تصنيفات مسرحية

الجمعة، 10 يوليو 2020

مسرحية " قبل الآن بساعة " تأليف *جاسم المنصوري

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب جاسم المنصوري 



شخصيات المسرحية 
حفار القبور ..... رجل  بلا ملامح  .
المرأة الأولى .... شابة .
المرأة الثانية .... عرجاء .


                            المشهد الأول

المسرح مفتوح على فضاء فارغ ومظلم الا من بقعة ضوء فوق رجل بلا ملامح وبملابس سوداء قاتمة لا يظهر من وجهه شيء ، في بؤرة المشهد هذا ، الرجل مشغول  بحفر قبر واستخراج التراب ، وتبدو الى جانبه جثتان ملفوفتان بأحكام واحدة على يمينه والاخرى الى يساره بجانبهما عكاز خشبي ، تبدو الاضواء خافتة ، كل شيء يدل على الموت والخراب ، موسيقى تتناسب مع المشهد .

اظلام

                           المشهد الثاني

بقعة ضوء ، تظهر المرأتان وهن يكفنان احد الموتى ، بجانبهما مجموعة اكياس سوداء لجثث تم تجهيزها داخل هذه الاكياس ، المرأة العرجاء تتحرك وتحت ابطها عكاز خشبي ، تلتقط قماش ابيض ، تقيسه بيديها ثم تعود به الى المرأة الاولى .
المرأة العرجاء : حينما يغفو الليل في رحم السماء وحدها النجوم والموتى لهم حق النطق واللعب        
                    والقهقهة .
المرأة الاولى ( منشغلة بتجهيز الجثة ) : على الشوارع الخاوية تسرع الخطى البائسة يا اختي .
المرأة العرجاء ( تمسك الجثة من احد اطرافها ) : لا شيء هنا يستحق غير ان ننتظر السماء ماذا تقول .
المرأة الاولى : السماء قالت كلمتها ، للحفاة قالت لا تسرعوا الخطى فالأرض تتسع للجميع .
المرأة العرجاء : حمدا لله انها اغلقت ابوابها .
المرأة الاولى ( تسأل )  : ومن هي ؟
المرأة العرجاء : السماء ... ومن غير السماء تغلق الابواب .... يقال ان الوباء لا يطال النساء 
المرأة الاولى ( تضحك ) : هههههههه 
المرأة العرجاء : افضل ما في هذه الجنائز انها بلا صوائح . 
المرأة الاولى : ها نحن هنا ، وهذه الجثة الأخيرة .
المرأة العرجاء ( بتعجب لكنها منشغلة بالجثة ) : الأخيرة !
المرأة الأولى :  نعم انها الاخيرة في هذه المدينة التي يأكلها الخوف والموت .
المرأة العرجاء ( تستند قليلا على عكازتها ) : ونحن ؟ من اي سماء نزلنا ؟
المرأة الاولى : نحن ( تضحك ) هههههههه نحن الباقون المنسيون من أولئك الموتى حيث لا اسماء لنا لا 
                   تأريخ  لا ملامح ، عالقون ها هنا نكفن الموتى ، نلبسهم آخر الوانهم دون ان يتدخلوا في 
                  اختيارها ، نحن ؟ نحن آخر من انتجه الوجع وآخر من سيذوقه .
المرأة العرجاء ( بفرح ) : قال  لي ذات مره *احبيني فكل الذين احببتهم قبلك لم يحبوني .
المرأة الاولى : وبماذا اجبتيه ؟ 
المرأة العرجاء (تترك اختها ): كان يمد يده نحو شعري ( تتلمس رأسها ) قلت له ... قلت له
(تشير الى العكازة )
                                     لكن انا .... قاطعني ( تنفعل ) وليكن ، قلبك اكبر من هذه
( تمسك العكازة باليد الاخرى )
                                   وسافر بعيدا( بحزن ) اودع في داخلي سحر رجولته .
المرأة الاولى : في كل مرة يا اختاه يتغير النشيد ، الموتى نفس الموتى ، الا النشيد هذا .
المرأة العرجاء ( تقترب اليها ) : وسافر بعيداً اكلته الحرب أو ربما أكلته الغربة ، يقال ان الغربة تمطر
                                         مثل السماء وتلد مثلنا تماماً .
المرأة الاولى : ونبقى نحن ، نعزف على اوتار الخيبة لحن المنسيين ، لحن الآه .
المرأة العرجاء : دعينا يا اختي ننسى كل ذلك ، ربما سيأتي الزمان الذي تعلق فيها صورنا كأقفال على 
                      جسر المدينة الخاوية ، على أمل ان يأتي الاطفال المولودين من رحم الخذلان ويفتحونها 
المرأة الاولى ( تتساءل ) : هل من الممكن ان ننسى اننا سنموت ؟
المرأة العرجاء : اتركي كل شيء ودعينا نغني ... ( تدور حول نفسها واختها ) نغني ، نغني .
( تفتح احد الاكياس السوداء تخرج بدلة زفاف تلبسها )
المرأة الاولى : اتصور انها الاغنية الاخيرة ، وبعدها ( تصمت )
المرأة العرجاء ( تتوقف ) : وبعدها  ... سنموت طبعاً .
المرأة الاولى : دعينا نتعانق ( تقترب منها ) أو دعينا نرقص 
( تمسكها من يديها ... موسيقى مناسبة  ) 
                     لا عليك ستموت كل الاشياء في يوم ما ، الموت هذا عقيم لا يلد مثلنا ، بل يتناسل قبوراً 
                       وأكفان .
المرأة العرجاء ( تحاول ان ترقص ) : يا اختي العزيزة لمثلنا لا يجوز الرقص ، اصابعنا هذه 
( تشير الى يديها)
                                               تسيل من بينها الذنوب والخطايا .
المرأة الأولى  ( تسأل بحزن ): وما فعلنا نحن ؟ 
المرأة العرجاء : ما نحن الا حبات قمح داستها رحى الايام .
المرأة الاولى : حسناً اذاً لنرقص ( تحاول الرقص ).
المرأة العرجاء ( تسأل ) : اگلچ خيه عود احنه هم انموت ؟
المرأة الاولى ( تنظر اليها باستخفاف وتهز يديها )
المرأة العرجاء : دعينا ننهي تكفين الموتى الباقين بلا كفن .
المرأة الاولى ( تسأل ) : ولا نرقص ؟
المرأة العرجاء : دعي الرقص الآن ، لا وقت لذلك ( تهمس اليها ) الموت هذا كحصان يصهل في سماعة .
المرأة الاولى : وليكن ، لا أريد للموت هذا يسرق بياض قلوبنا .
المرأة العرجاء : ايتها المسكينة ، انصتي ( تسكتان ) هذه الجثة التي بين يدينا جاءت بثياب باردة .
المرأة الاولى ( تسأل ) : وماذا يعني ؟
المرأة العرجاء ( تقترب من وسط المسرح ) : خذيها قاعدة ما جاء بثياب باردة هذا يعني انه كان لا يريد 
                                                          الموت ، كان عاشق حد الوجع .
المرأة الاولى ( باستهزاء ): فلسفة فارغة ، الموتى لا يعلمون بساعة موتهم ، لذا يلبسون ما يشتهون .
المرأة العرجاء ( تعود اليها مسرعة ) : القاعدة ايتها الثوله ان الموت يختار الطيبين .
المرأة الاولى ( تلف بالقماش جزء من الجثة التي بين يديها ) : دعي عنك هذا الكلام الفارغ .
المرأة العرجاء : طبعا لا يعجبك كلامي ، خذي ( تخرج من جيبها قنينة مطهرة ) طهري يديك .
المرأة الاولى : كل الموتى قبل موتهم هذا كانوا يتطهرون ، ويغتسلون ، ويضحكون .
المرأة العرجاء : اعلم ذلك ، هل انتهيت؟
المرأة الاولى ( تسأل ) : انتهيت من ماذا ؟
المرأة العرجاء : من هذا الميت ، من هذا ( تصمت ).
المرأة الاولى : ارجوك ،( تشير الى الجثة )  ان لهذا اسم .
المرأة العرجاء : ما عادت تهم ( بحزن ) جميعهم لديهم اسماء ، لكنهم الان بلا اسماء .
المرأة الاولى : الآن انا انتهيت ، دعينا نكمل له الطقوس .  
( المرأة العرجاء تلتقط من الارض اعواد بخور وتبدأ بحرقها ، الاضواء تخفت ، ليس سوى الدخان يملأ المكان ، موسيقى مناسبة )
المرأة الاولى ( تسأل بحزن )  : من نحن ؟ 
المرأة العرجاء ( منتصبة على عكازتها ) : الناجيات من وجع الموت الابدي .
المرأة الاولى : الخارجات من وراء سور الحزن القديم .
المرأة العرجاء : نتطلع ليوم لا دفن فيه .
المرأة الاولى : نحصي على مهل اكتاف العمال المتعبين .
المرأة العرجاء : صلينا قبل الآن بساعة دون وضوء .
المرأة الاولى : لا لا يا اختاه ، بل توضأنا بكل مطهرات الارض والكافور كان قليل .
المرأة العرجاء : قبل الآن بساعة ماتت كل الامنيات ( تغني بحزن ) 
*عد وآنه عد وانشوف يا هو اكثر هموم.
من عمري سبع اسنين وگليبي مهموم .
المرأة الاولى ( تشاركها الغناء ) : راحوا ويلي ... راحوا بعد ما ردوا احبابي .
( يعاد عزف الاغنية على الة العود فقط )
المرأة العرجاء ( تتوسط المسرح ) : ولچ تعاي اهنا .... اهنا 
المرأة الاولى ( تقترب منها ): خير شكو ؟
المرأة العرجاء : شوفي ذيج النجمه ( تشير الى البعيد )
المرأة الاولى : شبيها ؟
المرأة العرجاء : تعالي للننظف انفسنا مثلها .
المرأة الاولى : ونشعل في ملابسنا النار .
المرأة العرجاء : كي نزيل بقايا الحروب والامراض والقهر .
المرأة الاولى ( الى الجمهور ) : وانتم ايضاً تعالوا معنا لنزيل بقايا التراب من على صوركم المعلقة على 
                                        جدار الذكريات .
المرأة العرجاء ( للجمهور ايضاً ): تعالوا معنا ، غداً سيكون الاجمل ، غداً سأتزوج ، وانجب اولاداً 
المرأة الاولى ( تنظر اليها باستغراب ): ماذا ؟! ( الى الجمهور ) شوف هاي ، احنه وين وهاي وين .
المرأة العرجاء : نعم سيكون لي اولاداً ، وسأعلمهم ان ...
المرأة الاولى ( تقاطعها ) : علميه * ان الجوع كافر والجهل كافر والظلم كافر ، علميه ان الله في القلوب 
                                  قبل المساجد والكنائس وان الله محبة وليس مخافة ، علميه ان الأنثى ما زالت 
                                 توأد..
المرأة العرجاء ( بحزن ) : سأعلمه ان العالم هذا موحش ، من يلتفت للآخرين ؟ في كل لحظة هناك مأساة 
                                   انها قصص نعيشها في كل يوم ، احداثها تكتشف من رحم معاناتنا .
المرأة الاولى ( تمسكها ) : يا اختاه اني اخاف عليك ، اخاف على احلامك هذه .
المرأة العرجاء : دعينا على الاقل نحلم ، نحلم ، نحلم .
( المرأة العرجاء تحاول الرقص بصعوبة على انغام موسيقى مناسبة )
( تعاد اضاءة المسرح شيء فشيء على حفار القبور وهو منشغل بالحفر يقف ، يمسك العكازة الخشبية يشمها ، يتوكأ عليها ويغادر )

اظلام               
                                               
                               ستار 

*jassemalmansory@yahoo.com

* جزء من قصيدة للشاعر بدر شاكر السياب .
* اغنية من التراث العراقي .
* من قصيدة لمحمد الماغوط .


          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق