تصنيفات مسرحية

الاثنين، 23 مارس 2020

ليلاً يسافر الطائر المهاجر وغريباً ينام ...

مجلة الفنون المسرحية


ليلاً يسافر الطائر المهاجر
 وغريباً ينام ...  

بقلم / نوري عبدالدايم 

 لم يكن الراحل " د. عوني كرومي " وحده الذي هاجر وحمل " العراق "  في قلبه وبين كفيه مكتفياً بفنه وهمّه المسرحي فقد كان " د . جواد الأسدي ، د. صلاح القصب ، د . محمد فريد حسون " والقائمة تطول  "  وأخرون من الشعراء والمثقفين والتشكيليين  الذين كانت تؤنسهم " ديرة حمد ، واعزاز والله اعزاز  ، وحاسبينك مثل كل الناس " ويتدثرون بأشعار "  الجواهري وبدر شاكر ،  والنواب " علها تسد رمق  حنينهم للعراق " فقد كانوا في الغربة ينحتون العراق ويفترضون عراقاً جديدة عراق الأم . 
 كان يوم السبت 27-5-2006 م  عندما أعلن  نباء وفاة المخرج العراقي " عوني كرومي " عن عمر يناهز الواحد والستين عاماً ،  بالعاصمة برلين بألمانيا ، إثر جلطة قلبية أصيب فيها قبل يومين من وفاته أثناء  حضوره العرض الأول لمسرحية " مسافر ليل " لصلاح عبدالصبور " التي جسدت شخصياتها الممثلتان الألمانيتان بوليا ريبكي و كلوديا كريمر  " التي  اخرجها لمسرح برلين‏,‏  بعد بدء العرض بأقل من نصف ساعة ‏.
بداياته عام  1961 م من القرن الماضي ، عندما درس الإخراج المسرحي بمعهد الفنون الجميلة ببغداد متخرجاً منه بامتياز الذي أهله لاستكمال دراسته العليا في جامعة ( همبولدت ) في العاصمة الألمانية برلين متخصصاً في  مسرح برتولد بريخت لينال شهادة الدكتوراه سنة 1976 م . ،  في عام  1977  م عاد الى العراق ليعمل أستاذاً للإخراج في أكاديمية الفنون قسم المسرح  إضافة لعمله كمخرج للمسرح قدم في هذه الفترة العديد من الأعمال حاز عليها بجائزة أفضل مخرج في أربع مواسم مسرحية متعاقبة .  
 أخرج أكثر من 70 مسرحية ، منها :  المساء الأخير، منطقة الخطر، كاليجولا، غاليلو غاليليه، كريولان، مأساة تموز، القائل نعم القائل لا، تداخلات الفرح والحزن، فوق رصيف الرفض، الغائب، حكاية لأطفالنا الأعزاء، كشخة ونفخة، الإنسان الطيب، صراخ الصمت الأخرس، ترنيمة الكرسي الهزاز، بير وشناشيل، المحفظة، المسيح يُصلب من جديد، الصمت والذئاب، عند الصلب، في المحطة، الشريط الأخير، المساء الأخير، الطائر الأزرق، أنتيجونا، فاطمة، السيد والعبد  ، تساؤلات مسرحية ،  رثاء اور، مأساة تموز ،  كوريولان، رؤى سيمون ماشار ، تداخلات الفرح والحزن، مبادرات، الآنسة جولي،    مساء السلامة، المسيح يصلب من جديد، مشعلوا الحرائق،  مسافر ليل . 
 شغل عدة مناصب أكاديمية في معاهد وكليات الفنون المسرحية في بغداد وعمان ودمشق وبرلين التي كانت المحطة الأخيرة . شارك في معظم المؤتمرات ومهرجانات المسرح العالمي في ألمانيا ، رومانيا، روما وقرطاج ونال العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من مهرجانات عربية ودولية. أبرزها جائزتان لأفضل عرض مسرحي مشارك في مهرجان قرطاج التونسي ، إلى جانب العديد من الجوائز الأجنبية، خصوصاً في برلين وهافانا . أقام ورش عمل مسرحية لموسمين مسرحيين بمسرح الهناجر بالقاهرة كما أخرج له عملين أخرهما مسرحية " مشعلو الحرائق " ل " ماكس فرش "  ، كما أخرج العديد من المسرحيات في  والقدس وقطر والكويت والأردن والإمارات العربية المتحدة وسوريا والبحرين وبيروت كما قام بالتدريس في أكثر من عاصمة عربية .. أسس المخرج الراحل، في بغداد، فرقة مسرحية، وعمل في التمثيل التلفزيوني والمسرحي . 
ألف العديد من الكتب التي اتخذت طابعاً نقدياً، أو تربوياً، منها : / وظيفة المخرج في المسرح/ ، / اطروحات في المسرح العراقي القديم/ ، /كروتوفسكي والمسرح الفقير/، / الاغتراب في المسرح العربي/، / فن التمثيل/، / الحركة لغة المسرح/ ، / طرق تدريس التمثيل/ ،/ المسرح الألماني المعاصر ، روبرتو تشولي " مسيرة عشرين عاماً مع مسرح الرور " يحكي فيه تجربته مع المخرج الإيطالي روبرتو تشوللي وتجربة " طريق الحرير "  .
منح لقب " وسيط الثقافات " من مركز برخت بألمانيا سنة 2002 م بمناسبة مرور اربعين سنة على عمله بالمسرح . هذا اللقب جاء تتويجاً لتجربته من خلال تقديمة وإخراجه ومؤلفاته وترجماته ومحاضراته وورشه المسرحية ، منذ حصوله على درجة الدكتوراة في العلوم المسرحية سنة 67 م . 
   كانت  ألمانيا مركزاً أساسياً لعمله ، محتكاً بمسرحها، متحاوراً ومنسقاً مع العديد من مسرحييها. التي أقام فيها بعد هجرته من العراق اثر فرض الحصار في العام .1990 م الى أن احتضنته إحدى كنائسها يوم السبت 27 / 5 / 2006 م  
برحيله تفقد  الساحة المسرحية واحدا من أهم المخرجين الفاعلين الذين خدموا المسرح العربي وأوصلوه الى أوروبا عبر العديد من العروض التي قدمها في عواصم اوروبية عديدة . كما لا يخلو مهرجان او ملتقى مسرحي عربي من أحد أعماله وأبحاثه . عندما تراه يتزاحم محفوفاً بطلبته من أجل الدخول لحضور عروض المهرجان  وهو بكامل حيويته لا يرد بذهنك بأنك لن تراه في الدورة المقبلة .... هكذا الأقدار.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق