تصنيفات مسرحية

الأحد، 13 أكتوبر 2019

تأبين عملاق المسرح سامي عبد الحميد في بيت المدى

مجلة الفنون المسرحية

 تأبين  عملاق المسرح سامي عبد الحميد في بيت المدى 

بغداد/ محمد جاسم - المدى  

كعادته في استذكار وتأبين رموز الثقافة العراقية، كان بيت المدى في شارع المتنبي سباقا في تأبين عملاق المسرح العراقي "سامي عبد الحميد" كأول مؤسسة تؤبنه.



وكان تأبينا فخما يتناسب وعظمة هذا المعلم الذي كان خير مدرسة في المسرح العراقي لاجيال كثيرة تخرجت من تحت عباءته، اذ انه امضى اكثر من سبعين عاما في الفن مؤلفا ومخرجا وباحثا واستاذا جامعيا ومشرفا على الآلاف من اطاريح الماجستير والدكتوراه.

سيد المسرح

قدم للجلسة د. سعد عزيز عبد الصاحب وقال:- كيف لي ان ارثيك يا سيد المسرح والحياة، وانا لا اجيد الرثاءات.. سيد معنى المعاني.. المبهر بالماء والنار والعاصفة. كيف لي ان استذكر مآثرك ومناقبك وهي اكبر واوسع من ان تحصى او تجمع.. كيف لي ان ادخل قاعة المسرح ولا اتوضأ ببهاءك وصوتك المجلجل الذي اكتنز في المتنبي كل احتجاجاتنا ومراراتنا ورفضنا. كيف لي ان ادخل قاعة الدرس ولا اراك قائما قبلنا تمسك بكتاب او دفتر صغير.. تقاطعني بابتسامة.. ان اتفضل.. وانا الذي لم يتجاسر على الدخول. ففي هيبتك ووقارك شيء لا يدركه الا الراسخون في العلم.

60 كتابا

واضاف:- كيف لي ان اقلب صفحات كتبك التي ناهزت الاربعين كتابا وعشرين اخرى مترجمة، دون ان اقف مذهولا صاغرا لجهدك الجبار. وانت تعطي المعنى والامثولة والموقف الحي حين اعليت من شأن الممثل في الحياة عبر ادائك السامق للشخصية حمادي في مسرحية نديمكم هذا المساء. وتجربتاك الاخراجيتان اللافتة لمسرحيات (الى اشعار آخر) و(الكفالة) و(شكرا لساعي البريد). ودعا الى اقامة تمثال نصفي للراحل امام قسم المسرح بالكسرة.

متحف العظماء

وقال د.صلاح القصب:- لا ارثي الوهج الذهبي في مسرحنا، لانه الزمن المتدفق والجيل الاول الذي يشكل الفضاء الاوسع لمدخل رسم خارطة وهندسة فضاءات المسرح العراقي. سامي كان حلقة في هذا الجيل واسس قراءات اخراجية جديدة. واخترق موجة البحر بمركبه الفظي ليؤسس مدنا جديدة حول عباب المحيط. رحلته كانت تشع ضوء الذهب الذي يمتزج بموجات البحر الفضية، وكان بحارا يعرف خطورة الامواج كي يصل بنا الى ما نحن الآن. رحلته اكتشافية.. اكتشف قارة التجريب فكان اول مجرب في مسرحنا. اقترح على وزير الثقافة اقامة متحف العظماء لمبدعينا في شتى مناحي الحياة حتى نحفظ لهم انجازاتهم العظيمة.

شيع بلا ممثل للحكومة

الفنانة د.عواطف نعيم قالت:- من الصعوبة ان تتحدث عن استاذك، في وقت يقتلنا التجاهل الرسمي للمبدعين الكبار. سامي قامة كبيرة صعب ان تتجاهله الدولة، كما تجاهلت مبدعين آخرين. هل ننسى ابو عطية في الذئب وعيون المدينة او المتنبي. كان يؤمن بان العلم كنز ثمين ولم يبخل على احد بعلمه وفهمه ووطنيته. رافقته تلميذة وممثلة ومخرجة وفي كل الاوقات كان مبدعا كبيرا ومتواضعا بشكل مدهش. هو مترجم قدم لنا كنزا من المعلومات والتجارب. ومؤلف للعديد من الكتب التي تنور حياتنا المسرحية. زرته في المستشفى ويغسلون كليته يوميا لمدة ثلاث ساعات ونصف. ويكلف ذلك 250 الف دينار يوميا في المستشفى الخاص ولانه لا يملك ذلك دخل في المستشفى الحكومي. (والله كثيرة على سامي عبد الحميد العملاق ان تدفع له الحكومة مثل هذا المبلغ). ويبدو ان الحكومة تسعد برحيل المبدعين. ومع الاسف انه شيع بلا ممثل للحكومة لا وزير ثقافة ولاغيره. مع كل الاسف ان يحدث ذلك في عراق خدمه عبد الحميد اكثر من سبعين عاما. علينا كما قال القصب ان نقيم متحفا للعظماء.

في السبعين ويمثل بروح الشباب

الفنان عزيز خيون قرأ ابياتا للشاعر حسب الشيخ جعفر قال فيها:- لوانني مثل ابي العلاء اعرف كيف امسك الفؤاد كالثور من قرنيه او اكتف الهناء من قهوة الهموم والسهاد. لوانني مثل ابي نواس يضيء لي الجبين جوهرة بيقيني بجرة مكتوفة لو شاء، لو ان قلبي قشة من ريح تأخذه مني فاستريح. وهكذا مات سامي عبد الحميد... كنت محظوظا لاني تتلمذت على يديه وبقية الكبار. سأتحدث عن موقفين مع استاذي الراحل الاول في مسرحية مع المخرج ((ابراهيم جلال)) جاء سامي متأخرا فوقف يعتذر لكن جلال لم يعذره. وظل يؤنبه ويسمعه كلاما لاذعا وهو مكتوف الايدي ويكرر نعم استاذ وحاضر استاذ. هكذا هي اخلاق الكبار. 

والثانية كنت مخرجاً في ((ابحر في العينين)) ورافقني ممثلا مع د.عواطف نعيم كاتبة للنص وممثلة، والفنان ((صفوت الغشم)) من اليمن مع د. رياض شهيد من العراق. فعلمني الكثير، وفاجأني بالاكثر… في تواضعه الجم، وهو يستقبل ملاحظاتي، برغم انشغالاته التي اعرف واقدر، كنت اسابقه بالحضور للتمرين لكن لم افلح، لانه يسبقني دائما. وكانت قاعة التدريب مخزنا للازياء في بغداد، ينعدم فيهاالتكييف، كالمقلاة الكبيرة، وسامي يعصر فانيلته فينز منها الماء من الحر. ويشكو من كبر سنه والحالة تتطلب عمر الشباب وتحمله، لكني ظللت اشجعه بانه شاب وبامكانه التحمل. ويعتذر ونعود الى ان اكملنا البروفات. ثم قدمنا العمل بنجاح كبير في مهرجان المسرح الاردني.. فقال احدهم (في هذه الليلة لم نر سامي عبد الحميد ابن السنوات السبعين، انما لمسنا فيه روح الشباب وهي تبدع على المسرح حياة تتجاوزالتوقع).

سامي لا يفنى حين يدفن

وقال د.حسين على هارف:- انكم تدرون اننا.. حين نموت لا نعود.. لم يعد يوما من الموت احد.. رغم هذا، فالبذور،لا تفنى حين تدفن... ربما الانسان ايضا لا يفنى حين يدفن.. ربما سامي لا يفنى حين يدفن ولهذا قد يعود ذات يوم.. ذات عرض.. فاتركوا له في عمل المسرح مقعدا شاغرا... وانتظروه. واضاف هارف:- انه يفخر بان يكون قد تتلمذ على يد الراحل في مرحلة البكلوريوس ثم اشرافه على دراسته للماجستير ومعها الدكتوراه. وعمل معه كمساعد في التدريس واخراج جزيرة الماعز وكليوباترا. لقد رحل عرابنا وترك من بعده ارثا خالدا. ويجب ان نستذكره دائما. 

غاب وظلت مشاريعه قائمة

وقال الاعلامي طه رشيد:- الاكاديمي والفنان عبد الحميد واحد من قلة ممن يبحثون عن الجديد الإبداعي مخرجا كان ام ممثلا، فشهد له مسرحنا تجارب ما زالت خالدة في الذاكرة: تموز يقرع الناقوس، قرندل، حفلة سمر من اجل حزيران، هاملت عربيا، بغداد الازل بين الجد والهزل، نفوس، رحلة في الصحون الطائرة، اغنية التم، الملك لير، المتنبي، ثورة الزنج، ملحمة كلكامش، بيت برناردا البا. وتجارب سينمائية وتلفزيونية. لكن هواه ظل مسرحيا، مكرسا جل وقته للفن المسرحي تطبيقا ونظريا، فكتب العديد من الكتب والمقالات والترجمات. ذهب سامي عبد الحميد وما زالت مشاريعه قائمة، وسنواصل المسيرة على خطاه بالبحث عن الجديد. لقد وقفت كل الجهات المسرحية العربية احتراما لغيابه الجسدي، أما سلطاتنا الثلاث فلم تنتبه لغياب قامة باسقة، فلا علم نُكس ولا برقية تعزية وصلت ولا حضور «رفيع» في يوم تشييعه.

شيخ أم عميد أم ملك

وقال كمال العامري مدير بيت البياع الثقافي:- الراحل كان مشرقا بيننا منذ ايام في سوح الدراما وصولات الفروسية في التمثيل والاخراج. في المسرح كان شيخا ام عميدا ام ملكا ام كل العناوين؟ لم المس في غيره كتواضعه وخلقه المتسامي. برحيله ارتسمت في حدقاتنا جميعا حيرة الايتام. وقال الفنان كافي لازم:- زرته قبل يومين من وفاته في منزله واكد على احياء فرقة الفن الحديث العريقة. وقبلها قابلنا وزير الثقافة وسنقابل امينة بغداد للبحث عن مكان للفرقة، ونكحل عيوننا بيافطة تحمل اسم الفرقة مجددا. ثم قدم اغنية من مسرحية ثورة الزنج التي اخرجها الراحل. كما قدم مشهدا من حوارية مسرحية المتنبي التي مثلها عبد الحميد. كما تحدث الفنان د. جبار محيبس فقال:- كان فنانا حداثويا مؤمنا بالعلم وناصيته، وطيبا ومتواضعا. وتخليدا له كتبت نصا مسرحيا بعنوان (ارامل سامي عبد الحميد) تلك المسرحية التي لم يقدمها رغم محاولاته العديدة. اخيراسيبقى رمزا لكل الاجيال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق