تصنيفات مسرحية

الأحد، 7 يونيو 2020

المُيَسر في المسرح التفاعلي / وسام عبد العظيم عباس

مجلة الفنون المسرحية

 المُيَسر في المسرح التفاعلي / وسام عبد العظيم عباس 


شكل ظهور المسرح التفاعلي نقطة انطلاق لدخول عصر جديد في المسرح، إذ تجسد ذلك في رصيده الوافر، من عروض ونصوص وتنظيرات وتجارب تسعى الى اعادة ثقة جمهور الشارع في المسرح، من خلال رؤية مركزية شاملة، رسم بها ملامح إستراتيجيته الفنية، مرتكزاً على مفاهيم أظهرها في تجاربه المسرحية تطبيقياً من خلال مجموعة من التقنيات التي ظهرت في المسرح التفاعلي دون غيره من المسارح فلم تقف وسائله التقنية والجمالية من تحقيق العرض التفاعلي في حدود خصوصية كتابته للنص المسرحي أو الرؤية الإخراجية وما تحمله من معالجات، بل سار بها إلى توظيف جمالي جديد وشامل، شمل العملية المسرحية برمتها، محققاً معها نمط لعلاقة جديدة في المسرح بين الممثل والمتفرج ، وقد امتدت اشتغالات المسرح التفاعلي في مجمل توجهاته الحديثة إلى منعطفات متنوعة, ابتُكِرَتْ لتغطي الاحتياجات المتطورة للمسرح وردم الفجوة بينه وبين الجمهور , فضلا عن استعراض القدرات التي يمكن للمسرح التفاعلي الوصول إليها, عبر مخاطبة فئات المجتمع كافة ، لما يتميز بيه من مرونة ويُسر في الخطاب والاداء والتواصل  ، اذ جاءت خلال العرض صيغ ومرتكزات جديدة قادرة على تحويل المتفرج تدريجياً من منطقة المتلقي السلبي ، الى المتلقي الفاعل المشارك بصورة حقيقية في منظومة العرض المسرحي ، اذ ان هذه الانماط من العروض توصف بشموليتها وقدرتها على التوجيه والمتعة والتسلية معا بإشراك الجمهور إشراكا فعليا وإنزاله إلى ميدان التمثيل . (1) بوصفه  (المسرح التفاعلي) مسرح حي للتنشيط الاجتماعي ، يتيح للجمهور امكانية التفكير التواصل والتفاعل والتعبير والمناقشة مع الممثلين وفيما بينهم بكامل الحرية لدرجة يصبح المتفرج مشتركاً بالنص والتمثيل ورسم الحركة .  
       ومن جملة المرتكزات التي يعتمدها هذا المسرح هي (المُيَسر) في المسرح التفاعلي  ، وهي تسمية اطلقها الباحث على الشخص الوسيط بين الممثلين والمتفرجين للتحكم في سير العرض وتوجيهِ الممثلين، ودفع المتفرج بالاتجاه الذي يساعدهُ للاشتراك والتفاعل مع احداث العرض ، اذ انه بمثابة الشريان الرئيسي في العرض التفاعلي يأخذ على عاتقه ضبط ايقاع العرض من خلال توجيه بوصلة العرض اثناء فتح النقاشات مع المتفرجين . 

     ولهذه التسمية مرجعيات عديدة ومتنوعة ، اختلفت من بلد الى اخر ، واذا ما اردنا ان نبحث عن مقاربات هذه الشخصية ومرجعياتها يمكن ان نلتمسها في الموروث العربي من خلال شخصية (الحكواتي) و ( الراوي ) و ( المعلم )  فيما اطلق عليها الكاتب البرازيلي اوجستو بوال بــ (الجوكر) كل هذه التسميات يمكن ان تُشَكل ملمح اولي عن شخصية (المُيَسر) وفي الحقيقة هي تسمية متعددة ومتشعبة المعان، الا ان الباحث يرى ان هذه التسميات جميعها لا تتطابق مع تقنيات مرتكزات المسرح التفاعلي ، بوصفة صورة متطورة ومُحدثة للمسرح ، وان التسميات السابقة الذكر ألتصقت بجملة من العوامل البيئية والاجتماعية التي بلورت هذه المصطلحات بما ينسجم مع اماكن ظهورها ، لان كل مصطلح اكتسب العوامل الاجتماعية والثقافية للبيئة التي ظهر فيها ، اما اختيار تسمية الـ ( المُيَسر ) بوصفها تسمية اكاديمية ولها دلالات واضحه تتسق وطروحات المسرح التفاعلي ، كنمط قائم بذاته ، يختلف عن تقنيات المسرح الارسطي والملحمي على صعيد النص ، والاداء ، والفضاء ، الروى الاخراجية ، اذ ان بنية النص في المسرح التفاعلي تختلف عما هو علية في النص التقليدي ، بوصفه مسودة اولية تنقسم الى جزئيين ، الاول يقوم بأنشائه فريق العرض ، اذ يكتبوا الخطوط العامة للموضوعات المراد طرحها ومناقشتها ، اما الجزء الثاني من النص يُكتب بعد نهاية العرض ، اذ تُدرج حوارات المتفرجين المشاركين في العرض ، وهو متعلق بالجمهور الذي بامكانه ان يُغيير النص الاصلي ويطوره بما يراها مناسباً ، وبذلك فهو نصٌ مفتوح لا يكتمل الا بنهاية العرض عن طريق اضافة حوارات ومداخلات الجمهور المشارك ، اما على صعيد الاداء فان الاداءات في المسرح التفاعلي متعددة تبعاً لتقنيات العرض المقدمة ، و تقنيات العرض في المسرح التفاعلي تنقسم الى سبعة تقنيات.(2) 
     منها تقنية مسرح الجريدة ، الذي يمتاز اداء الممثل فيها بالاداء التمثيلي لان الممثل فيه يحتاج الى المبالغة والتكلف ، كونه يتقمص شخصية معينة ، مراد ايصالها للجمهور كما لو كانت في الحدث الرئيسي ، اما التقنية الثانية هي تقنية مسرح الصورة الرمزية فهو يحتاج تقنيات الاداء الصامت لان هذه التقنية قائمة على انشاء العرض التفاعلي بأجساد الممثلين فقط من خلال تقديم صور ثابته تحمل مضامين متعددة باجسادهم ، ويمكن في هذه التقنية تقديم مشاهد تمثيلية متحركة باجسادهم دون اللجوء الى الحوار ، اما تقنية حلقة النقاش .   فان الاداء فيها هو اداء تقديمي ، لا ينتمي الى المبالغة والتكلف ، اذ ان المؤدي يسعى لتقديم ذاته بصورة عفوية بخاصية الـ (performance ) ، اذ انه لا يسعى لتقديم شخصية غير شخصيته ليُقنع الناس بها ، وانما يقدم ذاته كما هي . وكذا الحال بالنسبة لبقية التقنيات ولكل منها نمط ادائي خاص بها . 
      اما شخصية (المُيسَر) فهو شخصية متعددة الانشطة والوظائف داخل العرض المسرحي، اذ يستمر عمله منذ دخول الجمهور فضاء العرض حتى مغادرته اياه ، فعلى مستوى المواصفات يتميز بوصفه شخصية تواصلية بأمتياز ، مطواع مرن على الصعيد الجسدي , قادر على استيعاب الحالة التي تتنامى أمامه,  و انه يعطي اللعبة المسرحية مجالاً اوسع في تكوين علاقاته مع المتفرج للارتقاء بجدل واسع النقاش من خلال تبديل الدور واختيار اللحظات التي من شأنها تغيير مجرى الاحداث ، وان شخصية الممثل المُيَسر اضافت رونقاً فكرياً بجعل الحراك المسرحي نحو بلوغ الهدف وتعميق افكار المسرح ، كما يسعى لجذب الجمهور تجاه صيغة اللعب الجماعي او المشاركة سواء بأستدعاء بعضهم الى مناطق التمثيل  للدخول في اللعبة ، او لتعديل الاداء او حتى لمجرد التعليق ، اذ ان دور الميسر قائم على جعل التواصل ممكن بين المرسل والمتلقي ، ويكون دوره توجيهياً تعليمياً تحريضياً في آن واحد ، حيث تكمن مهمته في ربط العلاقات الموجودة على خشبة المسرح والمحافظة على توازن امكانية التواصل وجذب الاخر كمتفرج ليشارك في عملية تبادل الآراء ، وفي بعض الاحيان يكون له الحق في تغيير مفردات النص وابدال الممثل بأخر من المتلقيين ليقوم الاخر بالدور وطرح همومه من خلال الشخصية الممثلة . 
ان المُيَسر يشكل النواة العملية او المركز الذي تقع عليه الانظار ويحظى بمتابعة مكثفة من قبل الجمهور، وان ما يقدمه المُيَسر يساند المتفرج  الذي ابدى استعادة للتفاعل والتمثيل في الوقوف على الطريق الصحيح لأنشاء الاسلوب المطلوب للأداء ـ بوصفه حلقة الوصل بين الاحداث على خشبة المسرح وبين المتفرجين ، تمتاز هذه الشخصية بحياديتها العالية ووسطيتها ، اذ انه لا يتبنى ما يطرحه العرض ليُشعر المتفرجين بحياديته واعتداله ، كما لا يتبنى طروحات المتفرجين ، لانها قد تكون متضاربة وغير دقيقة ، بوصفها منطلقة من تقافات متعددة وكلها جديرة بالاصغاء والاحترام ، فهو لا يؤيد ولا يؤكد حتى في الحوار ، اذ ينتقي الفاظه بعناية كبيرة ويتجنب كلمات كـــ ( الصح ) او ( الخطأ ) الـ (نعم ) و الـــ(لا) بوصفه ميسراً فقط يسهل عملية التفاعل بين الممثلين وبين المتفرجين ، ويحفز المتفرج على المشاركة في منظومة العرض المسرحي من خلال كسر حاجز الجليد الذي يفصل بين الخشبة والصالة ، اذ انه يبدأ بتوضيح فكرة ونمط العرض في المسرح التفاعلي ، كما يبدأ بتعريف الجمهور بالممثلين بشخصياتهم التمثيلية و شخصياتهم الحقيقية كخطوة اولى لمد جسور التواصل والتفاعل بينهم وبين الممثلين ، ثم يبدأ بطرح الاسئلة العامة على المتفرجين، هذه الاسئلة تمتاز بعموميتها وبساطتها لان الغاية منها جعل المتفرجين يشعرون بالاطمئنان تجاه العرض ، بوصفه يطرح اشياء لا تجلب الحرج للمتفرج ، ثم تتطور عملية الميسر من خلال طلبه من الممثلين ان يعرضوا صورة ثابته باجسادهم ، هذه الصورة تحمل معان متعددة ، يبقى الممثلون في موقف الثبات ـ (Still picture  )  ليُعاود الميسر الى دوره ، من خلال فتح باب حوار جديد من خلال توجيه الاسئلة للمتفرجين بطريقة ودية عالية تشعرهم بذواتهم واهميتهم كأن تكون صيغة السؤال ، لو شاهدت هذه الصورة في مجلة ، او جريدة ، او مواقع التواصل الاجتماعي ماذا ستعلق عليها ؟ ان هذا السؤال في حد ذاته مفتوح وسهل وبأمكان الجميع ان يُجيبوا عليه ، فيبدأ الميسر ، بالاستماع لآراء المتفرجين واحداً تلو الاخر بشأن الصورة الثابتة التي قدمها المتفرجين بأجسادهم ، ويحاول ان يشجع المتفرجين المشاركين ، ويحفزهم بعد نهاية جواب كل متفرج ، ويمكن للميسر ان يكون مهذباً معهم وينهي جواب كل فرد من المتفرجين ، بكلمة شكراً و بلطافة ، ان هذا الاداء التفاعلي للميسر ، يساعد في تحفيز الاخرين للمشاركة والتفاعل مع الصورة التي عرضها الممثلين بأجسادهم ، هذا ما تحقق في عرض في مسرحية (ERROR) التي قدمها الباحث لصالح المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمة الاغاثة والتنمية الدولية في بغداد ، قُدم هذا العرض في منتدى شباب الفاروق في حي الجامعة ببغداد بتاريخ  22/8/ 2017 ، استمر العرض لمدة يومين ، ناقش اهم القضايا العالقة بين المجتمع ( المُضيف ) و المجتمع (النازح ) في بغداد ، اذ تناول جملة من القضايا التي يواجها المجتمع النازح في مخيم حي الجامعة ببغداد ، ومن اهم هذه المشاكل هي مشكلة التعليم والالتحاق بالجامعات بالنسبة لخريجي الدراسات الثانوية من النازحين وطريقة التحاقهم ، بوصفهم نزحوا قسراً من مناطقهم، ما سبب التخلف بالالتحاق في جامعاتهم الام ، وعدم السماح لهم بالقبول في جامعات اخرى ، بسبب جملة من المعوقات الادارية التي تواجههم، تناول العرض هذه الموضوعات بمشاهد مسرحية قدمت من قبل شباب هم غير ممثلين ولم يُمَثلوا من قبل وهم من المجتمع النازح ومن المُخيم ذاته جاء هذا العرض نتاج ورشة قام بها الباحث استمرت لمدة (14) يوم  اذ عملت المنظمات الراعية للعرض ، بدعوة جميع المسؤولين في وزارة التعليم والتربية الذين هم اصحاب قرار وذات صلة بالمشاكل المطروحة ، فتناول العرض معاناة الطلاب النازحين من مدينة الموصل باتجاه بغداد ، ومشكلة عدم التحاقهم بالجامعات والموقع البديلة لجامعاتهم الاصلية بسبب المعوقات الادارية ، وعندما انتهى  العرض ، قام المُيَسر بفتح باب الحوار والنقاش مع الجمهور ، تمثل الحضور بالمسؤولين و اصحاب القرار في الوزارة المعنية ، والمجتمع النازح في مخيم حي الجامعة ، اذ قام الميسر بفتح حوار واضح وصريح امتاز بدرجة كبيرة من الشفافية ، اذ اتاح الوقت للمسؤولين المختصين بوزارة التربية والتعليم ، كما اتاح للطلبة النازحين ان يدافعوا عن طروحاتهم ضمن انساق العرض ، وقد انتهى العرض بجُملة توصيات ، ألزَمت ممثلي وزارة التربية و التعليم بمتابعة الموضوع ، وتسجيل جميع الطلبة الذين تخلفوا عن الالتحاق بالجامعات البديلة ، او الذين لم يتسنى لهم الالتحاق ، وقد تابع الفريق الاداري المختص بعد فترة من نهاية العرض وتم تلبية الاحتياجات للحالات القانونية . 
ان العرض المسرحي التفاعلي يعتمد في مجملة على جهد ادارة الميسر للحوار بين طرفين المعادلة ، وضبط ايقاع العرض ، وتلافي المواضيع الجانبية التي لا تمت للعرض بصلة ، عن طريق ثكثيف الحوار وايجازه بالشكل الذي يتناسب مع اهداف العرض وجمالياته، آخذاً  بنظر الاعتبار نهاية العمل المسرحي بالطريقة الحرة التي يمكن من خلالها الوصول الى نتائج مجدية تساهم تقريب وجهات النظر . 
___________________________________
1- للمزيد ينظر ، وسام عبد العظيم ، المسرح التفاعلي من الصفر الى العرض ، ( دمشق ، دار و مؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع ، 2019)  .  ص27 .
2- للاستزادة ينظر ، وسام عبد العظيم ، المصدر نفسه ، ص17 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق