تصنيفات مسرحية

الأربعاء، 21 أغسطس 2019

بنية الحوار المسرحي بين الكلمة والفعل: البحث عن المعنى في سياقات متحركة

مجلة الفنون المسرحية



٭بنية الحوار المسرحي بين الكلمة والفعل: البحث عن المعنى في سياقات متحركة


 مروان ياسين الدليمي


في موضوع كتابها الموسوم «بنية الحوار المسرحي واشتغالها بين الكلمة والفعل» هناك سؤال جوهري، شكَّل منطلقا أساسيا في مشروع الباحثة الأكاديمية سهى إياد العزاوي، كانت قد طرحته على نفسها ليكون مرتكزا جوهريا تستدل من خلاله على مسارات بحثها: «هل من مساحة خصوصية للحوار، يمكن  من خلالها إعادة وصهر أشكال وصور وأفعال درامية وفق ارتكاز تحليلي وقاعدي؟ الهدف من السؤال أن تصل في جهدها العلمي بالكشف عن كيفية اشتغال الكلمة وتوليدها فعلا دراميا، يستند إلى ما تمخض عن الإطار النظري من مؤشرات باعتماد النص المسرحي العراقي عينة تطبيقية، وهذا الخيار التطبيقي لوحده يعزز أهمية مشروعها، طالما قد وضع النص العراقي في مركز الاهتمام والبحث، بما يستحقه من قراءات نقدية أكاديمية.
هذا الإصدار في الأساس كان مشروعا علميا سبق أن نالت عنه سهى العزاوي شهادة الماجستير من كلية الفنون في جامعة بغداد، لذا جاء الكتاب بتنظيم أكاديمي رصين. الفصل الأول منه كُرِّس لتحديد الإطار المنهجي للبحث، والتطرق إلى مشكلته والحاجة إليه وأهميته إضافة إلى أهدافه وحدوده، ومن ثم تحديد المصطلحات، وهنا لا بد من الإشادة بجهد المؤلفة في توظيف التداولية في دراستها، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار غياب هذا التوظيف في الدراسات المسرحية الأكاديمية خاصة في العراق.

الكتابة فضاء مُركّب

الفصل الثاني حدد الإطار النظري للبحث، وقد احتوى على أربعة مباحث، الأول حمل عنوان «قراءة النص» وفيه تؤكد المؤلفة على أن فك شيفرات النص يحتم الاعتماد على ضابط ارتباط وظيفة الكلام البشري بالنسق الذي تتركب عليه أجزاؤه، بحيث تغدو القيمة الأساسية لكل خطاب بشري ليس في طبيعته الذاتية، إنما في كيفية تركيب عناصره، وبتقبله بالمعيار نفسه الذي ركبه عليه صاحبه، ثم تستعرض لنا ما جاءت به الألسنية من فرضيات وأطاريح لتفسير الظاهرة اللغوية، لأجل رصد الوقائع، مشيرة إلى أنهم قد اعتمدوا على بنى الجمل صوتيا وتركيبيا، وفي هذا السياق أخذت اللسانيات تتعامل مع الظاهرة اللغوية «لا بوصفها ظاهرة في التاريخ ثبتتها النصوص القديمة، صيغة وتركيبا ودلالة، ووقفت شاهدة عليها، ولكن بوصفها آنية تشد التاريخ إليها وتتجاوزه، في الزمان والمكان، إلى خارج النصوص، وهذا يعني أن للدلالة في الألسنية عدة معان للعبارة، ويمكن لهذا المعنى أن يكون متغيرا في ما بعد، ويجعله السياق أكثر دقة.

ليس هناك من نص بِكر، وإنما هو نسيج من الاقتباسات والانحدارات الثقافية، وأن داخل أي نص تستطيع التعرف على نصوص سابقة وحالية، وهو ما دعاه بالتناص

وهنا تضع العزاوي شروطا ثلاثة للعلاقة اللسانية التي وضعها سوسير:
1- أن تكون العلاقة اللسانية دالة على المعنى .
2- أن تكون مستعملة في مجتمع لساني يفهمها
3- أن تنتمي إلى نظام من العلاقات اللغوية .
وتتابع الباحثة قراءتها في هذا النسق فتورد لنا ما عبّر عنه رولان بارت حول قراءة النص بإشارته إلى أنه ليس هناك من نص بِكر، وإنما هو نسيج من الاقتباسات والانحدارات الثقافية، وأن داخل أي نص تستطيع التعرف على نصوص سابقة وحالية، وهو ما دعاه بالتناص، فالكتابة من وجهة نظر بارت فضاء مركب وحيادي ومنحرف وسلبي، وما يكتب هو مكتوب أصلا، ولكن نظام الكلمات هو الذي تبدّل .

اصطفاء لغة الحوار

جاء المبحث الثاني مخصصا للحوار، فيضع أمامنا جُملة واضحة ربما تبدو للوهلة الأولى لا تقبل النقاش: «لا يوجد في الحوار المسرحي حوارا نفعيا وآخر غير نفعي». فالحوار الدرامي، كما عبرت عنه، ليس بالحوار المُقتطع من الحياة، ولكنه يبدو طبيعيا، وتضيف إلى ذلك، فهو في النص المسرحي أكثر تجريدا أو شكلية من الأحاديث اليومية الاعتيادية لأن الكاتب الدرامي يعمد على الدوام إلى اصطفاء لغة ذات أسلوب تصعيدي مصاغة بتؤدة تتجاوز ما يفعله أي إنسان خلال أحاديثه اليومية، بالنتيجة فإن حوارات الشخصيات في المسرحيات الواقعية تكون أدق وأوضح وأبلغ تعبيرا من الأحاديث اليومية نفسها، بالتالي ينقل الحوار وهم الكلام الحقيقي أو الواقعي. ونظام الحوار الدرامي يرتكز على النظام اللغوي والنظام اللغوي التداولي والنظام اللغوي الخاص بالكاتب، ومن ثم النظام اللغوي الخاص بالنص. وبخصوص الحوار في النص المسرحي يشير الكتاب إلى أنه يأخذ أشكالا عدّة، فقد يكون بين شخصين وأكثر، أو بين الشخص وذاته، أو يتحدث إلى ما حوله من الأشياء أو حواره مع ربه. أما عن أهمية الحوار فهناك تأكيد على أنها تكمن في آلياته الوظيفية والفكرية والجمالية المتعددة، فهو العنصر الأهم في أداء الوظيفة الدرامية للنص منذ المسرح الإغريقي، وحتى المسرح الطليعي بمختلف مدارسه. ويبقى الحوار لسان حال الشخصية والناطق عنها والكاشف عن مراحل تطورها وأفكارها، فيعمل على الارتفاع بها من المحسوسات والجزئيات إلى الأمور الكلية الشاملة، ومثلما هناك فرق كبير بين حوار مكتوب في النصوص الكوميدية عن المكتوب في التراجيديا، فإنه يختلف بشكل واضح بين النصوص، حسب المدارس الفنية، التي يتم صياغته وفق تقنياتها، فالحوار في النص الكلاسيكي يختلف عنه في التعبيري والبرشتي (الملحمي) وفي مسرح العبث واللامعقول. أيضا يكشف الحوار عن أنواع من الصراعات، أبرزها صراع أفقي مرتبط بالكيان الاجتماعي، وصراع عمودي يتجسد في صراع الشخصية مع ذاتها، وبهذا الخصوص يتم اقتباس كلمة الناقد الأراديس نيكول: «إن الحوار هو موضوع المسرحية بأكمله وجميع الشخصيات المسوقة، فلا يمكن تصويرها والكشف عن مكنوناتها إلا باللغة».

المسرح والشعر

في المبحث الثالث نبذة تاريخية حول نشأة النص الشعري، ليعود بنا إلى الطقوس الإغريقية التي كان يتم فيها الاحتفال بالإله ديونيسيس، ومن تلك البذرة نمت شجرة الدراما بأسلوب شعري حمل بين طياته روحا درامية، أفضت بالتالي إلى ولادة النص المسرحي، فالشعر إذن كما تشير إلى ذلك هو الوعاء الذي صب الإنسان فيه أفكاره منذ قديم الأزل، فكان المعادل بين اللغة والحالة الشعرية، وتقلّب وتحوّل وانتقل بينهما وبين الدراما، التي تُبنى على الصراع وتجسيد الفعل، فالشعر يحمل قيمة تعبيرية عالية، وبهذه التعبيرية يبتعد المسرح عن الحياة بمعناها اليومي قليلا، أو كثيرا. وهنا لا تجد المؤلفة تفسيرا عميقا لهذه العلاقة المركبة بين الشعر والمسرح، سوى أن الأرواح هي التي تتحدث في المسرحية، وهو ما أعطى للمسرح أساسا فلسفيا، وفي هذه المسألة تَخلُص إلى أن العمل الشعري ذا الطابع الدرامي إنما هو بناء على مستويين، مستوى الفن ومستوى الحياة ذاتها، ثم تواصل بحثها في السياق التاريخي لِتقلب أوراق مسرح عصر النهضة الأوروبية الذي شهد ولادة الكلاسيكية الجديدة في فرنسا، ومن بعد ذلك ما حصل من تحول كبير في القرن التاسع عشر، حيث تحول الحوار من الشعر إلى النثر على يد هنريك أبسن ومدرسته الواقعية لاعتقاده أن الحوار الشعري بعيد عن الشخصية الناقلة لوهم الحقيقة.

المسرح الشعري ليس قائما على الشعر، وإنما على المفاهيم التي يقوم عليها الشعر، ويشتغل بها، وإن الشعر في الدراما الشعرية ليس أسلوبا للتعبير، وإنما هو جزء أساس وضروري في بنائها العاطفي والفكري.

ومن هذه المدرسة الواقعية ولد الكثير من الاتجاهات في التأليف أعلنت بدورها الثورة على الواقعية، ولأجل أن تكتمل تفاصيل الصورة في هذا المنحى يتم التطرق إلى نوع من الكتابة المسرحية يعتمد فيها بعض الكُتَّاب على تقديم نصوص ذهنية تتصارع فيها الأفكار، ولتتصف حواراتها بالازدواج ما بين أفكار عميقة وحوارات درامية مؤثرة في تكوين صورة حسية، وأبرز مثال على ذلك في الأدب العربي من وجهة نظرها نصوص الكاتب المصري توفيق الحكيم.
وخلاصة ما تصل إليه في موضوع الشعر والمسرح والعلاقة بينهما، أن المسرح الشعري ليس قائما على الشعر، وإنما على المفاهيم التي يقوم عليها الشعر، ويشتغل بها، وإن الشعر في الدراما الشعرية ليس أسلوبا للتعبير، وإنما هو جزء أساس وضروري في بنائها العاطفي والفكري.
تناول المبحث الرابع من الفصل الثاني موضوع اشتغال الحوار بين الكلمة والفعل، وهنا تجد سهى العزاوي أن تراكيب واستعمالات البنية والحوار ونمط العلاقة من حيث الاشتغال والمفاعلة بينهما وبين الفعل والكلمة تتعالق بشكل كلي مع التداولية، ولهذا عنيت بتحديد مفهوم التداولية التي جاءت، حسب ما أشارت إلى ذلك كردة فعل على التوليدية التي جعلت من المعنى مركزا داخل النص، أي أن التوليدية تعاملت مع اللغة بوصفها بنية مجردة ذهنية يمكن عزلها عن وظيفتها ومستخدمها، بينما عملت التداولية على الانفتاح على علاقة النص ومستخدمه، أي أن المعنى يتشارك ما بينه وبين فعل الاستخدام، حيث أن التداولية تدرس المعنى الثابت في سياقات متحركة وتقوم على بحث العلاقة بين اللغـــــة ومتداولـــها، فهــــي تســـمح بتحلـــــيل عمليات الكلام ووصف وظائف الأقوال اللغوية وخصائصها لدى التواصل اللغوي، وتدرس علاقة العلامة بمتحدثها، أي أنها تركز على المحور العملي للمعنى، أي الاتجاه الوظيفي. وتضيف إلى ذلك أن التداولية تفــــترض وجود متكلم ومُخاطب ولهذا يلاحظ أن عموم تعاريفها ترتبط بمفـــــهوم الاســـتعمال، وفي الوقت نفسه تؤكد المفهوم الضمني والدلالة الخفية أو البنية العميقة، ولهذا عملت على دراسة كيفية تفاعل الخصائص اللغوية والعوامل النصية في تأويل الملفوظات، مؤكدة على المقاصد وما بعد تأويل العلامة، بذلك ترى أن العلامة أصبحت هي المرتكز الذي تستند إليه التداولية وصولا إلى مقصد المؤلف، كما تهتم أيضا بدراسة الموقف الكلامي فتوكد القصد الإخباري والقصد التواصلي، بمعنى أسلوبية التفسير.
وفي مكان آخر تضيف العزاوي أن التداولية بوصفها تحليلا نقديا يبحث عن حالة اللاتطابق بين ما ننطق به والسياق الذي يرد فيه الكلام، وحالة اللاتطابق هي التي تحرك في المتلقي حالة التواتر عندما يحاول إقامة علاقة بين ما يراه داخل العمل الفني والمخططات التي اكتسبها عبر وعيه الجمالي. مضيفة أن هذا تأكيد على أهمية تشكيل الصورة الذهنية الجمالية الناتجة من سياق الحوار النصي، وكذلك في المواءمة بين هذا السياق ومخططات القارئ، فالتداولية تركز على العلاقة بين العلامة والمتلقي.
أما بخصوص إجراءات البحث التي استعرضها الكتاب في الفصل الثالث فقد اعتمدت العزَّاوي على نصوص مسرحية عراقية منشورة ضمن الفترة 1938 – 2003 . واختارت عينات بحثها من نصوص مسرحية نثرية وشعرية، ووقع اختيارها على نموذجين، النص الأول بعنوان «مملكة الاغتراب» وهو نص نثري للمؤلف فلاح شاكر، والنص الثاني «نوح لا يركب السفينة» وهو نص شعري للمؤلف محمد علي الخفاجي.
الفصل الرابع من الكتاب يتعلق بجملة من النقاط تمثل خلاصة ما توصلت إليه المؤلفة من نتائج واستنتاجات وتوصيات ومقترحات.

٭ «بنية الحوار المسرحي واشتغالها بين الكلمة والفعل»: سهى إياد العزاوي.. الطبعة الأولى 2019.. دار الإبداع للطباعة والنشر والتوزيع – صلاح الدين.. عدد الصفحات 280

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق