تصنيفات مسرحية

الاثنين، 23 مارس 2020

شراكة فنية شابة تثمر نوعاً مسرحياً معاصراً نادرا في العالم العربي

مجلة الفنون المسرحية

 

شراكة فنية شابة  تثمر نوعاً مسرحياً معاصراً نادرا في العالم العربي

حوار ميار ألكسان حول"الصناعة المسرحية"
حور ملص حول "الأداء الحركي  بين الرقص والمسرحة "

حوار: سوزان المحمود 

  منذ مشاهدتي لعرض "معلّق" لحور ملص ولميار ألكسان في العام الماضي2019، على خشبة  المسرح الايطالي في المعهد العالي للفنون المسرحية، و لعرضهما الآخر "ثلاث ثوان" بداية 2020، وقد أعادا عرضه على خشبة الصالة المتعددة الاستخدامات في دار أوبرا دمشق، وهو عرض قدم منذ ثلاث سنوات في الاستديو الذي يتدربان به وجالا به عدة دول ومهرجانات حول العالم، لفتتني تجربتهما القريبة من "مسرح فيزيائية الجسد" لذلك قمت بإجراء هذا الحوار معهما حول النوع المسرحي الذي يقدمانه:       
ميار ألكسان

ميار ألكسان ممثل ومخرج وصانع مسرح، هل من الممكن أن تعرف الجمهور بنفسك وبالنوع المسرحي الذي تقدمه ؟
أنا خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق دفعة 2013 قسم التمثيل، مهتمٌ بشكل أساسي بالمسرح وفنون الأداء، والآن أعمل على نيل درجة الماجستير في هولندا بتخصص يحمل عنوان: "العلاقة بين النظرية والتطبيق"، و مصطلح النظرية هنا أكبر من أن يكون فنياً فقط، بل يمتد ليشمل الفيزياء، والفلسفة، وعلم الاجتماع، وكيف لهذه النظريات أن تُطبق في الفن عامة، وفي المسرح الذي هو أختصاصي بصورة خاصة. أستطيع القول أن أقرب مثال لدينا لهذا النمط من الدراسة هو صلة الوصل بين قسمي النقد والتمثيل في المعهد العالي بدمشق، لكن للمفارقة فالمسرح الذي أعمل عليه لا يشبه أياً من دراساتي السابقة.

- كان عملك الأول بعنوان "بطاقة إلى أتلنتس" ما الذي أردت أن تقدمه هنا؟
قدمت أول عرض لي بالشراكة مع الفنانة اللبنانية لينا عيسى في بيروت، وكان بعنوان "بطاقة إلى أتلنتس" وهو أول عرض أعمل عليه من الألف إلى الياء، كمخرج، أو كصانع مسرحي بصيغة أدق. لأنني اعتقد أن أي شخص يعمل في المسرح يجب أن يكون على دراية واسعة بكل اختصاصاته: من إخراج، وإضاءة، وسينوغرافيا، إلى جانب العلاقة مع المؤدين ومع مفهوم الأداء بحد ذاته، من أجل ذلك أفضل تسميتها "بالصناعة المسرحية". وبالعودة الى "بطاقة الى أتلانتس، العرض  يتحدث عن علاقة جسم الإنسان بالبحر، بين مهاجر و صياد و متأمل. ضمن إطار دراسة مطولة لتاريخ المتوسط حتى وقتنا الراهن. وقد كانت إحدى الخيارات الواضحة بالنسبة لنا أن يكون العرض في مسرح بديل خارج العلبة السوداء للمسرح، وأن يكون في نقطة مفتوحة على البحر تحديداً. لهذا وقع الخيار على مسبح (عجرم) كورنيش بيروت-عين المريسة. المكان الذي كان في الماضي مسبحاً للنساء، لكنه في السنين الأخيرة تحول إلى مكان مهجور يقصده بعض الصيادين وبعض الراغبين بالعزلة من سكان تلك المدينة التي تخلو من الأماكن العامة. عملنا لمدة ستة أشهر في ذلك الفضاء في محاولة لفهمه وتحويله إلى منصة تستطيع أن تحمل أفكار عرضنا من دون إقحام. منصة تضعنا على أرض مستوية مع أفراد الجمهور لخلق تجربة حميمة. مساحة لعب تتيح لأجسادهم المشاركة بشكلٍ فاعل في تفاصيل هذا العرض، فنصبح بذلك جميعاً صناعاً لهذا العمل، بعيداً عن منطق مرسل ومتلقي. وقد كانت من أغنى اللحظات بالنسبة لي عندما ينتهي العرض ويمتنع الجمهور عن التصفيق كما هو العِرف . بل يفضّل أن يبقى صامتاً حاملاً شحنة وتفاصيل تلك التجربة معه إلى المنزل. 

- كنت تتحدث عن الصناعة المسرحية، وهو أمر جديد على عالمنا العربي بالطريقة التي تتحدث بها عنها، نحن نعرف عن الصناعة السينمائية، والتي تحتاج لقدرات فنية وتقنية وتمويلية هائلة، ما الذي يختلف هنا؟
بالنسبة لي ولحور و لعدد من المسرحيين الزملاء في مدينة دمشق، عملنا في السنوات الأخيرة على مسرح مستقل، أو بمعنى آخر مسرح قائم في كثير من الأحيان دون أي دعم مادي.
ف "ثلاث ثوان"و"معلّق" هي عروض بميزانية صفرية، أي أنها من إنتاجنا الخاص، و هو ما يفرض علينا أن نتقشف بشكل كبير فيما يتعلق بالسينوغرافيا والإضاءة. لكن أستطيع القول أننا في محاولة دائمة لتحويل ذلك التقشف إلى نقطة قوة، بالعلاقة مع المحتوى الفني، وبالمواجهة مع سؤال: "ما هو الأهم كي يقال وكيف يمكن قوله؟"  و لكن تبقى في آخر النهار الكلفة الحقيقة التي ندفعها هي الوقت الذي نضعه هنا في سبيل ما نحب و ما نؤمن به. 

- هل من ممكن أن تحدثنا عن تجربتك الخاصة في عرضك الذي يحمل عنوان "غير مكتمل"؟
نعم، كان العرض ضمن إطار إقامة فنية بسلوفاكيا بمدينة (كوشتسة)، بالشراكة مع فنانة تشكيلية تدعى Petra Houskova، حيث بدأنا العمل على إحدى اللوحات الخاصة بها، واللوحة تصور ورقة مجعدة عملاقة مرسومة بأسلوب واقعي. أخبرتها في ذلك الوقت أنني أرغب بأن أحول هذه اللوحة إلى مجسم  ثلاثي الأبعاد، وبالتالي  إلى فضاء مسرحي ومساحة لعب لعرض "غير مكتمل"، بدأنا ببناء هذه الورقة العملاقة وأنا في إطار التساؤل والتفكير: لو كان هناك شخصية تعيش في هذه الورقة فمن ستكون؟ و لماذا هي هنا؟ و إذا فرضنا أن هناك كاتب أو روائي  يكتب ويمزق ويرمي أوراقه يميناً و شمالاً. ماذا يحدث لتلك الشخصيات العالقة في تلك القصاصات والقصص غير المكتملة؟ وكيف لها أن تحيا؟ و ما هي أكبر طموحاتها؟ ولكن بالنسبة لي "غير مكتمل" هو بذرة أولية لمشروع عرض لا أكثر. 

- اذا أردنا أن نوصف النوع المسرحي الذي تقدمه ماذا يمكننا أن نقول عنه ؟

أفضل هنا التحدث عن لقائي الفني بحور و كيف بدأنا بتطوير أدواتنا ضمن ما يسمى (مسرح الجسد) الذي كنت على تماس معه سابقاً في عرض "بطاقة إلى أتلنتس".  وبالنسبة لي أقرب توصيف لهذا النوع القول بأنه عبارة عن لغة مشتركة بين التمثيل والرقص، أو بين المسرح الكلاسيكي وبين الرقص. هو محاولة لخلق شخصية مسرحية تعبر عن نفسها بلغة جسدية، منطلقين من عقلية إرتجالية في بناء العرض. 

- بـ"ثلاث ثوان" كنتما تعتمدان على تنفيذ تقنيات جسدية فقط أم اعتمدتما على بناء قصة درامية صغيرة؟ 
بدأنا بخلق شخصية، قوامها الأساسي خليط من تفاصيل تخصني و تخص حور، تحديداً في إطار علاقتنا مع فكرة الوحدة، ومع مرور الوقت أخذنا نتعمق في تلك الشخصية وفي حياتها اليومية الروتينية، إلى أن جاء اليوم الذي سألنا  أنفسنا فيه: "إذا كان لهذه الشخصية أن تحلم كيف سيكون شكل أحلامها؟" لأن الحلم كان باعتقادنا المكان السري الوحيد المتبقي للكائن البشري. المكان الذي يعطي فيه الرقيب الذاتي عينه الكفيفة عن كل الرغبات الحبيسة والذكريات السحيقة والتفاصيل اليومية، لتخرج في كل ليلة إلى السطح وتصنع فيلمها السحري الخاص. وبالطبع هذا الأمر يتم أيضاً بالعلاقة مع الرقيب الأكبر المكون من المجتمع والناس والتكنولوجيا. بدأنا نفكر بأحلام هذه الشخصية، وعلى مدى أربعة أشهر كنا نؤرشف ونسجل أحلامنا أنا وحور، نلتقي كل صباح ونتشارك أحلام الليلة الفائتة، ونفكر في الأدوات التي يمكن أن تعبر عنها، وعن ماذا يحكي هذا الحلم وماهي علاقته باللاوعي الخاص بنا ومن أين تأتي جذوره، و كل ذلك بني على الثقة التي بيني وبين حور، لأننا وبعبورنا إلى عالم الأحلام، ندخل إلى جانب هش وحساس جداً من كياننا.
عملتما معاً في العرض، حور كانت تؤدي الحركة وأنت كنت تقوم بالجانب التقني المتعلق بالصوت والضوء؟ 
لا أظن أن الأمر مفصولٌ بهذه الطريقة، بل أعتقد أن عقليتنا و أدواتنا أكثر تكاملاً، ففي عملنا المسرحي نعتبر الضوء مادة حية، هو ليس مكوناً مسرحياً بسيطاً، إنه أداة أساسية تؤدي في العرض تماماً كجسد الممثل أو الراقص. إنه شريكٌ حقيقي يقوم بدوره، وكذلك السينوغرافيا، فإذا لاحظت كيف كنا نحاول في عرض "ثلاث ثوان" تفعيل كل قطع الديكور على الخشبة كأدوات حية تؤدي معنا، سواء كانت الوسادة الحمراء أو الخزانة أو الشرشف، وهذا الأمر أيضاً مربوط بمنطق الصناعة المسرحية الذي تحدثنا عنه، وكيف أن كل شيء على المسرح هو شريك كامل و أساسي في هذه العملية، وهو ما يعيدني  للإجابة مرة أخرى على سؤالك حول ماهية النوع الذي نعمل عليه. احترامنا لهذه الأدوات بالعلاقة مع الجسد، ومع الشراكة الحقيقة بيني وبين حور تلك هي مفردات اللغة المسرحية الخاصة بنا. 
ويجب التوضيح أحياناً أن الاشتغال في مسرح الجسد ليس جديداً أبداً. هناك أسماء كبيرة ك Pina Bausch  وفرقة DV8 و Dimitris Papaioannou أسسوا منذ أكثر من أربعين عاماً لهذا النوع، وصنعوا أعمالاً خالدة. 
- في سوريا لدينا نورا مراد ورنا كرم قدموا عروض أداء حركي، لكن هل هناك تجارب مشابهة لكم في العالم العربي؟
نعم في بيروت يوجد من جيلنا علي شحرور الذي يعمل بمسرح الجسد لكن بصيغة وأدوات مختلفة، هناك أيضاً شيماء شكري من مصر، وأسماء عديدة أخرى في تونس والمغرب وفي الشمال الأفريقي، لكن وعلى العموم مسرح الجسد جديد على الثقافة العربية. أصلا مفهوم المسرح عامةً هو مفهوم جديد على الثقافة العربية إذا ما قارناه بثقافات الغرب وبتاريخها المسرحي.
- كيف وجدتم تقبل الجمهور للنوع الذي تقدمونه قياساً بتقبل الجمهور لعروض المسرح التقليدي؟

 بالنسبة للكثير من الناس كانت تلك هي الخبرة الأولى لهم مع هذا النوع من العروض، وتحديداً بالنسبة للجمهور القادم من الدوائر البعيدة عن الفن، لكن التفاعل كان قوياً و عاطفياً في كثير من الأحيان. 
- ماهي مشاريعكم المستقبلية؟

يوجد بيننا أنا وحور شراكة طويلة الأمد  لن تنتهي بعرض أو اثنين، لكن بالنسبة لأعمالنا القادمة هناك عرض جديد نعمل عليه سيكون افتتاحه في شهر آب ويحمل اسم "غبار" والعرض يبحث ببنية مرض الألزهايمر وعلاقة الأشخاص الذين يصابون بهذا المرض ببيتهم الأول. فلدى الكثيرين منهم حنينٌ قوي لبيتٍ في الذاكرة  يدفعهم للاغتراب عن واقعهم الآني.
- هل قمت بدراسة نفسية لهذا الموضوع؟

نعم لقد بدأت القصة مع جدي، لم نكن نعي في حينها بأنه مصاب بالألزهايمر، و كما اعتاد لسنوات، كان يخرج ليقوم بجولته اليومية في دمشق: يذهب إلى المقهى ليشرب قهوته ويشتري جرائده، ثم يعود إلى البيت. لكن يوماً بعد يوم صار يعود متأخراً، إلى أن أتى اليوم الذي لم يرجع فيه أبداً. ذهبنا نبحث عنه في أقسام الشرطة والمستشفيات والشوارع، وفي آخر الليل اتصل بِنَا أحدهم، و أخبرنا أن هناك رجلاً عجوزاً يقف بباب بيته وطلب منا القدوم لاصطحابه. وعندما وصلنا وجدنا جدي واقفاً عند باب بيته الذي تركه منذ عشرين عاماً ظناً منه أنه عاد إلى البيت. نقوم بهذا العرض باختبار عوالم هذا المرض وتأثيره على شخصية المريض وعلاقته بالبيت الأول وعلاقتنا نحن بمفهوم البيت في مدينة كدمشق عام 2020 وبالتحولات التي ألمت بها وبحياة سكانها. أما بالنسبة لمشاريعنا الأبعد فكما أسلفت علاقتنا أنا وحور ليست مربوطة بعروض بقدر ماهي مربوطة بمسار فني نحاول أن نأسس له. ولذلك أتمنى بمرور الأيام أن يكون لدينا فضاءٌ خاصٌ بنا نتدرب فيه ونقدم عروضنا ضمن جدرانه، ويكون أيضاً منصة للآخرين لتقديم أعمالهم.

حور ملص


أستاذة حور ملص هل من الممكن أن نعرف الجمهورعليك وعلى تجربتك بالتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية في قسم الرقص وقسم التمثيل؟
  بدأت الرقص في مدرسة الباليه عام 1993، ثم أكملت المسيرة الاحترافية  بدخولي إلى المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الرقص عام 2003-2007 . ثم نلت شهادة الدبلوم في الرقص المعاصر من إنكلترا 2008 والذي كانت حصيلته 22 عرض سافرنا بهم إلى العديد من بلدان العالم .كما أسست بالشراكة مع الفنان علاء كرميد فرقة "سمة" للرقص المعاصر في دمشق 2006 وقدمنا خلال سبع سنوات العديد من العروض الراقصة حتى  2013 وبعد هذا التاريخ بدأت العمل كراقصة ومصممة مستقلة حيث قدمت العديد من العروض الفردية وشاركت في عروض أخرى مع مصممين ومخرجين عرب وعالمين ، بالإضافة إلى المشاركة  في جميع عروض مدرسة الباليه وقسم الرقص واحتفاليات يوم الرقص العالمي ويوم المسرح العالمي منذ دخولي إلى المعهد وحتى الآن. بدأت بالتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2009 مع مادة جديدة أدخلتها على المنهج في قسم الرقص تدعى " تقنيات" وهي قائمة على تقنية استخدام الأرض بشكل أساسي في الرقص . استطعنا الاستفادة من الانفتاح و التبادل الثقافي  الحاصل في البلد تلك الفترة بالتعاون مع المراكز الثقافية ( الفرنسي- البريطاني – الدنماركي )من خلال استضافة فنانين من جنسيات مختلفة وإقامة وورش عمل وعروض فنية معهم. وللأسف توقفت هذه النشاطات وأصيب هذا المجال بالشلل بسبب الأحداث الدائرة في البلاد. ومع ذلك كان لدينا إرادة راسخة بضرورة استمرار العمل ومحاولة ملء الفراغ الحاصل لأننا غير قادرين على الاستفادة من الخبرات الخارجية، ومن هنا انطلقنا أنا والفنانة نورا مراد بمشروع منهجة تدريس مادة الرقص المعاصر في المعهد العالي للفنون المسرحية، فقمنا بوضع منهج يقوم على إعطاء السنوات الأولى والثانية مادة الرقص الحديث القائمة على تقنية "غراهام" ، وإعطاء تقنية ريليس "release" للسنة الثالثة، و الرقص المعاصر للسنة الرابعة. ومن خلال تجربتي كراقصة و كمدرسة لمادة الرقص المعاصر وجدت أن هناك ضرورة لإدخال تمارين قائمة على الارتجال مما يعطي الطالب مساحة أكبر للتفكير والتحليل من جهة  ولتفعيل الخيال والجسد  من جهة ثانية. ولذلك قمت ببلورة أسلوبي الخاص في التدريس القائم على الاستفادة من كافة الخبرات و التجارب التي قمت بها بالإضافة إلى مفرداتي الحركية الخاصة، وكنتيجة لذلك أنا لا أكتفي بإعطاء تقنية واحدة للطلاب. أما بالنسبة لقسم التمثيل فقد كانت المواد مقتصرة على الليونة والحركة ولم تتطور هذه التجربة لترقى لمستوى طموحاتي في تفعيل قدرات الممثل الحركية على نقيض تجربتي الشخصية في العمل مع مخرجين وممثلين مسرحيين خارج المعهد. 

كيف ترين طلاب الرقص اليوم بعد أن تخرجوا من المعهد، هل لايزالون يعملون بمجالهم أم اتخذوا مسارات أخرى؟ 
في السنوات الأخيرة معظم الخريجين الشباب سافروا الى الخارج وهم الآن يعملون في الرقص ويكملون دراساتهم العليا ، بعضهم اتجه الى الدراسة النظرية وبعضهم الآخر انضم الى فرق رقص.  

لنتحدث عن عرض "ثلاث ثوان" الذي شاهدناه مؤخراً على خشبة الصالة المتعددة الاستخدامات في دار الأوبرا لنبدأ من العنوان؟

جاء عنوان العرض بعد قراءة عميقة وموسعة لدراسات علمية عن الأحلام وتفسيرها، حيث وجدنا أن هناك زمن وسطي للحلم ، إحدى النظريات ترى أن مدته ثانية واحدة، لكن أغلب الدراسات تفيد بأن المعدل الوسطي للحلم هو، ثلاث ثوان، على الرغم من أن الإنسان يشعر أنه يرى الحلم لمدة ساعة أو أكثر. وبما أن بناء العرض قائم بشكل كامل على بنية الحلم جاءت تسميتنا للعرض ب" ثلاث ثوان". وبما أنه التعاون الفني الأول مع ميار استغرق وقتاً طويلاً في البحث و العمل المكثف لنتمكن من فهم طرائقنا المختلفة في العمل ولنجد أسلوبنا الخاص في هذه الشراكة الفنية، ولأن كلاً  منا آت من خلفية ثقافية مختلفة – ميار من المسرح وأنا من الرقص - مرّ العمل بمراحل عدة أولها كان في صيف 2017 حيث بدأنا بمرحلة تحضيرية قائمة على محاولة فهم كيف يرى كل منا مرحلة التعارف العملي والفني واستغرقت هذه المرحلة حوالي الشهرين من العمل اليومي المضنٍ إلى أن توصلنا إلى صيغة مناسبة. في الوقت نفسه كنا نتحدث عن الوحدة كنا نشعر أننا نخلق شخصية مسرحية مني ومنه، وبالحديث عن الأحلام صرنا نسجل أحلامنا، فكل يوم نتحدث عن أحلامنا وتفسيراتها و نحاول أن نستخرج من الحلم ما نتذكره إن كان صورة بصرية أوموتيف حركي أو فكرة . ثم نحاول تجسيد هذه الأفكار والصور وتحديد أجزاء محددة في الجسد للعمل عليها، ونجرب مرة بعد مرة لنصل إلى صيغة مناسبة. بشكل عام العمل قائم على الارتجال وعلى ما يعطيه كل منا للشخصية المجسدة فشكل التصميم التقليدي للرقص غير موجود بعملنا، لايوجد شكل نهائي أو ثابت للعرض وذلك بسبب الارتجال، طبعاً يوجد بعض النقاط والمفاصل الثابتة، فأنا بمتابعة الموسيقا أعرف ماذا يجب أن أفعل بهذه اللحظة، و الأداء قد يختلف من مكان إلى آخر، وذلك تبعاً لاختلاف أماكن تقديمه فكنا نقوم بتعديلات حركية تتناسب مع المكان مع الحفاظ على الثوابت الأساسية في العرض.
كيف كان تفاعل الجمهور مع العرض عندما قُدِم خارج البلاد ؟
قدّم العرض في بيروت و تونس وكندا والسويد وبلجيكا، في تونس وحدها شاركنا في مهرجانين مسرحيين ، و كانت ردات فعل الجمهور مختلفة ومتنوعة تتراوح بين الخوف أحياناً والصمت أحياناً أخرى وفي بعض الأحيان كانوا يتفاعلون معنا بضحكة مفاجأة. وكثيراً ما كان الجمهور يكلمنا بعض العرض ليسأل أو يعبر عن مشاعره أو ليتناقش معنا بما وصله من العرض. شكل المكان لعب دوراً كبيراً في هذا العرض بتحديد مقدار نجاحه أو وصلوه للجمهور، بتونس مثلاً كانت الغرفة مناسبة جداً للعرض، حيث كان التواصل مع الجمهور أكثر حميمية، أما في بلجيكا كان المكان عبارة عن قاعة قمنا ببناء جدران لها، وبالتالي اختلف الوضع تماماً، هذا الاختلاف سببه قرب الجمهور من رقعة الأداء أو بعده لأنه يحتاج إلى نوع من الحميمية  وهذا ما كان يأثر على إحساسي أثناء الأداء.
العرض الذي قدم في العام الماضي، "معلّق"، كان مختلفاً عن "ثلاث ثوان" هل نتحدث حول شخصيتك في العرض؟ 
فكرة عرض "معلّق" بالنسبة لنا أنا وميار تتحدث عن علاقتنا الخاصة بهذه المدينة "دمشق"، في تلك الفترة كنا نشعر أننا لسنا بالشخص الميت ولا بالشخص الذي على قيد الحياة معلقون مابين الموت والحياة، بدأنا التحضيرات في 2018 ثم التحق بنا باقي الفريق وقدمنا العرض في 2019 ، عملنا على هذا العرض لمدة خمسة شهور، انطلقنا من فكرة الزمن والموت وكان معنا الدراماتوج إبراهيم جمعة و المؤدية سارة المنعم، بالنسبة لي كان العمل على بناء هذه الشخصية ليس سهلا ً أبداً فالشخصية هنا أوضح منها في عمل ثلاث ثوان، الحكاية هنا بسيطة وهي تتحدث عن امرأة عجوز تتحضر لعيد ميلادها الثمانين، وعن علاقتها بالموت وعلاقتها بحفيدتها مع فارق السن بينهما الجدة في الثمانين و الحفيدة في العشرين هذا الفارق الذي يجعل العلاقة مضطربة بينهما فالعجوز بحاجة لحفيدتها لأنها لا تستطيع أن تقوم بكل المهام لوحدها، فتحاول فرض سيطرتها عليها كل الوقت ولا تدع لها المجال لعيش سنها. أيضاً هي تنتظر الموت لكنها متشبثة بالحياة ولا تريد أن تموت.  كنا نبحث بالأساطير الدينية واللادينية فكنا نتحدث عن طائر الفينيق الذي يشعل نفسه لينبعث من جديد. كان هناك عناصر مختلفة أيضاً ،كالحديث عن الماء والنار، بالإضافة إلى العلاقة مع الضوء، وهي كانت أساسية، وكذلك الحبل الذي يقسم كل شيء بالعرض ,يقسم الفضاء ويقسم الشعور بين الوراء والأمام، الأعلى والأسفل ، العتمة والضوء، وهو كان الفاصل بالنسبة لي بين الشعور بأني على قيد الحياة أو بأني ميتة ، شعور يشبه الأرجحة فالشخصية كانت فوق الحبل تمثل شيء وتحته تمثل شيء آخر، فقد كنت بالإضافة الى كل ذلك أجسد هذه الشخصية في مرحلتين عمريتين وهي شابة وهي عجوز و الفاصل بينهما هو ذلك الحبل أيضاً. كان عملاً صعباً تطلب مني قرابة ثلاثة أشهر لأتمكن من بناء هذه الشخصية بكل تفاصيلها ، حركتها وتاريخها عالمها الداخلي و الخارجي وهذا كان غير مألوف بالنسبة لي كراقصة، فعروض الرقص تقوم على حركات تعبيرية وليس على بناء شخصية كاملة كما يفعل الممثل ، وهذا ما يميز العمل مع ميار حيث نقوم معاً على بناء شخصية مسرحية متكاملة في عروضنا الحركية.
ما هي مشاريعك المستقبلية؟ 
"غبار" هو عرضنا الجديد الذي نتحدث فيه عن الزهايمر، حيث بدأت فكرة العرض من أحاديثنا عن جد ميار ثم تطور ليصبح بالشراكة مع رسامة هولندية تعاني جدتها من ذات المرض ، وللمصادفة الغريبة أن جدتي أيضاً أصيبت بالزهايمر، لذلك قمنا بجمع التجارب الثلاث، حيث سنقوم بتجسيد ثلاثة أنماط من الشخصيات تعاني من هذا المرض. لن تنتهي شراكتنا الفنية هنا ،لأنها ليست قائمة فقط من أجل إنتاج وتقديم العروض  وإنما هي نوع  من البحث الدائم والعمل المشترك حول ما نريد تقديمه في المستقبل فكرياً و فنياً وكيفية تطويره لمحاولة خلق لغة حركية جديدة وفريدة تشبهنا وتشبه هذه المدينة و القاطنين فيها وتكون قادرة الى الوصول إلى كل العالم .

صور " معلق " - تصوير : أحمد بوسنينة \ تونس 2019

صور " معلق " - تصوير : أحمد بوسنينة \ تونس 2019


صور " ثلاث ثوان " - تصوير: إليانو نصر \ غوثامبرغ- السويد 2019


صور " ثلاث ثوان " - تصوير: أحمد الطرابلسي \ بيروت 2018



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق