مجلة الفنون المسرحية
المؤلف حسين عبد الخضر |
بفصل واحد
الشخصيات :
المتظاهر الأول
المتظاهر الآخر
الفتاة
متظاهرون
( ساحة التظاهر. شاب يقف في حوض عربة حمل صغيرة ( ستوتة) ويخاطب بعض المتظاهرين الملتفين حوله).
الشاب: حرصا منا على ديمومة التظاهرات، قررنا أن نبعثر دخان القنابل المسيلة للحزن هنا ببعض النشاطات الترفيهية الثورية.
( تصفيق وصفير).
الشاب: كفى، كفى. ( يتوقفون عن التصفيق والصفير) قررنا أن يكون نشاطنا الترفيهي الأول تمثيلية. ( يتوقف عن الكلام قليلا، ثم يكمل): هل تعرفون ما هي التمثيلية؟
بعض المتظاهرين: لا، لا نعرف.
الشاب: التمثيلية هي عالم مصغر كل ما فيه كاذب، الأحداث كاذبة، الأفعال وردات الأفعال مصطنعة، حتى أسماء الأشخاص ليست حقيقية. التمثيلية مثل حكومتنا التي تتظاهرون ضدها بالضبط، ليس فيها شيء حقيقي. قتلة ولصوص يمثلون أنهم ساسة، اجتماعات فارغة تعقد وقد أخذت القرارات الحقيقية خارجها، خطب طويلة من الكذب المفضوح، أصدقاء خصوم وخصوم أصدقاء، خطوط حمر ليست أكثر من ثقوب سود في حياتنا. . هل أصبح الأمر واضحا؟ صرتم تعرفون الآن ما هي التمثيلية؟
أحد المتظاهرين: لا، لم يصبح الأمر واضحا، تكلم بوضوح أكثر كي نفهم. نحن هنا منذ أيام للمطالبة بالوضوح لا أكثر.
الشاب: جيد، سأضرب مثلا آخر.
( تصفيق حاد وصفير من بعض المتظاهرين).
الشاب: التمثيلية هي حياتكم السابقة، قبل أن تجتمعوا في هذا المكان للمطالبة بحياة أفضل، عندما كنتم تقولون نحن بخير وأنتم لستم بخير، عندما كنتم تتظاهرون بالرضا والقناعة فيما كل خلية فيكم غاضبة لاغتصاب الوطن وحقوقكم في هذا الوطن من قبل جماعة تافهة من قتلة ولصوص. التمثيل هو كل حياتكم السابقة قبل أن تعلنوا رفضكم للظلم.
( تصفيق وصفير من بعض المتظاهرين. الشاب يدور في حوض ( الستوتة) محييا الجمهور بفرح).
الشاب: هل فيكم من شعر بأنه يعيش حياته الحقيقية هنا؟
المتظاهر الأول: الكثير منا يعرفون أن المكان الطبيعي للشعب هو ساحات الرفض عندما يخيم الظلم على الوطن.
الشاب: رائع، رائع. هلا صعدت إلى جانبي لو سمحت.
( يصعد المتظاهر الأول إلى حوض الستوتة، ويأخذ الشاب دور المراسل التلفزيوني).
الشاب: ( للمتظاهر) هل تسمح بإخبارنا لماذا أنت هنا؟
المتظاهر الأول: أنا هنا لأني أريد وطنا.
الشاب: هل يمكنك أن توضح لنا هذا الطلب. منذ متى وأنت تطالب بوطن؟ هل هناك من يمكنه أن يمنح وطنا للشعب؟ باختصار ودقة أكثر، ماذا يعني أن تطالب بوطن؟ تفضل.
المتظاهر الأول: عندما أطالب بوطن، فهذا يعني أني أعيش في وطن سلبته العصابات مني. أن أطالب بوطن فهذا يعني أني لم أخرج من أجل منفعة شخصية بل من أجل شعب، فلا وجود لوطن دون شعب كما تتخيل الحكومة.
( يعلو صفير وأصوات الاستنكار من المتظاهرين).
المتظاهر الأول: آسف جدا، آسف. أعرف أنهم لصوص وقتلة، لكن سياق الكلام يقتضي أن أقول عنهم حكومة. أرجو الهدوء. . هدوء رجاءا. ( يتوقفون عن التصفير، فيكمل): أريد وطنا، يعني أريد حياة حقيقية على الأرض التي ولدت عليها، وسط شعب سعيد يتمتع بكافة حقوقه.
يعلو صوت متظاهر آخر بشكل ملفت:
المتظاهر الآخر: وأهم ما نطالب به الآن هو وقف التعذيب، وقف التعذيب. لا للتعذيب.
( يهتف المتظاهرون: لا للتعذيب.)
الشاب: يبدو أن لدينا ضيفا جديدا.
( يطلب الشاب من المتظاهر الأول أن ينزل ليصعد المتظاهر الآخر).
الشاب: لماذا حددت وقف التعذيب كأهم حق؟ هل تعرضت للتعذيب؟
المتظاهر الآخر: ( يوزع نظرات الخوف في وجوه الحاضرين، ثم يتكلم بصوت منخفض): نعم تعرضت، تعرضت كثيرا، تعرضت بشدة، تعرضت طويلا. نعم تعرضت.
الشاب: يبدو أننا أمام وضع مختلف واستثنائي. هل تقول أنك تعرضت للتعذيب هنا، في هذا الوطن، على يد قواته الأمنية؟ هل تعني هذا؟
المتظاهر الآخر: نعم، أعني هذا. لا وقت لدي لأعني شيئا آخر، منذ أن أطلقوني وأنا أعني هذا.
الشاب: متى حدث هذا؟ كيف؟!
المتظاهر الآخر: قبل أيام، كنت عائدا إلى البيت من ساحة التظاهر. بعد قليل من ابتعادي عن الساحة، في مكان ليس فيه الكثير من الناس، تبعتني سيارة، فيها، في الحقيقة لا أعرف عدد من كان فيها، لكن اثنين منهم حملوني إليها، وأخذوني إلى مكان ما. وهناك. . هناك.
( يؤدي حركات إيحائية تبين أنهم نزعوا ملابسه ثم ربطوه إلى السقف، وراحوا يجلدونه).
( يعلو بكاء فتاة من المتظاهرين قبل أن تهتف ويهتف بعدها الجميع): نريد وطنا، نريد وطنا.
( يطلب الشاب من المتظاهر الآخر النزول لتصعد الفتاة).
الشاب: لماذا أنت هنا؟
الفتاة: لأني بلا وطن.
الشاب: تكلمي بوضوح أكثر لو سمحت.
الفتاة: في الأوطان الكبيرة هناك وطن صغير لكل واحد منا يلجأ إليه عندما يتعب. وطن صغير ككهف في جبل أخضر، هكذا هي العلاقة بالضبط، كهف في جبل. عندما تقتل الوطن الكبير فإنك تقتل معه الكثير من الأوطان. . هل تعرف أن كل إنسان وطن؟!
( يعلو صوت الرصاص وتنهال القنابل الدخانية. تعم الفوضى ويسقط الكثير من الشهداء والجرحى).
الفتاة: ( وقد سقطت إلى جانب جثة الشاب على الأرض. تخاطب الجمهور): هل تعرف أن كل إنسان وطن؟!
دخان
الناصرية
حسين عبد الخضر
Husayna73@yahoo.com
3/ 12 / 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق