مجلة الفنون المسرحية
الكاتبة ايمان الكبيسي |
الشخصيات :
حفار القبور ويقوم بدور احد صحابة يزيد.
حبيب بن مظاهر ويقوم بدور المراة والطفلين.
المنظر (مجموعة قبور في مقبرة وجثث ملقاة على الارض، بئر قديم مهجور، داتا شو في اعلى المسرح، صوت حفار القبور وهو ثمل ينشد شعرا للسياب، ويمسك بزجاجة الخمر، يدخل المسرح)
اللوحة الاولى
حفار القبور: بين القبور الموحشات
وعلى الخرائب والرمال، وكان حفار القبور
متعثر الخطوات يأخذ دربه تحت الظلام
يرعى مصابيح المدينة وهي تحقق في اكتئاب (يستدرك)
عن اي اكتئاب تغني يا سياب؟ (صوات غربان)
اهو ما تشعر به؟ ام احساسي الذي يلازمني دوما؟ عليّ اختيار جثة مناسبة لطلبة كلية الطب، فالمبالغ مغرية (ينظر الى الجثث، ويهز راسه ويفرك عينيه، ليصحو من ثمالته، ثم ينظر الى زجاجة الشراب، مع مؤثر صوت) هل هذا الشراب مغشوش، ام اني كبرت على الثمالة؟ (يتلمس الجثث) لالالا انها حقيقة، لست ثملا...لكني واريتها التراب قبل ان اغادر المقبرة!!! علي ان اعاود العمل ثانية، وا خيبتاه ألن اعيش بغير موت الاخرين؟ (يعود لدفن الجثة الاولى وما ان يذهب الى الثانية حتى تلفظها الارض فتخرج من القبر، مع صوت انفجار) انها ليست ثمالة انه الجنون...منذ عقود وانا اعمل دفن الاموات لم يحدث لي مثل هذا الموقف.(يتحدث الى الارض) اصدقيني ايتها الارض لماذا ترفضين إسكان زوارك، القبور حيوانات زاحفة، والمقبرة ما ترد ميت، شنو القضية؟ هل امتلاتِ بالساكنين؟ ام اغلقت حدودكِ بوجه جوازات السفر الجديدة؟ سألقي بهم في البئر، واعيد بناء قبورهم دون ان يعلم احد بذلك (يحاول وضع الجثة في البئر، فتنطلق صرخات من البئر تخيف الحفار). صرخات تثقب جدران الصمت، الاموات نائمون(بخوف) من الذي فعلها؟ (يصرخ منزعجا) وما ذنبي انا؟ اين اذهب بالجثث؟ والكل يرفضها، هل علي حملها كما احمل اوزاري على ظهري؟ اجيبوني؟! (يدخل المسرح، حبيب بن مظاهر وهو يمثل دور مختار القبور)
اللوحة الثانية
حبيب: ايها الدفان انك تقلق نوم الموتى وتزعجهم، ما الذي يغُضبك اليوم؟
حفار القبور: يا مختار القبور، كل يوم انهي عملي دون مشاكل، اما اليوم فالامر غريب!!! هل اني بالغت في الثمالة؟
حبيب: الا متى تبقى في غيك؟
الحفار: حتى يأتي الله بامره.
حبيب: استغفر وتب.
الحفار: اخبرني يا ابا القاسم، حُل لي هذا اللغز.
حبيب: ماذا تقصد؟
الحفار: دفنت تلك الجثث لاكثر من مرة، وما ان اذهب لاحتسي خمري، حتى اجد الجثث خارج قبورها، حاولت اعادتها دون جدوى.
حبيب: الا تدرك السبب؟
الحفار: ظننت انها خيالات.
حبيب: بل واقع مر.
الحفار: اصدقني القول... هل هذه حقيقة؟
حبيب: عرفتني صادقا، ثابتا على الحق، فأنا حبيبب بن مظاهر... فارس الهيجا وحرب تسعر. انا زعيم انصار سيد الشهداء وبتضحياتي يضرب المثل بالفداء.
الحفار: انت الحبيب وابن الحبيب... لكني في حيرة من امري.
حبيب: تلك ارض لا يطأها الا المطهرون.
الحفار: (يشير الى الجثث) أ كانوا يمارسون الكبائر؟
حبيب: نعم واكثر من ذلك.
الحفار: أيشربون الخمر؟
حبيب: كانوا يدعون الايمان.
الحفار: هل هم سارقون؟
حبيب: هم لعهدهم خائنون ... لمولاهم قاتلون...وللصغار معطشون...للنساء سابيون.
الحفار: حاولت رميهم في اليم للتخلص من عفونة جثثهم.
حبيب: لن يرتضي البئر غير يوسف ساكنا.
الحفار: سنلقي بهم في البحر.(اصوات امواج البحر)
حبيب: البحر شُرف بموسى، لن يستقبل النكرات.
الحفار: ستتعفن جثثهم وتفوح نتانتها.
حبيب: جزاء فعلتهم.
الحفار: كثير ممن حولنا اليوم يسرقون الاموال، ويقتلون النفس التي حرم الله قتلها وعندما يدفنون توضع لهم الاضرحة والمزارات.
حبيب: ما اشبه اليوم بالامس... هم احفاد تلك الجثث، لكنهم بعيدون عن هذه التربة الطاهرة.
الحفار: ربما.
حبيب: يعدون فيغدرون ... يقولون فيكذبون...يناصرون ظاهرا فيخونون(يذهب الى الجمهور) اينعت الثمار واخضر الجناب، وانما تقدم على جند مجندة، وما ان جاء كانوا مجندين لقتاله.
الحفار: هو خطاب سادة الكوفة.
حبيب: بل اراذل ساكنيها...مسوخ مكررة للابن ذي الجوشن...جرمهم لا تطهره مياه البحور، ولاتمحي اثره العواصف.
الحفار: انا في ذهول!!!
حبيب: هو جزاء من يقتل الناس عطشا.
الحفار: العطش جريمة؟
حبيب: من يغتصب حرية النساء.
الحفار: الاغتصاب جريمة؟
حبيب: من يقتل ضحكات الاطفال وبراءتهم.
الحفار: هذه ايضا جريمة؟
حبيب: اتشك في ذلك؟
الحفار: كيف لا يتسلل الشك الى الصدر وكل ما وصفته بالجرم يمارس اليوم جهارا نهارا دون عقاب.
حبيب: جاء ناصرا للحق حاميا لدين جده، منعا لما يحدث في يومكم.
اللوحة الثالثة
(يتطلع الحفار الى الجثث ويجد اقنعة ويرتدي احدها فيلتصق بوحهه، يحاول نزعه دون جدوى، فيتقمص دور القناع)
الحفار:لم يطلب منه مولانا سوى البيعة.
حبيب: مثله لايبايع امثالكم.
الحفار: ولاة الامر طاعتهم واجبة.
حبيب: ان وجد فيهم الصلاح.
الحفار: لايدرك ما في القلوب الا الله، واجبنا يحتم علينا درء الفتن.
حبيب: جاء للاصلاح...وانتم من دعاه للنجدة.
الحفار: ربما ... نحن بشر وكل ابن ادم خطاء.
حبيب: وتلك القبور ما ذنب قاطنيها؟ (يشير الى قبرين صغيرين) كل جرمهم انها ابناء ناصر للحق، قتلوا بدم بارد.(تظهر على الداتا شو صور لاطفال يفترشون الطرقات، بينما يفتح كتابا امام القبر ويقرأه) ياعم قتلنا طامعٌ بالجاه والمال تقربا من الحاكم الطاغية، بعد ان علم منها شرف نسبنا ورفعة اسلافنا، فما اكان منا الا ان نختم حياتنا بسجدة لله نتضرع فيها ان ينتقم من قاتلنا، ولم نعلم بعدها ماحدث له.(يغلق الكتاب) اطمئنا ياصغيري، قتل على يد اذناب الطاغية.
الحفار: في الحرب ضحايا ابرياء، هي سُنة الحروب.
حبيب: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.
الحفار: انها الاقدار.
اللوحة الرابعة
حبيب: (يشير الى احدى القبور، وياخذ الكتاب ويقرأه) انا امراة احبت زوجها حبا جما، عشت في سعادة وهناء حتى دني مني نظر الطاغية فتعلقت نظراته نحوي، ولاجل ان يشبع غرائزه وفحولته اغرى زوجي بالمنصب والمال كي يطلقني، فيتخذني هو جارية لنزواته، حاول مرارا تارة بالترغيب وتارة بالترهيب حتى انقذني منه حفيد اشرف الخلق.(يغلق الكتاب) امراة كل ذنبها انها اثارت غريزة صاحبكم، فما كان منه الا ان هدم حياتها فماتت روحا قبل ان تموت جسدا.
الحفار: الحياة عرض وطلب.
حبيب: انه اغتصاب.(تظهر على الشاشة صور لنساء من سنجار)
الحفار: لا تصعد في الحدث، صاحبكم من حاول استمالتها اليه.
حبيب: حاشا لله ان تكون هذه غايته، تضرعت امامه واستنجدت به للخلاص وماكان منه الا ان يلبي، كما لبى ندائكم فقتلتموه.
الحفار: (بقلق) هل كنا ظالمين؟
حبيب: الله اعلم بعاقبتكم.
الحفار: كل ما اردناه ان نوارى التراب، سنعتذر لصاحبك، ونستغفر.
حبيب: هذه الارض امتزجت بدمه الطاهر فلا يمكن ان تدنس بقذاراتكم.
الحفار: ارجوك اشفع لنا عنده.
حبيب: لا يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.
الحفار: ستلتهم الغربان اجسادنا (يبكي).(اصوات غربان تقترب)
حبيب: انتخبوا تربة اخرى تواري سوءآتكم.
الحفار: ضاقت بنا الارض بما رحبت. (يبكي بصوت عال، وهو يستغفر، فيسقط القناع من وجهه، فيعود الى شخصية حفار القبور) ياويلي ...ما اشقاني وانا ادنس الارض الطاهرة كل يوم بثمالتي وسكري...هل سترفضني الارض كما لفظت المدنسين بالجرم...ورفاتي تصبح طعاما للطيور؟ يامختار القبور ادعوا لي ربك ليغفر لي خطيئتي وعظم ذنبي.
حبيب: استغفر بقلب صادق، وتب عن المعصية.
الحفار: هل سيغفر لي؟
حبيب: يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء( يخرج من المسرح)
الحفار: (ينظر الى زجاجة الخمر) تعلمين مدى حبي لكِ وتعلقي بكِ، لكني قطعت عهدا في حضرة الشرفاء ان لا تلامس اناملي زجاجكِ مادمت في الارض المقدسة، اعذريني فلا اريد ان اكون مدنسا بالرجس تترفع عن رفاتي هذه الارض. (ينظر الى الجثث) اما انتم ايها المجرمون فساتبرع بكم الى طلبة كلية الطب لينتفعوا منكم بالعلم تشريحا ودراسة، وليغفر لي الله.فهذا استحقاكم ستموتون ويبقى وتنسون ويُذكر.
ستار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق