مجلة الفنون المسرحية
رمز الروبوتات في مسرحية التشيكي كارل تشابيك
صالح الرزوق*
إذا كان اسم كافكا وكونديرا وبوهوميل من الأسماء المعروفة في عالم الفن والأدب، وبالأخص ما له علاقة بالثورة أو أدب الرفض والاحتجاج في تشيكوسلوفاكيا، فإن اسم كارل تشابيك لا يزال طي النسيان. وغالبا يقترن اسم هذا الكاتب بفن الخيال العلمي. ويكفي أنه أول من أضاف لقاموس لغتنا الحديثة كلمة روبوت. وفي كتاب حديث، سيصدر في الولايات المتحدة، للكاتبة الروسية أولغا زيلبيربورغ، نوع من إعادة الاعتبار له. فهي ترى أنه جزء من عاطفتنا الشخصية تجاه معاناتنا، وهو من مهّد الطريق لظاهرة معاصرة من وزن وحجم هاروكي موراكامي.
وبهذا الاتجاه عمد الأمريكي تيموثي ج. ماديغان لرسم بورتريه لتشابيك، وفيه يؤكد أنه: كان مقدرا عليه أن يصنع الثورة وأن يتعايش مع لعنة الحياة. فقد أنفق كل وقته في منطقة جغرافية واحدة، ولكن خلال تلك السنوات تحولت تلك المنطقة من التبعية لامبراطورية النمسا الهنغارية إلى بلاد مستقلة تدعى تشيكوسلوفاكيا، ثم إلى فريسة لألمانيا النازية. بتعبير آخر كانت جغرافيا مستقرة إنما بحدود سائلة. ويضيف ماديغان: كان تشابيك بطلا بكل المقاييس، ومناصرا للديمقراطية، وصديقا شخصيا لأول رئيس تشيكوسلوفاكي، وهو ت. ج. ماساريك. وقد حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة تشارلز في براغ. وامتهن الصحافة وكتابة المسرح والروايات. وقد وظف قلمه للدفاع عن استقلال بلاده بعد الحرب العالمية الأولى، ولاحقا للدفاع عنها من مخاطر الغزو الألماني. وكان معتل الصحة، وتوفي بالتهاب الرئة بعد فترة قليلة من اجتياح ألمانيا للحدود عام 1938. ولكن يبدو أنه في حينه فقد قدرته على حب الحياة، وهو يشاهد تشيكوسلوفاكيا تحت الاحتلال. وبالتأكيد كان مهددا بالاعتقال مثل أخيه الفنان جوزيف، الذي أسره النازيون، ثم مات في معسكر بيلسين عام 1943 من جراء التعذيب والاضطهاد.
وموضوع «آر يو آر» كالتالي: يصنع البشر مخلوقات صناعية تؤدي كل المهام عوضا عن الإنسان.
ومن بين هذه الأنقاض وخلال هذه المحنة صعد نجم تشابيك. وكتب عدة أعمال لها ثيمات فلسفية أخاذة، منها مسرحية «الحشرة»، وفيها ترمز الحشرات لعدة طبائع بشرية؛ ثم «الحرب مع البرمائيات»، وفيها يستغل هذه الكائنات اللطيفة رأسماليون جشعون؛ وكتب أيضا «قضية ماكروبولوس»، وعالج فيها الجانب المظلم من الخلود والحياة الأبدية. بعد ذلك كتب «كراكاتيت» وهي رواية عن اكتشاف المتفجرات التي بمقدورها تخريب كل العالم – والأمل بقدوم العصر الذري. ولكن أشهر أعماله – وأكثرها تأثيرا – هي دراما: «آر يو آر» (اختصار لـ «روبوت روسوم الكوني». وروسوم اسم برامج سوفت وير). وفي هذه المسرحية تظهر كلمة روبوت لأول مرة، وهكذا كسبت اللغة مفردة جديدة. والحقيقة أن من اقترح الكلمة هو جوزيف أخ كارل، وكانت تعني بالتشيكية «خادم» أو «عبد رقيق».
وموضوع «آر يو آر» كالتالي: يصنع البشر مخلوقات صناعية تؤدي كل المهام عوضا عن الإنسان. و»آر» الأولى في العنوان اختصار لـ»روسوم»، وهي كلمة تشيكية تعني «عقل». ولكنها في المسرحية اسم مخترع يشبه فرانكشتاين، وكان يتابع إجراءات صنع الروبوتات. وعلى ما يبدو إن تلك الروبوتات لم تكن كائنات ميكانيكية، وإنما هي نتيجة نوع من العمليات التركيبية. وكانت عمدا كلها ذات شكل بشري، مع أن هذا ليس ضرورة. وكان الروبوت الذي انتقي لتأدية مهام بسيطة يشبه النساء، لكن الروبوتات المفروض أنها ستقوم بأعمال عضلية وميكانيكية، فقد كانت تشبه الذكور. وإحدى الثيمات المركزية في مسرحية «آر يو آر» مأخوذة مباشرة من دفاع أرسطو عن العبودية: فبرأيه هناك دائما حاجة للاستعباد إلى أن تتمكن المكنسة من أن تعمل من تلقاء نفسها. وبحالة «آر يو آر» كانت المكانس تتحرك تلقائيا، ولكن عوضا عن أن نكون أكثر سعادة، بدأنا نميل للتكاسل ولعدم الرضا. وبدون عمل أو نشاط فيزيائي، يحث الإنسان على الحركة، سنكون بحالة ارتخاء، وربما سيتوقف الإنتاج والتكاثر. في الوقت نفسه، أصبحت الروبوتات متيقظة، وأدركت تفوقها، ولم يعد لديها الرغبة بتأدية خدماتها. وتبني المسرحية فكرتها جزئيا على «الغوليم» في الأسطورة اليهودية. وتستلهم أيضا على وجه الخصوص قصص (أنا روبوت) لإسحاق عظيموف. وتعتمد كذلك على أفلام الخيال العلمي مثل: ميتروبوليس، الصفيحة السريعة (بليد رانير)، الماحي، ماتريكس، والجدار ياء. ولكن هذا لا يعني أن «آر يو آر» عديمة الأصالة، فهي تبقى عملا مهما يكتفي بذاته.
ويختتم ماديغان مقالته بقوله: ماذا يجعل من المرء شخصا بشريا؟ الذكاء؟ القدرة على التكاثر؟ الحب؟ امتلاك الروح؟ أم تركيبة تشترك فيها كل تلك العناصر. ربما هذه هي الإجابة. ولكن كما يقول تشابيك بكل وضوح: هناك أيضا الحاجة لتأدية عمل له معنى. فإن تكون معطوبا وبصحة عليلة وظروف عنيدة طوال حياتك القصيرة، ستجد نفسك مضطرا لإنتاج نصوص متألقة وملهمة ـ من نوع هذه المسرحية التي تعتبر إحدى العلامات المهمة والمحورية في فلسفة وفكرة النشاط الأدبي.
٭ كاتب سوري
--------------------------------
المصدر : القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق