تصنيفات مسرحية

السبت، 20 يوليو 2019

عرض “إكس عدرا” سجناء سوريون سابقون يروون قصصهم على المسرح

مجلة الفنون المسرحية

عرض  “إكس عدرا” سجناء سوريون سابقون يروون قصصهم على المسرح

لندن  - أوليفيا كوثبرت  

تظل الأضواء خافتة طوال عرض مسرحية “إكس عدرا” مما يخلق إحساسًا بفضاء يماثل الزنزانة على المسرح. في منتصف المسرح، بدأت الممثلات، وجميعهن سجينات سابقات في سجن عدرا في سوريا، خربشة محمومة على الأرض، مثيراتٍ سحب من غبار الطباشير في الهواء.

بالنسبة للجمهور، كانت مشاهدة الأداء غير مريحة. فيما تقول الممثلات إن إعادة إحياء فترة حبسهن على خشبة المسرح “مرهقة” و”صعبة”. لكن الفنانات يعتقدن أن من واجبهن تذكير العالم بمئات الآلاف الذين لقوا حتفهم داخل السجون السورية فيما لا تزال أعداد لا حصر لها وراء القضبان. قالت كندة الزاعور، التي سُجنت لمدة شهرين في عام 2012، “يمكن أن يكون ذلك علاجًا مسكنًا للغاية ولكن من الصعب في الوقت ذاته استعادة تلك التجربة.”
كان العرض الأول للمسرحية في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي، بعد عرضها في فرنسا، في إطار برنامج مهرجان شباك، وهو معرض للثقافة العربية المعاصرة يُقام كل سنتين في لندن. روت هند وعلي (علا سابقًا) ومريم ورويدا وكندة وهند موغالي تفاصيل فترة اعتقالهن في سجن عدرا بالقرب من دمشق من الثمانينيات وحتى أحداث الثورة السورية.
يتم تأطير حكاياتهن من خلال الصوت المؤلم للمغنية هالة عمران، التي تتجول حافية القدمين بين المتكلمات في المسرح المفروش على نحوٍ ضئيل. في مركز باترسي للفنون، حيث عرضت مسرحية إكس عدرا، كان في إمكان الجمهور المجيء والذهاب وإحداث ضجيج كما يرغبون.

لكن أثناء الأداء، بقي الجمهور صامتا وساكنًا بشكل صادم وهم يستمعون إلى قصص التعذيب المنهجي، وحالات الشكوك الموجعة، وفقدان أفراد الأسرة والظروف الجهنمية.
اُتهمت رويدا كنعان، التي كانت تعمل صحافية في وقتها، بالعمل في قناة تلفزيونية معارضة. تتذكر رويدا، وهي مقيدة ومعصوبة العينين في يوم اعتقالها، كيف نظرت إلى الأسفل لترى أقدام خالد، أحد أصدقائها المقربين، من خلال شق في القماش. في السجن، كانت رويدا تبحث عن وجهه بين جثث الأشخاص الذين قتلوا تحت التعذيب. لم تتمكن من رؤيته أبدًا، لكنها علمت لاحقًا أنه قد مات.

يبقى العنف عند حده الأدنى في هذا الإنتاج المسرحي، وبذلك يبقى التركيز على النساء وقصصهن. قال المخرج رمزي شقير “دهشت بمدى وجود ومشاركة النساء السوريات في الثورة بشكل لا يصدق.”

أراد شقير تسليط الضوء على الشهادات الفردية، فضلاً عن “قول إن ما حدث لهن يمكن أن يحدث لأي شخص في أي مكان في العالم.”

واحدة تلو الأخرى، تروي النساء ظروف اعتقالهن. أرادت الزاعور، التي تخرجت مؤخرًا من معهد السياحة، الاحتجاج بصورة سلمية على حبس السجناء المدنيين. مرتدية ثياب الزفاف، توجهت برفقة ثلاثة من أصدقائها إلى سوق مزدحم وسط دمشق ولوحوا بلافتات تعلن عن حبهم لسوريا. قالت “كانت تلك هي اللحظة التي كسرت فيها الخوف بداخلي إلى الأبد.”

بعد دقائق قامت أجهزة الأمن باعتقالهم.

تسجل الشبكة السورية لحقوق الإنسان وجود 127,916 محتجز حالياً أو أشخاص تم إخفائهم من قبل الحكومة منذ بداية النزاع، وتقول إن 14,000 سجين قد ماتوا نتيجة التعذيب.

كما وصف تقرير للأمم المتحدة لعام 2016 الظروف اللاإنسانية في السجون السورية التي بلغت حد الإبادة الجماعية. إذ تحدث سجناء سابقون بالتفصيل عن حالات إعدام جماعي وتعذيب وتجويع، لكن جماعات حقوقية تقول إنه لم تبذل جهود متواصلة لمحاسبة النظام. قالت ديانا سمعان، الخبيرة السورية في منظمة العفو الدولية، “كانت بعض الدول تتحدث بصوت عالٍ عن ممارسات الاحتجاز التعسفي والتعذيب واختفاء الأشخاص التي تنفذها الحكومة السورية، لكن لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة للضغط على الحكومة لإنهاء هذه الانتهاكات.”

تقول سمعان إن بإمكان الفن أن يساعد في إبقاء محنة أولئك الذين ما زالوا محتجزين في بال الجمهور. قالت “تعاونا مع العديد من أسر المغيبين بهدف زيادة الوعي حول هذه القضية من خلال عرض الأشياء التي خلفها الضحايا ورواية قصص الاختفاء والتأثير المريع على أسرهم.”

بالنسبة لعلي حامدي، الذي كان اسمه علا قبل إجراء عملية التحول الجنسي، فقد كان يوم اعتقاله مرعبًا. قال “تعرضت للضرب المبرح.” حينها كان عمره 21 عامًا.

وأوضح “اعتدت على إيصال الجنود المصابين إلى الحدود الأردنية حتى يتمكنوا من الحصول على المساعدة”. في رسالة إلى والدته من السجن، كتب ما يلي: “هنا، يتعلم المرء أن لا شيء مهم مثل الحرية.”

 بعد إطلاق سراحه، شق طريقه إلى تركيا وواصل سيره لاحقًا إلى ألمانيا، وهي رحلة مرهقة استغرقت قرابة الشهرين.

قال حامدي في مقابلة أجريت معه بإنه سيريح الآخرين بعد تعرضهم للتعذيب “رغم أنني كنت ضعيفًا.”

وبعد إصابته بداء السكري والتخثر الوريدي العميق في السجن، انغلق على ذاته وأمضى ستة أشهر دون أن ينطق بكلمة واحدة. قال “كنت أكتب على الحائط طوال الوقت، أي شيء يتبادر إلى ذهني، فضلا عن أسماء أشقائي وعائلتي.”

أمضى حامدي سنة وستة أشهر في سجن النساء، حيث تعيش حوالي ثلاثين امرأة في زنزانة ضيقة. في وقت من الأوقات، تم العفو عن الأخريات وتُرك وحده، وكان ذلك أسوأ ما في الأمر. قال “كنت سأنتظر وأنتظر وأنتظر”. تم إطلاق سراحه بعد إجباره على توقيع ورقة فارغة تم استخدامها لنقل ميراثه البالغ 50,000 دولار أميركي إلى النظام. تم منحه مهلة قدرها 10 أيام لمغادرة سوريا.

في بداية المسرحية، التي تُقدم باللغة العربية مع ترجمة بالإنجليزية، يكرر فنانو الأداء النصيحة التي تشبثوا بها في الداخل. “لا تعترفي بأي شيء، حتى لو كانوا يهددونك بالاغتصاب”، “تذكري أحبائك”، “إذا كنتِ تؤمنين بالله، صلّي.” يتم تجسيد عزلة وارتباك الأيام الأولى في السجن في المشهد الافتتاحي. “هل هناك أحدٌ ما هنا؟” تسأل الممثلات بأصوات خائفة، وهن يخطون في المسرح برؤوس منحنية.

تجسّد رواياتهن عن الحياة داخل سجن عدرا الازدواجية السريالية المتمثلة في الملل والخوف والعزلة ورهاب الأماكن المغلقة والصمت الغريب الذي تتخلله صرخات في وسط الليل. تصف الممثلات اليأس المشحون بوصول رسالة من أسرهن، والرعب الذي قد يمكن أن يعنيه خبر موت أحدهم؛ والأمل الدائم في الإفراج عنهن والقلق من أن حارسًا سيفتح الزنزانة لمواجهة مصير أسوأ.

اعتادت هند مجالي، 58 عامًا، على رؤية كوابيس بخصوص وجود ابنتها في السجن أيضًا قبل أن تضرب رأسها بالحائط، وقد اقتنعت بشكل غريب بأن طفلتها في الزنزانة المجاورة. قالت أمام الجمهور “يمكنني التعامل مع أي شيء، باستثناء فكرة وجودها في هذا المكان.”

في وقت لاحق، قالت السجينات اللاتي تواجدن في الزنزانة مع ابنتها إن الفتاة اعتادت أن تقف بجانب الحائط بعد سماع صوت والدتها وهي تغني أغنية في الجوار.

بالنسبة لكنعان، التي تعيش الآن في باريس، يتدفق الألم إلى السطح عند كل أداء، لكنها مصممة على أن أولئك الذين عانوا ولقوا مصرعهم في الداخل لم يتم نسيانهم. قالت “المسرح أحد أشكال المقاومة.” في وسط مونولوجها، تتوقف عن مخاطبة الجمهور وتتحدث بدلاً من ذلك عن ذكرى خالد، أفضل صديق لها، والذي رأته آخر مرة يوم اعتقالهما. قالت “أفكر فيك كل يوم، وطوال الوقت. أفتقدك كثيراً.”
------------------------
المصدر : الفنار للإعلام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق