مجلة الفنون المسرحية
الكاتب اياد طارش |
الشخصيات :
الاب
الام
طيف الابن (الشهيد)
الجدة
الدفان
الشاب
الفتاة
شاب أخر
(المشهد الاول )
(تدور أحداث المشهد في مقبرة، حيث تشييع احد الشهداء الشباب ، صوت بكاء وعويل)
الجدة : ( تنوح بصوت جنوبي حزين ، حيث ترتل بعض الكلمات الموروثة في ماتم الجنوب )
شاب : استمري ايتها الجدة في نواحك، استمري رتلي نشيد الجنوب الحزين .
الجدة : ( تكمل نواحها بصوت حزين )، اي يوماً حزين هذا واي فاجعة
شاب : لقد خسرت صديقي
الاب : وانا خسرت ولدي وصديقي، كنا قد أصبحنا اصدقاء موخراً وبدئنا نخرج معاً
الفتاة : وانا خسرت حبيبي .
الام : وانا اكثر الخاسرين فقد خسرت روحي ( تسير بين القبور وهي تتنهد وتبكي)
الفتاة : ( تنظر الى المقبرة وتسير بين القبور) ماهذا المكان الموحش ، وكيف لنا ان
نتركه هنا وحيداً ونرحل .
الدفان : ( يخرج الى الفتاة فجاة من خلف احد القبور) على العكس انه مكان أمن
الفتاة : ( تفزع وتظهر عليها علامات الخوف) ومن أنت؟ وماذا تفعل هنا ؟
الدفان : مهنتي هي دفن البشر
الفتاة : يالها من مهنة
الدفان : عندما يموت الانسان لابد من دفنه فسرعان ما تتفسخ جثته .
شاب اخر : يا الله كيف سيعيش صديقي هنا !
الدفان : لا عليك سيعتاد على هذه الوحدة ، (يتكلم مع نفسه وهو ينظر الى القبور)
سيعتاد عليها فقد أعتاد عليها كثيرون.
الاب : لكنه صغير ولم يبلغ العشرين ، كنا نحضر لزواجه لا لجنازته ( يبكي)
الدفان : لا تبكي انت رجل .
الجدة : البكاء هو اقل شي نفعله ، أولادنا يتساقطون الواحد تلو الاخر
مثل فاكهة طيبة كلما نضجت في شجرها سقطت على الارض
الام : (تصرخ) ولدي حبيبي ، ولدي حبيبي ( يغمى عليها عند تابوت ولدها الشهيد)
الجدة : على النساء ان يمتنعن من ولادة الذكور فهاهم يموتون وهم بعمر الورد ،
( تتقدم نحو الجمهور) أيتها الامهات كفاكن لا تنجبن الذكور بعد اليوم
فالموت ينتظرهم على الابواب ، أيتها الامهات لا تعلمن ارحامكن على
ولادة الذكور فماعادوا يعيشون طويلاً .
الشاب : موت ، موت ، الا يكفي هذا الموت
شاب اخر : ما هذا القدر الاسود الذي خيم على الوطن .
الفتاة : يا رب شبابنا يذبح .
الشاب : يبدو اننا امام خيار واحد
الدفان : نعم خياركم الوحيد هو الموت ، ولا شي سواه.
الفتاة : ( تنظر الى الدفان نظرة توجس ، تعود الى الشاب ) علينا الا نستسلم ونفقد
الامل .
شاب اخر : وما الحل اذن ؟
الفتاة : ان نقاوم ولا نستسلم هم يريدوننا ان نهرب .
الشاب : قاومنا كثيرا وهاهي النتيجة يومياً نأتي بشاب الى المقبرة .
الفتاة : لن نترك الوطن للاوغاد القتلة .
شاب اخر : اذن علينا ان نستشهد .
الشاب : يا الله متى يرتوي هذا الوطن من دم شبابه ، الا يكفي دم ، دم
الدفان : لقد مللت من دفن الشباب ، الا يوجد غير الشباب ، ماذا دهاك يا
ملك الموت كيف لك ان تقبض روح شاب ،( ينظر الى يديه ) فلم تعد تقوى
يداي على دفن الشباب .
الجدة : وكيف للورد ان يدفن . كيف انوح عليك يا حفيدي الحبيب
الاب : وبأي نواح تنوحين، ايتها الجدة الحنونة
الجدة: ( تجلس عند جثمان حفيدها ) يا فقيدي يا شهيدي انت اعذب من نواح
جنوبي حزين ( تبدأ تنوح بصوت حزين )
الدفان : البقاء في حياتكم ايها الاخوة .
الام : (تستفيق من الاغماء وهي بين البكاء والعويل) البقاء في حياتي ، وكيف
لي ان أحيا بدونه واهنى بالعيش بعده . لا اسمح لك بان تدفن ولدي، لا
أسمح لاحد ، هل تفهم انه ولدي .
الاب : (يبكي بصوت عالي ) لا اله الا الله ، ياالله رفقاً بنا .
الام : ( وهي تتحدث مع التابوت ) أيها الموت مابالك الا توجد لديك وظيفة اخرى
غير قتل ولدي ، اه لقد سلبت روحه عنوه ، انه أبن التسع
عشرة عاماً ، ما بك ايها الموت فهو لم يعش حياته كالاخرين ، اليس من
المنطق والعقل ان تتركه لي ، كنت احلم ان اراه وهو يكبر ويكبر، يتزوج
وافرح بزواجه واولاده .
الدفان : هذه سنة الحياة .
الام : بل هو عرف القتله ، واداة المتوحشين .
الشاب : صديقي ذبح في وضح النهار وامام اعين الناس .
الفتاة : الاعدامات في الشوارع ، اين العالم من هذه الجرائم ، لقد استبيح دماء
شبابنا ، الا من منقذ يخلصنا من هؤلاء المجرمين .
الدفان : اكرام الميت دفنه ايها السادة .
الام : لا اريد ان يدفن ابني ، لا اسمح لك بالدفن .
الاب : ولدي قتل ومن حقنا ان نعرف الجاني
شاب : صديقي يعشق الحياة ، لم يؤذي احداً في حياته ، كان يحب الخير
للاخرين ويحب الوطن .
الفتاة : لذلك قتلوه فهم لايرغبون بشخص يحب وطنه.
الام : انا متاكدة بان ولدي لم يمت بارادته .
الدفان : وما الفرق ! كلاهما ميت أيتها الام المفجوعة
الام : ( تتجول بين الشخصيات الموجودة في المكان وهي تناشدهم وتبكي ) هنالك
فرق كبير ايها الدفان، انت لا تفهمه . انا اعرف بان من المستحيل ان تشعر
بحزني الذي يسكن قلبي ، اه شيء مؤلم ان الانسان لا يشعر بحزن انسان
اخر ، في هذه الحياة هناك من يفرح وهناك من يبكي في نفس الوقت ،
كنت قد تمنيت لو ان البشر يشعرون ببعضهم اكثر، يتراحمون في مابينهم ،
لحلت علينا رحمه الله ،، التشارك في الحزن يقلل من الالم ووقعته وشدته ،
أن بكاء البشر وهم مجتمعون يقلل من هول الفاجعة هل تفهم ايها الرجل .
الشاب : نعم ايتها الام المفجوعة هناك ممن لا يملكون قلب( ينظر الى الدفان ).
الدفان : أيها السادة انا ملزم بالدفن ، احسموا خياركم اما ان نقوم بدفن الجثة او
تاخذونها وتذهبون الى حيث تشأون .
الام : ( تتقدم نحو تابوت ابنها ) دعوني أعود بولدي الى البيت ، دعوني ، أتوسل
اليكم ان لا تدفنوه اتوسل اليكم .
الاب : لا تقول جثة ايها الرجل القاسي ، فمازالت أبتسامته تغذي روحي
الفتاة : ( تتقدم نحو الدفان وتخاطبه بشدة ) انت هو من يصح ان نقول عنه
جثه والأجدر بنا ان نقوم بدفنك انت ( تترك الدفان وتذهب بالقرب من
التابوت) مازلت أشعر بدفء يديه ، مازلت اسمع دقات قلبه المليئة بالحب .
( تبدو عليها علامات الخجل فتجلس على قدميها عند راس الميت وتبكي ) .
الدفان : وكاني انا القاتل ماذا عساي ان افعل ، لماذا تنظرون لي نظرة
قاسية ، هذه طبيعة عملي ايها السادة ، اقوم يومياً بدفن العشرات ،
عشرات من الجثث ، كهول وشباب وصبية وأطفال ، في بداية عملي
وعندما اصطحبني عمي للعمل في هذه المهنة كدت اموت من الخوف
فهي مهنة مخيفة ومرعبة ، قال لي عمي يومها انظر لي كيف أقوم
بالدفن تعلم مني كيف أدفن الموتى هيا تعلم انها مهنة المرحوم والدك و
اجدادك ايضاً ، كنت استغرب في نفسي ، وأقول ان الدفن هو أشبه بالقتل
العمد ، فالموتى مسالمون ، ابرياء لاحول لهم ولا قوة ، كنت أنظر الى عمي كيف يعامل الموتى بوحشية وقسوة ، فعندما كان يهيل التراب على الميت كنت أشعر وقتها وكان الميت يمد يده له ويقول : ارجوك ارجوك لا تدفني في هذا القبر الموحش ارجوك لا تتركوني في هذه الغربة ( يبكي الدفان ) أستغرب من نفسي فهي لاتكترث لشي ، كيف لي ان ادفن الشباب والاطفال وقلبي لا يخفق لهم ولا يشفق عليهم ، ماهذه المهنة التعيسة التي اورثني اياه والدي ، مرت الايام ومرت وقلبي يكبر بقسوته حتى بدأت أشعر بان الموت هو الخيارالافضل للانسان ، ( يتقدم نحو الجمهور ) نعم صدقوني اكتشفت بان الموت هو افضل خيار لنا ،افضل من ان نعيش مع هؤلاء القتله ، فهم عازمون على قتلنه جميعاً ، الناس يتهموني بالوحشية والقسوة كوني ادفن يوميا عشرات من الموتى ، لكن مأبال من يقوم بدفن الناس وهم احياء ، يومياً هناك قتل وتهجير وخطف وترويع وجميعها بفعل البشر ، اليست هذه الحقيقة اليس الانسان هو المسؤول عن هذه الجرائم .
الام : مؤكد انه حيوان مفترس على شاكله انسان .
الدفان : كلا يا سيدتي المفجوعة ارجوكِ من قتل ابنكم انسان وليس حيوان ،
أرجوكم لا اريد ان اسمع من احدكم هذه الاسطوانة القديمة بان هذا الذي قام
بفعل القتل هو حيوان على هيئة انسان ، لا ايها السادة ، أقسم لكم أنه انسان
وبعقل وقلب وقام بفعلته مع سبق الاصرار والترصد . نحن البشر اكثر
خطراً من الحيوانات ، فالحيوانات مسالمة ، اما البشر فيصنعون الاسلحة
والمتفجرات والقنابل الذرية والعقاقير السامة والمخدرات ، نحن البشر نشي
ببعضنا البعض ، وننافق على بعضنا البعض ، ونكذب على بعضنا البعض ،
ونتحايل على بعضنا البعض ، ونقتل بعضنا البعض ، كل هذه الافعال
مصدرها الانسان ، هذا ابنكم المضرج بدمه من قتله هو من البشر . لا
شك بان القاتل لديه زوجة وام واب واصدقاء ويخرج للتسوق ويذهب مع
اولاده في رحلة وينام وياكل ، واعضاءه البشرية كاملة وتعمل بشكل جيد ،
وان يديه قد امتثلت لايعاز العقل فقام بفعل الاجرام .
الام : ولدي ضحية للسفلة الاوغاد الذين اغرقوا الوطن بدماء ابناءه، لان اتنازل عن
حقه ولن اترك دمه هدراً .
الدفان : أيتها الام اعلم ان ولدك هو اعز ماتملكين ، لكن عليه ان أقوم بدفنه .
الاب : ليس لدينا خيار اخر ، لنسلمه الى مليك مقتدر الى هذه الارض الطيبة
الام : ( تبكي ) يارب ، يارب ، اعطف على ولدي برحتمك وعطفك
الشاب : اه يا صديقي ، كيف لي ان اضع التراب على جسدك البريء .
الام : ( تنظر الى زوجها ) علينا ان نستعد لحياة الغربة والوحشة ، ففراق
الاحبة غربة .
الاب : ولدي حبيبي قد حان وقت الفراق ، وما اقساه من فراق طويل وموحش ،،
الام : ( وهي جالسة عند تابوت ابنها ) شهيدي حبيبي لو كان بيدي لارجعتك الى
رحمي ففيه تكون في امان وطمانينة
الدفان : علينا ان نستعجل في الدفن قبل ان تغرب الشمس فالمقبرة في الغروب
تكون اكثر وحشه وغربه .
الجدة : ( تقوم الجدة بالنعي على طريقة أهل الجنوب )
( يبدأ الدفان بمراسيم الدفن والجميع من حوله يضج بالبكاء )
( المشهد الثاني )
( المكان / باحة بيت قديم ، مترب . موحش، نلاحظ وجود شخصية ( الام ) و( الاب) و( الجدة ) ، يتحركون ببط و يتجولان في باحه البيت بينما تقوم الجدة بالنعي بصوت حزين ) .
الاب : ( مخاطباً الام والجدة ) هل انتن بخير كفاكن حزناً وعويلاً
الام : وكيف اكون بخير وولدي حبيبي تحت التراب ، أنظر الى البيت في كل مكان
له ذكرى ، هنا جلس ، وهنا مازحني ، وفي هذا المكان جلس يأكل
معي ، وهنا على الاريكة غفى في حضني ، لم اعد أشعر بالحياة في هذا
البيت ،البيت موحش وكل شي فيه ميت . ( تحاول ان تقوم بالنعي ).
الجدة : ها انتي اذاً تحاولين ان تنعين ولدك ، مثلما نعيت انا ولدي منذ اعوام بعيدة.
لا عليك ستتمكنين من النواح على ولدك ، فبمقدار ما تحمله النائحة من الم
يكون النواح حزين وذو شجن .
الام : وهل هناك شيئاً اخر ايتها الجدة يستحق ان اتعلمه بعد اليوم غير النواح .
الجدة : ( تنظر الى الاب وتخاطبه ) وأنت ايها الاب المفجوع كيف حالك ؟
الاب : وهل للمفجوع حال ؟
الجدة : ( تسير الجدة في باحة البيت ) مفجوع يشفق على مفجوع ،، مفجوع يصبر
على مفجوع ، ماهذه الدنيا صدقت يا ولدي لم يعد هناك حال يفرح فالقلب
حزين، اكثر من خمسين عاما والموت لا يعرف في هذا الوطن سوى أبنائه ،
يا الله اولادنا يموتون وعليهم اثار سياط وتعذيب تركوا ذكرياتهم وأمانيهم
معلقة على أعواد المشانق ورحلوا دون وداع .
الاب : اذن انتي ايضاً تشعرين بمرارة الفقدان
الجدة : الفقدان امتحان صعب، الفقدان غربة ووحشه ومرارة ، لوعه الم
مزمن يسكن القلب ولاتستطيع ان تصرخ منه ، كفاك حزناً يا ولدي الحبيب
لو بقيت على هذا الحال ستموت انت وزوجتك .
الاب : وهل الامر هين ( يذهب الى الجدة ) اماه ضميني الى صدرك علي أشعر
بالامان والطمانينة فمنذ رحيل ولدي وانا اشعر بالوحشة .
الجدة : ( تضع راس ابنها في حضنها ) ساعد الله قلبك يا ولدي نعم فراق الاحبة
غربة ، لكن ها انتما تذهبان لزيارة قبره وتبكيان عنده ، انتما افضل مني
بكثير. اه كنت قد تمنيت لو حصل هذا معي.
الاب : أعرف حجم الالم الذي تقاسينه ، لذلك ها انت تنوحين ليلك ونهارك
الجدة : ( تتقدم الجدة نحو الجمهور وتبدأ بسرد حكايتها ، الام والاب يجلسان كل
واحد منهم في زاوية من البيت ) .
الم الفقدان نار لا تنطفىء أذ عشت معها اعوام طويلة وانا انعى اخاك الذي
غيب في المعتقلات كان شاباً وسيماً مليء بالعنفوان والحيوية ، كان يملئ
حياتي بروحه العذبه ، ذات ليلة وعندما كنا ننام في امان الله هجمت علينا
أفواج من الخنازير والكلاب ، قيدوا ولدي امام عيني وضربوه ادموا جبينه
وقاموا بأعتقاله ، لم نعرف شيئا عنه ، وعشنا انواع العذابات ، حيث المراقبة
والاستدعاءات والاهانة والحجز المتكرر لنا في دوائر الامن ، كنا عندما
نخرج من البيت نشعر وكان جميع الناس تراقبنا ، الجميع ينظر الينا نظرة
مريبة، الجيران والاصدقاء والاقارب ، نظرة توجس وخوف ، هم يعلمون
ويعرفون جيداً بان ولدي كان في قمة الادب والخلق وانه لم يفعل شيئاً مشيناً
مع هذا بقيت نظراتهم تراقبنا ، كان نوعاً اخر من الضغط النفسي يضاف الى
مضايقات رجال الامن ، عذرناهم فالجميع كان يخاف من الهلاك على يد
الدكتاتور لذلك عاشوا ايامهم بحذر وخوف ، اما ولدي فكان له رأي اخر كان
يقول لي اماه هل انهي حياتي وانا على هذا المنوال وهذه الحياة الرتيبة البائسة
كيف يعقل هذا ، لابد ان اعبر عن رأئي لابد ان أميز بين الحق والباطل ان
اقول هذا حق وهذا باطل ، هذا خير ، وهذا شر ، كنت اقول له يا حبيبي انت
تعرض نفسك للخطر ، لكن كلامي لم ينفع معه كان مصمم على ان يكون
فداءً للوطن ، فذهب وامتطى فرسه نحو المجد ، كنا نأمل انا ووالدك ان
يكون اخاك على قيد الحياة وعشنا على هذا الامل ومن عاماً الى عام ونحن
نترقب باب الدار عله يعود ، كنا نقول ( ولو خبر منه ، رسالة ، بلكي احد
شافه بالسجن وينطونه خبر عنه) ، بقينا ثلاثة وعشرون عاماً ونحن على هذا
الحال نتأمل ان يكون على قيد الحياة ، حتى سقط الدكتاتور وهرعنا نهرول
في المعتقلات علنه نجده ، علنه نجد له ذكرى كتبها على حائط زنزانته . لم
نعثر له على شي ، تقبلنا فكرة موته وبدئنا نبحث عن جثمانه ، نعم جثمانه ،
فانا ام ومن حقي ان ازور قبر ولدي ، ان اسكب على قبره الماء في
الاعياد كالامهات عندما يذهبن لقبور اولادهن، واضع على قبره الورد
والدموع ، انوح عند قبره ، تقبلت فكرة أستشهاده لكن اين جثمانه ، اين
جثمانه ( تبدأ الجدة بحالة من الهستيرية ) اين جسده اريد جسده اريد ان ابني
قبراً لولدي ،،اريد ان ابني قبراً لولدي( تخرج وهي تبكي وتنوح ) .
( تبدأ الام بترتيب بعض حاجيات ابنها الشهيد )
الام : ( تتقدم نحو الجمهور ) اشش ،،، اصمتوا ، اخفضوا صوتكم ،،،، اشششش
أولادنا يغطون في نومهم ،، (يمه نوم العافية) ، ارجوكم لا تزعجوهم أنهم
ينامون بسلام ، الزموا الصمت ،، ( نوم العوافي يا بعد امك ) .
(تضع الام سجادة الصلاة في وسط المسرح وتقوم بالدعاء وهي تبكي فيظهر لها طيف أبنها الشهيد في مشهد يختلط فيه الواقع بالخيال )
طيف الابن : اماه ،،،، حبيبتي ،،،، اماه ،،، اماه حبيبتي ،، اماه
الام : ( كانها بين اليقظة والحلم تبدو عليها علامات الفرح والخوف ) ها ،،من ،
من هناك ،،،يالله ،،،،،يالله( تنظر الى طيف ولدها الشهيد ) يالله لقد عاد ،عاد
،( تصرخ بصوت عالي) لقد عاد ،، ولدي حبيبي عاد لامه،،، الم اقل لكم
انه سيعود ، سيعود ولدي حبيبي عاد لي ( تحاول ان تحضنه لكنها لا
تستطيع ، تستمر وتكرر حركتها من اجل ان تحتضنه حتى يبدو عليها
الاعياء والتعب فتسقط على الارض دون جدوى )
طيف الابن : اماه حبيبتي هل انتي بخير ،،
الام : للتو أصبحت بخير حال سماع صوتك( تحاول ان تضمه الى صدرها)
طيف الابن : أماه من غير الممكن ان تمسكين بي .
الام : ولماذا يا شهيدي الحبيب
طيف الابن : لم اعد من البشر ، انا الان ملاك
الام : لكن انا مشتاقة الى ان اضمك في حضني يا حبيبي
طيف الابن : وها قد جئت لكي من شدت الشوق ، هل انتي بخير
الام : وكيف لا اكون بخير وحبيبي عاد لي ،
طيف الابن : أماه اشتاق الى ان تضميني الى صدرك
الام : ياويلي ،،، يا ويلي يا حبيبي هل تعلم ماذا فعل بي فراقك
طيف الابن : وماذا عساي ان افعل لكي ازيح عنك الم الفراق .
الام : ان تعود لي وقتها ساكون اسعد ام على وجه الارض .، ولدي حبيبي اين
انت، ولماذا لا استطيع ان امسك بك بيديك ( تحاول الامساك به لكن
دون جدوى ) .
طيف الابن : انا الان في أمان، اطمئني يا اماه . لطالما اتعبتك كثيرا في
طفولتي وفي شبابي ،، لقد أتعبتك كثيرا في أهتمامك بي عندما
كنت اخرج مع اصدقائي او عندما اذهب الى الجامعة ، اتذكر كيف
كنت تنتظريني خلف الباب حتى أعود
الام : كيف اطمئن ؟ ومنذ رحيلك وانا تائهة هائمة ، لا اعرف ان افعل شي غير
البكاء والعويل .
طيف الابن : ومن اجل هذا جئت اليك ، جئت أشكرك على كل مافعلتي لاجلي
الام : وهل تعلم بما حصل بي بعد فراقك أيها الحبيب الشهيد
طيف الابن : اماه حبيبتي اتوسل اليك ان تتقبلين الامر وتعيشين على ذكراي دون
جزع وبكاء وعويل .
الام : سانفذ لك كل ماتريد لكن لي شرط واحد .
طيف الابن : وما هو ؟
الام : ان اراك كل ليلة في منامي فاتحدث معك واضمك الى صدري
طيف الابن : سافعل ذلك
الام : هل تعرف يومياً وفي الليل أصعد الى غرفتك واقوم بترتيب اغراضك
وملابسك وانفض الغبار عن كتبك ،، اعذرني يا حبيبي ان قمت في بعض
المرات من قراءة بعض القصاصات التي كتبتها الى ،،الى،، ( تبتسم الام و
يرتبك الابن ، الام بحزم ) لماذا لم تخبرني عنها يا حبيبي ؟ ها لماذا فقد
احزنني الامر هل يعقل ان تخبى عني مثل هذا الامر .
طيف الابن : ( تبدو عليه علامات الاحراج والارتباك ) اسف امي حبيبتي ،
صدقيني كنت قد نويت ان اخبرك بالامر ، لكنني كنت خجلاً منك ، يالله
كم كانت لي أمنية كبيرة في ان اذهب انا وانتي ووالدي وتخطبانها لي ،
كنت قد وعدتها بذلك ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن . لا
اعرف ماذا سيحصل لها .
الام : ( تقاطعه) لا عليك يا حبيبي ، لكنها ايه في الجمال والادب والخلق
طيف الابن : وكيف عرفت ذلك ؟
الام : جاءت الى البيت لكي تعزيني واعزيها ، فقمنا يومها ماتم عزاء عظيم حيث
استمر بكائي معها نهار كامل ، لا تتخيل مدى ردة الفعل لديه عندما دق جرس
الباب وذهبت اليه ففتحت الباب ووجدت فتاة جميلة ، قد طغى الحزن على
ملامح وجهها وقفت على الباب ودموعها تجري ويكاد ان يغمى عليها لم تتكلم
الا كلمة واحدة : انا حبيبته ، يالله لاتعرف مدى السعادة التي غمرتني وقتها . فقد
وجدت من تساليني واساليها بالبكاء .
طيف الابن : اماه اخبريها بان تعيش حياتها فانا لم اعد لها .
الام : ( تبكي ) مازلت ارتب لك ملابسك وحاجياتك وكلي شوقاً لاشم عطرك في ملابسك وعلى فراشك وفي اغراضك، واسهو وانام وانا أضع ملابسك على
صدري ، نم يا حبيبي نم ، في حضن امك اغفو .
( يختفي طيف الابن بينما الام نائمة على سجادة صلاتها وتدخل الجدة )
الجدة : ( تحاول ان تصحي الام من نومها ) هيا ايتها الام قومي لنحيبك وبكائك ،
قومي لصلاتك .
الام : ( تصحو الام ويبدو عليها النشاط والحيوية ) أين انت يا حبيبي .
الجدة : صلي له وادعي انه عند مليك مقتدر .
الام : ( غير مكترثة لحديث الجدة) ماذا تقولين أيتها الجدة ، (هسه جان هنا ، أخاف
نايم ، ( بصوت عالي ) حبيبي مو كمل العشاء تعال اتعشى مو ابوك منتظرك
وميتعشى الا انته وياه، ( الام في جانب اخر من المسرح ) يله يوم أكعد جبتلك
الريوك يله وراك دوام بالجامعة ( الام في جانب اخر ) يله حبيبي اريدك تجي
وياي نروح للسوك ( الام في موقف اخر ) ماما علي ابوك يكول مو تنسى دواي
تجيبه وياك من الصيدلية من تجي بالليل ( الام في جانب اخر من المسرح )
علاوي ، علاوي حبيبي جماعتك بالباب يردونك يله خليهم يدخلون حتى اسويلكم
عشا ) ، يمه علي حبيبي تسمعني ( تعود الام الى اجواء الحزن ) حبيبي أشو مدا
تسمعني ، ليش حبيبي جاوبني ،، هيج تسمع أمك ومتجاوب، ليش متجاوب ، ماما
والله راح اموت الله يخليك جاوبني ليش عفتني ورحت .
( تنهار الام بالبكاء وتسقط على الارض ) .
الجدة : ( تسير في باحة البيت وهي تنعى بصوت جنوبي شجن ) .
الام : ولدي كان هنا ، كان هنا ،، كان هنا ، (تقوم بالتفتيش عنه في جميع أماكن
البيت ) ، ولدي حبيبي اين انت ،، اين انت ( تقوم بالبحث والتفتيش في كافة
انحاء البيت وبحركة سريعة ومضطربة)
الجدة : ( تنعى بصوت حزين ) .
ستار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق