مجلة الفنون المسرحية
عرض مسرحية "قادمون" لسامي النصري في الدورة الأولى للمهرجان الوطني للمسرح التونسي على مسرح مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف
عرض مسرحية "قادمون" لسامي النصري في الدورة الأولى للمهرجان الوطني للمسرح التونسي على مسرح مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف
احتضن مركز الفنون الدرامية والركحية مساء السبت 21 سبتمبر عرضا لمسرحية "القادمون"عن نص «ديوان الزنج» لعز الدين المدني دراماتورجيا سامي النصري وقام بأدوارها كل من المنجي الورفلي وهيفاء الطويهري وناجي الشابي ومحمد السعيدي وزهير عروم ومحمد سليمة وشوقي سالم وسوار عبداوي وسيف الدين شارني، وهي من انتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف.
«القادمون» أو «ثورة الزنج» في قراءتها الجديدة تضعنا أمام الزمن الآتي سنة 2021، «حرب، دمار، شتاء كاسح جاف، غبار كثيف، وأناس شرّدوا، غُمّة وهروب، دماء تغطي الأرض... ولا أحد يجيب» هكذا يقول الصوت على ركح مظلم أو يكاد وهو يعلن عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتأزم لزمن الحكاية ومكانها سراورتان، زمن موت «القائد» محمد بالشيخ وهو مدير فرقة مسرحية حرة لها تاريخ حافل بالنجاحات... يتغير الوقت ويلتقي أعضاء الفرقة بعد عام بمقرها ليكتشفوا الخراب الذي طالها، وحشة وخواء ورطوبة تعم المكان، الكتب والملابس والديكور واللّوج... كلها أحرقت، باب مغلق ومفتاح مفقود.... تتردد أصوات تنادي «القائد» ليعود من موته وتصرخ بوجود أطراف تدفعهم للاستسلام، تدعو لتوحيد الصفوف لاكتساب القوة على المواجهة لتبقى الفرقة حية... تدخل خضرا ابنة القائد لتقرأ عليهم وصيته «خمسون عاما من الجهد والكد تكوينا وعروضا ومهرجانات... خمسون عاما من الفقر والضياع وجنون الانتظار... أعطينا للمسرح كل شيء ولم يعطنا شيئا، المسرح اليوم تجارة ونحن قاومنا لسنوات طويلة بلا جدوى ولا معنى.... اتركوا المسرح ذكرى وصوتا بعيدا، أغلقوا أبوابه واختفوا أحرارا» تلك وصية القائد لأعضاء الفرقة ترتفع بعدها الأصوات من جديد تنادي بأن المسرح حق وترفض التسليم... في خضم هذا الجدل تدخل مجموعة من الإعلاميين الفضاء وتحدث مواجهة بينهم وبين الممثلين، الإعلام يتهمهم بالفشل وتردي المعنى ويقترح عليهم مسرحا بديلا يسلّي الجمهور لأن مسرحهم لم يعد مجديا، والممثلون يستعرضون نجاحاتهم السابقة رغم غياب الدعم وجور القوانين ويذكرون بعمل اشتغلوا عليه سنة 2019 يحكي عن التحولات الجينية لدى الإنسان نتيجة الحروب والآثار التي تتركها الأسلحة الفتاكة عليه هذا العمل الذي أحرق إثره المسرح في عملية إرهابية لا يزال منفّذها حرا.
في الأثناء تشتعل نيران التمرد والعصيان في الجنوب وينتشر العسكر في كل شبر منه. بعد التحاق صابر وبعده خضرا بالجنوب تجتمع الفرقة من جديد وتقترح الاشتغال على نص تركه القائد وهو «ثورة الزنج» لمواجهة تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية من جهة واستعادة مجد فرقة «الشمس» المسرحية من جهة أخرى، نص يعود تاريخه للقرن الثالث الهجري حيث تطرح ثورة الزنوج باعتبارها حدثا تاريخيا وسياسيا مدى قبول المجتمع للمختلف وتعامله معه وتبرز العلاقة بين الحاكم العباسي والحاكمين الجدد وحيلة الحاكم لكبح حوار التغيير... وها هو التاريخ يعيد نفسه بشخصيات مختلفة وكأن قدر الإنسان مرتهن بمدى صموده أمام جور الحكام.
ببداية العمل على هذا النص الجديد ينقسم فضاء اللعب بين الشمال والجنوب، حيث تابع الجمهور لقاءات الفرقة التمثيلية بالشمال وتأزم الأوضاع بالجنوب وفي خضم هذا يتابع محاولات الفنان المتكررة ليكون له دور في حل الأزمة أو جزء منها كما يتابع عمق مأساته النفسية في زمن الانقلابات والفوضى العارمة والفساد المتفشي وهو يناضل على جبهتين... كما تابع على مراحل سردا لمقاطع من النص الأصلي لثورة الزنج يتلوه ممثل يدخل ويخرج حسب السياق الدرامي.
شخوص مسرحية «القادمون» التي تابعنا عرضها الأول راوحت بين شخصيات ثابتة ومحددة وشخصيات جماعية: أعضاء الفرقة، الصحفيون، الحراس والمواطنون، يدخلون فضاء العرض حسب تطور النسق الدرامي وتغير الأحداث يأخذون المتلقي في ركض سريع لمتابعة الحكاية ولا يتركون له الوقت ليسترد أنفاسه في عرض تواصل على امتداد ساعتين على ركح فقير من الديكور شحيح الإضاءة وعبر خطاب مباشر أحيانا ومغرق في القتامة أغلب الأحيان يضعه أمام مصير ضبابي وهو يستشرف حال البلاد والعباد بعد عامين من الآن.
«القادمون» حملت الكثير من الاشارات الدالة على وضع المبدع في بلادنا ومعاناته كما قامت بما يشبه التشريح الموجع لما نتخبط فيه اليوم من صراعات جعلت المواطن لا حلم له سوى الرحيل...
عمل جدّي يدفع بالمتابع إلى الصبر والمقاومة لما تنبأ به الأوضاع الآن وهنا وحتى نضمن سلامة البلاد والعباد.
------------------------------------------------
المصدر : المهرجان الوطني للمسرح التونسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق