الفن التشكيلي بين المسرح والسينما / سعاد خليل
الجمال سمة بارزة من سمات هذا الوجود والحس البصير المتفتح يدرك الجمال من اول وهلة وعند اول لقاء. .يقول ارسطو في عبارته المشهورة في تعريفه للجمال ،انما يتحقق الجمال في النظام والحجم . وعلي الرغم من كثرة الاهتمام بالجمال والاستغراق في فهمه وتفسيره لم يستطع كثير من الفلاسفة والمفكرين قديما وحديثا في تعريفه الكل يراه بمنظور مختلف ولكن ما اجمع عليه الجميع ان الفن بكل انواعه يمثل الجمال الفن هدفه البحث عن الجمال بوسائل مختلفة ، الفن بشكل عام كبر واتسعت دائرته واصبح له تنوع كبير في مختلف الفنون .
والفنون هي تقسيمات ، فنون جميلة وتطبيقية واخري بصرية وسمعية وتشكيلية ، وفنون نافعة وفنون كبري وفنون صغري ، وفنون رمزية وتعبيرية وتجسيمية ، الي اخر القائمة . وموضوعنا اليوم عن اهمية الفن التشكيلي ودوره في المسرح والسينما ، نعرف ان الفن التشكيلي بكل مذاهبه واتجاهاته وفروعه له طعم خاص في الحياة اليومية كما ان له نظرته الخاصة الي القضايا وكيفيه معالجتها ، فهو يخاطب الوجدان عن طريق حاسة البصر فيؤثر فينا ويستولي علي معالم ارواحنا ويجعلنا نتعاطف ونتباعد مع شخصياته التي تبرز معالمها بالخطوط والالوان. كما نعرف هذه الفنون تضم في اسرتها فنون الرسم والتصوير بأنواعه من التصوير المائي والزيتي ، والجداري وفنون النحت والعمارة الي الفنون التطبيقية مثل الفخار والخزف واعمال النسيج والسجاد والزجاج والتجارة والزخرفة ولخط ونحوها .
ان الفنون التشكيلية بشكل عام تتداخل مع فنون المسرح والسينما لتشارك في انجاح العمل الفني فيهما ليكتمل الشكل الابداعي لهما .
ان العلاقة بين الفنون التشكيلية وفن المسرح علي المثال متأصلة الجذور ، وقديما قدم التاريخ البشري ومن ابرز صفات الانسان القدرة علي التعبير عن اماله ومخاوفه بكافة وسائل التعبير بالكلمة والنغمة والحركة والتشكيل وهذا التعبير هو ثمرة تفاعل الانسان والبيئة .بداية بالقناع الذي يعد احد الجذور التأسيسية في الفن المسرحي ، وهو ايضا يعتبر تشكيل فني يجمع بين فن التصوير والنحت ،فبالقناع والملبس يعيش الممثل ويلتصق بهما وكلما جاء تشكيلهما والتصاقهما بارعا يكون ذاب في عملية ابداع ذلك الكائن الجديد، وهو الشخصية ، لذلك الاقنعة والملابس اقدم العناصر التشكيلية في فن المسرح واسبق بكثير من المكان المسرحي المخصص.
وقد اعتمد المسرح الاغريقي والروماني القديم في اقامة منصته علي اساس معماري مع استخدام بعض المناظر المرسومة .
يقول الدكتور صبري عبد العزيز في دراسة عن الفنون التشكيلة والمسرح ان العمارة المسرحية وفن رسم المناظر عنصرين لا يفترقان حتي عصر النهضة وكان هناك اتجاه قوي لنقل فن التصوير وتطبيقات علم وقواعد المنظور الي المسرح بعد ان استقرت فوق اللوحات المسطحة .
ان المناظر المسرحية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لم تتعد لوحات تصويرية كبيرة اطارها فتحة المسرح .وفي نهاية ا القرن التاسع عشر اتجهت المناظر الي ان تكون مصنعة علي اسس تجارية بعيدة عن الابتكار هذا بالإضافة الي العلاقات غير الطبيعية التي تنتج حين تعلو قامة الممثل فوق قمم الجمال المرسوم خلفه مما ادي الي ثورة علي هذه المناظر التصويرية التي شغلت خشبة المسرح لمدة ثلاثة قرون وتواري المنظر المسرحي في الظل واصبح مجرد عامل مساعد واصبح تقليديا . وببداية القرن العشرين حدثت معارضة لأسلوب المناظر التصويرية وكان هناك اتجاهان رئيسيان هما :
1 مؤيدو الطبيعية والواقعية
2 المعارضون للواقعية
ان الثراء في المناخ التشكيلي للعرض المسرحي في القرن العشرين نتج في الاساس من ارتباط الصورة المرئية بالاتجاهات التشكيلية الحديثة والمعاصرة كالوحشية والتكعيبية والسريالية والتعبيرية ولتجريدية ، الخ . مما يحتم دراسة وتحليل بعض الرؤى التشكيلية التي قدمت علي خشبة المسرح العالمي والعربي .وهكذا انضم كبار الفنانين التشكيلين العالميين الي خشبة المسرح عندما وجدوا في الفضاء المسرحي توسيعا لمجالات الرؤي التشكيلية عندما ترتبط عضويا ووظيفيا بالفنون الدرامية .
لقد تطور المسرح من حيث اعداده وتجهيزه وازدياد علاقته بالفنون التشكيلية حتي اصبح يوظف بشكل فني تشكيلي اولا من حيث الاضواء والظل والالوان وطريقة الاداء التمثيلي من حيث توزيع الشخصيات وعلاقتها بالأشكال المصاحبة والتي تنظمها هندسة التصميم والزخرفة الداخلية ( الديكور ) .
عندما نتتبع الفن المسرحي نري بوضوح تطورا كبيرا منذ نشأته فلقد تم الاهتمام بمقدمة المسرح وخشبته منذ المسرح الاغريقي ومرورا بالمسرح الإليزابيتي الي المنصة الخشبية في المسرحيات الغامضة واخذت الاشكال التي بداخل المسرح الواقعي واقعية مهمة ومناسبة واخذت الشكل التجريدي في المسرح الحديث والمسرح الرمزي واخذت التأثيرات اللونية والضوئية الاهتمام والعناية .
ان المسرح في جوهره مكان لتجمع الممثلين لعرض اعمالهم الفنية مرتدين ملابس معينة داخل مشاهد تمثيلية يلعب فيها الضوء واللون وهندسة المناظر وبعض رموز الواقع المبسط التي تقنع المشاهد لها دورا مهما.
ونعود الي دراسة الدكتور صبري عبد العزيز الذي يقول وسيتعرض اعمال بعض الفنانين التشكيليين ذوي الشهرة العالمية وهم كثر امثال هنري مامتيس وجورد رووه واندريه ديران وبابلو بيكاسو واوسكار شليمر وفيكتور فازاارلي وغيرهم وذلك لاكتشاف العلاقات بين ما يبدعه الفن التشكيلي في اعماله التصويرية الثنائية الابعاد وما ينتجه في مجال تشكيل الفضاء المسرحي من مناظر وملابس ومدي ارتباطهما بأسلوبه ومنهجه التشكيلي .ويعطينا امثلة عن فن الباليه ودور الفنون التشكيلية واهميتها في الفراغ المسرحي حتي اصبحت تعادل اهميتها الموسيقي وتصميم الرقص الكوريجراف والفنون التشكيلية في عروض فن الباليه تتمثل في المناظر والملابس والاضاءة.
ان وظيفة المناظر الاساسية هي ايجاد مناخ تشكيلي وتستطيع بخطوطها ومساحاتها والوانها ان تكون انعكاسا لتصميم الرقصات وهنا نعرض علي فن الباليه بكونه يقدم علي خشبة المسرح وكيف استطاع ان يجذب كبار الفنانين التشكيليين بأساليبهم الفنية الحديثة في القرن العشرين .
ايضا في السينما نجد الفن التشكيلي متواجد وقادر علي منح صورة متجددة لحقيقة اشياء طبيعية وواقعية فالجانب التشكيلي المعماري يعتبر من اهم العناصر التي يعتمد عليها في اشرطة السينما خصوصا اشرطة السينما التسجيلية . لقد تأثرت الأفلام الحديثة ببعض الافلام الوثائقية والتي كانت لها تشكيلات جميلة من الصور وببعض الاشرطة السينمائية القديمة الحرة .
لقد تطورت كثيرا السينما في ابداعاتها التشكيلية المصاحبة من رسم وتصوير واساسيات ا لخدع البصرية التصويرية داخل قاعات التصوير. إضافة الي اساسيات الخدع البصرية التصويرية داخل قاعات التصوير ،.
ان جمال الطبيعة وهو جانب اخر توضحه الفنون التشكيلية عندما يصاغ بشكل فني جيد فان هناك رغبة واتجاها نحو تصوير الاعمال التصويرية داخل قاعات التصوير بشكل اكثر الحاحا فالمشاهد الواقعية ايضا اخذت نصيبا كبيرا في تصويرها داخل القاعات نظرا للتقنيات المتطورة. وتجهيزها تجهيزا مناسبا .
اهمية الفن التشكيلي تدخل ايضا في الاعمال الدعائية التصويرية فمعظمها يتم تصويره داخل القاعات ويرتكز هذا التصوير اساسا علي استشارات خاصة وفنانين تقنيين من فناني الفنون التشكيلية وما يوجد من أدوات تشكيلية داخل هذه القاعات مثل المواد الجبسية والحصية والملابس والمكملات الجاهزة والمناسبة لهذا الغرض بالإضافة الي النماذج المختلفة الحية منها والصامتة الخفيفة الاستعمال السهلة التنقل البسيطة العمل بها الرخيصة الثمن ، ثم وجود الاستعداد الكامل من الرسم والتصوير في تصوير الخلفيات الايهامية وانعكاسات الضوء والظل واللون من اجل تقريب الواقع بشكل اصطناعي موفق وفق توزيع ضوئي وهندسي مناسب وبتقنيات مبتكرة عالية بما لا يتعارض مع هندسة الصور مهمة والكهربة داخل القاعة .
ان مهمة الفنون التشكيلية في السينما اسهل كثير من المسرح علي اعتبار المسرح مكشوف ومواجه امام المتلقي ومباشر في وقت يكاد يكون ثابتا ولذلك نجد ادواته التجميلية في الغالب ساكنة الي حد ما والجمهور ينظر اليها مدة اكثر من النظر الي مشاهد السينما لأنها ثابته اما السينما فهي تتغير سريعا كومضات في بعض الاحيان .لان السينما تتحرك من لقطة ومشهد فتعرض لثوان معينة .
ان مهمة الفنان التشكيلي كبيرة حقا في المسرح والسينما بالذات .لذلك نجد ان الفنان التشكيلي مهمته اخراج المادة المناسبة من المناظر والمكملات الأخرى ، الادوات التي تناسب الطبيعة والجو سواء كان التصوير في الصحراء وما يتطلبه من مقتنيات الفخارية والمعدنية التي يتم تجهيزها من فنان تشكيلي لإظهارها في الصورة بطريقة مناسبة للموضع والبيئة والجو العام فيتم عمل الرتوش اللازمة لها وتلوينها ، والملابس ايضا تحتاج الي لمسات الفنان التشكيلي ابتداء من تفصيلها الي طريقة عرضها لتبدوا وكأنها بالفعل ملابس تلامس الواقع التي تقوم عليها الاحداث والمناسبة له . والفيلمين العالميين ( الرسالة وعمر المختار ) نموذج ففيلم الرسالة للمخرج مصطفي العقاد لولا اظهار هذا الجانب والاهتمام به في كثير من المشاهد التي كان لها دورا كبيرا في انجاحه . نجد ان المخرج استعان بالفنان التشكيلي الليبي حسن بن دردف الذي وضع كل اللمسات في الملابس والاكسسوارات واغلب المكملات . كذلك فيلم عمر المختار الذي نفذت مشاهده الخارجية كلها في ليبيا كان دور نفس الفنان التشكيلي الليبي حسن بن دردف كبيرا في وضع كل اللمسات في الملابس والاكسسوارات وكل ما يتعلق بالبيئة الليبية .
هذه بعض الامثلة والنماذج لدور الفن التشكيلي في المسرح والسينما فالفنان التشكيلي هو الان يستشار في كثير من الأحيان في هذه الامور ويشرف احيانا علي الانتاج المسرحي والسينمائي
لو نظرنا الي المسرح الاوروبي وكيف طور واهتم بما يعرض عليه من فنون مختلفة نجد ان الابتكارات ازدادت وتأثرت بحركات التجديد في الفنون التشكيلية والتي نتج عنها الحركات التجريدية الابداعية.
فالفن التشكيلي اصبح ذات قيمة في التواصل الانساني فالفضاء المسرحي فضاء تشكيلي يخضع لقوانين الفنون التشكيلية وليس مجرد خلفية او زخارف تكميلية سلبية بل هو فن له تقاليده العريقة ورواده ومتابعيه وكما يقول الدكتور صبري عبد العزيز عن التشكيل في المسرح انه هذا النوع من الفنون اصبح شريان رئيسي في جسد المسرح وان الفنان التشكيلي هو مبتكر الصورة المرئية المسرحية التي تعبر عن المعني الداخلي للمسرحية .وايضا بالنسبة للسينما لا يقل دور الفنان التشكيلي فيها عن دوره في المسرح .
-----------------------------------------------
المراجع::
دراسة للدكتور صبري عبد العزيز مجلة المسرح عدد 82
سطور من مقالة: عياد بوبكر هاشم:مجلة المسرح والخيالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق