مجلة الفنون المسرحية
بعد إلغاء الاسم والمسابقة والإصدارات
ماذا ستفعل إدارة التجريبى فى الشركاء وخزانة الذاكرة؟
جرجس شكري
بعد إلغاء الاسم والمسابقة والإصدارات
ماذا ستفعل إدارة التجريبى فى الشركاء وخزانة الذاكرة؟
جرجس شكري
لم أكن مع تغيير اسم المهرجان التجريبى، وإضافة صفة المعاصر، وما زلت أذكر الجلسة العاصفة فى لجنة المسرح عام 2014 بحضور كل الأعضاء مع وزير الثقافة الأسبق د.جابر عصفور، وكانت ثمة نية مبيتة وتصميم على تغيير الاسم من السواد الأعظم من الأعضاء، وتقريباً كنت أدافع وحدى عن الاسم، وشعرت بأننى كمن يدافع عن مقتنياته الخاصة، وكان الهجوم شرساً على الاسم وعلىّ شخصيا لأننى أدافع عن اسم التجريبى، وكانت عندى مبررات للدفاع أولها إذا أردنا التخلص من الاسم فليتوقف المهرجان تماما ونبدأ من جديد رغم أنها خسارة كبيرة، لكن أفضل من تلفيق اسم ملتبس.
الاسم الأول "التجريبى" كان واضحاً وصريحاً رغم أنه أثار وما زال يثير الجدل حول ماهية التجريب أو تعريف محدد، لكن فى النهاية نحن أمام مشكلة واضحة.. أما بعد إضافة المعاصر فكان العنوان نوعا من التلفيق أو المواءمة بين القديم والجديد، محاولة إرضاء من يدافعون عن الاسم الأصلى وتحقيق رغبة من يرغبون فى تغييره أو التخلص منه.. وانتهت الجلسة بأغلبية الأصوات المنحازة للعنوان الجديد واعترضت على هذا، واعترضت الفنانة سميحة أيوب، وكنا أقلية.
وبدأ المهرجان بهذا الاسم فى الدورة الثالثة والعشرين، وظل ثلاث دورات.. ألغى المسابقة الرسمية، وتقلصت إصدرات المهرجان بدرجة كبيرة، وبعد أن كانت الإصدرات ملمحاً رئيسياً وجزءا من هوية المهرجان اقتصرت على البرامج والندوات وبعض الكتب خاصة فى الدورة الأخيرة. وفى كل الأحوال استمر المهرجان وقدم العديد من العروض، بالإضافة إلى الندوات والورش، واستضاف شخصيات مسرحية من اتجاهات ومدارس مسرحية مختلفة، وكانت لنا بعض الملاحظات حول الدورات الثلاث.. اختلفنا واتفقنا، لكن فى النهاية استمر المهرجان مع مجموعة من المسرحيين.. رئيس المهرجان د.سامح مهران، والمخرج المسرح عصام السيد، والكاتب المسرحى محمد أبوالعلا السلامونى، والدكتورة دينا أمين، وأعضاء مجلس إدارة التجريبى السابق.. لهم كل التحية على ما بذلوه من جهد على مدى ثلاث دورات، اختلفنا أو اتفقنا حولها فهذا أمر طبيعى.
وبعد أن أصدرت د.إيناس عبدالدايم وزير الثقافة قراراً بالرئيس الجديد للمهرجان، د.علاء عبدالعزيز، ومعه مجلس إدارة مكون من د.حسن عطية، د.محمود نسيم، د.علاء قوقة، د.محمد الشافعى، سامح بسيونى وإسلام إمام، وافق مجلس إدارة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر فى أول اجتماع له على مقترح رئيس المهرجان د.علاء عبدالعزيز بالعودة إلى اسمه القديم ليعود مهرجانا للمسرح "التجريبى" فقط، فى دورته السابعة والعشرين.
وكان المهرجان انطلق تحت اسم "مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى" للمرة الأولى عام 1988، قبل أن يتغير اسمه إلى المعاصر والتجريبى عام 2014، وصرحت إدارة المهرجان الجديدة بأن العودة للاسم الأصلى تأتى ضمن حزمة إجراءات تستهدف "إعادة إطلاق" لهوية المهرجان التى تشكلت عبر دوراته، وبما يتناسب مع دورته الجديدة 2020 التى تقرر أن تنطلق فعالياتها فى الأول من سبتمبر 2020، وهذا ماجاء على الصفحة الرسمية للمهرجان بعد الاجتماع الأول، بالإضافة لاختيار الدكتور فوزى فهمى مؤسس المهرجان ورئيسه على مدى 22 عاما ليكون رئيسا شرفياً للمهرجان، مع عودة الإصدرات لتكون جزءاً أساسياً من هوية المهرجان الذى صدر عنه قبل تغيير الاسم ما يقرب من أربعمائة عنوان فى شتى مفردات العرض المسرحى. واعتبرت إدارة المهرجان أن هذه الإجراءات عودة بالمهرجان إلى هويته. ورغم انحيازى إلى هذه الإجراءات ودفاعى عنها منذ عام 2014 فإنها تمثل وجهة نظر الإدارة الجديدة، كما كانت الإجراءات السابقة تمثل وجهة نظر مجلس الإدارة السابق، وعلى سبيل المثال المسابقة الرسمية.. فهناك مهرجانات كبرى دون مسابقة رسمية، وربما ما يمثل هوية المهرجان هو عودة الاسم الذى اكتسب سمعة عالمية وله فى وجدان المسرحيين رصيد كبير، وظنى أن النقاط الرئيسية التى من المفترض أن تناقشها إدارة المهرجان لم تأت بعد، وأهمها أولاً ما يسمى بخزانة الذاكرة، وثانياً تمويل المهرجان أو الشركاء.. وهذه النقاط قد أثرتها العام الماضى وكانت مثار جدل كبير.
وطلبت العام الماضى من وزارة الثقافة كمواطن مصرى أن يعود المهرجان فى الدورة المقبلة إلى ما كان عليه من قبل.. مهرجانا مصرياً تقيمه وتدعمه بشكل كامل وزارة الثقافة المصرية، ويشارك فيه الأشقاء العرب كضيوف لهم منا كل الاحترام والتقدير.. فقد ارتبط باسم مصر وتدعمه الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الثقافة، حيث حقق شهرة عالمية واسما راسخاً بين المهرجانات الدولية كحدث مسرحى ارتبط بالقاهرة فى عنوانه الذى سبق بصفتى "التجريبى والدولى"، وظل هكذا ما يقرب من ربع قرن دون شركاء أو داعمين من الخارج على المستوى المادى، وقد وقع رئيسه عام 2016 اتفاقية مع الهيئة الدولية للمسرح بحضور رئيسها الإماراتى محمد سيف الأفخم، ود.أمل الصبان أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وقتذاك، وآخرين، وفى العام التالى كان للهيئة الدولية للمسرح ومعها الهيئة العربية للمسرح بالإمارات وجود ملحوظ فى المهرجان، إلى أن تم وضع شعار الهيئتين على بوستر مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى بعد إضافة صفة المعاصر العام الماضى كداعمين أساسيين للمهرجان بشكل صريح ومباشر. وقبل أن تبدأ الدورة السادسة والعشرون وجه رئيس المسرح التجريبى فى المؤتمر الصحفى الشكر للداعمين ومن بينهم الهيئة العربية للمسرح، بعد التكفل بتكاليف الورش وبدلات السفر للمدربين للورش، وأيضاً الهيئة الدولية للمسرح التى تولت تكلفة تذاكر طيران المهرجان، ليؤكد رسمياً شراكة هاتين المؤسستين فى مهرجان القاهرة. وهذه هى النقطة الأولى.. والإدارة الجديدة ممثلة فى د.علاء عبدالعزيز ومجلس الإدارة مطالبة بتوضيح هذه النقطة، وهل ستستمر؟
المشكلة الثانية
فى نفس السياق.. أعلن المهرجان التجريبى والمعاصر العام الماضى أيضاً عن بروتوكول تعاون بينه وبين الهيئة العربية للمسرح بالإمارات التى سوف تقوم بتوثيق المهرجان التجريبى من خلال مشروع يحمل اسم "خزانة الذاكرة" الذى تتبناه الهيئة، وتهدف من خلاله وفقا لما جاء على لسان الأمين العام للهيئة إلى توثيق المهرجانات المهمة وتاريخ النشاط المسرحى بالوطن العربى، ووجه رئيس المهرجان الشكر للهيئة التى تكفلت بأجور كل المدربين الاجانب فى الورش التى قام بها المهرجان فى هذه الدورة، متمنيا أن يستمر التعاون فى الإدارة الجديدة للمهرجان. وأوضحت إدارة المهرجان أن هذا البروتوكول مكمل لاتفاقية التعاون بين الهيئة والمهرجان، الموقعة منذ ثلاث سنوات. أما الأمين العام للهيئة العربية للمسرح فقد أكد اعتزازه بهذه الفرصة التى تأتى مع إحدى النوافذ المسرحية المهمة، الممثلة فى المهرجان التجريبى. وقال: "حتى نصل إلى هذا المشروع اليوم، بدأنا بتوثيق مهرجان الأردن المسرحى ثم مهرجان دمشق، كما انتهينا من توثيق أيام قرطاج المسرحية، ونعمل الآن على توثيق مهرجان الهواة الجزائرى عبر ٥٢ دورة سابقة، بالإضافة إلى توثيق تجربة المسرح المغربى منذ انطلاقه وحتى الآن، ونعمل على هذا المشروع منذ ستة أشهر. وكانت إدارة المهرجان قبل توقيع البروتوكول قد منعت المركز القومى للمسرح من توثيق عروض الدورة السادسة والعشرين بحجة حقوق الملكية الفكرية وكتبت وقتذاك أنه..
"لا يمكن قراءة كل واقعة بمعزل عن الأخرى.. سواء منع المركز القومى للمسرح من تسجيل العروض وتوقيع بروتوكول مع هيئة عربية لتوثيق المهرجان، ونشاط هذه الهيئة فى توثيق المهرجانات العربية سالفة الذكر.. وطرحت مجموعة من الأسئلة ولم تصلنى إجابات حتى الآن:
أولاً: هل المؤسسة الثقافية المصرية ممثلة فى المركز القومى للمسرح والموسيقى غير قادرة على توثيق المهرجان التجريبى حتى نلجأ إلى مؤسسة أخرى؟ حتى لو كانت من دولة عربية شقيقة لها كل التقدير، والإجابة التى أعرفها أن المركز قادر على التوثيق -على الأقل- لأنه فعل هذا على مدى خمس وعشرين دورة سابقة. وإن كانت أدواته تحتاج إلى تطوير فهذا لا يعنى اقصائه من المشهد لصالح شريك عربى، فماذا حدث؟
ثانياً: لا بد أن نضع علامة استفهام أمام منع المركز القومى للمسرح والموسيقى من توثيق العروض، ولم أسأل مدير المركز فقط بل المنوط بهم تسجيل العروض، حيث أكدوا على المنع، وأكدوا أيضاً أن هذا دورهم منذ بداية المهرجان.
ثالثاً: ما ذكره رئيس المهرجان التجريبى د.سامح مهران من مميزات لهذا التوثيق الذى سوف يسفر عن العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، التى يمكن أن تعمل على نقد النقد..! أظن أن هذا يمكن أن يتحقق حين يتم التوثيق فى مصر، بل وتحقق بالفعل لأن هناك العديد من الرسائل الأكاديمية التى استفادت من المهرجان التجريبى فى السنوات السابقة.
رابعاً: ما ذكره الأمين العام للهيئة العربية للمسرح حول المهرجانات التى تم توثيقها وأخرى قيد التوثيق فى الدول العربية يؤكد مخاوفنا من رغبة مؤسسة واحدة فى امتلاك ذاكرة المسرح العربى فى خزانة الذاكرة الخاصة بها.
خامسا: لقد استيقظنا ذات يوم لنجد أن السواد الأعظم من تراث السينما المصرية فى حوزة فضائية عربية شقيقة ومعه جزء كبير من كلاسيكيات الأغنية المصرية، فهل سننتظر يوماً آخر حتى نستيقظ ونجد تراث المسرح المصرى مع شقيقة أخرى؟
فإذا كانت هوية المهرجان مهددة فليست المشكلة الرئيسية فى الاسم أو المسابقة، بل التهديد الأول هو نزع حق مصر فى هذا المهرجان ووضع شعارات لداعمين آخرين، وبيع ذاكرة المهرجان، وهذه هى المشكلة الرئيسية.. فماذا ستفعل إدارة المهرجان الجديدة؟
-----------------------------------------
المصدر : مجلة الأذاعة والنلفزيون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق