريم من يديها ويجلسها على السرير بعدها يخرج الراقصون وتهدأ ألموسيقى
يقترب منها يرفع برقع العرس من وجهها فينكشف جمالها..يتأملها قليلا ثم يلتفت
المسافر:ألم أقلْ للبحرِ
ان حبيبتي حوريتهُ الضائعة
وأخبرتُ السماءَ
ان حبيبتي نجمتُها الهاربة
وأخبرتُ الربَّ
ان حبيبتي جنتهُ المنتظرة
الان صدقوني
كلكم صدقوني
يذهب اليها يقودها من يديها ويبدأ يرقص معها وهو يصيح (صدقوني) ,تتحرك هي بشكل الي فقط ,وكأنها لعبة طرية يسيرها كما يشاء,
اخيرا يرميها على السرير فتتمدد كالموتى,يقترب منها يوغزها بأصبعه فلا تبدي اي ردة فعل,يهزها من كتفيها وهو يصرخ
المسافر : ريم ..ما بكِ..ريم
تقف بهدوء تنزع عنها البرقع فينسدل شعرها
ريم:ماذا..تسألُني..مابكِ
تركتَ الحروبَ تؤجلُ لذاتنا
ورممتَ بالجراحِ
خرائبَ ايامنا
قلتُ لكَ
دعنا نؤجلُ الوطنَ الان
حتى يفيضُ نهرُ السمواتِ
قلتَ: الاماكنَ تحتلُني
والخطوَّ لايستطيعُ المرورَ
في غيابِ الحروف
قلتُ لكَ
دعْ جسدي يحتلُك
وطنا او بقايا خريطة
قلتَ: لا أعثرُ على الله
إلا في ترابِ المدينةِ
ولا يقطنُ الانبياءُ
إلا في نوايا البلاد
قلتُ لكَ
الموتي بلا وطنٍ او جريدة
فأرتشفتَ ايامكَ
وتركتَ الجرادَ على جسدي
يئنُ ..يئنُ ..يئنُ
تركتني فزاعةً خائبة
ألمسافر: ولكن
ريم: ولكن ..ماذا
ماذا ستفعلُ بفزاعةٍ
لاتهشُ الذكريات القاتمةَ
تبدأُ تتمايل وهي تغني
حلو ..حلو
وبوجنته شامه
عليك الليل ....
...ما نامه
لم أنمْ
كل الليالي صراخ
صراخ
انظرْ
بين نهديَّ خزنتُ كل هذا الصراخ
فمن يطلقُني الان
هذا السرير ...ههههههههههه
هذا السرير...
تبدأ تهز السرير بقوة ...
السريرُ ...الذي بلا فحولة..تصرخ
لحظة صمت تليها (موسيقى صدمة)
يقترب منها يطوح بيده اليمنى بالهواء .يبدو انه يحاول صفعها بقوة ولكن يده تبقى معلقة بالهواء قبل ان يقبض على اصابعه بقوة ينزل يديه ويتجه مبتعدا عن السرير...
ألمسافر:لم يكنْ وطنا
كان وجهي الذي وزعتهُ على الطرقاتِ
على ابوابِ المقاهي
في درابينهِ الضيقةِ
وأسواقهِ المنتشيةِ بالصراخ
كان رائحتي وجهاتي
وأنتِ تطلينَ كبنفسجةٍ
من وراءِ الجدار
قلتُ لكِ اهبطي الان
لكن
ما كان لشمسكِ موطأ حلمٍ
وانا ابحثُ عن وطنٍ حقيقيٍّ يحتلُني
وأنتِ
اردتِ ان تزرعي فيّ
وطناً من خيال
قلتُ
تعالي فالممراتُ تكفي لجسدين
من هواءٍ
لكنكِ اردتِ فحولةَ السريرِ
لافحولتي
اردتِ فحولةَ السريرِ
لافحولتي
ما كنتِ تدركين
ان السريرَ بلا ذاكرة
ريم: ايها المغفلُ
رجلٌ بلا سرير
يعني احتضاناً من جهةٍ واحدة
وامرأةٌ مثلي
لاتستوعبُها الأيادي
لن تكتفي بجهةٍ ناقصة
تقتربُ منهُ تمسد على شعره وتقول
للأسرةِ لذاتها ايضا
المسافر:لكنني كنتُ
ريم: لاتكفي
وحدكَ لاتكفي لنقيمَ علاقةً
ناجحةً مع الحياة
كان كل شئٍ يموتُ
فكيف سأنمو فيكَ
كيف
وفي كل يومٍ اشيعكَ
وابكي عليكَ
ألمسافر: نعم دفنوني كثيرا
وصلوا عليَّ كثيرا
وكنتُ اريدُ ان أُدفنَ فيكِ
ولكنكِ..رحلتِ
لم تفهمي
انكِ دفنتي وجوديَّ كلهُ حينها
والى الابد
ريم: قلتُ لكَ
دعنا نؤجلُ الوطنَ الان
ألمسافر آه ياحبيبتي
الاوطانُ لايمكنُ تأجيلها
فنحن نعيشُ وطناً واحداً
او نموت
ريم: ههههه
نعيشُ ...نعيشُ..نعيشُ
متى حصلَ ذلك
هناك
عرفتُ اننا كنا قيدَ الانتظار
هناك
تعلمتُ ان الوطنَ فسحةٌ للتأملِ
وان تمشي وحيداً
بلا موتٍ او رغبةٍ للوصول
هناك
عرفتُ كيفَ احدثُ الوردةَ والريحَ
حيث الامنياتُ تقفُ دائما
في محطةٍ قادمة
هناك
وجدتُ وطناً لا مسدس
الغريبُ ياحبيبي
انكم تعرفون
كيف تموتون من اجلهِ
ولا تعرفون كيف تعيشونَ فيهِ
ألمسافر ريم ..ياحبيبتي
الموتُ لم يكنْ خيارنا
ريم: دائما ثمة خيارٍ اخر
ثمة كونٍ اخر
وسماءٍ اخرى
ثمة وطن بديل
ثمة وطنٍ بديل
وطن بديل
تسقط
عندما يضيقُ ثوبُ هذا الوطن
على احلامِنا
المسافر:يذهبُ اليها ,يبدو انه يفصل لها ثوبا
المسافر:تريدنهُ بنصفِ كُم
ما فوق الركبةِ
مكشوفِ الصدرِ
ما رأيكِ ؟
نهران كئيبان على الجانبين
ملويةٌ نائمةٌ تحت خطِ الصدرِ
اهوارٌ ضائعةٌ..اسفل الثوبِ
ما رأيكِ
بابُ المعظم عند عجيزتكِ
نفقُ باب الشرقي
يمتدُ الى اسفلِ البطن
سأضعُ أثارَ بابل اسفل ابطكِ
اما....
ريم: هل جننتَ
المسافر :لايمكننا تفصيلَ وطنا
حسب رغباتنا
الاوطانٌ ثابتة
الحقيقةُ كذلك
ونحن يجبُ علينا ان ننتعلَ
السبلَ للوصولِ اليها
ريم:وهل وصلتَ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يصمت
ريم:الى اين وصلتَ ...ها
يصمت
ريم :وطنٌ ثابتٌ في الموتِ
وبقايا رجلٍ متحرك
بقايا فقط
هذا الذي اراه
ألمسافر لا ...ما زلتُ
ريم (باستهزاء): ما زلتَ...ما زلتَ..هههههه
تعال تقوده بقوة الى السرير ترتمي هي فوق السرير
ريم:هيا...تعال..دعني ارى ماتبقى منك
يتحول المسافر الى ثور هائج يبدأ ينفخ الهواء بقوة, تتوهج اوداجهُ قبل ان يركض ويرتمي على السرير في تلك اللحظة تنطفئ الاضواء وتعم موسيقى هائجة في المسرح تسلل من خلالها صرير السرير الذي يبدو انه يتحرك بقوة...
اخيرا تنفتح الاضواء يبدو حينها المسافر وهو يقرفص وسط المسرح (تختفي ريم والسرير)
المسافر:يبدأ بالضحك ..يتعالى الضحك....
المسافر:بلا فحولة
ينظر الى الجمهور
لا..انا اعني السرير..السرير..ها ...السرير ..لاشئ اخر
لحظة صمت
مثل سمكةٍ
ربما جثة
سأتنفسُ الهواءَ المذابَ في التراب
وأطلقُ زعانفي
تفتحُ شوارعاً للموتِ
واصدقُ
انني مازلتُ حيا
وان الحروبَ لم تستلب مني
سوى شراشفِ روحي
المعلقةِ في سماءٍ حامضة
المسافر:ما زلتُ فحلكِ ايتها الارض
صدقوا
صدقوا..ارجوكم
ما زلتُ...ما..زل............
وهل تصدقُ انتَ ذلك.... ايها....ال..ف..ح..ل
لحظة صمت
أظلام
تظهر المقهى ,في الزاوية رجل يقرأ في صحيفة ,في الوسط رجلان يتحدثان بصمت في أمر يبدو هام بالقرب منهما رجلان يلعبان الدومينو في الجانب يجلس أمين وحده يكتب شيئا ما ومجموعة من الاوراق تتناثر على المنضدة بينما يدور صبي المقهى بأستكانات الشاي على الاخرين وعلى انغام اغنية لناظم الغزالي
يدخل المسافر ,يذهب الى أمين,يجلس قبالته ويسأله
المسافر:هلو أمين ...ماذا تكتب
ينظر اليه أمين ويستمر في الكتابة
المسافر :هههه...يأخذ ورقة يتأملها ويرميها مرة اخرى ..يأخذ ورقة ثانية
الوصولُ الذي يتلوى في الواو
والطريقُ الذي يتهشمُ في الطاء
والناسُ الذي يتراكضون من النون
ونحن بينهم
نحاولُ ان نتعلمَ المشي
المسافر:حلو
يأخذ ورقة ثانية
ال....
يسحبها أمين من يده
أمين: ماذا تريد منها..مجرد هلوسات
هكذا
أضعُ صليباً على جسدي
وأعلنُ
ظهوريَّ الاخير
المسافر:نعم رأيتُ ذلكَ في فيلمٍ ما
أمين:ماذا رأيتَ؟؟
انتَ... كنتَ في داخلِ المشهد
كنتَ صليبي ..ايها المغفل
المسافر:فلمَ حملّتني
كل هذا الجنون
اهبطْ الان
واعتذرْ في قصةٍ لاحقة
أمين: لا قصة اخرى
هي قصةٌ واحدة وعلينا
ان نوزعَ احلامَنا على
زواياها
ألمسافر نوزعُ.........
ماذا نوزعُ ياصاحبي
والحياةُ انفلات
وكل الدروبِ تؤدي
لسوانا
حتى كأننا لم نكنْ
وسط هذا الجحيم
أمين:ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟
المسافر:سأرحلُ
أمين:الى اين
المسافر:لايهم
أمين :ستهربُ
المسافر:من اللاجدوى
أمين:رفعتَ رايتكَ البيضاء إذا
المسافر:لا يدَ لي الان
ولا رايات
أمين:انتَ مجردُ جبان
المسافر:شكرا صديقي
ها انتَ تعثرُ لي
على وجودٍ ما
أمين: ولكنك
ألمسافر أين..
هل تراني انتَ
انا لا أرى نفسي
يقفُ, يحاولُ ان يتحسسَ جسدهُ ويبدأ بالصراخ
المسافر:أيني...انا لاأجدُني...لاأجدُني
لأنني .. لاأجدهُ...لاأجدهُ
أمين:لقد جننتَ
المسافر:عندما يخونكَ وطنكَ
تُجن...
تتيه...
وأخيراً...تختفي
أمين :والخرائط
المسافر:مومساتٍ ببضعِ دنانير
أمين :والتراب
مكانٌ لدفنِ الموتى
أمين : والنهرُ
المسافر:يرحلُ يوميا..ولايبالي
أمين:والأهلُ
المسافر:ومنْ اختارَ منْ ..صديقي
مجردُ رموز للاضطهاد
أمين:والرائحةُ
المسافر:وما تبقى..سوى رائحةِ الموت
أمين:والربُّ
المسافر:عندما تعثرُ عليه
اخبرني ارجوكَ
أمين:وأنتَ
المسافر:لم أعدْ ممكنا ياصديقي
دخلتُ دائرةَ المستحيل
أمين:لاشئ منكَ هناك..افهمْ
المسافر:ولا هنا
ما عدتُ اعرفُ هذي الوجوه
ولا ذاكرتي تستطيعُ ان تجدَ اماكنها
حتى الحكايات
تعرتْ امام الضياعِ
فضعني اينما تشاء
وأطلقني
في فراغٍ كبير
عندها قد أتشكلُ بطريقةٍ ما
واعرفُني
امين:ولمن ستتركُ صديقكَ
المسافر :لنفسهِ..التي لااعرفُ
ماذا حلَ بها
يرتفع صوت ناظم الغزالي مرة اخرى يبدأ رواد المقهى بأحداث ضجة ما ,كل من مكانه
أمين :لمَ فعلتم بنا كل هذا
الرجل الذي يقرأ لجريد: يطبق عليها بقوة وهو يصرخ(اولادُ الكلب...لم فعلتمْ بنا هذا)
أمين:ارحلْ (يشير للمسافر)
سأعثرُ عليكَ في مكانٍ ما
داخل روحي
وأجددَ ذاكرة للصياح
سأصنعُ وطناً
على مقاساتِ ايامي
وأموتُ فيهِ
احد الرجلين الذين يلعبون الدومينو:قفلت...يرمي احجار الدومينو بقوة على المنضدة
أمين:سأفتحُ بابكَ ...كي اراكْ
وأكونُ ظلكَ ...او مداكْ
وأطوفُ مثل الليلِ مفتوناً
بطعمٍ من سوادِ الروحِ
كي أثني صداكْ
فأرحلْ
سأعثرُ عن وجودي في سواكْ
ارحلْ
يقف رواد المقهى ويبدأون بالصراخ
ارحل...ارحل..يله روح.....ولي....روح...ارحل...ارحل
اظلام
تختفي المقهى,تجلس الام في احدى زوايا المسرح تضع في يدها طبق مملوء بالرز تحاول ان تنظفه,اما ريم فتقف في الزاوية المقابلة امام مرآة ,تمشط شعرها وتضع المكياج على وجهها,امين يجلس خلف منضدة من جهة ريم بالقرب من حافة المنصة يكتب شيئا ما قبل ان يمزق الاوراق ويرميها في الارض,المسافر ينام في وسط المسرح بالقرب من حقيبة سفره..
الام:تبدأ بالنعي
گلبي مثل زراع ديم
يكرب صبخ و يناطر الغيم
منهو اليساعدني علی الظيم.....
...
تعبت اعليك يا يمه التعب وين
يا ثمر چبدي او يا گرت العين
رايح يالولد يا يمه لاوين....
ريم:تغني
هذا مو أنصاف منك
غيبتك هلكد تطووووول
والناس
تراودني عن حلمٍ زائلٍ
الناس
كوابيسٌ لاتقبلُ ان تخرجَ من رأسي
وجداولُ لامصبَ لها
الناس
دبابيسٌ سامة
توخزُ روحي كل يوم
وتتركُني
وردةً قاحلة
فأيُّ يدٍ ستمدُ من اللاوراء
وتقطعُ نسلَ الطنين
أيُّ يدٍ
وأنتَ مجردُ صورةٍ
على حائطٍ يستغيثُ
كنتَ تقبلُني
فأنفرُ
فكيفَ اقبلُ رجلاً من جحيم
تضحكُ
كل الجحيم في شفتيك ياحلوتي
فتحضنُني
كي اضيعَ بما يشبهُ الموتَ
او النورَ
او اللغةَ القاحلة
ولكنكَ ..تداعيتَ ..تداعيتَ
حتى بدوتَ رماداً
قلتُ لكَ ..دعنا نصلُ لضفةٍ نائية
عليَّ اعثرُ عنكَ ..
او اعثرُ عنيَّ فيكَ
او ربما
افصلُ كوناً جديداً
اليكَ
فلوحتَ لي
وانثنيتَ
عشقتَ وطناً ميتا
لا جسداً من ضياء
رغم ذاك
فنوارسُ يديَّ
مازالتْ تطيرُ نحوكَ
وتُوصلُ ريقَ شفاهي
وقطعةَ حلمٍ عتيقٍ اليكَ
علها تسلبُ منكَ هذا الجنون
وترحلُ نحوي
نحو وطنٍ من حنين
,,,,
أمين:مغفل ...مغفل
الانبياءُ لايتركونَ ربَّهم منتصفَ حربٍ
ولا الأمُ تسلبُ جنينَها لونَ الحياة
فكيف ستنجو
وكل الشوارعِ فيكَ تمضي اليكَ
وكل النوارسِ
تعرفُ اسرارَ نهريكَ
وحدها تدفعُكَ الى ساحلٍ مترفٍ بالوجود
بل كيفَ ستتركُ كل وجودكَ
من اجلِ ليلةٍ عابرة
ايها المغفل
كل النساءِ يرممنَ اجسادهنَّ ساعةً واحدة
ويفلتنَ من بينِ يديكَ مثل الهواء
فكنْ انتَ
لن تجدَ ظلكَ خلفَ الملذاتِ
ليس موتٌ يراودكَ الان بين الشوارعِ
والحربُ مجردُ صدفةٍ عابرة
في كيانِ الحياة
عندها ماذا تقولُ
وكيفَ تفسرُ للذكرياتِ خيانتها
كيفَ تلملمُ شملَ الحروف
وأيُّ تلعثم ينتابكَ
وأنتَ مجردُ عابرُ حبٍ
ونرجسةٌ من فراغ
,,,,,,
الام:يمممممممممممممممممممممه ولك يممممممممممممه
ريم:حبيبي...اينك ..حبييييييييبي
أمين:آآآآآآآآآآآآه...ياصديقي..آآآآآآآآآآه
تتداخل الاصوات وتبدأ تعلو وترتفع حتى تغطي المسرح قبل ان يصرخ المسافر
المسافر:يكففففففففففففففى....يكفي ..ارجوكم ..اخرجوا من رأسي...يكففففففففففففي
تختفي الام وريم وكذلك يختفي أمين ويسلط الضوء على المسافر
المسافر:اتركوني
فلا غد لي
ومن لاغدَ لهُ
لا يومَ له
ولا أمسَ له
وكل ما يدعيهُ
جنونا مغطى بثوبِ الوله
فماذا سأشتلُ
والأرضُ حنظل
وكل الجهاتِ غروبْ
وكيف سأمسحُ وجهَ الوطن
من خرابِ الحروبْ
ويداي
بلا اجنحةٍ او سماء
وكيف ارممُ ماءَ نهريه
والضدُ فيه اتفاق
والحياةُ كتابٌ قديمٌ
يسنُ قوانينَ اسنانهُ
ويستلذَ بقضمِ الحياة
ماذا سأفعلُ
بوطنٍ لايحبُ الحياة
ويلضمُ اجسادَ ابنائهِ
بخيطِ الوساوسِ
يعلقهم في المغيبِ
يعتقُهم في السوادِ
ويشربُ ما شاء من جوعِهم
خوفِهم
نوحِهم
ولا يرتوي او يؤوبْ
قل لي
ايُّ شمسٍ تحبُ الظلام
وكيفَ اصدقُ
ان جسماً تمرغَ بالحربِ
يمكنهُ ان يتوبْ
رغم ذاكَ
لا وجهَ عندي سوى
حيرةِ الليلِ
حين يموتُ الغروبْ
اتركوني
تعود الاصوات مرة اخرى ويستمر هو في الصراخ
اتركوني ...اتركوني ..اخرجوا من رأسي...
تصمت كل الاصوات الاخرى فجأة وتبقى صيحة واحدة
اتركوووووووووني
اظلام
تنفتح الاضاءة فتظهر قاعة انتظار في مطار ما ,يغط المسافر في نوم عميق ساندا رأسة على حافة الكنبة بينما حقيبة سفره تتمدد على الارض
صوت:على السادة المسافرين التوجه الى الصالة الرئيسية,رحلة رقم (صفر صفر صفر) المتوجهة الى اللاهناك ,البوابة رقم (لاشئ)..
يستمر الصوت بدعوة المسافرين للالتحاق بالطائرة ,يقفز المسافر من مكانه فجأة يرفع حقيبته ويحاول ان يندفع الى البوابة لكنه يقف فجأة ,يلتفت الى الوراء ,يعود ادراجه,يبدو حائرا ولايعرف مايريد,يقف يلتفت نحو البوابة ثم يعود ويلتفت نحو الجمهور ,فجأة يدخل طفل صغير من جانب المسرح وهو يصيح
الطفل:بابا...بابا ...
يلتفت نحو الطفل فيتبسمرُ الطفل بصورة مفاجئة عندما يكتشف ان هذا الرجل ليس اباه ,صوت من خارج المسرح ينادي الطفل ,يبتسم الطفل بوجه المسافر ويركض نحو الصوت ,يلتفت المسافر الى الجمهور
المسافر:نعم ياصغيري..ليس من حقِنا ان نختارَ وجودكم هنا ..ليس من حقنا ذلك
يسحب حقيبته ويتوجه بسرعة نحو بوابة الخروج
سِتار
سيرة ذاتية
-----------------------
الاسم: سعد عودة رسن
مواليد: 11\10\1967
التحصيل الدراسي: دبلوم الكترونيك
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق
عضو الملتقى الادبي للشباب (ملتقى صليخ الادبي) عام 1989
عضو مؤسس في جماعة حياة عام 2015
بدأ الكتابة والنشر منذ عام 1989 حيث نشر نصوصهُ في عدد من الصحف والدوريات العراقية والعربية
لديه ديوان مستنسخ عام (1994) بعنوان (قيء الملائكة)
طبع ديوان عن دار المتن في بغداد بعنوان (يبوووووو) عام 2016
طبع ديوان عن دار أدب فن في هولندا بعنوان (طاسين الشارع) عام 2017
فاز بالجائزة الثانية للقصة القصيرة جدا التي اقامها اتحاد ادباء النجف
القائمة الطويلة للقصة القصيرة التي اقامها اتحاد ادباء بغداد
القائمة القصيرة لمسابقة هيئة المسرح العربي 2017
ينشر نصوصه ومقالاته في عدد من الصحف العراقية منها الزمان والصباح والمستقبل العراقي والبينة الجديد
شارك في الكثير من المهرجانات والجلسات الادبية ضمن الملتقى الادبي للشباب (1989- 1995) او ضمن جماعة حياة 2015
لديه الان المخطوطات التالية في انتظار الطبع
لذة العدم: ديوان شعري يضم القصائد العمودية
قبر اخر ممتع : مجموعة قصصية
الشهر 13 : كتاب يضم ثلاث مسرحيات من ضمنها مسرحية شعرية, كما تم تجسيد مسرحية (جثة مولانا) من قبل فرقة ماداماس في الجزائر تحت عنوان (الشهر 13)
النوم مع سحلية ميتة : رواية
الأيميل الشخصي: saad.awda@gmail.com
تليفون: 07713868833
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق