مجلة الفنون المسرحية
*عقيل هاشم
"كم تمنيت ، ان املك لنفسي ولكل هذه النساء ، غير النعي ، ربما لا غير اقدارهن ، ربما ، او ربما لأحرك قلب هذا العالم ، كي يفهم ، اخبرهم ان النساء ما عادت قادرة على الاحتمال ،اكثر مما احتملت (تتحرك) لكني لا املك سوى حفنة من النواعي ،لذا سأواصل النعي ،وبصوت كافي ، كي تسمعني النساء في كل مرة ، وتغفو ارواحهن في تلك الليلة ،الليلة التي انعى لهن بسلام ،يغفون على وسائدهن مثل طفل صغير ، فرغ للتو من ثدي امه..."نص ملاية"...ص89
"عمار نعمة جابر "هذا الشاب الشغوف بالمسرح ، والذي ظل وفيا لخشبة المسرح ، يحمل مشروعا إبداعيا ونقديا في المسرح العراقي المعاصر ، وذلك من خلال الكتابة ، وكذلك العمل في "جماعة الناصرية للتمثيل" فكانت اعماله الراصد لهذا الراهن ، مما ساهم في تطوير الممارسة المسرحية، إبداعا وتلقيا.
ومما لا شك فيه ، أن القراءة في نماذج نصوص المجموعة المسرحية "إنتباه" للمؤلف (عمار نعمه جابر) قد جعلتنا نكتشف متخيلا خصبا ، يلامس موضوعات مختلفة ، ويضفي عليها أبعادا إنسانية عميقة . كما أن طرق التشخيص المسرحي ، لهذه الموضوعات قد جعلتنا نقف على نصوص متميزة ، تستثمر إمكانات متنوعة ، من أهمها شاعرية التداعي الحر ، وبأسلوب معبر ومؤثر ، وبلغة سلسلة وميسرة، ثيمتها من الراهن العراقي .
اقتباس:
" الثاني .. انت على حق انا منذ فترة احاول ان اعرف ذلك ، بشكل تقريبي ان احدد ، لكنني لم افلح الى الان ...كل ما حولنا مبهم . غير واضح .الوضع الذي نحشر انفسنا فيه لا ندري عنه شيئا !
الأول .. انت تعرف ان جميع من كانوا هنا ، في هذا المكان ، سألوا نفس السؤال ، ثم تعبوا جدا ،ارهقوا تماما لكثرة السؤال ، فابدلوا السؤال بالسجائر والقبل واحاديث الشاي ، حتى انتهت مواعيد انتظارهم ،وتركوا المكان ..."نص انتباه...ص133
عناوين نصوص (التالي /كايميرا/تخاريف الربيع/سنجارf-m/ملاية /مهزلة/سبايكر/بلا كلام/انتباه/براء/وهم/شبزي/انزال/انفصام/حفرة/عجز/مراة/نازل/ناعور/اتصال).
هذا الاستقراء لعناوين هذه المسرحيات ، تتبدى لنا طبيعة المرجعيات التي استمد منها المؤلف مواضيعه ، وتحيل على شخصيات ذات حمولة تهكمية ، وقد ارتبطت هنا بقيم إنسانية مستلبة ، في عالم يصعب تحقيقه ما تصبوا له ايضا ، وكما يسري بين ثنايا النصوص خطاب الصراع الدرامي على اقصاء الاخر المعدم ان كان ايام الحروب او السلم . فالإنسان ذاك الترس الصغير في ماكنة السلطة الضخمة ، رغبة منه في نقده اللاذع والساخر ، هذا الوجع الحقيقي لهذه الثنائية الضدية واللاإنسانية .
اقتباس:
الفتاة (تتحدث مع الشرطيان) الحقوني ..تعالا ..اقتربا ..لا تخافا .."تتوسل" انقذوني سأموت ..اقتربا مني ..لا .. لن اتحرك من مكاني ..سأبقى ثابتة كما ترغبان ..انتما فقط اقتربا مني ..لا اريد ان اموت ..لا اريد ان اموت الان ..لقد ربطوا على بطني حزاما ناسفا ..وانا لا اريد ان افجره .لا اريد ان اقتل الجنين في بطني ..."نص براء ...ص149
اذن اننا امام مغامرة إبداعية تلك التي أقدم عليها (عمار نعمه جابر) مؤلف هذه المجموعة المسرحية ورصد وكشف واقع يمور بالتناقضات اللاإنسانية ، والتي تفرز دائما أسئلة ساخنة ومنظورات فكرية غير مألوفة ربما .فكشفها لنا عبر حوار يقوم على التداعي الحر ، والمتاهة الكلامية ، والتي تتأرجح بين الوعي واللاوعي ، والسخرية، والمرارة ، ولعل ما يستأثر بالاهتمام ، اللغة اللاذعة ، فهي عدته في كتاباته ، والتي تجعل حوار نصوصه ، تتأرجح بين الكثافة والاقتصاد اللغوي ، وتشكيل صيغ الخطاب النقدي عنده .
اقتباس:
"في مثل حالتنا . انا وانت .دائما ما تحصل امور حتمية . انت ضعيف البصر ، لا تستطيع ان ترى السبورة . انا قوي البصر ، استطيع ان ارى السبورة بوضوح . انا حلقة الوصل الوحيدة ، بينك وبين ما هو مكتوب على السبورة ، حيث دونت المعرفة . فانا بالنسبة لك الان ، يا صديقي سأكون . راوي ، مفكر ، داعية، معلم ، حاكم ، رجل سياسة ، او حتى رجل دين .. وانت لست سوى شخص من العامة ، تحتاج ان تعرف ، ومن الطبيعي جدا ان تصلك قراءتي انا ، لما هو مكتوب على السبورة ، وليس ما يريده الأستاذ بالضبط "...نص وهم...ص159
وفي الختام ، فان نصوص هذه المجموعة المسرحية كتبت وفق أسلوبية معاصرة في التجريب للمسرح ، ساقها لنا الكاتب في شعرية مؤثرة واعية ، تفسح للفرجة ان تتفاعل ، مع شفرتها الدلالية ، وتمكنها من اغتصاب الأنساق ، بتسريبات وانثيالات ضمنية وطيفية ، توقّع توليدات هلامية للمعنى ، تتلقّف ثيماتها ، من هذا السديم الاول والبكر الاصيل "ذاك القربان السومري الاول" .
* ناقد من العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق